سنناقشُ هذهِ الشّبهةَ على شكلِ نقاط:
الجزء الاول...
النقطةُ الأولى: هناكَ مُشتركاتٌ كثيرةٌ بينَ الأديانِ، الإسلامِ والمسيحيّةِ واليهوديّة، فليسَ كلُّ ما جاءَ في اليهوديّةِ والمسيحيّةِ والمجوسيّةِ يبطله الإسلامُ، لأنَّ مبدأ هذهِ الأديانِ واحدٌ، وهوَ اللهُ تعالى.
فجميعُ الأديانِ تدعو إلى الإلهِ الواحدِ الخالقِ، وتُخبرُ بوجودِ القيامةِ والجنّةِ والنّارِ، والإيمانِ بالأنبياءِ، والإيمانِ بالغيبِ، ووجودِ التّكاليفِ والعباداتِ، كالصّلاةِ والصّيامِ والزّكاةِ والحجِّ والأمرِ بالمعروفِ والنّهي عنِ المُنكر ... وان كانَت العِباداتُ تأخذُ شكلَها وكيفيّتَها الخاصّةَ في كلِّ شريعةٍ، وغيرِها منَ المشتركاتِ، نعَم هناكَ إضافاتٌ كثيرةٌ وتحريفاتٌ متواصلةٌ طرأت على الأديانِ السّماويّةِ السّابقةِ على الإسلامِ، ووجودُ التّحريفِ لا يعني أنّ كلَّ شيءٍ قَد تمَّ تحريفُه بشكلٍ كامل.
ووجودُ المُشتركاتِ لا يعني أنّ اللاحقَ أخذَ منَ السّابقِ، وأنّ المُتأخّرَ إقتبسَ منَ المُتقدّمِ، بل يقالُ بأنّ الجميعَ أخذَ مِن عينٍ ومشكاةٍ ونبعٍ واحدةٍ، وهوَ الوحيُ والسّماء.
فنحنُ المُسلمونَ هذهِ نظرتُنا إلى المُشتركات.
بعدَ أن ثبتَ صحّةُ دينِ الإسلامِ بالأدلّةِ والبراهينِ الكثيرةِ العقليّةِ والنقليّةِ، فوجودُ المُشتركاتِ لا يبطلُ الدّليلَ الدالَّ على صحّةِ دينِ الإسلامِ، بل يؤكّدُ إرتباطَه بالسّماء.
وهذهِ النّقطةُ لا بدَّ منَ الإنتباهِ لها في دراسةِ الأديانِ، فهناكَ نغمةٌ جديدةٌ ظهرَت لإبطالِ الأديانِ، وهوَ الدّخولُ مِن خانةِ المُشتركاتِ!
تعدُّ المُشتركاتُ نقطةَ قوّةٍ في الأديانِ، وليسَت نقطةَ ضعف.
فإن ثبتَ ما جاءَ في السّؤالِ بأنّ هذهِ الأمورَ موجودةٌ فعلاً في الدّيانةِ المجوسيّةِ قبلَ الإسلامِ، فهوَ مِن قبيلِ المُشتركات.
وإن ثبتَ أنّها منَ الأمورِ التي أضيفَت بعدَ الفتحِ الإسلاميّ لبلادِ فارس، وبعدَ إنتشارِ الإسلامِ فيها، فهيَ منَ الأمورِ التي إقتبسَتها الزرادشتيّةُ منَ الإسلامِ – كما سيأتي بيانه -.
فهذهِ التشابهاتُ – إن لم تكُن مأخوذةً منَ الإسلامِ – فهيَ تدلُّ على أنّ الزرادشتيّةَ فيها تعاليمُ سماويّةٌ، سواءٌ قُلنا بأنّ زرادشت نبيٌّ، وتعاليمُه وكتابُه تعرّضا للتحريفِ، أو قلنا بأنّهُ ليسَ بنبيٍّ، ولكنّهُ تتلمذَ على يدِ تلامذةِ الأنبياءِ، فقَد تشبّعَ بالتّعاليمِ السّماويّة.
النّقطةُ الثانيةُ: إنّ المجوسيّةَ أقدمُ مِن الزرادشتيّةِ، والزّرادشتيّةُ إمتدادٌ للمجوسيّةِ، أو تحريفٌ لها، ولا يُعدُّ زرادشت مؤسّسَ الدّيانةِ المجوسيّةِ، فالمجوسيّةُ أقدمُ منَ الزرادشتيّة.
