بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف ألانبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
فهذا كلام أحد أعمدة إلامامية من المعاصرين ألا وهو السيد الخوئي (قدس سره ) قد جمع فيه الروايات التي تتعلق بموضوع تحريف القران وردها ، ضمن تقسيم إرتأه وهذا كلامه :الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف ألانبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
الشبهة الثالثة :
أن الروايات المتواترة عن أهل البيت - ع - قد دلت على تحريف القرآن
فلا بد من القول به :
والجواب :
أن هذه الروايات لا دلالة فيها على وقوع التحريف في القرآن بالمعنى المتنازع
فيه ، وتوضيح ذلك : أن كثيرا من الروايات ، وإن كانت ضعيفة السند ، فإن
جملة منها نقلت من كتاب أحمد بن محمد السياري ، الذي اتفق علماء الرجال على
فساد مذهبه ، وأنه يقول بالتناسخ ، ومن علي بن أحمد الكوفي الذي ذكر علماء
الرجال أنه كذاب ، وأنه فاسد المذهب إلا أن كثرة الروايات تورث القطع
بصدور بعضها عن المعصومين عليهم السلام ولا أقل من الاطمئنان بذلك ، وفيها
ما روي بطريق معتبر فلا حاجة بنا إلى التكلم في سند كل رواية بخصوصها .
عرض روايات التحريف :
علينا أن نبحث عن مداليل هذه الروايات ، وإيضاح أنها ليست متحدة في
المفاد ، وأنها على طوائف . فلا بد لنا من شرح ذلك والكلام على كل طائفة
بخصوصها .
الطائفة الاولى : هي الروايات التي دلت على التحريف بعنوانه ، وانها تبلغ
عشرين رواية ، نذكر جملة منها ونترك ما هو بمضمونها . وهي :
1 - ما عن علي بن إبراهيم القمي ، بإسناده عن أبي ذر . قال :
" لما نزلت هذه الاية : يوم تبيض وجوه وتسود
وجوه . قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ترد أمتي علي يوم القيامة
على خمس رايات . ثم ذكر أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يسأل
الرايات عما فعلوا بالثقلين . فتقول الراية الاولى : أما
الاكبر فحرفناه ، ونبذناه وراء ظهورنا ، وأما الاصغر
فعاديناه ، وأبغضناه ، وظلمناه . وتقول الراية الثانية :
أما الاكبر فحرفناه ، ومزقناه ، وخالفناه ، وأما ما عن ابن طاووس ، والسيد المحدث الجزائري ، باسنادهما عن الحسن
ابن الحسن السامري في حديث طويل أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال لحذيفة فيما قاله
في من يهتك الحرم :
" إنه يضل الناس عن سبيل الله ، ويحرف كتابه ،
ويغير سنتي " .
3 - ما عن سعد بن عبد الله القمي ، باسناده عن جابر الجعفي عن أبي جعفر
عليه السلام قال :
" دعا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بمنى . فقال : أيها الناس
إني تارك فيكم الثقلين - أما إن تمسكتم بهما لن تضلوا
كتاب الله وعترتي - والكعبة البيت الحرام ثم قال أبو
جعفر عليه السلام : أما كتاب الله فحرفوا ، وأما الكعبة
فهدموا ، وأما العترة فقتلوا ، وكل ودائع الله قد نبذوا
ومنها قد تبرأوا " .
4 - ما عن الصدوق في الخصال بإسناده عن جابر عن النبي قال :
" يجئ يوم القيامة ثلاثة يشكون : المصحف ،
والمسجد ، والعترة . يقول المصحف يارب حرفوني
ومزقوني ، ويقول المسجد يارب عطلوني وضيعوني ،
وتقول العترة يارب قتلونا ، وطردونا ، وشردونا . . . " .
5 - ما عن الكافي والصدوق ، باسنادهما عن علي بن سويد . قال :
" كتبت إلى أبي الحسن موسى صلى الله عليه واله وسلم وهو في الحبس
كتابا إلى أن ذكر جوابه عليه السلام بتمامه ، وفيه قوله
عليه السلام اؤتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه " .
6 - ما عن ابن شهراشوب ، باسناده عن عبد الله في خطبة أبي عبد الله
الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء ، وفيها :
" إنما أنتم من طواغيت الامة ، وشذاذ الاحزاب ،
ونبذة الكتاب ، ونفثة الشيطان ، وعصبة الاثام ،
ومحرفي الكتاب " .
7 - ما عن كامل الزيارات ، باسناده عن الحسن بن عطية ، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال :
" إذا دخلت الحائر فقل : اللهم العن الذين كذبوا رسلك وهدموا كعبتك ، وحرفوا كتابك . قال أبو عبد الله عليه السلام أصحاب العربية يحرفون
كلام الله عز وجل عن مواضعه " .
