بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين أبي القاسم محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين
بودي أن أتناول موضوع البناء على القبور وآراء المحرمين والمجوزين من علماء العامة لأن هذا الط في ألاوساط إموضوع من المواضيع التي سبب كثيرآ من اللغط في ألاوساط إلاسلامية وسنبتدأ بأدلة المحرمين الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين أبي القاسم محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين
1 ) تفسير القرطبي
ج10 ص328
وروى الصحيحان عن عائشة وعبد الله بن عباس قالا :
لما نزل برسول الله صلى الله عليه و سلم طفق يرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك : ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) يحذر ما صنعوا وروى مسلم عن جابر قال : [ نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن جصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه ] وخرجه أبو داود و الترمذي أيضا عن جابر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم : الآ تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته - في رواية - ولا صورة إ لا طمستها وأخرجه أو داود و الترمذي قال علماؤنا : ظاهرة منع تسنيم القبرو ورفعها وأن تكون لاطئة وقد قال به بعض أهل العلم وذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته هو ما زاد على التسنيم ويبقى للقبر ما يعرف به ويحترم وذلك صفة قبر نبينا مححمد صلى الله عليه و سلم وقبر صاحبيه رضي الله عنهما - على ذكر مالك في الموطأ - وقبر أبينا آدم صلى الله عليه و سلم على ما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس وأما تعلية البناء الكثيبر زينة الدنيا في أول منازل الآخرة وتشبها بمن كان يعظم القبور ويعبدها وباعتبار هذه المعاني وظاهر النهي ينبغي أن يقال : هو حرام والتسنيم في القبر : ارتفاعه قدر شبر مأخوذ من سنام البعير ويرش عليه بالماء لئلا ينتشر بالريح وقال الشافعي لا بأس أن يطين القبر وقال أبو حنيفة : لا يجصص القبر ولا يطين ولا يرفع عليه بناء فيسقط ولا بأس برضع الأحجار لتكون علامة لما رواه أبو بكر الأثرم قال : حدثنا مسدد حدثنا نوح بن دراج عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد قال : كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم تزور قبر حمزة بن عبد المطلب كل جمعة وعلمته بصخرة ذكره أبوعمر
2 ) أضواء البيان لمحمد الأمين الشنقيطي ج2 ص 433
والتحقيق الذي لا شك فيه : أنه لا يجوز البناء على القبور ولا تجصيصها .
3 ) المغني لإبن قدامة ج4 ص470
وَلَا يَجُوزُ اتِّخَاذُ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ لِهَذَا الْخَبَرِ ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ } يُحَذِّرُ مِثْلَ مَا صَنَعُوا .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَالَتْ عَائِشَةُ : إنَّمَا لَمْ يُبْرَزْ قَبْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يُتَّخَذَ مَسْجِدًا ، وَلِأَنَّ تَخْصِيصَ الْقُبُورِ بِالصَّلَاةِ عِنْدَهَا يُشْبِهُ تَعْظِيمَ الْأَصْنَامِ بِالسُّجُودِ لَهَا ، وَالتَّقَرُّبِ إلَيْهَا ، وَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّ ابْتِدَاءَ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ تَعْظِيمُ الْأَمْوَاتِ ، بِاتِّخَاذِ صُوَرِهِمْ ، وَمَسْحِهَا ، وَالصَّلَاةِ عِنْدَهَا .
4 ) ابن تيمية زيارة القبور ص17
قوله: "ويكره" ، المكروه في اصطلاح الفقهاء هو: الذي يثاب تاركه امتثالاً، ولا يعاقب فاعله، وهو كراهة التنزيه، لا كراهة التحريم.
قوله: "تجصيصه" أي: أن يوضع فوقه جص؛ لأن هذا داخل في تشريفه، وقد قال علي بن أبي طالب - - لأبي الهياج الأسدي: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته" .
قوله: "والبناء" عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك.
ولهذا قال علماؤنا لا يجوز بناء المسجد على القبور وقالوا إنه لا يجوز أن ينذر لقبر
5 ) الشرح الممتع لإبن عثيمين
والاقتصار على الكراهة في هاتين المسألتين فيه نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عن ذلك، أي: عن تجصيصها، وعن البناء عليها" ، والأصل في النهي التحريم؛ ولأن هذا وسيلة إلى الشرك، فإنه إذا بني عليها عظمت، وفي النهاية ربما تعبد من دون الله؛ لأن الشيطان يَجُرُّ بني آدم، من الصغيرة إلى الكبيرة، ومن الكبيرة إلى الكفر.
