ـ الالهام الرحماني:
للإنسان نوعان من الخواطر، نوع منها يرتبط بالله، وهو البعد الرحماني في الإنسان، ويقال لتلك الخواطر الالهامات الرحمانية أو الوحي، والأشخاص الذين علاقتهم بربهم، قوية ومحكمة يمتلكون الكثير من هذه الخواطر.
أي ان الملائكة تلقي الحقيقة في قلب ذلك الشخص، وينمو الخطور في الذهن وبطريقة لا يشعر فيها بذلك ولا يرى الملائكة.
ويمكننا القول ان للمؤمن إلهاماً استناداً إلى الروايات وإلى القرآن الكريم بهذا الخصوص.
الملائكة تهدي المؤمن إلى طريق الصواب، فإذا كانت علاقته بالله جيدة وقوية فإنه يستطيع بنفسه اكتشاف طريقه.
وقد أطلق القرآن الكريم (الهداية) على هذا النوع من الالهام، أي العناية الخاصة من الله، ورد في أول سورة البقرة:
(بسم الله الرحمن الرحيم * الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين). هذا القرآن الذي ليس فيه شك ولا شبهة، يهدي الأشخاص المتقين.
وفي نفس هذه السورة يقول:
(هدى للناس)(1).
يعني ان القرآن هادٍ للجميع.
(إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً).
النبي جاء لهداية الجميع، أما الهداية المذكورة في أول سورة البقرة فهي تعني الالهام، تعني العناية الخاصة من الله، وفي موضع آخر يقول:
(قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم)(2).
إن الله وبواسطة هذا القرآن يهدي الإنسان إلى طريق السلامة ولكن ليس كل الناس وإنما تخص الهداية الناس الذين رضي الله عنهم والذين تشملهم رعاية الله، حيث ينقلهم من الظلمات إلى النور يتجلى نور الله في قلوبهم.
(ويهديهم إلى صراط مستقيم). فالله وبواسطة القرآن يبين لهم طريق الاستقامة، ذلك الطريق الذي ينتهي على الجنة.
هناك آيات كثيرة في القرآن وأمثال الآيتين اللتين قرأتهما مما يدل على ان للمؤمن إلهاماً. وان له خطورات يستطيع بواسطتها تمييز الحق عن الباطل والباطل عن الحق، وبتعبير القرآن يستطيع ان يكتشف طريق السلامة.
عادة مثل هؤلاء الناس لا يصلون إلى الطريق المسدود، وكلما كانت علاقتهم بالله أقوى كلما ازدادت هذه الالهامات.
الإمام السجاد (ع) يقول لزينب المظلومة (ع):
(أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة).
أي أنت عالمة لم تري معلماً وفاهمة لم تتعلمي ذلك من أحد. أي ذلك إذ وصلت إلى مقام حيث يكون ذلك بواسطة تجلي نور الله، بواسطة الخطرات من عالم الغيب ومن عند الرحمن، هذا فيما يتعلق بالمؤمن.
خطرات الشيطان:
أما إذا كان ارتباط الإنسان بالله ضعيفاً، أو كان فاسقاً والعياذ بالله أو كان ممن يقترفون الذنوب، أو كان كافراً والعياذ بالله، فكلما كان سقوطه وانحطاطه أكثر، فسوف تكثر خطرات الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، وتؤثر به خواطر السوء من رفيق السوء، ويبتلى برفيق السوء أيضاً.
(وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم)(3).
الشياطين يوحون ويلهمون أنصارهم من الفسقة والساقطين ليأتوا لجدالكم. وجاء في آخر سورة من القرآن:
(بسم الله الرحمن الرحيم * قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إله الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس)(4).
اللهم أعوذ بك، ويكرر ذلك ثلاثاً من شر الوسواس ومن شر الخناس.
يعني من شر ذلك الذي يتلاعب بقلب الإنسان بواسطة الخطرات فيقلب قلب الإنسان، ويشوقه إلى ارتكاب الذنوب.
