إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سورة البقرة يَأَيهَا النّاس اعْبُدُوا رَبّكُمُ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سورة البقرة يَأَيهَا النّاس اعْبُدُوا رَبّكُمُ

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صلِ على محمد وال محمد
    2 سورة البقرة - 21 - 25

    يَأَيهَا النّاس اعْبُدُوا رَبّكُمُ الّذِى خَلَقَكُمْ وَ الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ (21) الّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأَرْض فِرَشاً وَ السمَاءَ بِنَاءً وَ أَنزَلَ مِنَ السمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثّمَرَتِ رِزْقاً لّكُمْ فَلا تجْعَلُوا للّهِ أَندَاداً وَ أَنتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَ إِن كنتُمْ فى رَيْبٍ مِّمّا نَزّلْنَا عَلى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَ ادْعُوا شهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صدِقِينَ (23) فَإِن لّمْ تَفْعَلُوا وَ لَن تَفْعَلُوا فَاتّقُوا النّارَ الّتى وَقُودُهَا النّاس وَ الحِْجَارَةُ أُعِدّت لِلْكَفِرِينَ (24) وَ بَشرِ الّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ أَنّ لهَُمْ جَنّتٍ تجْرِى مِن تحْتِهَا الأَنْهَرُ كلّمَا رُزِقُوا مِنهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُوا هَذَا الّذِى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَ أُتُوا بِهِ مُتَشبِهاً وَ لَهُمْ فِيهَا أَزْوَجٌ مّطهّرَةٌ وَ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ (25)

    بيان
    قوله تعالى: يا أيها الناس اعبدوا "إلخ"، لما بين سبحانه: حال الفرق الثلاث: المتقين و الكافرين، و المنافقين، و أن المتقين على هدى من ربهم و القرآن هدى لهم، و أن الكافرين مختوم على قلوبهم و على سمعهم و على أبصارهم غشاوة، و أن المنافقين مرضى و زادهم الله مرضا و هم صم بكم عمي و ذلك في تمام تسع عشرة آية فرع تعالى على ذلك أن دعى الناس إلى عبادته و أن يلتحقوا بالمتقين دون الكافرين و المنافقين بهذه الآيات الخمس إلى قوله: خالدون.
    و هذا السياق يعطي كون قوله: لعلكم تتقون متعلقا بقوله: اعبدوا، دون قوله خلقكم و إن كان المعنى صحيحا على كلا التقديرين.
    و قوله تعالى: فلا تجعلوا لله أندادا و أنتم تعلمون، الأنداد جمع ند كمثل، وزنا و معنى و عدم تقييد قوله تعالى: و أنتم تعلمون بقيد خاص و جعله حالا من قوله تعالى فلا تجعلوا، يفيد التأكيد البالغ في النهي بأن الإنسان و له علم ما كيفما كان لا يجوز له أن يتخذ لله سبحانه أندادا و الحال أنه سبحانه هو الذي خلقهم و الذين من قبلهم ثم نظم النظام الكوني لرزقهم و بقائهم.
    و قوله تعالى: فأتوا بسورة من مثله أمر تعجيزي لإبانة إعجاز القرآن، و أنه كتاب منزل من عند الله لا ريب فيه، إعجازا باقيا بمر الدهور و توالي القرون و قد تكرر في كلامه تعالى: "هذا التعجيز كقوله تعالى قل لئن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا": الإسراء - 88، و قوله تعالى: "أم يقولون افتريه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات و ادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين": هود - 13.
    و على هذا فالضمير في مثله عائد إلى قوله تعالى: مما نزلنا، و يكون تعجيزا بالقرآن نفسه و بداعة أسلوبه و بيانه.
    و يمكن أن يكون الضمير راجعا إلى قوله: عبدنا، فيكون تعجيزا بالقرآن من حيث إن الذي جاء به رجل أمي لم يتعلم من معلم و لم يتلق شيئا من هذه المعارف الغالية العالية و البيانات البديعة المتقنة من أحد من الناس فيكون الآية في مساق قوله تعالى: قل لو شاء الله ما تلوته عليكم و لا أدريكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أ فلا تعقلون": يونس - 16، و قد ورد التفسيران معا في بعض الأخبار.
    و اعلم: أن هذه الآية كنظائرها تعطي إعجاز أقصر سورة من القرآن كسورة الكوثر و سورة العصر مثلا، و ما ربما يحتمل من رجوع ضمير مثله إلى نفس السورة كسورة البقرة أو سورة يونس مثلا يأباه الفهم المستأنس بأساليب الكلام إذ من يرمي القرآن بأنه افتراء على الله تعالى إنما يرميه جميعا و لا يخصص قوله ذاك بسورة دون سورة، فلا معنى لرده بالتحدي بسورة البقرة أو بسورة يونس لرجوع المعنى حينئذ إلى مثل قولنا: و إن كنتم في ريب من سورة الكوثر أو الإخلاص مثلا فأتوا بسورة مثل سورة يونس و هو بين الاستهجان هذا.