النقطةُ الثّالثة: أجمعَ المُسلمونَ أنّ المجوسَ يُعاملونَ معاملةَ أهلِ الكتابِ، لِما رويَ عنِ النبيّ (ص): سنّوا بهِم سنّةَ أهلِ الكتاب. ووردَ في الرّواياتِ: أنّ المجوسَ فيهم شبهةُ كتابٍ، وهُم مِن أهلِ الذمّةِ، وتؤخذُ منهُم الجزيةُ، ويلحقونَ باليهودِ والنّصارى، وأنّ اللهَ بعثَ فيهم نبيّاً فقتلوهُ، وكتاباً فأحرقوهُ، وليسَ هوَ زرادشت، فإنّ زرادشت أتى بزمزمةٍ وإدّعى النبوّةَ، فآمنَ منهُم قومٌ، وجحدَه قومٌ فأخرجوهُ، فأكلَتهُ السّباعُ في بريّةٍ منَ الأرض.
روى الكُلينيُّ بسندِه عَن أبي يحيى الواسطيّ، عَن بعضِ أصحابِنا قالَ: سُئلَ أبو عبدِ اللهِ (عليهِ السّلام) عنِ المجوسِ أكانَ لهم نبيٌّ؟ فقالَ: نعَم أما بلغكَ كتابُ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) إلى أهلِ مكّةَ ان أسلموا وإلّا نابذتُكم بحربٍ فكتبوا إلى رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أن خُذ منّا الجزيةَ ودعنا على عبادةِ الأوثانِ، فكتبَ إليهم النّبيُّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): أنّي لستُ آخذاً الجزيةَ إلّا مِن أهلِ الكتابِ فكتبوا إليه - يريدونَ بذلكَ تكذيبَه -: زعمتَ أنّكَ لا تأخذُ الجزيةَ إلّا مِن أهلِ الكتابِ ثمَّ أخذتَ الجزيةَ مِن مجوسِ هجر، فكتبَ إليهم النبيُّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): أنَّ المجوسَ كانَ لهُم نبيٌّ فقتلوهُ وكتابٌ أحرقوهُ، أتاهُم نبيُّهم بكتابِهم في إثني عشرَ ألفَ جلدِ ثور. (الكافي للكُلينيّ: 3 / 567).
وروى الصّدوقُ بسندِه عنِ الأصبغِ بنِ نُباتة قالَ: أنّ أميرَ المؤمنينَ (ع) جلسَ على المنبرِ ... ثمَّ قالَ (عليهِ السّلام): سلوني قبلَ أن تفقدوني. فقامَ إليهِ الأشعثُ بنُ قيسٍ، فقالَ: يا أميرَ المؤمنين، كيفَ تؤخذُ منَ المجوسِ الجزيةُ ولم ينزِل عليهم كتابٌ، ولم يُبعَث إليهم نبيٌّ؟ فقالَ: بلى يا أشعثُ، قد أنزلَ اللهُ عليهم كتاباً، وبعثَ إليهم نبيّاً، وكانَ لهُم ملكٌ سكرَ ذاتَ ليلةٍ، فدعا بابنتِه إلى فراشِه فارتكبَها، فلمّا أصبحَ تسامعَ بهِ قومُه، فاجتمعوا إلى بابِه، فقالوا: أيُّها الملكُ، دنّستَ علينا دينَنا فأهلكتَه، فاخرُج نُطَهّرُكَ ونُقِم عليكَ الحدَّ. فقالَ لهُم: إجتمعوا واسمعُوا كلامي، فإن يكُن لي مخرجٌ ممّا إرتكبتُ وإلّا فشأنُكم. فاجتمعوا، فقالَ لهُم: هل علمتُم أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لم يخلِق خلقاً أكرمَ عليهِ مِن أبينا آدمَ وأمِّنا حواء؟ قالوا: صدقتَ أيّها الملكُ. قالَ: أفليسَ قَد زوّجَ بنيهِ مِن بناتِه، وبناتِه مِن بنيهِ؟ قالوا: صدقتَ، هذا هوَ الدّينُ، فتعاقدوا على ذلكَ، فمحا اللهُ ما في صدورِهم منَ العلمِ، ورفعَ عنهُم الكتابَ، فهُم الكفرةُ، يدخلونَ النّارَ بلا حسابٍ، والمنافقونَ أشدُّ حالاً منهُم. (الأمالي للصّدوقِ ص424).