وأحياناً يفعل ذلك الشيطان، بل ذلك فعله، لقد سمعتم بوسوسة الشيطان، تلك هي الوسوسة، الوسوسة في اللغة تعني الهمهمة تعني الخطورات.
الشيطان يأتيكم ليدلكم على طريق الضلالة، ويبعدكم عن طريق السعادة وكذلك يضلكم رفيق السوء ويحجب عنكم طريق السعادة ويجركم نحو طريق الضلالة، ويأتي بأسلوب غير محسوس ليدخل قلب الإنسان وعقل الإنسان وذهن الإنسان.
فإذا كان ذلك من طرق رب العالمين، ومن طرق عالم الملكوت يقال له الهام.
وإذا كان من عند الشيطان يقال له وسوسة.
القرآن الكريم يذكر ان الوسوسة إنما هي لأولئك الذين ضعف ارتباطهم بالله:
(ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين)(5).
يقول: ذلك الذي لا تشده إلى الله رابطة، ذلك الذي لا يؤدي الصلاة أول وقتها، ذلك الذي يغفل عن ذكر الله، يأتيه شيطان فيرافقه دوماً، وذلك الشيطان قرينه دوماً، وعمله هو ان يوسوس له ويلقي الضلالة في قلبه.
إذن من وجهة نظرة القرآن، فهناك شيطان يعتري الإنسان الوسواسي وان كان لا يراه يرافقه في البيت والنوم واثناء الصلاة والوضوء والغسل، الشيطان معه في كل مكان، مع انه لا يرى ذلك الشيطان، وهو دائماً يتكلم معه، لكن كلامه معه هو انه عندما يتوضأ مثلاً يقول له الوضوء ناقص، أو أن هذا الوضوء باطل لأن الوجه لم يغسل صحيحاً، أو عندما يغتسل ويصل الماء على رأسه ورقبته يقول له الغسل غير كامل، ويشغله لفترة طويلة في عملية إتمام الإغتسال، وكلما كان قريناً وقريباً أكثر من ذلك الشيطان فسوف يطول وقت اغتساله أكثر.
هذه الخواطر التي تلقى في القلب على قسمين:
فتارة تكون خاطرات مباشرة، أي يزين فعل الذنب بشكل مباشر ويجعل في اقترافه حلاوة. فيأمر بنظرة سوء، والغيبة والتهمة.
وتارة تكون بصورة غير مباشرة، بطريقة الخناس، ومعنى الخناس الوسوسة مع التبرير وبعض الوسواسيين على هذه الشاكلة فلا يقولون عملنا حرام أو غسلنا باطل، بل يقولون غسلنا صحيح ولكن الناس نجسون ونحن طاهرون. وفي الوقت الذي يعد هو فيه أنجس الناس، يرى نفسه طاهراً وجميع الناس نجسين.
إذاً الوسوسة قسمان، الوسوسة والخواطر المباشرة التي تحث الإنسان على اقتراف الذنوب والآثام.
والقسم الآخر وسوسة الخناس، أي الذي إضافة إلى الوسوسة يأتي بالدليل، ويبرر الأمر، أو كما يقول العامة (يخدعه بطلاوة القول) فيحرفه بواسطة الدين، وخطر القسم الثاني أشد من خطر القسم الأول فخطر الإنسان الوسواسي أكبر بكثير من خطر العاصي.
ذلك لأن العاصي يمكن ان يتوب ولكن الوسواسي لا يتوب حتى يكف عن تلك الحالة، وإذا لم يترك الحالة فإن الذنوب تتراكم حتى يسود قلبه ويصل إلى موضع شديد الخطر.
يقول الإمام الصادق (ع): الوسواس مجنون، ولكنه مجنون يتبع الشيطان، انه مجنون دفعة واحدة فلا يصلي ولا يصوم ولا يهتم كما انه لا قضاء عليه أيضاً.
