كيف نبرمج عقولنا
العنوان/ تكملة البحث في القوى الادراكية
اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين.
قلنا في الحلقة السابقة بان العقل الانساني قادر على ان يستدل على وجود الله بادلة عقلية، وانه ايضا قادر على انكار وجود الله بادلة عقلية، فالعقل يستطيع ان يقوم بكلا الدورين معا، كما اننا يجب ان نعرف بان الغريزة والقوة الغريزية ايضا لها تاثير كبير على استدلالات العقل ونتائجه من حيث القبول او رفض الادلة نفيا او اثباتا ولكي نبين هذا الموضوع بشكل مفصل فاننا نقول:
تاثير القوة الغريزية على العقل الانساني
ان القوة الغريزية او الغريزة الانسانية لها تاثير كبير على العقل الانساني، فاذا مانشطت عند الانسان مجموعة من الغرائز، فانها في النتيجة ستؤثر على قراراته، وعلى توجهاته، وعلى طريقة تفكيره، فان الانسان الذي يمتلك شجاعة مفرطة مثلا، فاذا لم يكن يتحلا بالحكمة، فانه في النتيجة ستكون قرارته في الغالب هي الاعتداء على الناس، او انه ياخذ حقه بالقوة وهذا يكون الغالب على قراراته، وسيكون عقله قادرا على تبرير الكثير من هذه القرارات، واعطاء الاعذار وادلة تسوغ له او تبيح له ارتكاب حماقة معينة، وبالنتيجة ان الانسان الغارق في الشهوات وملذات الحياة الى درجة كبيره، فانها اي الغرائز والشهوات والملذات ستؤثر على تفكيره وخياراته، وسيكون تفكيره موجها لهذا الاتجاه او لذلك الاتجاه، وسيقوم عقله بعملية تصحيح هذه الافكار التي هي في حقيقتها خاطئة.
كما ان الغريزة بطبيعة الحال ليس لها حد تقف عنده، فهو اذا كان محبا للمال مثلا، ويريد ان يجمع المال باي طريقة كانت، وكان مستعدا لان يقوم باي شيء من اجل تحصيل المال،
العقل يسوغ للانسان السرقة
فعقله سيسوغ له تجاوز كثير من العقبات والاخلاقيات التي تمنعه من هذا الفعل المشين، فالسرقة ليس الدين وحده من يعتبرها جرم ورذيلة للانسان، بل ايضا العقل الانساني يعتبر ان السرقة واكل الحقوق فيها مفاسد اجتماعية كبيرة وعظيمة، وكذلك فيها اعتداء على حقوق الناس، ولذا السرقة مثلا العقل والدين يتفق على تجريمهما ومنعهما، ولكن السارق الذي طغت عليه غريزته وشهوته، سيستخدم العقل الانساني بان يسوغ ويجوز له عمله، وان عقله سيقيم له مجموعة من الادلة او التبريرات وان كانت باطلة، ولكنها في النتيجة هي ادلة عقلية تسوغ له السرقة، فيقول السارق مثلا ان هؤلاء الذين يملكون المال هم انانيون ويحتكرون المال وهم جمعوه عن طريق السرقة، ويستحقون السرقة ويستحقون من يقوم بسرقتهم، وغير ذلك من الاعذار التي هي اعذار يرفضها العقل الصحيح والمستقيم ويجرمها الشارع المقدس.
