اللهم صل على محمدوآل محمد
دور الماء في الحياة
هذا ولا يخفى ما للماء من دور كبير في الحياة ، وأثر بالغ في استمرارها وبقائها ، وطراوتها ونظارتها ، حتّى قال تعالى في محكم كتابه ومبرم خطابه : ( وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كلّ شَيْءٍ حَيٍّ ) .
وقال الإمام الصادق (عليه السّلام) في جواب مَنْ سأله عن طعم الماء : (( إنّه طعم الحياة )) .
كما إن ابن عبّاس الذي استقى علمه من
أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وتعلّم تفسير كتاب الله تعالى منه ، استند إلى الآية الكريمة في حلّ لغز ملك الروم الذي أرسل إلى معاوية قارورة وطلب منه أن يضع فيها من كلّ شيء ، فتحيّر معاوية واستعان بابن عبّاس في ذلك ، فقال له ابن عبّاس : لتملأ له ماء ؛ فإنّ الله تعالى يقول : ( وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كلّ شَيْءٍ حَيٍّ ) .
فتعجّب ملك الروم واستحسنه قائلاً : لله أبوه ما أدهاه !
الماء من أجل الإمام الحسين (عليه السّلام)
ثمّ إنّ الله تعالى خلق ماءً موّاجاً متلاطماً ، وذلك قبل أن يخلق سماءً وأرضاً ، وشمساً وقمراً . قال تعالى : ( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) ، ثمّ خلق من ذلك الماء ما خلق من سماوات وأرضين ، وبثّ فيهما ما بثّ من شيء كما جاء في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) .
فالماء هو أساس الخلقة ، والخلقة لأجل الإمام الحسين (عليه السّلام) ، وعليه فالعالم طفيليّ وجود الإمام الحسين (عليه السّلام) ؛ وذلك إن لم يكن بالمباشرة فبالواسطة . ألا تسمع قول جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيه : (( حسين منّي وأنا من حسين )) ؟
وقد قال تعالى من قبل كما في الحديث القدسي مخاطباً رسوله الكريم محمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله) : (( لولاك لما خلقت الأفلاك )) . فيكون الإمام الحسين (عليه السّلام) لقول جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيه مشمولاً لهذا الحديث الشريف .
إذاً فالحياة كلّها والعالم كلّه خلق من ماء ، والماء خلق من أجل الإمام الحسين (عليه السّلام) ، وقد جعله جبرائيل بأمر من الله تعالى صداقاً لفاطمة الزهراء (عليها السّلام) على ما جاء في الخبر ، كما وأباحه الله تعالى لكل الناس ؛ فقد جعل الله الماء من المباحات العامة ، وجعل الناس فيه شرعاً سواء ، وجعل أوّل ما يثيب عليه من
الأعمال الصالحة في يوم القيامة هو ثواب عمل السِّقاية وأجر السِّقاية ، وهذا كلّه يدلّ على خصوصية في الماء ليس في غيره من الأشياء ، ويشير إلى امتياز في سقايته لم يكن في عملٍ سواه .
مكانة أبي الفضل (عليه السّلام)
من هذا وغيره يعلم مكانة أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) عند الله تبارك وتعالى ؛ حيث إنّه (عليه السّلام) وقف نفسه لسقاية أخيه الإمام الحسين (عليه السّلام) وأطفاله ذرّية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ونسائه حرم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) .
وجدّ واجتهد في ما أوقف نفسه له حتّى استشهد في هذا الطريق صابراً محتسباً ، فحباه الله تقديراً له وإكراماً به وسام السِّقاية ؛ سقاية كلّ شيء وليس سقاية الماء فحسب ، بل منحه الله تعالى أن يسقي بإذنه تعالى كلّ عطشان ، سواء كان عطشان ماء ، وعطشان علم ، وعطشان مال وولد ، وعطشان حجّ وعمرة ، وعطشان زيارة وتشرّف إلى تربته وروضته (عليه السّلام) ، وزيارة أحد الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) وغير ذلك ؛ فإنّه ما توسّل به إلى الله متعطّش إلى شيء من الاُمور الماديّة والمعنوية إلاّ وسقاه الله ممّا أراد ، ورواه بما شاء ببركة أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) .