كان أحد الطلبة العلماء قد جُنّ. وترك الصلاة والصوم، وكنا نسأله لماذا لا تصلي ولا تصوم؟
فيجيب بعبارة جميلة (أخذ ما وَهب وسقط ما وجب) يعني ان الله أخذ عقلي فلم يعد علي تكليف.
الوسواسي مجنون ولكن ليس بذلك النحو، لأنه مكلّف، وتمام أعمال هذا المجنون المكلف تعود إلى الشيطان، وترتبط بالخناس.
ـ من هو الخناس:
ورد في الروايات ان الخناس شيطان عالم وكبير جداً، وعلى قول أحد العلماء الكبار بأن لكل شخص شيطان يناسب حاله، فالروحانيون لهم شياطين ولكنهم أساتذة الشياطين، وهذا الخناس من أساتذة الشياطين.
يقول الإمام الصادق (ع) عندما ولد إبراهيم وعيسى (ع)، جمع الشيطان الكبير كل الشياطين حوله وقال ماذا نفعل، لأن نبي الله قد وُلد ولا يمكن إضلال الناس بعد. فقال الخناس: استطيع اضلالهم عن طريق الدين والوسوسة فيصيرون إلى النار.
ـ الوسوسة الفكرية:
تارة ترتبط الوسوسة بالقلب وخطراته ولا تتعلق بالأفعال ويسمى هذا النوع من الوسوسة الفكرية وهي موجودة بكثرة وهي تنشأ عادة من ضعف الإرادة. فعندما تضعف أعصاب الإنسان أو يتعرض للمصاعب، أو يرى مصيبة كبيرة، يصاب من الناحية الروحية بالوسوسة الفكرية، وهي على مراتب فتارة تكون بمستوى الشك والشبهة فقط، وقد بحثنا حولها، كما ذكرنا طرق العلاج.
وتارة تشتد وترتفع حتى قد تصل ـ والعياذ بالله ـ موضعاً يسيء فيه القول على الله ويعتقد ان أفعال الله ظالمة.
ويبدأ يشك بالقرآن قليلاً قليلاً حتى يصل إلى وضع يشتم فيه (في قلبه) الله والنبي والأئمة والمقدسات، هذا نوع من الوسوسة الفكرية وتوجد أنواع أخرى منها تتعلق بدنيا المرء وأعماله أو بعلاقته بالناس كسوء الظن مثلاً، ما هو محل حديثنا هو الوسوسة الفكرية فلابد من ذكر العلاج، وعلاجها سهل جداً، وهو ان يصرف نفسه كلما أتاه ذلك الشك.
مثلاً كلما شك فعليه أن لا يحسب لذلك حساباً ولا يعطيه أهمية ما يتكلم مع أي كان، أو أن يأخذ شيئاً ويأكله ويصرف نفسه عنه وعلى هذا المنوال ولن يطول الوقت حتى يختفي هذا الشك رويداً رويداً.
يقول الإمام الصادق (ع): لا تعتنوا بهذا الخبيث أعني الخناس ولا تمكنوه منكم وسوف يولي عنكم إذا لم تبالوا به ولن يعود إليكم، فإن تجاوبتم معه أقبل عليكم.
وقول الإمام الصادق (ع) يستند إلى أصل قرآني:
(إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون)(6).
بعد تكرار التاكيد مما يعرفه أهل العلم جيداً يقول تعالى:
ان الشيطان ليس له سلطان على الإنسان، ولكن أي إنسان؟
ذلك الإنسان الذي لجأ إلى الله واستعاذ به، ذلك الإنسان الذي قد أحكم ارتباطه بربه.
يتسلط الشيطان على الإنسان عندما يقف تحت رايته، أي أنه عندما يسعى نحو الشيطان فإن الشيطان يقبل عليه.
