بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
يعبَر الصوت بوضوح عن شخصية الإنسان ومكانته وأهدافه وطموحاته وآماله ,فهو احد جوانب التعبير المادية فيه ,وخير وسيلة لفهم الآخرين من حولنا واحتياجاتهم وإيصال ما مخزون في دواخلنا إليهم .وعادة ماتقترن دلالات الصوت بملامح تشكيلية ملائمة وبإيماءات وحركات تعبيرية(1).
إن مادة تربية الصوت والسمع في محصلتها النهائية والتي تعتبر )جمناستكية( الجهاز الصوتي عبرتما رين الحجاب الحاجز الفاصل بين تجويف البطني والقفص الصدري وتوسيع المدى الصوتي عبر تمارين الحبال الصوتية داخل الحنجرة والتحكم بمخارج الحروف من مواقعها المختلفة في الفم وإظهارها باللمعان والبريق المطلوب من خلال دفع الهواء إلى المناطق الأكثر أهمية من فعل(المقام) النغم وفي (المخطط رقم 4 للوجه الجانبي) وقد وضحت هذه المناطق بالخطوط المضللة وهي أعلى باطن الفم وعظام الأنف والجيوب الأنفية والجبينين وجيوب الجبهة, فعملية الشهيق العميق والزفير الاقتصادي المحسوب تعني التحكم الإرادي بحركة الحجاب الحاجز بدقة إلى الأسفل أي الضغط على مكونات الجهاز الهضمي و ودفعه إلى الأعلى للضغط على الرئتين ليندفع الهواء عبر القصبة الهوائية عند الزفير بمستوى اقتصادي محسوب إيقاعيا أي إخراج الزفير بأعلى عدد ممكن من الضربات أو العد بسرعة متوسطة .
ويوفر الصوت المادة الخام لنطق المقاطع والكلمات والجمل التي نسمعها في المهد ونتدرب على نطقها في طفولتنا بين أحضان مربينا .واللغة أو اللغات القومية هي المرحلة الرابعة من مراحل تطور الفكر الإنساني كما حددها الباحث الانكليزي دفعه إلى الأسفل أي الضغط على مكونات الجهاز الهضمي ماكس موللر(Max Muller), وهي في مرحلتها الأولى أصوات ذات دلالات معرفية محددة . تميَز الإنسان عن غيره من المخلوقات اللبونة الأدنى , لكونه استطاع تنظيمها وتطويرها
والتعبير بوساطتها عن الأساطير التي ساعدته على فهم الكون والطبيعة والأرض ووجد طرائق لتدوينها وحفظها منذ مرحلة تكوين العائلات اللغوية الأولى الرئيسة واختراع الكتابة المسمارية والهيروغرافية .
ويبقى الصوت صفة مميزة تفصح عن مشاعر الإنسان الدفينة الكامنة في أعماق النفس .فبضع كلمات وهي أصوات منغمة ينطقها الإنسان سرعان ما توضح عما يختلج في صدره وتفشي أسرار فؤاده.وقد قيل قديما(اللسان ترجمان الإنسان) أي إن نطقه للكلمات يجعله قادرا على أن يترجم أحاسيسه وعواطفه وأفكاره إلى الآخرين وقد نقل عن احد المختصين (ريخارد فاكنر)انه قال (الكلمة ليست سوى وسيلة لنقل الأفكار والاتصال بين الناس إلا إن تأثيرها لايمكن إلا بموسيقى الصوت البشري.
فيمكنك مثلاً أن ترحب برد السلام على من تقابله وهو يحييك قائلاً(السلام عليك),فتشعره بارتياحك منه أو أن تشعره بعدم ارتياحك منه ,أو غضبك عليه أو سخريتك منه ,أو غير ذلك من المضامين والمشاعر والأحاسيس .بتغيرك موسيقى صوت مقاطع قولك (وعليك السلام)فقط .فالجملة لم تتغير هنا بل تغيرت الصوت البشري النغمية عند نطقها.وهنا يبرز دور التأثير في السامع بتغير مكونات الأداء من الروحية والتفاعل والانسجام مع محتوى النص القرآني أو غيره.ولأجل الوصول إلى التعبير الصوتي المطلوب لطريقة إلقائنا للعبارات أو الآيات القرآنية والجمل وخاصة النصوص القرآنية في مجال تجويد آيات الذكر الحكيم علينا اخذ موضوع الصوت وطرائق تربيته بالجدية المطلوبة في مختلف مناهجنا التعليمية والتربوية والفنية وبالأخص أولئك المتعاملين مع جهازهم الصوتي كوسيلة أساسية لنقل الأفكار والمفاهيم ضمن ما يمارسونه من عمل يومي وذلك (كالمنشدين والمبتهلين والمجودين القرآنيين والخطباء والإعلاميين والإذاعيين والشعراء) مع الناس عبر وسائل الإعلام المرئي والمسموع.