المذنب عقله يوصله الى الالحاد
ولذلك الدين نجده في النتيجة يقف بوجه الكثير من اصحاب الثروات او اصحاب السلطة واصحاب المصالح، ويحرم عليهم مجموعة من المعاملات التي يؤكد على ان تلك المعاملات ارتكابها يؤدي الى اضرار اجتماعية خطيرة، وبالنتيجة ان هؤلاء اصحاب الثروات والسلطة، فاما انهم يلتزمون بالواجبات ويبتعدون عن المعاملات المحرمة، او انهم يرتكبون المحرمات ويخالفون الدين سعيا وراء الاموال، فاذا ما خالفوا الدين وصارت المعاملة المحرمة والممنوعة متمكنة من وجودهم وافعالهم وسلوكياتهم، فعند ذلك سيبقون هؤلاء معذبين الضمير، وفي حزن دائم في انهم ارتكبوا مخالفات شرعية تؤدي بهم الى عقاب الله تعالى، وهذا سيسبب لهم الما كبيرا، ولذا اذا ما استطاع العقل ان يوجد المسوغ لافعالهم وارتكابهم المخالفات الدينية والشرعية، ووجدوا ادلة تنكر وجود الله، واصروا على الاستمرار على تلك الغرائز فعندها سوف يختارون الادلة التي تنكر وجود الله، وتكون انفسهم مقتنعة بادلة الانكار، وقد يصل الواحد منهم الى درجة يكون مدافعا عن الالحاد.
ونحن هنا لا نريد ان نعمم ذلك الحكم ونعتبر جميع الملحدين هم تؤثر فيهم الغريزة، فقد يكون هناك بعض الاشخاص فعلا تحصل لديهم شبهات واشكالات بخصوص هذا الموضوع، ولكن اعتقد ان اغلب الناس الذين يختارون طريق الالحاد، بعد ان تؤثر فيهم الغريزة بشكل كبير لانكار خالق هذا الكون.
الغريزة الدينية تدفع الانسان للتعصب
وفي مقابل هؤلاء هناك متدينون غارقون في التدين، قد ياخذهم الدين الى ادعاء امور، هي ليست من الدين، بل انهم يفرطون في التدين فيضيفون مثلا ويضعون احاديث عن النبي او احاديث عن اهل البيت صلوات الله عليهم تشير الى مواضيع هي ليست من الدين، ولكن مثل هؤلاء تحركهم غرائزهم ومصالحهم الشخصية ليجعلوا ما ليس من الدين دينا، وهؤلاء اخطر من الناكرين للدين على الدين ، او انهم يخلقوا ادلة تشتهيها انفسهم وهي ليست اكثر من اكاذيب وخزعبلات ما انزل الله بها من سلطان، او انهم يرفضون ادلة علمية مقنعة بسبب جهلهم وانحيازهم للدين، وهذا كله بسبب الغريزة التي تؤثر على عقولهم ورؤيتهم للحق.
علمائنا وتهذيب النفس الغريزية
ولذا نجد ان الاكابر من علمائنا صاروا على مر القرون هم بصدد تهذيب غرائزهم ومحاربتها حتى لاتتمكن مثل تلك الغرائز من التاثير على ادلتهم ومناقشاتهم العلمية، فانهم يرتضون بما رضي به العقل الانساني وقبله ويرفضون ما رفضه العقل البشري .
ولذا على الانسان العاقل دائما العمل على تقليل تاثير الغرائز والشهوات الانسانية على عقله، فلايمكن للعقل ان يتخلص ابدا من تاثيرات الغريزة والشهوات والهوى على احكام العقل، ولكن يمكن للانسان ان يِقلل من تاثيرات الغريزة على عقله، حتى تكون السيادة للعقل لا للغرائز، ولذا قول امير المؤمنين عليه السلام ، كم من عقل اسير لهوى امير، ويعني ان الانسان لايجعل عقله اسيرا لغرائزه واهواءه، وكذلك ان هذه الاهواء ليست بالضرورة ان تكون غرائز شخصية كالاكل والجنس بل قد تكون غرائز دينية، فان الانسان قد يهوى بعض العبادات الدينية او الشعائر وهو مستعد ان يفعل كل شيء من اجل ان يمارسها وبافراط ايضا، وقد راينا في عصرنا كيف ان بعض الناس يقومون شعائرا حتى لو كانت فيها اساءة للدين لكنه يريد فعلها باي ثمن كان.
الى هنا انتهت حلقتنا لهذا اليوم وقد تحدثنا فيها عن تاثير القوة الغريزية على العقل الانساني وكيف تجعله منقادا واسيرا لشهواتها ولكننا في الحلقة القادمة سنتعرض لافضل خيارات العقل الانساني نلتقيكم والسلام عليكم ورحمة الله
العنوان/ تكملة البحث في القوى الادراكية
اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين.