المفهوم الحقيقي للروايات :
والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة : أن الظاهر من الرواية الاخيرة تفسير
التحريف باختلاف القراء ، وإعمال اجتهاداتهم في القراءات . ومرجع ذلك إلى
الاختلاف في كيفية القراءة مع التحفظ على جوهر القرآن وأصله وقد أوضحنا
للقارئ في صدر المبحث أن التحريف بهذا المعنى مما لا ريب في وقوعه ، بناء
على ما هو الحق من عدم تواتر القراءات السبع ، بل ولا ريب في وقوع هذا
التحريف ، بناء على تواتر القراءات السبع أيضا ، فإن القراءات كثيرة ، وهي
مبتنية على اجتهادات ظنية توجب تغيير كيفية القراءة . فهذه الرواية لا مساس
لها بمراد المستدل .
وأما بقية الروايات ، فهي ظاهرة في الدلالة على أن المراد بالتحريف حمل
الايات على غير معانيها ، الذي يلازم إنكار فضل أهل البيت - عليهم السلام -
ونصب العداوة لهم وقتالهم . ويشهد لذلك - صريحا - نسبة التحريف إلى
مقاتلي أبي عبد الله - عليه السلام - في الخطبة المتقدمة .
ورواية الكافي التي تقدمت في صدر البحث ، فإن الامام الباقر - عليه السلام -
يقول فيها :
" وكان من نبذهم الكتاب أنهم أقاموا حروفه ،
وحرفوا حدوده " .
وقد ذكرنا أن التحريف بهذا المعنى واقع قطعا ، وهو خارج عن محل النزاع ،
ولولا هذا التحريف لم تزل حقوق العترة محفوظة ، وحرمة النبي فيهم مرعية ،
ولما انتهى الامر إلى ما انتهى إليه من اهتضام حقوقهم وإيذاء النبي - ص - فيهم .
الطائفة الثانية : هي الروايات التي دلت على أن بعض الايات المنزلة من
القرآن قد ذكرت فيها أسماء الائمة - عليهم السلام - وهي كثيرة :
منها : ما ورد من ذكر أسماء الائمة - عليهم السلام - في القرآن ، كرواية
الكافي بإسناده عن محمد بن الفضيل بن أبي الحسن - عليه السلام - قال : ولاية علي بن أبي طالب مكتوبة في جميع صحف
الانبياء ، ولن يبعث الله رسولا إلا بنبوة محمد و " ولاية "
وصيه ، صلى الله عليهما وآلهما " .
ومنها : رواية العياشي بإسناده عن الصادق عليه السلام :
" لو قرئ القرآن - كما أنزل - لالفينا مسمين " .
ومنها : رواية الكافي ، وتفسير العياشي عن أبي جعفر - عليه السلام - وكنز
الفوائد بأسانيد عديدة عن ابن عباس ، وتفسير فرات بن إبراهيم الكوفي بأسانيد
متعددة أيضا ، عن الاصبغ بن نباتة . قالوا : قال أمير المؤمنين - عليه السلام - :
" القرآن نزل على أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع
في عدونا ، وربع سنن وأمثال ، وربع فرائض
وأحكام ، ولنا كرائم القرآن " .
ومنها : رواية الكافي أيضا بإسناده عن أبي جعفر - عليه السلام - قال :
" نزل جبرئيل بهذه الاية على محمد - ص - هكذا :
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا - في
علي - فأتوا بسورة من مثله " .
والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة :
أنا قد أوضحنا فيما تقدم أن بعض التنزيل كان من قبيل التفسير للقرآن
وليس من القرآن نفسه ، فلا بد من حمل هذه الروايات على أن ذكر أسماء الائمة
- عليهم السلام - في التنزيل من هذا القبيل ، وإذا لم يتم هذا الحمل فلا بد من
طرح هذه الروايات لمخالفتها للكتاب ، والسنة ، والادلة المتقدمة على نفي
التحريف . وقد دلت الاخبار المتواترة على وجوب عرض الروايات على الكتاب
والسنة وأن ما خالف الكتاب منها يجب طرحه ، وضربه على الجدار .
ومما يدل على أن اسم أمير المؤمنين عليه السلام لم يذكر صريحا في القرآن حديث
الغدير ، فإنه صريح في أن النبي - ص - إنما نصب عليا بأمرالله ، وبعد أن
ورد عليه التأكيد في ذلك ، وبعد أن وعده الله بالعصمة من الناس ، ولو كان
اسم " علي " مذكورا في القرآن لم يحتج إلى ذلك النصب ، ولا إلى تهيئة ذلك
الاجتماع الحافل بالمسلمين ، ولما خشي رسول الله - ص - من إظهار ذلك ، ،. . " .