وفي خبرِ الإحتجاجِ: في خبرِ الزّنديقِ الذي سألَ الصّادقَ عليهِ السّلام عن مسائلَ، فكانَ فيما سأله: أخبِرني عنِ المجوسِ أبعثَ اللهُ إليهم نبيّاً؟ فإنّي أجدُ لهُم كتباً مُحكمةً، ومواعظَ بليغة، وأمثالاً شافيةً يقرّونَ بالثّوابِ والعقابِ، ولهُم شرائعُ يعملونَ بها، فقالَ عليهِ السّلام: ما مِن أمّةٍ إلّا خلا فيها نذيرٌ، وقد بعثَ إليهم نبيٌّ بكتابٍ مِن عندِ اللهِ فأنكروهُ وجحدوا كتابَه، قالَ: ومَن هوَ؟ فإنَّ النّاسَ يزعمونَ أنّهُ خالدٌ بنُ سنان، قالَ عليهِ السّلام: إنَّ خالداً كانَ عربيّاً بدويّاً ما كانَ نبيّاً، وإنّما ذلكَ شيءٌ يقوله النّاسُ، قالَ: أفزردشت؟ قالَ: إنَّ زردشتَ أتاهم بزمزمةٍ وإدّعى النبوّةَ، فآمنَ منهُم قومٌ، وجحدَه قومٌ فأخرجوهُ، فأكلتهُ السّباعُ في بريّةٍ منَ الأرضِ، قالَ: فأخبرني عنِ المجوسِ كانوا أقربَ إلى الصّوابِ في دهرِهم أم العرب؟ قالَ: العربُ في الجاهليّة كانَت أقربَ إلى الدّينِ الحنيفيّ منَ المجوسِ، وذلكَ أنَّ المجوسَ كفرَت بكلِّ الأنبياءِ، وجحدَت كتبَها، وأنكرَت براهينَها، ولم تأخُذ بشيءٍ مِن سُننِها وآثارِها وأنَّ كيخسرو ملكَ المجوسِ في الدّهرِ الأوّلِ قتلَ ثلاثَ مائةِ نبيّ. (الإحتجاجُ للطّبرسي: 2 / 91).
وقالَ الصّدوقُ: والمجوسُ تؤخذُ منهُم الجزيةُ لأنَّ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآله قالَ: سنّوا بهِم سنّةَ أهلِ الكتاب.
وكانَ لهُم نبيٌّ إسمُه دامسب فقتلوهُ، وكتابٌ يقالُ لهُ جاماسب كانَ يقعُ في إثني عشرَ ألفَ جلدِ ثورٍ فحرقوه. (مَن لا يحضرُه الفقيه: 2 / 53).
وقالَ الطبريُّ: قالَ هشام:ٌ وفى زمانِ بشتاسب ظهرَ زرادشت الذي تزعمُ المجوسَ أنّه نبيُّهم، وكانَ زرادشت فيما زعمَ قومٌ مِن علماءِ أهلِ الكتابِ مِن أهلِ فلسطينَ خادِماً لبعضِ تلامذةِ أرميا النبيّ، خاصّاً بهِ أثيراً عندَه، فخانَه فكذّبَ عليهِ، فدعا اللهَ عليهِ، فبرصَ، فلحقَ ببلادِ آذربيجان، فشرعَ بها دينَ المجوسيّةِ، ثمَّ خرجَ منها متوجّهاً نحوَ بشتاسب، وهوَ ببلخٍ، فلمّا قدمَ عليهِ وشرعَ لهُ دينَه أعجبَه، فقسرَ النّاسَ على الدّخولِ فيه، وقتلَ في ذلكَ مِن رعيّتِه مقتلةً عظيمةً، ودانوا بهِ، فكانَ مُلكُ بشتاسب مائةَ سنةٍ وإثنتي عشرةَ سنة. (تاريخُ الطبري: 1 / 384).
بناءً على هذهِ الرّواياتِ: إنّ اللهَ بعثَ إلى المجوسِ نبيّاً، فقتلوهُ وأحرقوا كتابَه، أو إرتفعَ كتابُه مِن بينِهم وذلكَ بعدَ تحليلِهم نكاحَ المحارمِ، فلا يوجدُ علمٌ في صدورِهم، وكتابُهم قد إرتفعَ أو قد أُحرقَ، فلا وجودَ لكتابٍ لهم.
وأمّا زرادشت فهوَ مدّعٍ للنّبوّةِ، وليسَ نبيّاً، كما مرّ في النّصوصِ السّابقة، وكانَ تلميذاً عندَ بعضِ تلامذةِ نبيِّ اللهِ أرميا.