قلنا في الحلقة السابقة بان العقل الانساني قادر على ان يستدل على وجود الله بادلة عقلية، وانه ايضا قادر على انكار وجود الله بادلة عقلية، فالعقل يستطيع ان يقوم بكلا الدورين معا، كما اننا يجب ان نعرف بان الغريزة والقوة الغريزية ايضا لها تاثير كبير على استدلالات العقل ونتائجه من حيث القبول او رفض الادلة نفيا او اثباتا ولكي نبين هذا الموضوع بشكل مفصل فاننا نقول:
تاثير القوة الغريزية على العقل الانساني
ان القوة الغريزية او الغريزة الانسانية لها تاثير كبير على العقل الانساني، فاذا مانشطت عند الانسان مجموعة من الغرائز، فانها في النتيجة ستؤثر على قراراته، وعلى توجهاته، وعلى طريقة تفكيره، فان الانسان الذي يمتلك شجاعة مفرطة مثلا، فاذا لم يكن يتحلا بالحكمة، فانه في النتيجة ستكون قرارته في الغالب هي الاعتداء على الناس، او انه ياخذ حقه بالقوة وهذا يكون الغالب على قراراته، وسيكون عقله قادرا على تبرير الكثير من هذه القرارات، واعطاء الاعذار وادلة تسوغ له او تبيح له ارتكاب حماقة معينة، وبالنتيجة ان الانسان الغارق في الشهوات وملذات الحياة الى درجة كبيره، فانها اي الغرائز والشهوات والملذات ستؤثر على تفكيره وخياراته، وسيكون تفكيره موجها لهذا الاتجاه او لذلك الاتجاه، وسيقوم عقله بعملية تصحيح هذه الافكار التي هي في حقيقتها خاطئة.
كما ان الغريزة بطبيعة الحال ليس لها حد تقف عنده، فهو اذا كان محبا للمال مثلا، ويريد ان يجمع المال باي طريقة كانت، وكان مستعدا لان يقوم باي شيء من اجل تحصيل المال،
العقل يسوغ للانسان السرقة
فعقله سيسوغ له تجاوز كثير من العقبات والاخلاقيات التي تمنعه من هذا الفعل المشين، فالسرقة ليس الدين وحده من يعتبرها جرم ورذيلة للانسان، بل ايضا العقل الانساني يعتبر ان السرقة واكل الحقوق فيها مفاسد اجتماعية كبيرة وعظيمة، وكذلك فيها اعتداء على حقوق الناس، ولذا السرقة مثلا العقل والدين يتفق على تجريمهما ومنعهما، ولكن السارق الذي طغت عليه غريزته وشهوته، سيستخدم العقل الانساني بان يسوغ ويجوز له عمله، وان عقله سيقيم له مجموعة من الادلة او التبريرات وان كانت باطلة، ولكنها في النتيجة هي ادلة عقلية تسوغ له السرقة، فيقول السارق مثلا ان هؤلاء الذين يملكون المال هم انانيون ويحتكرون المال وهم جمعوه عن طريق السرقة، ويستحقون السرقة ويستحقون من يقوم بسرقتهم، وغير ذلك من الاعذار التي هي اعذار يرفضها العقل الصحيح والمستقيم ويجرمها الشارع المقدس.