إننا نسعى في مادة تربية الصوت والسمع إلى كيفية الاستعمال الصحيح والحسن في استعمال الجهاز الصوتي لدى الإنسان بحيث نستطيع التحكم في إخراج الصوت بحث يكون مؤثرا ومعبرا عن الإحساس المطلوب تجسيده والتعبير عن مفردات النص بأفضل أداء ممكن.
لذا مادة تربية الصوت والسمع تعني بتدريب الطلبة على كيفية أداء الإنشاد أو النص القرآني بحسب طول النص المرتل أو المجود أو المنشد مع مراعاة النطق الصحيح للحروف من مخارجها من الفم وبالنغمة أو النغمات المحددة مع مراعاة سرعة الأداء وقوته .فأساس تدريبات تربية الصوت والسمع تعتمد على جهاز تنفسي صوتي سليم وإذن موسيقية حساسة وذاكرة لحنية وإيقاعية ونطق صحيح لمخارج الحروف ,وإننا في الواقع عند لغة التخاطب اليومي طوال ساعات الحياة البيئة والاجتماعية وساعات العمل اليومي نعتمد على جهازنا التنفسي والصوتي في إخراج الكلمات والجمل وعلى أذاننا عند الاستماع لتساؤلات المحيطين بنا وإجاباتهم إلا إن هذه العملية لاتحسن أصواتنا ولا تربي طاقاتنا الصوتية الفطرية
فتبقى على مستوى معين من النغمات وأطوالها وسرعة نطقها وقوتها كما تعودنا عليها في محيطنا الاجتماعي ,أي ضمن تلك الأعراف الصوتية الاجتماعية والتي قد تختلف من فرية إلى أخرى ومن زقاق لأخر وضمن أجواء المدن الثقافية فتجدهم جميعا يتحدثون ويتخاطبون بنغمات وتنغيمات متشابه في أطوال حروفها وسرعتها وشدتها ,وبهذا يتبلور لديه مانطلق عليه بمصطلح ( اللهجة ) عند هذه الجماعة أو تلك.
ولكن عندما ننتقل على مستوى آخر من مستوى إخراج الكلمات والجمل وأعني مستوى (الإلقاء )أي عندما نلقي خطبة أو قصيدة أو موعظة أو تجويد قراني آنذاك علينا إن نبذل جهدا اكبر في عملية التنفس وبالأخص عند إخراج الزفير وتأنيا ودقة في اختيار النغمات وأطوالها لنوصل مقاطع الكلمات إلى حلقة أوسع من المتلقين ولاج لان يكون (الإلقاء) مستساغاً ومشوقا علينا أن ننوع نغماته وأطوالها وسرعتها وشدتها بما يناسب مع الأعراف الصوتية الدينية والحوارات الإنشادية وأداء التجويد القرآني ونداءات وشعارات المتظاهرين .
وهكذا يزداد الجهد التنفسي والتنوع اللحني والإيقاعي وسرعته وشدته عند الانتقال إلى مستوى أدائي آخر وهو (الإنشاد) أي إنشاد النص النثري أو الشعري كما أننا بحاجة إلى تنسيق أدق وسيطرة اكبر على الجهاز التنفسي وطرائق إخراج الحروف من مواقعها من الفم وتحريكها بأحرف العلة والحركات وكذلك التعامل بحساسية اكبر وذائقة جمالية من الناحية التنغيمية عند الانتقال إلى مستوى الإنشاد بأنواعه وإشكاله المتداولة وهو المستوى الرابع(2). ولتحقيق النتائج المطلوبة في مادة التربية الصوت السمع علينا إجراء التمرينات المنتظمة للجهاز الصوتي وباتساق تام مع الجهاز السمعي ومعرفة مخارج الأحرف من الفم وكيفية تقويتها لكي ترتقي من مستوى لغة التخاطب اليومية إلى اللغة المعبرة عن مضمون في مواصفات فنية وجمالية .كما إن السيطرة الكاملة على الأعصاب شرط أخر مطلوب في عملية إنتاج الحروف ونطق الكلمات وحروفها كما أكد أكثر من باحث متخصص في هذا المجال فان أي توتر أو تراخي يصيب المتدرب عند ذلك يستحيل. ولم تعد نظرة العديد من الدارسين الذاهبة إلى القول بان العلماء العرب لم يكونوا عارفين بالأعضاء النطقية معرفة دقيقة مقبولة وذلك بعد العثور على العديد من النصوص التي تدل على هذه المعرفة إذ يعد الإمام (جعفر الصادق عليه السلام ت 148هجرية)(3).