أما إذا ترك الإنسان الشيطان وأهمله، فليس للشيطان عندئذٍ أثر على الإنسان.
إذا وقف الإنسان تحت راية الله فإن الشيطان يخشى الاقتراب لقد وعد القرآن بأن الملائكة يبعدون الشياطين عمن عزز ارتباطه بالله! (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله).
يعني ان من ألطاف الله الكبيرة أن جعل ملائكة مأمورين موكلين بحفظكم من شرور الدنيا، ومن شرور الجن ومن شرور الشياطين.
وعلى هذا فإن أحكمتم علاقتكم بالله فإن الشيطان سيكون عاجزاً عن متابعتكم، من هنا فإذا لم تبالوا به فإن الشك والشبهة سيرتفعان من أذهانكم، ولا يعودان إليكم.
زار شخص النبي (ص) وقال: يا رسول الله هلكت وعدمت.
فقال له النبي ألأن الشيطان جاءك وقال لك من خلقك؟ فقلت: الله فقال ومن خلق الله؟ فعجزت عن الجواب. فقال الرجل: نعم.
فقال النبي إذا عرض لك شك مثل هذا فقل (لا إله إلا الله) واصرف نفسك عن ذلك.
كلمة (لا إله إلا الله) وكلمة (لا حول ولا قوة إلا بالله) وقراءة القرآن وصيام شهر رمضان المبارك والصلاة أول وقتها علاج فعال لرفع الوسوسة.
هذا إذا كان الأمر في بدايته، أما إذا أصغى لكلام الشيطان، فكلما سمعه أكثر يترسخ في قلبه أكثر. حتى يترسخ في قلبه الشك الأول والثاني و.. وهكذا.
فيصل حالة والعياذ بالله يسيء فيها الظن بالله، ويعتقد أن الله ظالم وهذا علاجه عدم الاعتناء أيضاً.
حتى ولو ذكر النبي الأكرم (ص) بسوء، حتى لو خطر بقلبه ان الله ظالم وليس بعادل. فعليه أن لا يهتم ولا يؤذي نفسه ويقرأ قليلاً من القرآن وإذا كان الأمر يتعلق بالنبي والأئمة الطاهرين (ع) فليصل عليهم.
وقد ورد في كثير من الروايات ان الإكثار من الصلاة على النبي (ص) يرفع الوسوسة وتتلاشى هذه الوسوسة وتزول وليقو ارتباطه بالله، ويصلِّ الصلاة لوقتها وليهتم بالواجبات وخاصة الحجاب بالنسبة للنساء، وان يهتم بالمستحبات ما لم تزاحم عمله، ويصلي صلاة الليل، ويقرأ القرآن، يدعو الله ويتوسل له، ويساعد الناس، ويعين الزوج زوجته،، وتساعد الزوجة زوجها وخدمة المسلمين، والأهم من ذلك اجتناب الذنوب، وكلما كان اجتنابه أشد فان الوسوسة الفكرية ستزول شيئاً فشيئاً.
ولكن ذلك يحتاج إلى صبر وسعة صدر، شهراً أو شهرين أو عدة شهور فسوف يتحسن ويتمكن من اقتلاع أصل هذه الرذيلة.
وما يقوله بعض علماء النفس من ان الوسوسة الفكرية لا علاج لها. فأنهم حتماً مخطئون في ذلك.
ذلك لأننا شاهدنا الكثير من الناس وقد أصيبوا بحالة الوسوسة الفكرية قد تحسنوا وتمكنوا من إحراق جذورها وتخلصوا منها بواسطة إهمالها وبواسطة الارتباط بالله.
نعم من الناحية الجسمية يجب أن ينظم نومه ويقوي أعصابه، وان لا يتشنج، ولا تتعرض أحاسيسه لصدمات، كل ذلك لازم ومؤثر جداً للتخلص من الوسوسة الفكرية.