الاقتداء بالعباس (عليه السّلام) في سقايته
وجاء في كتاب ( طروس الإنشاء ) للعلاّمة السّيد محمّد نجل آية الله السّيد مهدي القزويني (طاب ثراه) ما مضمونه : أنّ نهر الحسينيّة المعروف الذي كان يسقي كربلاء المقدّسة وضواحيها بعد انقطاع نهر العلقمي وجفافه انقطع سنة
(1306) هجرية قمرية ، وأصبح أهل كربلاء يعانون على أثره من قلّة الماء وشحّه ، ويقاسون العطش والظمأ ؛ فأمرت الحكومة العثمانية آنذاك بحفر نهر جديد في أراضي السّيد النقيب السّيد سلمان ، فامتنع السّيد النقيب من الموافقة على ذلك ولم يسمح بحفر النهر الجديد في أراضيه .
قال السّيد محمّد القزويني : فاتّفق أن تشرّفت بزيارة أعتاب كربلاء المقدّسة والتبرّك بتربتهم وروضتهم ، فاجتمع إليّ أهالي كربلاء وطلبوا منّي أن أكتب إلى السّيد النقيب في خصوص الماء وما يعانونه من العطش والظمأ ، وأن استحثّه في سقيهم الماء بالسماح لهم في حفر نهر جديد في أراضيه يسقي كربلاء وأهلها .
فكتبت إليه استحثّه أن يقتدي بأبيه أمير المؤمنين (عليه السّلام) ساقي الكوثر ، وبعمّه العبّاس (عليه السّلام) ساقي العطاشى ، واستعطفه بذكر ما يعانونه أهل كربلاء من قلّة الماء وما يقاسونه من عطشٍ وظمأ ، البيتين التاليين :
في كربلا لكَ عصبةٌ تشكو iiالظّما مـن فـيضِ كفّكَ تستمدُ iiرواءَها
وأراكَ يـا ساقي عطاشى كربلا وأبوكَ ساقي الحوض تمنع ماءَها
فلمّا وصل كتابي إلى السّيد النقيب تأثّر بما فيه ، وأجاز حفر النهر الجديد في أراضيه ، مفتخراً بوسام السِّقاية ولقب السقّاء ، وارتوى أهل كربلاء من الماء ، وانتفعوا بالنهر الجديد ببركة هذا الوسام الكبير ولقب ( السقّاء ) الشريف .وأراكَ يـا ساقي عطاشى كربلا وأبوكَ ساقي الحوض تمنع ماءَها
من آداب السِّقاية وشرب الماء
وجاء في كتاب كامل الزيارات مسنداً عن داود الرقي قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السّلام) إذ استسقى الماء ، فلمّا شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه
بدموعه ، ثمّ قال لي : (( يا داود ، لعن الله قاتل الحسين ! فما من عبدٍ شرب الماء فذكر الحسين (عليه السّلام) ولعن قاتله إلاّ كتب الله له مئة ألف حسنة ، وحطّ عنه مئة ألف سيّئة ، ورفع له مئة ألف درجة ، وكأنّما أعتق مئة ألف نسمة ، وحشره الله يوم القيامة ثلج الفؤاد )) .
وفي الخبر أيضاً ما مضمونه : إنّ مَنْ كان في يوم عاشوراء عند مرقد الإمام الحسين (عليه السّلام) وسقى الناس العطاشى ماءً كان كمَنْ سقى أصحاب الإمام الحسين (عليه السّلام) في يوم عاشوراء ، وكان كمَنْ حضر كربلاء لنصرة الإمام الحسين (عليه السّلام) في ذلك اليوم .
الخصائص العباسيه