و من أوائل العلماء العرب الذين وصفوا الأعضاء النطقية وصفا دقيقا يكاد يقرب من الوصف الحديث ,وذلك من خلال ما نقله عنه أبو عبد الله المفضل كان حيا عام 183هجرية في كتابه (توحيد المفضل),إذ وصف تلك الأعضاء ب(آلات النطق الإنساني) ,وتتبعها من الحنجرة حتى الشفتين ,إذ قال مخاطبا المفضل اطل الفكر يا مفضل في الصوت والكلام وتهيئة آلاته في الإنسان ,فالحنجرة كالأنبوبة لخروج الصوت ,واللسان والشفتان والأسنان لصياغة الأصوات والنغم ,ألا ترى إن من سقطت أسنانه لم يقم السين ومن سقطت شفته لم يصحح الفاء ومن ثقل لسانه لم يفصح الراء ,وأشبه شيء بذلك المزمار الأعظم ,فالحنجرة تشبه قصبة المزمار والرئة تشبه الرق الذي ينفخ فيه لتدخل الريح ,والعضلات التي تقبض على الرئة ليخرج الصوت كالأصابع التي تقبض على الرق حتى تجري الريح في المزامير.
ومن هنا نستطيع أن نعرف معنى ( تربية الصوت والسمع) :
أولاً: بأنه فن تجميل الكلام وهو النص النثري أو القرآني أو الشعري الذي نلقيه أو نرتله أو ننشده أو نجوده فنهدف في مادة تربية الصوت والسمع إلى تطويرا لصوت البشري لنصل به إلى البريق واللمعان المطلوب وإمكانية المناورة دون استعمال الجهاز والمايكروفون أو أي نوع من مضخمات الصوت .وهذا مانجده في الإنشاد الديني والغناء الاوبرالي حيث يستطيع المنشد أو المغني إيصال صوته إلى آخر مقعد في القاعة أو المسرح المكشوفة .
ثانياً:كما نهدف إلى توسيع المدى الصوتي أي زيادة عدد نغمات المستخرجة من الجهاز الصوتي بين اخفض نغمة وأعلى نغمة مستخرجة .ويختلف المدى الصوتي بين شخص وآخر إلا إن المطلوب أن يكون في حدود طبقتين (أوكتافان) أو حوالي أربعة عشر نغمة وكذلك زيادة وضوح نطق المقاطع اللغوية التحكم في أماكن السكوت أو الوقوف بين العبارات والجمل والتدرج في الإبطاء والسرعة والضعف والقوة نتيجة الإحساس بمضمون النص وكيفية التعبير عنه ونقل تلك المشاعر والأحاسيس للسامع .
ثالثا: وتساعد مادة تربية الصوت والسمع على تطوير شخصية الدارس من ناحية الأداء الصوتي وتناسقه مع الحال التي يمر بها الدارس فنيا واجتماعيا إن مادة تربية الصوت في محصلتها تعني جمناستيكية الجهاز الصوتي عبر تمارين الحجاب الحاجز الفاصل بين تجويف البطن والقفص الصدري الذي سنتكلم عنه في فصل تطوير الطاقة التنفسية .
رابعاً:توسيع المدى الصوتي عبرتما رين الحبال الصوتية داخل حجرة الحنجرة والتحكم بمخارج الحروف ومواقعها المختلفة في الفم وإظهارها باللمعان والريق المطلوب من خلال دفع الهواء إلى المناطق الأكثر أهمية للفعل النغمي .وبدون تحسس نغمي (صوتي)أو يفترض أن يكون المتدرب في مادة تربية الصوت يمتلك هذا التحسس النغمي ولايمكن السيطرة على الحبال الصوتية داخل غرفة الحنجرة لتعطي النغمات المطلوبة المطابقة للآلة الصوتية أو التدوين الصوتي وبالتالي المعرفة الدقيقة لمخارج الحروف من الفم هي التي توصلنا إلى النطق السليم والصحيح لإيصال المضمون على جسر من التتابع النغمي المناسب وبالطبقة الصوتية المطلوبة على وفق مايناسب طبقة المتدرب أو المتدربة .
خامساً:معرفة أماكن ومساحات ومد ارج الصوت البشري ذات أهمية بالغة عند النطق ويتم ذلك من خلال تحرك وفعالية كل عضو في حدوده المرسومة له .وعدم المعرفة الدقيقة لها ينتج أن مقرئ القران الكريم أو المنشد الحسيني يقرأ حروفا غير كاملة وغير نظيفة ومشوهة ومن خلال تجانس الحرف وتآلفها تتكون الكلمات والتراكيب اللغوية المنطوقة أو المجودة أو المرتلة أو المنَشدة .