الجزء الاول - عن شبكة اهل البيت ع للاخلاق الاسلامية ( الفضائل والرذائل)
للإنسان نوعان من الخواطر، نوع منها يرتبط بالله، وهو البعد الرحماني في الإنسان، ويقال لتلك الخواطر الالهامات الرحمانية أو الوحي، والأشخاص الذين علاقتهم بربهم، قوية ومحكمة يمتلكون الكثير من هذه الخواطر.
أي ان الملائكة تلقي الحقيقة في قلب ذلك الشخص، وينمو الخطور في الذهن وبطريقة لا يشعر فيها بذلك ولا يرى الملائكة.
ويمكننا القول ان للمؤمن إلهاماً استناداً إلى الروايات وإلى القرآن الكريم بهذا الخصوص.
الملائكة تهدي المؤمن إلى طريق الصواب، فإذا كانت علاقته بالله جيدة وقوية فإنه يستطيع بنفسه اكتشاف طريقه.
وقد أطلق القرآن الكريم (الهداية) على هذا النوع من الالهام، أي العناية الخاصة من الله، ورد في أول سورة البقرة:
(بسم الله الرحمن الرحيم * الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين). هذا القرآن الذي ليس فيه شك ولا شبهة، يهدي الأشخاص المتقين.
وفي نفس هذه السورة يقول:
(هدى للناس)(1).
يعني ان القرآن هادٍ للجميع.
(إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً).
النبي جاء لهداية الجميع، أما الهداية المذكورة في أول سورة البقرة فهي تعني الالهام، تعني العناية الخاصة من الله، وفي موضع آخر يقول:
(قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم)(2).
إن الله وبواسطة هذا القرآن يهدي الإنسان إلى طريق السلامة ولكن ليس كل الناس وإنما تخص الهداية الناس الذين رضي الله عنهم والذين تشملهم رعاية الله، حيث ينقلهم من الظلمات إلى النور يتجلى نور الله في قلوبهم.
(ويهديهم إلى صراط مستقيم). فالله وبواسطة القرآن يبين لهم طريق الاستقامة، ذلك الطريق الذي ينتهي على الجنة.
هناك آيات كثيرة في القرآن وأمثال الآيتين اللتين قرأتهما مما يدل على ان للمؤمن إلهاماً. وان له خطورات يستطيع بواسطتها تمييز الحق عن الباطل والباطل عن الحق، وبتعبير القرآن يستطيع ان يكتشف طريق السلامة.
عادة مثل هؤلاء الناس لا يصلون إلى الطريق المسدود، وكلما كانت علاقتهم بالله أقوى كلما ازدادت هذه الالهامات.
الإمام السجاد (ع) يقول لزينب المظلومة (ع):
(أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة).
أي أنت عالمة لم تري معلماً وفاهمة لم تتعلمي ذلك من أحد. أي ذلك إذ وصلت إلى مقام حيث يكون ذلك بواسطة تجلي نور الله، بواسطة الخطرات من عالم الغيب ومن عند الرحمن، هذا فيما يتعلق بالمؤمن.
خطرات الشيطان:
أما إذا كان ارتباط الإنسان بالله ضعيفاً، أو كان فاسقاً والعياذ بالله أو كان ممن يقترفون الذنوب، أو كان كافراً والعياذ بالله، فكلما كان سقوطه وانحطاطه أكثر، فسوف تكثر خطرات الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، وتؤثر به خواطر السوء من رفيق السوء، ويبتلى برفيق السوء أيضاً.
(وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم)(3).
الشياطين يوحون ويلهمون أنصارهم من الفسقة والساقطين ليأتوا لجدالكم. وجاء في آخر سورة من القرآن:
(بسم الله الرحمن الرحيم * قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إله الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس)(4).
اللهم أعوذ بك، ويكرر ذلك ثلاثاً من شر الوسواس ومن شر الخناس.
يعني من شر ذلك الذي يتلاعب بقلب الإنسان بواسطة الخطرات فيقلب قلب الإنسان، ويشوقه إلى ارتكاب الذنوب.