الجزء الاول...
النقطةُ الأولى: هناكَ مُشتركاتٌ كثيرةٌ بينَ الأديانِ، الإسلامِ والمسيحيّةِ واليهوديّة، فليسَ كلُّ ما جاءَ في اليهوديّةِ والمسيحيّةِ والمجوسيّةِ يبطله الإسلامُ، لأنَّ مبدأ هذهِ الأديانِ واحدٌ، وهوَ اللهُ تعالى.
فجميعُ الأديانِ تدعو إلى الإلهِ الواحدِ الخالقِ، وتُخبرُ بوجودِ القيامةِ والجنّةِ والنّارِ، والإيمانِ بالأنبياءِ، والإيمانِ بالغيبِ، ووجودِ التّكاليفِ والعباداتِ، كالصّلاةِ والصّيامِ والزّكاةِ والحجِّ والأمرِ بالمعروفِ والنّهي عنِ المُنكر ... وان كانَت العِباداتُ تأخذُ شكلَها وكيفيّتَها الخاصّةَ في كلِّ شريعةٍ، وغيرِها منَ المشتركاتِ، نعَم هناكَ إضافاتٌ كثيرةٌ وتحريفاتٌ متواصلةٌ طرأت على الأديانِ السّماويّةِ السّابقةِ على الإسلامِ، ووجودُ التّحريفِ لا يعني أنّ كلَّ شيءٍ قَد تمَّ تحريفُه بشكلٍ كامل.
ووجودُ المُشتركاتِ لا يعني أنّ اللاحقَ أخذَ منَ السّابقِ، وأنّ المُتأخّرَ إقتبسَ منَ المُتقدّمِ، بل يقالُ بأنّ الجميعَ أخذَ مِن عينٍ ومشكاةٍ ونبعٍ واحدةٍ، وهوَ الوحيُ والسّماء.
فنحنُ المُسلمونَ هذهِ نظرتُنا إلى المُشتركات.
بعدَ أن ثبتَ صحّةُ دينِ الإسلامِ بالأدلّةِ والبراهينِ الكثيرةِ العقليّةِ والنقليّةِ، فوجودُ المُشتركاتِ لا يبطلُ الدّليلَ الدالَّ على صحّةِ دينِ الإسلامِ، بل يؤكّدُ إرتباطَه بالسّماء.
وهذهِ النّقطةُ لا بدَّ منَ الإنتباهِ لها في دراسةِ الأديانِ، فهناكَ نغمةٌ جديدةٌ ظهرَت لإبطالِ الأديانِ، وهوَ الدّخولُ مِن خانةِ المُشتركاتِ!
تعدُّ المُشتركاتُ نقطةَ قوّةٍ في الأديانِ، وليسَت نقطةَ ضعف.
فإن ثبتَ ما جاءَ في السّؤالِ بأنّ هذهِ الأمورَ موجودةٌ فعلاً في الدّيانةِ المجوسيّةِ قبلَ الإسلامِ، فهوَ مِن قبيلِ المُشتركات.
وإن ثبتَ أنّها منَ الأمورِ التي أضيفَت بعدَ الفتحِ الإسلاميّ لبلادِ فارس، وبعدَ إنتشارِ الإسلامِ فيها، فهيَ منَ الأمورِ التي إقتبسَتها الزرادشتيّةُ منَ الإسلامِ – كما سيأتي بيانه -.
فهذهِ التشابهاتُ – إن لم تكُن مأخوذةً منَ الإسلامِ – فهيَ تدلُّ على أنّ الزرادشتيّةَ فيها تعاليمُ سماويّةٌ، سواءٌ قُلنا بأنّ زرادشت نبيٌّ، وتعاليمُه وكتابُه تعرّضا للتحريفِ، أو قلنا بأنّهُ ليسَ بنبيٍّ، ولكنّهُ تتلمذَ على يدِ تلامذةِ الأنبياءِ، فقَد تشبّعَ بالتّعاليمِ السّماويّة.
النّقطةُ الثانيةُ: إنّ المجوسيّةَ أقدمُ مِن الزرادشتيّةِ، والزّرادشتيّةُ إمتدادٌ للمجوسيّةِ، أو تحريفٌ لها، ولا يُعدُّ زرادشت مؤسّسَ الدّيانةِ المجوسيّةِ، فالمجوسيّةُ أقدمُ منَ الزرادشتيّة.