المذنب عقله يوصله الى الالحاد
ولذلك الدين نجده في النتيجة يقف بوجه الكثير من اصحاب الثروات او اصحاب السلطة واصحاب المصالح، ويحرم عليهم مجموعة من المعاملات التي يؤكد على ان تلك المعاملات ارتكابها يؤدي الى اضرار اجتماعية خطيرة، وبالنتيجة ان هؤلاء اصحاب الثروات والسلطة، فاما انهم يلتزمون بالواجبات ويبتعدون عن المعاملات المحرمة، او انهم يرتكبون المحرمات ويخالفون الدين سعيا وراء الاموال، فاذا ما خالفوا الدين وصارت المعاملة المحرمة والممنوعة متمكنة من وجودهم وافعالهم وسلوكياتهم، فعند ذلك سيبقون هؤلاء معذبين الضمير، وفي حزن دائم في انهم ارتكبوا مخالفات شرعية تؤدي بهم الى عقاب الله تعالى، وهذا سيسبب لهم الما كبيرا، ولذا اذا ما استطاع العقل ان يوجد المسوغ لافعالهم وارتكابهم المخالفات الدينية والشرعية، ووجدوا ادلة تنكر وجود الله، واصروا على الاستمرار على تلك الغرائز فعندها سوف يختارون الادلة التي تنكر وجود الله، وتكون انفسهم مقتنعة بادلة الانكار، وقد يصل الواحد منهم الى درجة يكون مدافعا عن الالحاد.
ونحن هنا لا نريد ان نعمم ذلك الحكم ونعتبر جميع الملحدين هم تؤثر فيهم الغريزة، فقد يكون هناك بعض الاشخاص فعلا تحصل لديهم شبهات واشكالات بخصوص هذا الموضوع، ولكن اعتقد ان اغلب الناس الذين يختارون طريق الالحاد، بعد ان تؤثر فيهم الغريزة بشكل كبير لانكار خالق هذا الكون.
الغريزة الدينية تدفع الانسان للتعصب
وفي مقابل هؤلاء هناك متدينون غارقون في التدين، قد ياخذهم الدين الى ادعاء امور، هي ليست من الدين، بل انهم يفرطون في التدين فيضيفون مثلا ويضعون احاديث عن النبي او احاديث عن اهل البيت صلوات الله عليهم تشير الى مواضيع هي ليست من الدين، ولكن مثل هؤلاء تحركهم غرائزهم ومصالحهم الشخصية ليجعلوا ما ليس من الدين دينا، وهؤلاء اخطر من الناكرين للدين على الدين ، او انهم يخلقوا ادلة تشتهيها انفسهم وهي ليست اكثر من اكاذيب وخزعبلات ما انزل الله بها من سلطان، او انهم يرفضون ادلة علمية مقنعة بسبب جهلهم وانحيازهم للدين، وهذا كله بسبب الغريزة التي تؤثر على عقولهم ورؤيتهم للحق.
علمائنا وتهذيب النفس الغريزية
ولذا نجد ان الاكابر من علمائنا صاروا على مر القرون هم بصدد تهذيب غرائزهم ومحاربتها حتى لاتتمكن مثل تلك الغرائز من التاثير على ادلتهم ومناقشاتهم العلمية، فانهم يرتضون بما رضي به العقل الانساني وقبله ويرفضون ما رفضه العقل البشري .
ولذا على الانسان العاقل دائما العمل على تقليل تاثير الغرائز والشهوات الانسانية على عقله، فلايمكن للعقل ان يتخلص ابدا من تاثيرات الغريزة والشهوات والهوى على احكام العقل، ولكن يمكن للانسان ان يِقلل من تاثيرات الغريزة على عقله، حتى تكون السيادة للعقل لا للغرائز، ولذا قول امير المؤمنين عليه السلام ، كم من عقل اسير لهوى امير، ويعني ان الانسان لايجعل عقله اسيرا لغرائزه واهواءه، وكذلك ان هذه الاهواء ليست بالضرورة ان تكون غرائز شخصية كالاكل والجنس بل قد تكون غرائز دينية، فان الانسان قد يهوى بعض العبادات الدينية او الشعائر وهو مستعد ان يفعل كل شيء من اجل ان يمارسها وبافراط ايضا، وقد راينا في عصرنا كيف ان بعض الناس يقومون شعائرا حتى لو كانت فيها اساءة للدين لكنه يريد فعلها باي ثمن كان.
الى هنا انتهت حلقتنا لهذا اليوم وقد تحدثنا فيها عن تاثير القوة الغريزية على العقل الانساني وكيف تجعله منقادا واسيرا لشهواتها ولكننا في الحلقة القادمة سنتعرض لافضل خيارات العقل الانساني نلتقيكم والسلام عليكم ورحمة الله