    الإعجاز و ماهيته
    اعلم: أن دعوى القرآن أنها آية معجزة بهذا التحدي الذي أبدتها هذه الآية تنحل بحسب الحقيقة إلى دعويين، و هما دعوى ثبوت أصل الإعجاز و خرق العادة الجارية و دعوى أن القرآن مصداق من مصاديق الإعجاز و معلوم أن الدعوى الثانية تثبت بثبوتها الدعوى الأولى، و القرآن أيضا يكتفي بهذا النمط من البيان و يتحدى بنفسه فيستنتج به كلتا النتيجتين غير أنه يبقى الكلام على كيفية تحقق الإعجاز مع اشتماله على ما لا تصدقه العادة الجارية في الطبيعة من استناد المسببات إلى أسبابها المعهودة المشخصة من غير استثناء في حكم السببية أو تخلف و اختلاف في قانون العلية، و القرآن يبين حقيقة الأمر و يزيل الشبهة فيه.
    فالقرآن يشدق في بيان الأمر من جهتين.
    الأولى: أن الإعجاز ثابت و من مصاديقه القرآن المثبت لأصل الإعجاز و لكونه منه بالتحدي.
    الثانية: أنه ما هو حقيقة الإعجاز و كيف يقع في الطبيعة أمر يخرق عادتها و ينقض كليتها.
    إعجاز القرآن
    لا ريب في أن القرآن يتحدى بالإعجاز في آيات كثيرة مختلفة مكية و مدنية تدل جميعها على أن القرآن آية معجزة خارقة حتى أن الآية السابقة أعني قوله تعالى: "و إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله" الآية، أي من مثل النبي " (صلى الله عليه وآله وسلم)" استدلال على كون القرآن معجزة بالتحدي على إتيان سورة نظيرة سورة من مثل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا أنه استدلال على النبوة مستقيما و بلا واسطة، و الدليل عليه قوله تعالى في أولها: "و إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا" و لم يقل و إن كنتم في ريب من رسالة عبدنا، فجميع التحديات الواقعة في القرآن نحو استدلال على كون القرآن معجزة خارقة من عند الله، و الآيات المشتملة على التحدي مختلفة في العموم و الخصوص و من أعمها تحديا قوله تعالى: "قل لئن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا": الإسراء - 88، و الآية مكية و فيها من عموم التحدي ما لا يرتاب فيه ذو مسكة.
    فلو كان التحدي ببلاغة بيان القرآن و جزالة أسلوبه فقط لم يتعد التحدي قوما خاصا و هم العرب العرباء من الجاهليين و المخضرمين قبل اختلاط اللسان و فساده، و قد قرع بالآية أسماع الإنس و الجن.
    و كذا غير البلاغة و الجزالة من كل صفة خاصة اشتمل عليها القرآن كالمعارف الحقيقية و الأخلاق الفاضلة و الأحكام التشريعية و الأخبار المغيبة و معارف أخرى لم يكشف البشر حين النزول عن وجهها النقاب إلى غير ذلك، كل واحد منها مما يعرفه بعض الثقلين دون جميعهم، فإطلاق التحدي على الثقلين ليس إلا في جميع ما يمكن فيه التفاضل في الصفات.
    فالقرآن آية للبليغ في بلاغته و فصاحته، و للحكيم في حكمته، و للعالم في علمه و للاجتماعي في اجتماعه، و للمقننين في تقنينهم و للسياسيين في سياستهم، و للحكام في حكومتهم، و لجميع العالمين فيما لا ينالونه جميعا كالغيب و الاختلاف في الحكم و العلم، و البيان.