سادساً:إن السيطرة على الأعصاب شرط أخر مطلوب في عملية إنتاج الحروف ونطق الكلمات وحروفها كما أكد ذلك أكثر من باحث متخصص في هذا المجال فان أي توتر أو تراخي يصيب الطالب المتدرب عند ذلك يستحيل فيه عملية إنتاج الحروف والكلمات حسب نغماتها المحدودة أو لنقول على اقل تقدير يفتقد إلى القيادة المركزية والسيطرة على أدوداته في إنتاج الأحرف الكاملة من مخارجها وبالشكل الذي حافظت عليه الأعراف الصوتية المتناقلة عبر الأجيال .
إن معنى مايسمى بمخارج الحروف هو إن الحروف العربية التسعة والعشرين المعروفة اليوم في أبجدية العربية الفصحى لكل حرف منها مكان مخصص له من الفم وأسباب تكوين الحروف عديدة وللسان دور مهم في النطق لكثير منها عند قرعة مخارجها واحتكاكه بها وعند تحريكا ته العضلية وهناك حروف لاصلة للسان بمخارجها ولادورله فيها كحرف الميم والهاء وسائر حروف الحلق التي يعود أمرها إلى النظام الحنجري (إلى الحنجرة).
لدى الإنسان اثني عشر عضواً يشارك كل منها بشكل مباشر أو غير مباشر لتكوين مقاطع الكلمات ونطقها وأبعاد الأنغام وغنائها والتحكم الدقيق في هندسة
اللفظ العربي الفصيح وهدفنا أن نعطي صورة واضحة عن طبيعة كل عضو وفعاليته من الناحية الفسيولوجية,وعند دراسة الطالب لهذه الأعضاء تشريحيا فانه سيدرك تكوين أنسجتها والغضاريف والعضلات المكونة لها والتي يمكن أن تنمو وتكبر وتتوسع وتزداد فعالية من خلال التمارين وبدون ذلك يمكن أن تضعف وتكسل وتضمر وربما تصبح عاجزة في أداء وظيفتها وعند أداء تمرينات تربية الصوت إننا نساهم في تطوير أعضاء أجهزة النطق وذلك من خلال
1- المعرفة التشريحية لكل عضو.
2- توفير التمارين العضلية العملية لكل عضو على انفراد .ولم تكن لهذه النقطة أن تأخذ مجالها التطبيقي مالم تتوفر معرفة دقيقة للنقطة الأولى.
3- ويجدر بنا الإشارة إلى إن التسمية التي نطلقها على أعضاء وأجهزة النطق الإثني عشر هي تسمية مجازية وذلك لوجود وظائف أخرى لها أساسية لاستمرار حياة الإنسان فالرئتان وظيفتها الأساسية ترتبط بعمليتي الشهيق والزفير أي تزود الجسم بالأوكسجين عند الشهيق
وإخراج ثاني اوكسيد الكربون وغازات أخرى عند الزفير كما
للفم وظيفة أساسية أخرى غير النطق إلا وهي استقبال الطعام وتقطيعه بواسطة الأسنان ومضغه ودفعه للمرئ وهكذا أعضاء النطق الأخرى فالأنف والبلعوم ولسان المزمار وغير ذلك وقد جاءت الوظيفة الثانية لهذه الأعضاء
ألا وهي (النطق)المرتبطة مع حركة تطور الإنسان ورقيه شيئا فشيئاً خلال عشرات القرون(4). وتختلف عملية النطق من لغة إلى أخرى ومن مستوى حضاري وثقافي لأخر وهناك شعوب لا تستطيع نطق حروف شعوب أخرى ومن المعروف إن اللغة العربية قد احتوت مخارج أحرفها على أغلب الأصوات التي تتداول في اللغات المتداولة في العالم. وعلينا أن نتذكر أن قسما من أعضاء وأجهزة النطق متحركة مثل اللسان والشفتان ويمكن التحكم بها كما يجب عند النطق في حين إن القسم الأخر من تلك الأعضاء ثابتة في مواقعها ولكن لها حركة ذاتية عند التوسع والتقلص مثل الرئتان والحجاب الحاجز والحنجرة.
------------------------------------------
1-تدريب الصوت البشري ,ج1.البروفسور طارق حسون فريد. إصدارات المركز العراقي للدراسات الموسيقية المقارنة.2008م.
2-دراسة في البرنامج الصوتي (لتطوير قابليات مجودي القران الكريم ومجالس التعزية الحسينية والندب). مط شعبة الطباعة، العتبة الحسينية المقدسة،2009م.
3-المدارس الصوتية عند العرب النشأة والتطور ,الدكتور علاء جبر ,دار الكتب العلمية ,بيروت لبنان,الطبعة الأولى,2006م.
4-فن الالقاء،سامي عبد الحميد وبدري حسون فريد،مط جامعة بغداد،1980.