ليحتاج إلى التأكيد في أمر التبليغ وعلى الجملة : فصحة حديث الغدير توجب الحكم بكذب هذه الروايات التي
تقول : إن أسماء الائمة مذكورة في القرآن ولا سيما أن حديث الغدير كان في
حجة الوداع التي وقعت في أواخر حياة النبي صلى الله عليه واله وسلم ونزول عامة القرآن ،
وشيوعه بين المسلمين ، على أن الرواية الاخيرة المروية في الكافي مما لا يحتمل
صدقه في نفسه ، فإن ذكر اسم علي عليه السلام في مقام إثبات النبوة والتحدي على
الاتيان بمثل القرآن لا يناسب مقتضى الحال . ويعارض جميع هذه الروايات
صحيحة أبي بصير المروية في الكافي . قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
قول الله تعالى :
" وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم
" قال : فقال نزلت في علي بن أبي طالب والحسن
والحسين - ع - فقلت له : إن الناس يقولون فما له لم
يسم عليا وأهل بيته في كتاب الله . قال عليه السلام :
فقولوا لهم إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نزلت عليه الصلاة ولم
يسم الله لهم ثلاثا ، ولا أربعا ، حتى كان رسول الله
صلى الله عليه واله وسلم هو الذى فسر لهم ذلك
فتكون هذه الصحيحة حاكمة على جميع تلك الروايات ، وموضحة للمراد
منها ، وأن ذكر اسم أمير المؤمنين عليه السلام في تلك الروايات قد كان بعنوان
التفسير ، أو بعنوان التنزيل ، مع عدم الامر بالتبليغ . ويضاف إلى ذلك أن
المتخلفين عن بيعة أبي بكر لم يحتجوا بذكر اسم علي في القرآن ، ولو كان له
ذكر في الكتاب لكان ذلك أبلغ في الحجة ، ولا سيما أن جمع القرآن - بزعم
المستدل - كان بعد تمامية أمر الخلافة بزمان غير يسير ، فهذا من الادلة الواضحة
على عدم ذكره في الايات .
الطائفة الثالثة : هي الروايات التي دلت على وقوع التحريف في القرآن
بالزيادة والنقصان ، وان الامة بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم غيرت بعض الكلمات وجعلت . مكانها كلمات أخرى . فمنها : ما رواه علي بن ابراهيم القمي ، بإسناده عن حريز عن أبي عبد الله
عليه السلام : " صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين " .
ومنها : ما عن العياشي ، عن هشام بن سالم . قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن قوله تعالى :
" إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل
عمران 33 : 3 " .
قال : هو آل إبراهيم وآل محمد على العالمين ، فوضعوا اسما مكان اسم . أي
انهم غيرا فجعلوا مكان آل محمد آل عمران .
والجواب :
عن الاستدلال بهذه الطائفة - بعد الاغضاء عما في سندها من الضعف - أنها
مخالفة للكتاب ، والسنة ، ولاجماع المسلمين على عدم الزيادة في القرآن ولا حرفا
واحدا حتى من القائلين بالتحريف . وقد ادعى الاجماع جماعة كثيرون على عدم
الزيادة في القرآن ، وأن مجموع ما بين الدفتين كله من القرآن . وممن ادعى الاجماع
الشيخ المفيد ، والشيخ الطوسي ، والشيخ البهائي ، وغيرهم من الاعاظم قدس الله
أسرارهم . وقد تقدمت رواية الاحتجاج الدالة على عدم الزيادة في القرآن .
الطائفة الرابعة : هي الروايات التي دلت على التحريف في القرآن
بالنقيصة فقط .
والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة :
أنه لا بد من حملها على ما تقدم في معنى الزيادات في مصحف أمير المؤمنين
- عليه السلام - وإن لم يمكن ذلك الحمل في جملة منها فلا بد من طرحها لانها مخالفة
للكتاب والسنة ، وقد ذكرنا لها في مجلس بحثنا توجيها آخر أعرضنا عن ذكره
هنا حذرا من الاطالة ، ولعله أقرب المحامل ، ونشير إليه في محل آخر إن شاء
الله تعالى .
على أن أكثر هذه الروايات بل كثيرها ضعيفة السند . وبعضها لا يحتمل
صدقه في نفسه . وقد صرح جماعة من الاعلام بلزوم تأويل هذه الروايات أو
لزوم طرحها .
البيان للسيد الخوئي ص226 ـ 234