    و من هنا يظهر أن القرآن يدعي عموم إعجازه من جميع الجهات من حيث كونه إعجازا لكل فرد من الإنس و الجن من عامة أو خاصة أو عالم أو جاهل أو رجل أو امرأة أو فاضل بارع في فضله أو مفضول إذا كان ذا لب يشعر بالقول، فإن الإنسان مفطور على الشعور بالفضيلة و إدراك الزيادة و النقيصة فيها، فلكل إنسان أن يتأمل ما يعرفه من الفضيلة في نفسه أو في غيره من أهله ثم يقيس ما أدركه منها إلى ما يشتمل عليه القرآن فيقضي بالحق و النصفة، فهل يتأتى القوة البشرية أن يختلق معارف إلهية مبرهنة تقابل ما أتى به القرآن و تماثله في الحقيقة؟
    و هل يمكنها أن تأتي بأخلاق مبنية على أساس الحقائق تعادل ما أتى به القرآن في الصفاء و الفضيلة؟
    و هل يمكنها أن يشرع أحكاما تامة فقهية تحصي جميع أعمال البشر من غير اختلاف يؤدي إلى التناقض مع حفظ روح التوحيد و كلمة التقوى في كل حكم و نتيجته، و سريان الطهارة في أصله و فرعه؟ و هل يمكن أن يصدر هذا الإحصاء العجيب و الإتقان الغريب من رجل أمي لم يترب إلا في حجر قوم حظهم من الإنسانية على مزاياها التي لا تحصى و كمالاتها التي لا تغيا أن يرتزقوا بالغارات و الغزوات و نهب الأموال و أن يئدوا البنات و يقتلوا الأولاد خشية إملاق و يفتخروا بالآباء و ينكحوا الأمهات و يتباهوا بالفجور و يذموا العلم و يتظاهروا بالجهل و هم على أنفتهم و حميتهم الكاذبة أذلاء لكل مستذل و خطفة لكل خاطف فيوما لليمن و يوما للحبشة و يوما للروم و يوما للفرس؟
    فهذا حال عرب الحجاز في الجاهلية.

    و هل يجتري عاقل على أن يأتي بكتاب يدعيه هدى للعالمين ثم يودعه أخبارا في الغيب مما مضى و يستقبل و فيمن خلت من الأمم و فيمن سيقدم منهم لا بالواحد و الاثنين في أبواب مختلفة من القصص و الملاحم و المغيبات المستقبلة ثم لا يتخلف شيء منها عن صراط الصدق؟.
    و هل يتمكن إنسان و هو أحد أجزاء نشأة الطبيعة المادية و الدار دار التحول و التكامل أن يداخل في كل شأن من شئون العالم الإنساني و يلقي إلى الدنيا معارف و علوما و قوانين و حكما و مواعظ و أمثالا و قصصا في كل ما دق و جل ثم لا يختلف حاله في شيء منها في الكمال و النقص و هي متدرجة الوجود متفرقة الإلقاء و فيها ما ظهر ثم تكرر و فيها فروع متفرعة على أصولها؟ هذا مع ما نراه أن كل إنسان لا يبقى من حيث كمال العمل و نقصه على حال واحدة.
    فالإنسان اللبيب القادر على تعقل هذه المعاني لا يشك في أن هذه المزايا الكلية و غيرها مما يشتمل عليه القرآن الشريف كلها فوق القوة البشرية و وراء الوسائل الطبيعية المادية و إن لم يقدر على ذلك فلم يضل في إنسانيته و لم ينس ما يحكم به وجدانه الفطري أن يراجع فيما لا يحسن اختباره و يجهل مأخذه إلى أهل الخبرة به.
    فإن قلت: ما الفائدة في توسعة التحدي إلى العامة و التعدي عن حومة الخاصة فإن العامة سريعة الانفعال للدعوة و الإجابة لكل صنيعة و قد خضعوا لأمثال الباب و البهاء و القادياني و المسيلمة على أن ما أتوا به و استدلوا عليه أشبه بالهجر و الهذيان منه بالكلام.
    قلت: هذا هو السبيل في عموم الإعجاز و الطريق الممكن في تمييز الكمال و التقدم في أمر يقع فيه التفاضل و السباق، فإن أفهام الناس مختلفة اختلافا ضروريا و الكمالات كذلك، و النتيجة الضرورية لهاتين المقدمتين أن يدرك صاحب الفهم العالي و النظر الصائب و يرجع من هو دون ذلك فهما و نظرا إلى صاحبه، و الفطرة حاكمة و الغريزة قاضية.
    و لا يقبل شيء مما يناله الإنسان بقواه المدركة و يبلغه فهمه العموم و الشمول لكل فرد في كل زمان و مكان بالوصول و البلوغ و البقاء إلا ما هو من سنخ العلم و المعرفة على الطريقة المذكورة، فإن كل ما فرض آية معجزة غير العلم و المعرفة فإنما هو موجود طبيعي أو حادث حسي محكوم بقوانين المادة محدود بالزمان و المكان فليس بمشهود إلا لبعض أفراد الإنسان دون بعض و لو فرض محالا أو كالمحال عمومه لكل فرد منه فإنما يمكن في مكان دون جميع الأمكنة، و لو فرض اتساعه لكل مكان لم يمكن اتساعه لجميع الأزمنة و الأوقات.
    فهذا ما تحدى به القرآن تحديا عاما لكل فرد في كل مكان في كل زمان.
    تحديه بالعلم
    والحمد الله على نعمة الله وفضله علينا
    الحاسد مضر بنفسه قبل أن يضر بالمحسود
يعمل...
X