يعبَر الصوت بوضوح عن شخصية الإنسان ومكانته وأهدافه وطموحاته وآماله ,فهو احد جوانب التعبير المادية فيه ,وخير وسيلة لفهم الآخرين من حولنا واحتياجاتهم وإيصال ما مخزون في دواخلنا إليهم .وعادة ماتقترن دلالات الصوت بملامح تشكيلية ملائمة وبإيماءات وحركات تعبيرية(1).
إن مادة تربية الصوت والسمع في محصلتها النهائية والتي تعتبر )جمناستكية( الجهاز الصوتي عبرتما رين الحجاب الحاجز الفاصل بين تجويف البطني والقفص الصدري وتوسيع المدى الصوتي عبر تمارين الحبال الصوتية داخل الحنجرة والتحكم بمخارج الحروف من مواقعها المختلفة في الفم وإظهارها باللمعان والبريق المطلوب من خلال دفع الهواء إلى المناطق الأكثر أهمية من فعل(المقام) النغم وفي (المخطط رقم 4 للوجه الجانبي) وقد وضحت هذه المناطق بالخطوط المضللة وهي أعلى باطن الفم وعظام الأنف والجيوب الأنفية والجبينين وجيوب الجبهة, فعملية الشهيق العميق والزفير الاقتصادي المحسوب تعني التحكم الإرادي بحركة الحجاب الحاجز بدقة إلى الأسفل أي الضغط على مكونات الجهاز الهضمي و ودفعه إلى الأعلى للضغط على الرئتين ليندفع الهواء عبر القصبة الهوائية عند الزفير بمستوى اقتصادي محسوب إيقاعيا أي إخراج الزفير بأعلى عدد ممكن من الضربات أو العد بسرعة متوسطة .
ويوفر الصوت المادة الخام لنطق المقاطع والكلمات والجمل التي نسمعها في المهد ونتدرب على نطقها في طفولتنا بين أحضان مربينا .واللغة أو اللغات القومية هي المرحلة الرابعة من مراحل تطور الفكر الإنساني كما حددها الباحث الانكليزي دفعه إلى الأسفل أي الضغط على مكونات الجهاز الهضمي ماكس موللر(Max Muller), وهي في مرحلتها الأولى أصوات ذات دلالات معرفية محددة . تميَز الإنسان عن غيره من المخلوقات اللبونة الأدنى , لكونه استطاع تنظيمها وتطويرها
والتعبير بوساطتها عن الأساطير التي ساعدته على فهم الكون والطبيعة والأرض ووجد طرائق لتدوينها وحفظها منذ مرحلة تكوين العائلات اللغوية الأولى الرئيسة واختراع الكتابة المسمارية والهيروغرافية .
ويبقى الصوت صفة مميزة تفصح عن مشاعر الإنسان الدفينة الكامنة في أعماق النفس .فبضع كلمات وهي أصوات منغمة ينطقها الإنسان سرعان ما توضح عما يختلج في صدره وتفشي أسرار فؤاده.وقد قيل قديما(اللسان ترجمان الإنسان) أي إن نطقه للكلمات يجعله قادرا على أن يترجم أحاسيسه وعواطفه وأفكاره إلى الآخرين وقد نقل عن احد المختصين (ريخارد فاكنر)انه قال (الكلمة ليست سوى وسيلة لنقل الأفكار والاتصال بين الناس إلا إن تأثيرها لايمكن إلا بموسيقى الصوت البشري.
فيمكنك مثلاً أن ترحب برد السلام على من تقابله وهو يحييك قائلاً(السلام عليك),فتشعره بارتياحك منه أو أن تشعره بعدم ارتياحك منه ,أو غضبك عليه أو سخريتك منه ,أو غير ذلك من المضامين والمشاعر والأحاسيس .بتغيرك موسيقى صوت مقاطع قولك (وعليك السلام)فقط .فالجملة لم تتغير هنا بل تغيرت الصوت البشري النغمية عند نطقها.وهنا يبرز دور التأثير في السامع بتغير مكونات الأداء من الروحية والتفاعل والانسجام مع محتوى النص القرآني أو غيره.ولأجل الوصول إلى التعبير الصوتي المطلوب لطريقة إلقائنا للعبارات أو الآيات القرآنية والجمل وخاصة النصوص القرآنية في مجال تجويد آيات الذكر الحكيم علينا اخذ موضوع الصوت وطرائق تربيته بالجدية المطلوبة في مختلف مناهجنا التعليمية والتربوية والفنية وبالأخص أولئك المتعاملين مع جهازهم الصوتي كوسيلة أساسية لنقل الأفكار والمفاهيم ضمن ما يمارسونه من عمل يومي وذلك (كالمنشدين والمبتهلين والمجودين القرآنيين والخطباء والإعلاميين والإذاعيين والشعراء) مع الناس عبر وسائل الإعلام المرئي والمسموع.