وأحياناً يفعل ذلك الشيطان، بل ذلك فعله، لقد سمعتم بوسوسة الشيطان، تلك هي الوسوسة، الوسوسة في اللغة تعني الهمهمة تعني الخطورات.
الشيطان يأتيكم ليدلكم على طريق الضلالة، ويبعدكم عن طريق السعادة وكذلك يضلكم رفيق السوء ويحجب عنكم طريق السعادة ويجركم نحو طريق الضلالة، ويأتي بأسلوب غير محسوس ليدخل قلب الإنسان وعقل الإنسان وذهن الإنسان.
فإذا كان ذلك من طرق رب العالمين، ومن طرق عالم الملكوت يقال له الهام.
وإذا كان من عند الشيطان يقال له وسوسة.
القرآن الكريم يذكر ان الوسوسة إنما هي لأولئك الذين ضعف ارتباطهم بالله:
(ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين)(5).
يقول: ذلك الذي لا تشده إلى الله رابطة، ذلك الذي لا يؤدي الصلاة أول وقتها، ذلك الذي يغفل عن ذكر الله، يأتيه شيطان فيرافقه دوماً، وذلك الشيطان قرينه دوماً، وعمله هو ان يوسوس له ويلقي الضلالة في قلبه.
إذن من وجهة نظرة القرآن، فهناك شيطان يعتري الإنسان الوسواسي وان كان لا يراه يرافقه في البيت والنوم واثناء الصلاة والوضوء والغسل، الشيطان معه في كل مكان، مع انه لا يرى ذلك الشيطان، وهو دائماً يتكلم معه، لكن كلامه معه هو انه عندما يتوضأ مثلاً يقول له الوضوء ناقص، أو أن هذا الوضوء باطل لأن الوجه لم يغسل صحيحاً، أو عندما يغتسل ويصل الماء على رأسه ورقبته يقول له الغسل غير كامل، ويشغله لفترة طويلة في عملية إتمام الإغتسال، وكلما كان قريناً وقريباً أكثر من ذلك الشيطان فسوف يطول وقت اغتساله أكثر.
هذه الخواطر التي تلقى في القلب على قسمين:
فتارة تكون خاطرات مباشرة، أي يزين فعل الذنب بشكل مباشر ويجعل في اقترافه حلاوة. فيأمر بنظرة سوء، والغيبة والتهمة.
وتارة تكون بصورة غير مباشرة، بطريقة الخناس، ومعنى الخناس الوسوسة مع التبرير وبعض الوسواسيين على هذه الشاكلة فلا يقولون عملنا حرام أو غسلنا باطل، بل يقولون غسلنا صحيح ولكن الناس نجسون ونحن طاهرون. وفي الوقت الذي يعد هو فيه أنجس الناس، يرى نفسه طاهراً وجميع الناس نجسين.
إذاً الوسوسة قسمان، الوسوسة والخواطر المباشرة التي تحث الإنسان على اقتراف الذنوب والآثام.
والقسم الآخر وسوسة الخناس، أي الذي إضافة إلى الوسوسة يأتي بالدليل، ويبرر الأمر، أو كما يقول العامة (يخدعه بطلاوة القول) فيحرفه بواسطة الدين، وخطر القسم الثاني أشد من خطر القسم الأول فخطر الإنسان الوسواسي أكبر بكثير من خطر العاصي.
ذلك لأن العاصي يمكن ان يتوب ولكن الوسواسي لا يتوب حتى يكف عن تلك الحالة، وإذا لم يترك الحالة فإن الذنوب تتراكم حتى يسود قلبه ويصل إلى موضع شديد الخطر.
يقول الإمام الصادق (ع): الوسواس مجنون، ولكنه مجنون يتبع الشيطان، انه مجنون دفعة واحدة فلا يصلي ولا يصوم ولا يهتم كما انه لا قضاء عليه أيضاً.