النقطةُ الثّالثة: أجمعَ المُسلمونَ أنّ المجوسَ يُعاملونَ معاملةَ أهلِ الكتابِ، لِما رويَ عنِ النبيّ (ص): سنّوا بهِم سنّةَ أهلِ الكتاب. ووردَ في الرّواياتِ: أنّ المجوسَ فيهم شبهةُ كتابٍ، وهُم مِن أهلِ الذمّةِ، وتؤخذُ منهُم الجزيةُ، ويلحقونَ باليهودِ والنّصارى، وأنّ اللهَ بعثَ فيهم نبيّاً فقتلوهُ، وكتاباً فأحرقوهُ، وليسَ هوَ زرادشت، فإنّ زرادشت أتى بزمزمةٍ وإدّعى النبوّةَ، فآمنَ منهُم قومٌ، وجحدَه قومٌ فأخرجوهُ، فأكلَتهُ السّباعُ في بريّةٍ منَ الأرض.
روى الكُلينيُّ بسندِه عَن أبي يحيى الواسطيّ، عَن بعضِ أصحابِنا قالَ: سُئلَ أبو عبدِ اللهِ (عليهِ السّلام) عنِ المجوسِ أكانَ لهم نبيٌّ؟ فقالَ: نعَم أما بلغكَ كتابُ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) إلى أهلِ مكّةَ ان أسلموا وإلّا نابذتُكم بحربٍ فكتبوا إلى رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أن خُذ منّا الجزيةَ ودعنا على عبادةِ الأوثانِ، فكتبَ إليهم النّبيُّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): أنّي لستُ آخذاً الجزيةَ إلّا مِن أهلِ الكتابِ فكتبوا إليه - يريدونَ بذلكَ تكذيبَه -: زعمتَ أنّكَ لا تأخذُ الجزيةَ إلّا مِن أهلِ الكتابِ ثمَّ أخذتَ الجزيةَ مِن مجوسِ هجر، فكتبَ إليهم النبيُّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): أنَّ المجوسَ كانَ لهُم نبيٌّ فقتلوهُ وكتابٌ أحرقوهُ، أتاهُم نبيُّهم بكتابِهم في إثني عشرَ ألفَ جلدِ ثور. (الكافي للكُلينيّ: 3 / 567).
وروى الصّدوقُ بسندِه عنِ الأصبغِ بنِ نُباتة قالَ: أنّ أميرَ المؤمنينَ (ع) جلسَ على المنبرِ ... ثمَّ قالَ (عليهِ السّلام): سلوني قبلَ أن تفقدوني. فقامَ إليهِ الأشعثُ بنُ قيسٍ، فقالَ: يا أميرَ المؤمنين، كيفَ تؤخذُ منَ المجوسِ الجزيةُ ولم ينزِل عليهم كتابٌ، ولم يُبعَث إليهم نبيٌّ؟ فقالَ: بلى يا أشعثُ، قد أنزلَ اللهُ عليهم كتاباً، وبعثَ إليهم نبيّاً، وكانَ لهُم ملكٌ سكرَ ذاتَ ليلةٍ، فدعا بابنتِه إلى فراشِه فارتكبَها، فلمّا أصبحَ تسامعَ بهِ قومُه، فاجتمعوا إلى بابِه، فقالوا: أيُّها الملكُ، دنّستَ علينا دينَنا فأهلكتَه، فاخرُج نُطَهّرُكَ ونُقِم عليكَ الحدَّ. فقالَ لهُم: إجتمعوا واسمعُوا كلامي، فإن يكُن لي مخرجٌ ممّا إرتكبتُ وإلّا فشأنُكم. فاجتمعوا، فقالَ لهُم: هل علمتُم أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لم يخلِق خلقاً أكرمَ عليهِ مِن أبينا آدمَ وأمِّنا حواء؟ قالوا: صدقتَ أيّها الملكُ. قالَ: أفليسَ قَد زوّجَ بنيهِ مِن بناتِه، وبناتِه مِن بنيهِ؟ قالوا: صدقتَ، هذا هوَ الدّينُ، فتعاقدوا على ذلكَ، فمحا اللهُ ما في صدورِهم منَ العلمِ، ورفعَ عنهُم الكتابَ، فهُم الكفرةُ، يدخلونَ النّارَ بلا حسابٍ، والمنافقونَ أشدُّ حالاً منهُم. (الأمالي للصّدوقِ ص424).