إننا نسعى في مادة تربية الصوت والسمع إلى كيفية الاستعمال الصحيح والحسن في استعمال الجهاز الصوتي لدى الإنسان بحيث نستطيع التحكم في إخراج الصوت بحث يكون مؤثرا ومعبرا عن الإحساس المطلوب تجسيده والتعبير عن مفردات النص بأفضل أداء ممكن.
لذا مادة تربية الصوت والسمع تعني بتدريب الطلبة على كيفية أداء الإنشاد أو النص القرآني بحسب طول النص المرتل أو المجود أو المنشد مع مراعاة النطق الصحيح للحروف من مخارجها من الفم وبالنغمة أو النغمات المحددة مع مراعاة سرعة الأداء وقوته .فأساس تدريبات تربية الصوت والسمع تعتمد على جهاز تنفسي صوتي سليم وإذن موسيقية حساسة وذاكرة لحنية وإيقاعية ونطق صحيح لمخارج الحروف ,وإننا في الواقع عند لغة التخاطب اليومي طوال ساعات الحياة البيئة والاجتماعية وساعات العمل اليومي نعتمد على جهازنا التنفسي والصوتي في إخراج الكلمات والجمل وعلى أذاننا عند الاستماع لتساؤلات المحيطين بنا وإجاباتهم إلا إن هذه العملية لاتحسن أصواتنا ولا تربي طاقاتنا الصوتية الفطرية
فتبقى على مستوى معين من النغمات وأطوالها وسرعة نطقها وقوتها كما تعودنا عليها في محيطنا الاجتماعي ,أي ضمن تلك الأعراف الصوتية الاجتماعية والتي قد تختلف من فرية إلى أخرى ومن زقاق لأخر وضمن أجواء المدن الثقافية فتجدهم جميعا يتحدثون ويتخاطبون بنغمات وتنغيمات متشابه في أطوال حروفها وسرعتها وشدتها ,وبهذا يتبلور لديه مانطلق عليه بمصطلح ( اللهجة ) عند هذه الجماعة أو تلك.
ولكن عندما ننتقل على مستوى آخر من مستوى إخراج الكلمات والجمل وأعني مستوى (الإلقاء )أي عندما نلقي خطبة أو قصيدة أو موعظة أو تجويد قراني آنذاك علينا إن نبذل جهدا اكبر في عملية التنفس وبالأخص عند إخراج الزفير وتأنيا ودقة في اختيار النغمات وأطوالها لنوصل مقاطع الكلمات إلى حلقة أوسع من المتلقين ولاج لان يكون (الإلقاء) مستساغاً ومشوقا علينا أن ننوع نغماته وأطوالها وسرعتها وشدتها بما يناسب مع الأعراف الصوتية الدينية والحوارات الإنشادية وأداء التجويد القرآني ونداءات وشعارات المتظاهرين .
وهكذا يزداد الجهد التنفسي والتنوع اللحني والإيقاعي وسرعته وشدته عند الانتقال إلى مستوى أدائي آخر وهو (الإنشاد) أي إنشاد النص النثري أو الشعري كما أننا بحاجة إلى تنسيق أدق وسيطرة اكبر على الجهاز التنفسي وطرائق إخراج الحروف من مواقعها من الفم وتحريكها بأحرف العلة والحركات وكذلك التعامل بحساسية اكبر وذائقة جمالية من الناحية التنغيمية عند الانتقال إلى مستوى الإنشاد بأنواعه وإشكاله المتداولة وهو المستوى الرابع(2). ولتحقيق النتائج المطلوبة في مادة التربية الصوت السمع علينا إجراء التمرينات المنتظمة للجهاز الصوتي وباتساق تام مع الجهاز السمعي ومعرفة مخارج الأحرف من الفم وكيفية تقويتها لكي ترتقي من مستوى لغة التخاطب اليومية إلى اللغة المعبرة عن مضمون في مواصفات فنية وجمالية .كما إن السيطرة الكاملة على الأعصاب شرط أخر مطلوب في عملية إنتاج الحروف ونطق الكلمات وحروفها كما أكد أكثر من باحث متخصص في هذا المجال فان أي توتر أو تراخي يصيب المتدرب عند ذلك يستحيل. ولم تعد نظرة العديد من الدارسين الذاهبة إلى القول بان العلماء العرب لم يكونوا عارفين بالأعضاء النطقية معرفة دقيقة مقبولة وذلك بعد العثور على العديد من النصوص التي تدل على هذه المعرفة إذ يعد الإمام (جعفر الصادق عليه السلام ت 148هجرية)(3).
