الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته … أما بعد .
فكم تكون العواقب وخيمة وسيئة، على الفرد والمجتمع، حين يتجافى بعض طلاب العلم والشباب الصالح، عن المشاركة في المجتمع في شتى ميادينه، والتخلي عن مسيرة الإصلاح، أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، التي أمِروا بها، والانشغال عنها حتى ولو كان بالعمل الصالح أو بطلب العلم، فقد توعد الله من تنكبها وتهاون عن أدائها بالعقاب، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ أو لَيُوشِكَنَّ الله أَنْ يَبْعَثَ عَليْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ فَتَدْعُونَهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ )) وعن زينب رضي الله عنها : قالت يا رسولَ الله أَنهلِك وفينا الصالحون ؟ قال : (( نعم، إِذا كَثُرَ الخَبَث )) وقال تعالى { فلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ *وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } ولم يقل صالحون، وبالنظر إلى الحديث والآية، يتبين الفرق بين الصالح والمُصلح ؛ فالصالح بلا إصلاح هالكٌ مع الهالكين، بخلاف المصلح، الذي بإصلاحه تُدفع الهلكة عن العباد والبلاد .
ذكر الإمام البغوي عن الشعبي رحمهما الله قال : " خرج ناس من أهل الكوفة إلى الجُبانة يتعبدون واتخذوا مسجداً وبنوا بنياناً ،فأتاهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقالوا : مرحباً بكَ يا أبا عبد الرحمن لقد سرنا أن تزورنا قال ما أتيتكم زائراً ، ولست بالذي أترك حتى يهدم مسجد الجبان ،إنكم لأهدى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! أرأيتم لو أن الناس صنعوا كما صنعتم من كان يجاهد العدو ؟ من كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ؟ من كان يقيم الحدود ؟ ... "
انظر لفقه ابن مسعود رضي الله عنه ، كيف أنكر انفرادهم وانعزالهم للعبادة مع ترك الأولى ، فكيف بمن ترك الإصلاح وتكاسل عنه وانشغل في أمور إما أن تكون مفضولة أو دون ذلك .
قال العلامة الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله : (( فلو قدر أن رجلاً يصوم النهار، ويقوم الليل، ويزهد في الدنيا كلها، وهو مع ذلك لا يغضب، ولا يتمعر وجهه، ولا يحمر لله، فلا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، فهذا الرجل من أبغض الناس عند الله، وأقلهم ديناً، وأصحاب الكبائر أحسن حالاً عند الله منه، وقد حدثني منْ لا أتهم عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، أنه قال مرة : أرى ناساً يجلسون في المسجد على مصاحفهم يقرؤون ويبكون، فإذا رأوا المعروف لم يأمروا به، وإذا رأوا المنكر لم ينهوا عنه، وأرى أناساً يعكفون عندهم يقولون هؤلاء لحى غوانم، وأنا أقول : إنهم لحى فواين فقال السامع : أنا لا أقدر أقول : أنهم لحى فواين ،فقال الشيخ : إنهم من العُمي البُكم . ))
وهذا ما قرره ابن القيم رحمه الله من قبل، حيث قال (( وقد غرّ إبليس أكثر الخلق بأن حسّن لهم القيام بنوع من الذكر، والقراءة، والصلاة، والصيام، والزهد في الدنيا، والانقطاع، وعطلوا هذه العبوديات فلم يحدثوا قلوبهم بالقيام بها، وهؤلاء عند ورثة الأنبياء من أقل الناس ديناً، فإن الدين هو القيام لله بما أمر به، فتارك حقوق الله التي تجب عليه، أسوأُ حالاً عند الله ورسوله من مرتكب المعاصي، فإن ترك الأمر أعظم من ارتكاب النهي، من أكثر من ثلاثين وجهاً ذكرها شيخنا رحمه الله )) .
فتدبر رعاك الله عظم الأمر، وذُبّ عن نفسكَ أن تكون ممن وصفهم الشيخ آنفا .