وفي خبرِ الإحتجاجِ: في خبرِ الزّنديقِ الذي سألَ الصّادقَ عليهِ السّلام عن مسائلَ، فكانَ فيما سأله: أخبِرني عنِ المجوسِ أبعثَ اللهُ إليهم نبيّاً؟ فإنّي أجدُ لهُم كتباً مُحكمةً، ومواعظَ بليغة، وأمثالاً شافيةً يقرّونَ بالثّوابِ والعقابِ، ولهُم شرائعُ يعملونَ بها، فقالَ عليهِ السّلام: ما مِن أمّةٍ إلّا خلا فيها نذيرٌ، وقد بعثَ إليهم نبيٌّ بكتابٍ مِن عندِ اللهِ فأنكروهُ وجحدوا كتابَه، قالَ: ومَن هوَ؟ فإنَّ النّاسَ يزعمونَ أنّهُ خالدٌ بنُ سنان، قالَ عليهِ السّلام: إنَّ خالداً كانَ عربيّاً بدويّاً ما كانَ نبيّاً، وإنّما ذلكَ شيءٌ يقوله النّاسُ، قالَ: أفزردشت؟ قالَ: إنَّ زردشتَ أتاهم بزمزمةٍ وإدّعى النبوّةَ، فآمنَ منهُم قومٌ، وجحدَه قومٌ فأخرجوهُ، فأكلتهُ السّباعُ في بريّةٍ منَ الأرضِ، قالَ: فأخبرني عنِ المجوسِ كانوا أقربَ إلى الصّوابِ في دهرِهم أم العرب؟ قالَ: العربُ في الجاهليّة كانَت أقربَ إلى الدّينِ الحنيفيّ منَ المجوسِ، وذلكَ أنَّ المجوسَ كفرَت بكلِّ الأنبياءِ، وجحدَت كتبَها، وأنكرَت براهينَها، ولم تأخُذ بشيءٍ مِن سُننِها وآثارِها وأنَّ كيخسرو ملكَ المجوسِ في الدّهرِ الأوّلِ قتلَ ثلاثَ مائةِ نبيّ. (الإحتجاجُ للطّبرسي: 2 / 91).
وقالَ الصّدوقُ: والمجوسُ تؤخذُ منهُم الجزيةُ لأنَّ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآله قالَ: سنّوا بهِم سنّةَ أهلِ الكتاب.
وكانَ لهُم نبيٌّ إسمُه دامسب فقتلوهُ، وكتابٌ يقالُ لهُ جاماسب كانَ يقعُ في إثني عشرَ ألفَ جلدِ ثورٍ فحرقوه. (مَن لا يحضرُه الفقيه: 2 / 53).
وقالَ الطبريُّ: قالَ هشام:ٌ وفى زمانِ بشتاسب ظهرَ زرادشت الذي تزعمُ المجوسَ أنّه نبيُّهم، وكانَ زرادشت فيما زعمَ قومٌ مِن علماءِ أهلِ الكتابِ مِن أهلِ فلسطينَ خادِماً لبعضِ تلامذةِ أرميا النبيّ، خاصّاً بهِ أثيراً عندَه، فخانَه فكذّبَ عليهِ، فدعا اللهَ عليهِ، فبرصَ، فلحقَ ببلادِ آذربيجان، فشرعَ بها دينَ المجوسيّةِ، ثمَّ خرجَ منها متوجّهاً نحوَ بشتاسب، وهوَ ببلخٍ، فلمّا قدمَ عليهِ وشرعَ لهُ دينَه أعجبَه، فقسرَ النّاسَ على الدّخولِ فيه، وقتلَ في ذلكَ مِن رعيّتِه مقتلةً عظيمةً، ودانوا بهِ، فكانَ مُلكُ بشتاسب مائةَ سنةٍ وإثنتي عشرةَ سنة. (تاريخُ الطبري: 1 / 384).
بناءً على هذهِ الرّواياتِ: إنّ اللهَ بعثَ إلى المجوسِ نبيّاً، فقتلوهُ وأحرقوا كتابَه، أو إرتفعَ كتابُه مِن بينِهم وذلكَ بعدَ تحليلِهم نكاحَ المحارمِ، فلا يوجدُ علمٌ في صدورِهم، وكتابُهم قد إرتفعَ أو قد أُحرقَ، فلا وجودَ لكتابٍ لهم.
وأمّا زرادشت فهوَ مدّعٍ للنّبوّةِ، وليسَ نبيّاً، كما مرّ في النّصوصِ السّابقة، وكانَ تلميذاً عندَ بعضِ تلامذةِ نبيِّ اللهِ أرميا.