و من أوائل العلماء العرب الذين وصفوا الأعضاء النطقية وصفا دقيقا يكاد يقرب من الوصف الحديث ,وذلك من خلال ما نقله عنه أبو عبد الله المفضل كان حيا عام 183هجرية في كتابه (توحيد المفضل),إذ وصف تلك الأعضاء ب(آلات النطق الإنساني) ,وتتبعها من الحنجرة حتى الشفتين ,إذ قال مخاطبا المفضل اطل الفكر يا مفضل في الصوت والكلام وتهيئة آلاته في الإنسان ,فالحنجرة كالأنبوبة لخروج الصوت ,واللسان والشفتان والأسنان لصياغة الأصوات والنغم ,ألا ترى إن من سقطت أسنانه لم يقم السين ومن سقطت شفته لم يصحح الفاء ومن ثقل لسانه لم يفصح الراء ,وأشبه شيء بذلك المزمار الأعظم ,فالحنجرة تشبه قصبة المزمار والرئة تشبه الرق الذي ينفخ فيه لتدخل الريح ,والعضلات التي تقبض على الرئة ليخرج الصوت كالأصابع التي تقبض على الرق حتى تجري الريح في المزامير.
ومن هنا نستطيع أن نعرف معنى ( تربية الصوت والسمع) :
أولاً: بأنه فن تجميل الكلام وهو النص النثري أو القرآني أو الشعري الذي نلقيه أو نرتله أو ننشده أو نجوده فنهدف في مادة تربية الصوت والسمع إلى تطويرا لصوت البشري لنصل به إلى البريق واللمعان المطلوب وإمكانية المناورة دون استعمال الجهاز والمايكروفون أو أي نوع من مضخمات الصوت .وهذا مانجده في الإنشاد الديني والغناء الاوبرالي حيث يستطيع المنشد أو المغني إيصال صوته إلى آخر مقعد في القاعة أو المسرح المكشوفة .
ثانياً:كما نهدف إلى توسيع المدى الصوتي أي زيادة عدد نغمات المستخرجة من الجهاز الصوتي بين اخفض نغمة وأعلى نغمة مستخرجة .ويختلف المدى الصوتي بين شخص وآخر إلا إن المطلوب أن يكون في حدود طبقتين (أوكتافان) أو حوالي أربعة عشر نغمة وكذلك زيادة وضوح نطق المقاطع اللغوية التحكم في أماكن السكوت أو الوقوف بين العبارات والجمل والتدرج في الإبطاء والسرعة والضعف والقوة نتيجة الإحساس بمضمون النص وكيفية التعبير عنه ونقل تلك المشاعر والأحاسيس للسامع .
ثالثا: وتساعد مادة تربية الصوت والسمع على تطوير شخصية الدارس من ناحية الأداء الصوتي وتناسقه مع الحال التي يمر بها الدارس فنيا واجتماعيا إن مادة تربية الصوت في محصلتها تعني جمناستيكية الجهاز الصوتي عبر تمارين الحجاب الحاجز الفاصل بين تجويف البطن والقفص الصدري الذي سنتكلم عنه في فصل تطوير الطاقة التنفسية .
رابعاً:توسيع المدى الصوتي عبرتما رين الحبال الصوتية داخل حجرة الحنجرة والتحكم بمخارج الحروف ومواقعها المختلفة في الفم وإظهارها باللمعان والريق المطلوب من خلال دفع الهواء إلى المناطق الأكثر أهمية للفعل النغمي .وبدون تحسس نغمي (صوتي)أو يفترض أن يكون المتدرب في مادة تربية الصوت يمتلك هذا التحسس النغمي ولايمكن السيطرة على الحبال الصوتية داخل غرفة الحنجرة لتعطي النغمات المطلوبة المطابقة للآلة الصوتية أو التدوين الصوتي وبالتالي المعرفة الدقيقة لمخارج الحروف من الفم هي التي توصلنا إلى النطق السليم والصحيح لإيصال المضمون على جسر من التتابع النغمي المناسب وبالطبقة الصوتية المطلوبة على وفق مايناسب طبقة المتدرب أو المتدربة .
خامساً:معرفة أماكن ومساحات ومد ارج الصوت البشري ذات أهمية بالغة عند النطق ويتم ذلك من خلال تحرك وفعالية كل عضو في حدوده المرسومة له .وعدم المعرفة الدقيقة لها ينتج أن مقرئ القران الكريم أو المنشد الحسيني يقرأ حروفا غير كاملة وغير نظيفة ومشوهة ومن خلال تجانس الحرف وتآلفها تتكون الكلمات والتراكيب اللغوية المنطوقة أو المجودة أو المرتلة أو المنَشدة .