وكم تعظم العواقب كذلك، حين ينطوي بعض طلاب العلم والشباب، عن مسيرة الإصلاح، وترك ميادين المجتمع، لأهل الفساد وأرباب الفن والرياضة، يتنافسون ويتسابقون فيما بينهم إلى تحقيق مآربهم وأهدافهم، ونحن جالسون نندُبُ الحال، ونعيب الزمان، ولكن العيب فينا وذلك بسكوتنا، فإذا ما استفحل الأمر وانتشر الشر ،فوجئنا بالأحداث والمنكرات كما يفاجأ العامة، فأُنْكر المعروف واستأنس بالمنكر؛ بسبب تهاوننا في القيام بواجب الإصلاح .
وكم يُرثى لبعض الشباب، سيماهم الخير والصلاح، ولكنهم غثاءٌ كغثاءِ السيل، تمر عليه المنكرات تلو المنكرات، وتتاح له فرص الدعوة ووسائل الإصلاح، ولكنه عنها خامد غافل، فلا تتحرك له هِمّة، ولا غيرة على حُرمات الله،
فعن أبي المنذر إسماعيل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الرحمن العمري يقول : (( إن من غفلتك إعراضك عن الله، بأن ترى ما يُسخطه فتجاوزه ،ولا تأمر ولاتنهى خوفاً ممن لا يملكُ ضرّاً ولا نفعاً ))
وكم هي البلِيّةُ عندما يكون موقف الواحد منهم موقف المُتفرج السلبي، ويرضى لنفسه بأضعف الإيمان، مع إتاحة الوسائل المتنوعة لإنكار المنكرات والإصلاح .
قال ابن القيم (( وأيُّ دين، وأي خيرٍ فيمن يرى محارم الله تنتهك، وحدوده تُضيع ودينه يترك وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها، وهو بارد القلب ساكت اللسان شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياستهم فلا مبالاة بما جرى على الدين، وخيارهم المتحزن المتلمظ، ولو نُوزع في بعض مافيه غضاضة عليه، في جاهه أو ماله، بذل وتبذل وجد واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه، وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم، قد بُلوا في الدنيا بأعظم بليةٍ تكون، وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتم، كان غضبه لله ورسوله أقوى، وانتصاره للدين أكمل ))
وإن كنتَ يا أخي المبارك ممن في قلبه حُرقةٌ على الواقع، واهتمام بأمر المسلمين، أضع بين يديكَ بعض وسائل الإصلاح للمجتمع الذي نحن نعيش فيه، فأنت المسؤول عن أي منكر علمت به، سواء بسكوتكَ عنه أو عدم إنكاركَ له، أو حتى في التواني في استغلال وسائل الإصلاح لتغيير ذلك المنكر .
ولا شك أن الأصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الفور،
قال القرافي رحمه الله تعالى : (( قال العلماء : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الفور إجماعاً، فمن أمكنه أن يأمر بمعروف وجب عليه ))
وأُذكركَ بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً (( إن الله ليسأل العبد يوم القيامة حتى يقول : ما منعكَ إذا رأيت المنكر أن تنكر… ))
فشمر عن ساعد الجد واستعن بالله من الآن، وابدأ بأقرب الناس إليكَ، واستأنس بوعد الرسول صلى الله عليه وسلم لكَ حيثُ قال : (( إن من أمتي قوماً يعطون مثل أجور أولهم، ينكرون المنكر )) والله يرعاكَ ويباركُ في مسعاكَ .
من سائل الإصلاح :
لاشك أن وسائل الإصلاح لا يمكن حصرها بِعدّ ولا بإسلوب، إذ لكل مكان وزمان الوسيلة التي تناسبه، ولن تُعدم الأمّة من عقول شبابها من ايجاد الوسائل والحلول التي يُكتبُ لها الإصلاح والتوفيق بإذن الله تعالى .
فمن وسائل الإصلاح :