كان أحد الطلبة العلماء قد جُنّ. وترك الصلاة والصوم، وكنا نسأله لماذا لا تصلي ولا تصوم؟
فيجيب بعبارة جميلة (أخذ ما وَهب وسقط ما وجب) يعني ان الله أخذ عقلي فلم يعد علي تكليف.
الوسواسي مجنون ولكن ليس بذلك النحو، لأنه مكلّف، وتمام أعمال هذا المجنون المكلف تعود إلى الشيطان، وترتبط بالخناس.
ـ من هو الخناس:
ورد في الروايات ان الخناس شيطان عالم وكبير جداً، وعلى قول أحد العلماء الكبار بأن لكل شخص شيطان يناسب حاله، فالروحانيون لهم شياطين ولكنهم أساتذة الشياطين، وهذا الخناس من أساتذة الشياطين.
يقول الإمام الصادق (ع) عندما ولد إبراهيم وعيسى (ع)، جمع الشيطان الكبير كل الشياطين حوله وقال ماذا نفعل، لأن نبي الله قد وُلد ولا يمكن إضلال الناس بعد. فقال الخناس: استطيع اضلالهم عن طريق الدين والوسوسة فيصيرون إلى النار.
ـ الوسوسة الفكرية:
تارة ترتبط الوسوسة بالقلب وخطراته ولا تتعلق بالأفعال ويسمى هذا النوع من الوسوسة الفكرية وهي موجودة بكثرة وهي تنشأ عادة من ضعف الإرادة. فعندما تضعف أعصاب الإنسان أو يتعرض للمصاعب، أو يرى مصيبة كبيرة، يصاب من الناحية الروحية بالوسوسة الفكرية، وهي على مراتب فتارة تكون بمستوى الشك والشبهة فقط، وقد بحثنا حولها، كما ذكرنا طرق العلاج.
وتارة تشتد وترتفع حتى قد تصل ـ والعياذ بالله ـ موضعاً يسيء فيه القول على الله ويعتقد ان أفعال الله ظالمة.
ويبدأ يشك بالقرآن قليلاً قليلاً حتى يصل إلى وضع يشتم فيه (في قلبه) الله والنبي والأئمة والمقدسات، هذا نوع من الوسوسة الفكرية وتوجد أنواع أخرى منها تتعلق بدنيا المرء وأعماله أو بعلاقته بالناس كسوء الظن مثلاً، ما هو محل حديثنا هو الوسوسة الفكرية فلابد من ذكر العلاج، وعلاجها سهل جداً، وهو ان يصرف نفسه كلما أتاه ذلك الشك.
مثلاً كلما شك فعليه أن لا يحسب لذلك حساباً ولا يعطيه أهمية ما يتكلم مع أي كان، أو أن يأخذ شيئاً ويأكله ويصرف نفسه عنه وعلى هذا المنوال ولن يطول الوقت حتى يختفي هذا الشك رويداً رويداً.
يقول الإمام الصادق (ع): لا تعتنوا بهذا الخبيث أعني الخناس ولا تمكنوه منكم وسوف يولي عنكم إذا لم تبالوا به ولن يعود إليكم، فإن تجاوبتم معه أقبل عليكم.
وقول الإمام الصادق (ع) يستند إلى أصل قرآني:
(إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون)(6).
بعد تكرار التاكيد مما يعرفه أهل العلم جيداً يقول تعالى:
ان الشيطان ليس له سلطان على الإنسان، ولكن أي إنسان؟
ذلك الإنسان الذي لجأ إلى الله واستعاذ به، ذلك الإنسان الذي قد أحكم ارتباطه بربه.
يتسلط الشيطان على الإنسان عندما يقف تحت رايته، أي أنه عندما يسعى نحو الشيطان فإن الشيطان يقبل عليه.
أما إذا ترك الإنسان الشيطان وأهمله، فليس للشيطان عندئذٍ أثر على الإنسان.