سادساً:إن السيطرة على الأعصاب شرط أخر مطلوب في عملية إنتاج الحروف ونطق الكلمات وحروفها كما أكد ذلك أكثر من باحث متخصص في هذا المجال فان أي توتر أو تراخي يصيب الطالب المتدرب عند ذلك يستحيل فيه عملية إنتاج الحروف والكلمات حسب نغماتها المحدودة أو لنقول على اقل تقدير يفتقد إلى القيادة المركزية والسيطرة على أدوداته في إنتاج الأحرف الكاملة من مخارجها وبالشكل الذي حافظت عليه الأعراف الصوتية المتناقلة عبر الأجيال .
إن معنى مايسمى بمخارج الحروف هو إن الحروف العربية التسعة والعشرين المعروفة اليوم في أبجدية العربية الفصحى لكل حرف منها مكان مخصص له من الفم وأسباب تكوين الحروف عديدة وللسان دور مهم في النطق لكثير منها عند قرعة مخارجها واحتكاكه بها وعند تحريكا ته العضلية وهناك حروف لاصلة للسان بمخارجها ولادورله فيها كحرف الميم والهاء وسائر حروف الحلق التي يعود أمرها إلى النظام الحنجري (إلى الحنجرة).
لدى الإنسان اثني عشر عضواً يشارك كل منها بشكل مباشر أو غير مباشر لتكوين مقاطع الكلمات ونطقها وأبعاد الأنغام وغنائها والتحكم الدقيق في هندسة
اللفظ العربي الفصيح وهدفنا أن نعطي صورة واضحة عن طبيعة كل عضو وفعاليته من الناحية الفسيولوجية,وعند دراسة الطالب لهذه الأعضاء تشريحيا فانه سيدرك تكوين أنسجتها والغضاريف والعضلات المكونة لها والتي يمكن أن تنمو وتكبر وتتوسع وتزداد فعالية من خلال التمارين وبدون ذلك يمكن أن تضعف وتكسل وتضمر وربما تصبح عاجزة في أداء وظيفتها وعند أداء تمرينات تربية الصوت إننا نساهم في تطوير أعضاء أجهزة النطق وذلك من خلال
1- المعرفة التشريحية لكل عضو.
2- توفير التمارين العضلية العملية لكل عضو على انفراد .ولم تكن لهذه النقطة أن تأخذ مجالها التطبيقي مالم تتوفر معرفة دقيقة للنقطة الأولى.
3- ويجدر بنا الإشارة إلى إن التسمية التي نطلقها على أعضاء وأجهزة النطق الإثني عشر هي تسمية مجازية وذلك لوجود وظائف أخرى لها أساسية لاستمرار حياة الإنسان فالرئتان وظيفتها الأساسية ترتبط بعمليتي الشهيق والزفير أي تزود الجسم بالأوكسجين عند الشهيق
وإخراج ثاني اوكسيد الكربون وغازات أخرى عند الزفير كما
للفم وظيفة أساسية أخرى غير النطق إلا وهي استقبال الطعام وتقطيعه بواسطة الأسنان ومضغه ودفعه للمرئ وهكذا أعضاء النطق الأخرى فالأنف والبلعوم ولسان المزمار وغير ذلك وقد جاءت الوظيفة الثانية لهذه الأعضاء
ألا وهي (النطق)المرتبطة مع حركة تطور الإنسان ورقيه شيئا فشيئاً خلال عشرات القرون(4). وتختلف عملية النطق من لغة إلى أخرى ومن مستوى حضاري وثقافي لأخر وهناك شعوب لا تستطيع نطق حروف شعوب أخرى ومن المعروف إن اللغة العربية قد احتوت مخارج أحرفها على أغلب الأصوات التي تتداول في اللغات المتداولة في العالم. وعلينا أن نتذكر أن قسما من أعضاء وأجهزة النطق متحركة مثل اللسان والشفتان ويمكن التحكم بها كما يجب عند النطق في حين إن القسم الأخر من تلك الأعضاء ثابتة في مواقعها ولكن لها حركة ذاتية عند التوسع والتقلص مثل الرئتان والحجاب الحاجز والحنجرة.
------------------------------------------
1-تدريب الصوت البشري ,ج1.البروفسور طارق حسون فريد. إصدارات المركز العراقي للدراسات الموسيقية المقارنة.2008م.
2-دراسة في البرنامج الصوتي (لتطوير قابليات مجودي القران الكريم ومجالس التعزية الحسينية والندب). مط شعبة الطباعة، العتبة الحسينية المقدسة،2009م.
3-المدارس الصوتية عند العرب النشأة والتطور ,الدكتور علاء جبر ,دار الكتب العلمية ,بيروت لبنان,الطبعة الأولى,2006م.
4-فن الالقاء،سامي عبد الحميد وبدري حسون فريد،مط جامعة بغداد،1980.