6 ) اعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد لصالح الفوزان ج2 ص16
فالصحيح: أن تجصيصها والبناء عليها حرام. في الصحيح عن عائشة: أن أم سلمة رضي الله عنها، ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وما فيها من الصور، فقال: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح؛ بنوا على قبره مسجداً، وصوّروا فيه تلك الصور، أولئك شِرار الخلق عند الله"
الادلة على جواز البناء :
أولا: جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) حجراً كبيراً على قبر الصحابي الجليل عثمان بن مظعون ليكون علامة بارزة مميزة لقبره الشريف ليعرف وليدفن النبي (صلى الله عليه وآله) أهل بيته وخواصه عنده فميّزه بتلك الحجارة كما جاء في بعض الأخبار منها:
1- ما رواه أبو داود في سننه (2/81):
عن المطلب قال: لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته فدفن فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رجلاً أن يأتيه بحجر فلم يستطع حمله فقام إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحسر عن ذراعيه, قال كثير: قال المطلب: قال الذي يخبرني ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: كأني أنظر إلى بياض ذراعي رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين حسر عنهما ثم حملها فوضعها عند رأسه وقال: (أتَّعلَّمُ بها قبر أخي, وأدفن إليه من مات من أهلي).
2- ما رواه الحاكم في مستدركه (1/498)
في باب ما جاء في العلامة في القبر: عن أنس بن مالك: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعلم قبر عثمان بن مظعون بصخرة.
وقال البوصيري في الزوائد: هذا إسناد حسن وله شاهد من حديث المطلب بن أبي وداعه رواه أبو داود.
ثانياً: حديث زيارة الزهراء (عليها السلام) لقبر عمها الحمزة (عليه السلام) وترميمه وتعليمه:
3- (أن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت تأتي قبر حمزة وكانت قد وضعت عليه علماً لتعرفه). وذكر أن قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر وعمر كان عليهم النقل, يعني حجارة صغاراً.
2- ما رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/19) عن أبي جعفر قال: كانت فاطمة تأتي قبر حمزة ترمّه وتصلحه.
3- وما رواه عمر إبن شبّه النميري في تاريخ المدينة (1/132) عن أبي جعفر أيضاً: إن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت تزور قبر حمزة ترمّه وتصلحه, وقد تعلمته بحجر.
4- وما رواه أبو عمر بن عبد البر في التمهيد (3/234) عن جعفر بن محمد قال كانت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) تزور قبر حمزة بن عبد المطلب كل جمعة وعلّمته بصخرة.
ثالثاً: قبر إبراهيم إبن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد وضع النبي عليه بنفسه حصباء من حصباء العرصة. رواه البيهقي في سننه (3/411).
رابعاً: قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله): وقد اهتم به المسلمون وأهتموا بالحجرة الشريفة المحيطة به.
ونذكر على سبيل المثال ما يدل على ذلك الاهتمام والاعمار للقبر الشريف والحجرة المباركة:
1- قال ابن حجر في فتح الباري (3/203): (قوله: مُسنَّماً) أي مرتفعاً, زاد أبو نعيم في المستخرج وقبر أبي بكر وعمر كذلك واستدل به على أن المستحب تسنيم القبور..
ثم قال: وقول سفيان التمار لا حجة فيه كما قال البيهقي لاحتمال أن قبره (صلى الله عليه وآله) لم يكن في الأول مسنّماً فقد روى أبو داود والحاكم من طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: دخلت على عائشة فقلت: يا أمَّه أكشفي لي عن قبر رسول الله وصاحبيه فكشفت له عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصاء الحمراء.
وهذا كان في خلافة معاوية فكأنها كانت في الأول مسطحة ثم لمّا بُني جدار القبر في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك صيّروها مرتفعة.
2- وقال ابن حجر (3/204) أيضاً : (قوله: لما سقط عليهم الحائط) أي حائط حجرة النبي (صلى الله عليه وآله)... والسبب في ذلك ما رواه أبو بكر الآجرّي (بسنده) إلى عروة قال: كان الناس يصلّون إلى القبر فأمر به عمر بن عبد العزيز فرفع حتى لا يصلي إليه أحد فلمّا هُدم بدت قدم بساق وركبة ففزع عمر بن عبد العزيز فأتاه عروة فقال: هذا ساق عمر وركبته فسِّري عنه. وروى الآجري عن رجاء بن حياة قال: كتب الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز وكان قد أشترى حُجر أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) أن اهدمها ووسِّع بها المسجد. فقعد عمر في ناحية ثم أمر بهدمها فما رأيته باكياً أكثر من يومئذ ثم بناه كما أراد, فلما أن بنى البيت على القبر وهدم البيت الأول ظهرت القبور الثلاثة وكان الرمل الذي عليها قد أنهار ففزع عمر بن عبد العزيز وأراد أن يقوم فيسويها بنفسه... فقال (عمر): يا مزاحم يعني مولاه: قم فأصلحها.