إذا وقف الإنسان تحت راية الله فإن الشيطان يخشى الاقتراب لقد وعد القرآن بأن الملائكة يبعدون الشياطين عمن عزز ارتباطه بالله! (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله).
يعني ان من ألطاف الله الكبيرة أن جعل ملائكة مأمورين موكلين بحفظكم من شرور الدنيا، ومن شرور الجن ومن شرور الشياطين.
وعلى هذا فإن أحكمتم علاقتكم بالله فإن الشيطان سيكون عاجزاً عن متابعتكم، من هنا فإذا لم تبالوا به فإن الشك والشبهة سيرتفعان من أذهانكم، ولا يعودان إليكم.
زار شخص النبي (ص) وقال: يا رسول الله هلكت وعدمت.
فقال له النبي ألأن الشيطان جاءك وقال لك من خلقك؟ فقلت: الله فقال ومن خلق الله؟ فعجزت عن الجواب. فقال الرجل: نعم.
فقال النبي إذا عرض لك شك مثل هذا فقل (لا إله إلا الله) واصرف نفسك عن ذلك.
كلمة (لا إله إلا الله) وكلمة (لا حول ولا قوة إلا بالله) وقراءة القرآن وصيام شهر رمضان المبارك والصلاة أول وقتها علاج فعال لرفع الوسوسة.
هذا إذا كان الأمر في بدايته، أما إذا أصغى لكلام الشيطان، فكلما سمعه أكثر يترسخ في قلبه أكثر. حتى يترسخ في قلبه الشك الأول والثاني و.. وهكذا.
فيصل حالة والعياذ بالله يسيء فيها الظن بالله، ويعتقد أن الله ظالم وهذا علاجه عدم الاعتناء أيضاً.
حتى ولو ذكر النبي الأكرم (ص) بسوء، حتى لو خطر بقلبه ان الله ظالم وليس بعادل. فعليه أن لا يهتم ولا يؤذي نفسه ويقرأ قليلاً من القرآن وإذا كان الأمر يتعلق بالنبي والأئمة الطاهرين (ع) فليصل عليهم.
وقد ورد في كثير من الروايات ان الإكثار من الصلاة على النبي (ص) يرفع الوسوسة وتتلاشى هذه الوسوسة وتزول وليقو ارتباطه بالله، ويصلِّ الصلاة لوقتها وليهتم بالواجبات وخاصة الحجاب بالنسبة للنساء، وان يهتم بالمستحبات ما لم تزاحم عمله، ويصلي صلاة الليل، ويقرأ القرآن، يدعو الله ويتوسل له، ويساعد الناس، ويعين الزوج زوجته،، وتساعد الزوجة زوجها وخدمة المسلمين، والأهم من ذلك اجتناب الذنوب، وكلما كان اجتنابه أشد فان الوسوسة الفكرية ستزول شيئاً فشيئاً.
ولكن ذلك يحتاج إلى صبر وسعة صدر، شهراً أو شهرين أو عدة شهور فسوف يتحسن ويتمكن من اقتلاع أصل هذه الرذيلة.
وما يقوله بعض علماء النفس من ان الوسوسة الفكرية لا علاج لها. فأنهم حتماً مخطئون في ذلك.
ذلك لأننا شاهدنا الكثير من الناس وقد أصيبوا بحالة الوسوسة الفكرية قد تحسنوا وتمكنوا من إحراق جذورها وتخلصوا منها بواسطة إهمالها وبواسطة الارتباط بالله.
نعم من الناحية الجسمية يجب أن ينظم نومه ويقوي أعصابه، وان لا يتشنج، ولا تتعرض أحاسيسه لصدمات، كل ذلك لازم ومؤثر جداً للتخلص من الوسوسة الفكرية.
الجزء الاول - عن شبكة اهل البيت ع للاخلاق الاسلامية ( الفضائل والرذائل)