بسم الله الرحمن الرحيم
ماهي حدود العقل وحجيته في المسائل الشرعية ؟سؤال مهم وعلى اساسه تتحدد نظرية المعرفة للمسلم ،وهذا السؤال يختلف عن النزاع التاريخي القائم بين الحسيين والقائلين بحجية العقل فالمسلم بعد ان يثبت حجية الدليل العقلي وعدم الاقتصار على التجربة يصل الدور للسؤال السابق وايضا لا نزاع في حجيته في اللوازم العقلية المستخدمة في البراهين لكن كلامنا في تحديد مفاهيم بعض المعاني الواردة في لسان الشارع المقدس، وعلى سبيل التقريب نذكر مثالا للاختلاف بين المنهجين :-
عن داوود الرقي قال سألت ابا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل ((وكان عرشه على الماء)) .
قال : وما يقولون؟
قلت : يقولون :ان العرش كان على الماء والرب تعالى فوقه.
فقال : كذبوا ، من زعم هذا فقد صير الله محمولا ، ووصفه بصفة المخلوق فلزمه ان الشئ الذي يحمله اقوى منه.
قلت : بين لي جعلت فداك ؟
فقال :ان الله حمل دينه وعلمه الماء قبل ان تكون ارض او سماء او جن او شمس او قمر ، فلما اراد ان يخلق الخلق نشرهم بين يديه ، فقال لهم :من ربكم ؟
فأول من نطق رسول الله صلى الله عليه واله وامير المؤمنين والائمة عليهم السلام ، فقالوا : انت ربنا ، فحملهم العلم والدين ، ثم قال للملائكة : هؤلاء حملة ديني وعلمي وأمنائي في خلقي وهو المسؤلون......الحديث.(1)
اقول : تعالوا لنرى اختلاف الاقوال بين شراح هذا الحديث هذا الاختلاف الناتج عن اختلافهم في حدود العقل في المعارف الشرعية :-
قال السيد الداماد (قده) : كثيرا ما وقع اسم الماء في التنزيل الكريم وفي الاحاديث الشريفة على العلم وعلى العقل القدسي الذي هو حامله ، واسم الارض على النفس المجردة التي هي بجوهرها قابلة للعلوم والمعارف .
ومنه قوله عز سلطانه ((وترى الارض هامدة فأذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج)).على ما قد قرره غير واحد من ائمة التفسير ، فكذلك قول مولانا ابا عبد الله عليه السلام في هذا الحديث .الماء تعبير عن الجوهر العقل الحامل لنور العلم من الانوار العقلية القدسية .(2)
والنموذج الثاني نختار منه العلامة المجلسي (قده) حيث قال بعد ذكر الحديث : بيان: ظاهره أن الله سبحانه أعطى الماء حالة صار قابلا لحمل دينه وعلمه ويحتمل أن يكون المعنى أنه لما كان الماء أول المخلوقات وكان الله تعالى جعله قابلا لأن يخرج منه خلقا يكونون قابلين لعلمه ودينه وكان يهيئ أسباب خروجهم منه فكأنه حمل دينه وعلمه الماء، ومن يسلك مسلك الحكماء قد يؤول الماء بالعقل وقد يؤوله بالهيولى، ونحن من ذلك بمعزل بفضله تعالى.(3)
فنرى ان السيد الداماد (قده) قد فسر الماء بالعقل ، بينما فسره صاحب البحار بالظاهر وهو صيرورة الماء بحالة يكون قادرا على حمل العلم والدين وهي معاني لا تقوم الا بالحي العالم ، واحتمل انه لما كان الماء مادة كل حي (وجعلنا من الماء كل شئ حي) فهو مادة للانبياء والاوصياء فصاروا حملة لعلمه ودينه .
ونرجع الى سؤالنا ما هي حدود معرفة العقل بحسب هذه المعاني؟
وبعبارة اخرى : لا خلاف في حجية الظاهر لكن هل هناك حجية للعقل في تأويل هذه المعاني؟
- اصول الكافي ج1 ص132-133 حديث7.
- التعليقة على اصول الكافي ص319-321.
- البحار ج54 ص95.