3- الحديث الذي ذكرنا في النقطة الأولى شرح ابن حجر له وذكره البخاري في صحيحه (2/107): عن عروة بن الزبير قال: لما سقط عليهم الحائط في زمان الوليد بن عبد الملك فما وجدوا أحداً يعلم ذلك حتى قال لهم عروة لا والله ما هي قدم النبي (صلى الله عليه وآله) ما هي إلا قدم عمر.
4- أحاديث وروايات تدل على صلاة الصحابة والتابعين في بيوت نساء النبي مع أن في إحداهن قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) نذكر منها:
أ- ما رواه مالك في المدونة الكبرى (1/152): إن الناس كانوا يدخلون حُجر أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) فيصلون فيها الجمعة, وان المسجد يضيق على أهله فيتوسعون بها, وحُجر أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) ليست من المسجد ولكنها شارعة إلى المسجد. ورواه بسنده ولفظه البيهقي في سننه (3/111).
ب- توسيع الصحابة والتابعين المسجد النبوي وإدخال قبر النبي (صلى الله عليه وآله) فيه بعد هدم بيوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
قال الشوكاني في نيل الأوطار (2/139): لما احتاجت الصحابة والتابعين إلى الزيادة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه, وفيها حجرة عائشة مدفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصاحبيه أبي بكر وعمر بنوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر (القبر الشريف) في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي إلى المحذور. وقد قاله بنصه وحروفه النووي في شرحه على صحيح مسلم (5/14).
ج- بل ذكر النووي في المجموع (4/382)
إن بيوت أزواجه (صلى الله عليه وآله) تسعة وكانت مختلفة منها بيت عائشة بابه إلى المسجد ومعظمها بخلاف ذلك.
وقد نقل هذا القول إبن حجر عن النووي وعن الرافعي حيث قال في تلخيص الحبير (4/479): (قوله) إن بيوت أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) كانت مختلفة فمنها ما هو بجنب المسجد ومنها ما هو بخلافه... (ثم قال ابن حجر) وتبعه النووي في شرح المهذب فقال: كان بيت عائشة إلى المسجد ومعظم البيوت بخلافه.
هـ- بناء عقيل بن أبي طالب وهو صحابي بيتاً على قبر أم المؤمنين أم حبيبة:
فقد روى عمر بن شبّة في تاريخ المدينة (1/120) بسنده قال: لمّا حفر عقيل بن أبي طالب في داره بئراً وقع على حجر منقوش مكتوب فيه:
قبر أم حبيبة بنت صخر بن حرب, فدفن عقيل البئر وبنى عليه بيتاً.
قال يزيد بن السائد (أحد الرواة): فدخلت ذلك البيت فرأيت فيه ذلك القبر.
رواية تسوية القبور :
وفيه: بناءً على صحّة هذه الرواية, فهل معنى التسوية في قوله ( إلا سويته ) أي ساويته بالأرض، بمعنى هدمته, أم معنى تسوية الشيء عبارة عن تعديل سطحه, وتسطيحه في قبال تقعيره أو تحديبه أو تسنيمه وما اشبه ذلك من المعاني المتقاربة ؟
لا شك أن معناه : إلا سطحته وعدلته, وليس معناه : إلا هدمته وساويته بالارض. وقد فهم مسلم في صحيحه ما فهمناه من الحديث, حيث عنون الباب قائلاً : ( باب تسوية القبور ) ولم يقل مساواة القبور. فأورد فيه أولاً بسنده إلى تمامه قال : كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا, فأمر فضالة بقبره فسوّي, ثم قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمر بتسويتها (صحيح مسلم 2 / 666 باب 31 / 92). ثم أورد بعده في نفس هذا الباب حديث أبي الهياج المتقدم : ولا قبراً مشرفاً إلا سويته.
وكذا فهم شارحوا صحيح مسلم وإمامهم النووي ذلك, حيث قال في شرح تلك العبارة ما نصه : أن السنة أن القبر لا يرفع عن الأرض رفعاً كثيراً ولا يسنم, بل يرفع نحو شبر, وهذا مذهب الشافعي ومن وافقه, ونقل القاضي عياض عن أكثر العلماء أن الأفضل عندهم تسنيمها. ( إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 4 / 3 1 ).
ويشهد لأفضلية التسنيم, مارواه البخاري في صحيحه, في باب صفة قبر النبي وأبي بكر وعمر، بسنده إلى سفيان التمار أنه رأى قبر النبي (صلى الله عليه وآله) مسنماً. (صحيح البخاري 2 / 128).
ولكن القسطلاني أحد المشاهير من شارحي البخاري, قال ما نصه : ( مسنماً ) بضم الميم وتشديد النون المفتوحة, أي : مرتفعاً, زاد أبو نعيم في مستخرجه : وقبر أبي بكر وعمر كذلك, واستدل به على أن المستحب تسنيم القبور, وهو قول أبي حنيفة (المبسوط للسرخسي 2 / 62), ومالك (المنتقى 2 / 22), وأحمد (المغني لابن قدامة 2 / 38 ), والمزني وكثير من الشافعية.
إلى أن قال القسطلاني : ولا يؤثر في أفضلية التسطيح كونه صار شعار الروافض, لأن السنة لا تترك بموافقة أهل البدع فيها ! ولا يخالف ذلك قول علي (رضي الله عنه) أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن لا ادع قبراً مشرفاً إلا سويته, لأنه لم يرد تسويته بالأرض, وإنما أراد تسطيحه جمعاً بين الأخبار ، ونقله في المجموع عن الأصحاب. ( إرشاد الساري 2 / 477 ).
إذن كل كلمات أعاظم المسلمين, وأساطين الدين من مراجع الحديث, كالبخاري ومسلم, وأئمة المذاهب, كأبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد, وأعلام العلماء وأهل الإجتهاد, كالنووي وأمثاله, كلّهم متفقون على مشروعية بناء القبور في زمن الوحي والرسالة, بل النبي (صلى الله عليه وآله) بذاته بنى قبر ولده إبراهيم ؛ إنما الخلاف والنزاع فيما بينهم في أن الأفضل والأرجح, تسطيح القبر أو تسنيمه ؟
فالذاهبون إلى التسنيم يحتجّون بحديث البخاري عن سفيان التمار, أنه رأى قبر النبي (صلى الله عليه وآله) مسنماً.
والعادلون إلى التسطيح يحتجّون بتسطيح النبي قبر ولده إبراهيم. ولعل هذا الدليل هو الأرجح في ميزان الترجيح والتعديل, ولا يقدح فيه أنه صار من شعار الروافض وأهل البدع, كما قال شارح البخاري.
نعم, لو أبيت إلا عن حمل (سويته) على معنى ساويته بالأرض, حينئذ تجيء نوبة المعارضة ويلزم الصرف والتأويل, وحيث أن هذا الخبر بإنفراده لا يكافئ الأخبار الصحيحة الصريحة الواردة في فضل زيارة القبور, ومشروعية بنائها, حتى أن النبي (صلى الله عليه وآله) سطّح قبر إبراهيم, فاللازم صرفه إلى أن المراد : لا تدع قبراً مشرفاً قد اتخذوه للعبادة إلا سويته وهدمته.
ويدل على هذا المعنى الأخبار الكثيرة الواردة في الصحيحين ـ البخاري ومسلم ـ من ذم اليهود والنصارى والحبشة, حيث كانوا يتخذون على قبور صلحائهم تمثالاً لصاحب القبر فيعبدونه من دون الله.
أما المسلمون من عهد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى اليوم, فليس منهم من يعبد صاحب القبر, وإنما يعبدون الله وحده لا شريك له, في تلك البقاع الكريمة, المتضمنة لتلك الأجساد الشريفة, وبكل فرض وتقدير فالحديث يتبرأ أشد البراءة من الدلالة على جواز هدم القبور فكيف بالوجوب ؛ والأخبار التي ما عليها غبار, ناطقة بمشروعية بنائها وإشادتها, وأنها من تعظيم شعائر الله.
ولتتميم الفائدة ننقل ما قاله الشيخ كاشف الغطاء في كتابه (منهج الرشاد): والأصل في بناء القباب وتعميرها ما رواه التباني, واعظ أهل الحجاز, عن جعفر بن محمد, عن أبيه, عن جده الحسين, عن أبيه علي (عليه السلام), أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال له : ( لتقتلن في أرض العراق وتدفن بها, فقلت : يارسول الله, ما لمن زار قبورنا وعمّرها وتعاهدها ؟ فقال : يا أبا الحسن, إن الله جعل قبرك وقبر ولديك بقاعاً من بقاع الجنة, وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه, وصفوة من عباده تحن إليكم, وتعمّر قبوركم, ويكثرون زيارتها تقرباً إلى الله تعالى, ومودة منهم لرسوله).
(فرحة الغري 77).
والحمد لله رب العالمين