الحلقة العاشرة
كيف نبرمج عقولنا
العنوان /تكلمة البحث في القوة الروحية
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
تحدثنا في الحقلة السابقة عن سبب تاسيس العلوم الفلسفية والكلامية والعرفانية ، وقلنا بانها تبحث عن الله وعن علاقة الانسان بالله ، وعن المعاد والجنة والجزاء الاخروي، من اجل ان يحدد الانسان موقفه الاخلاقي في هذا العالم، ولم يقتصر الحال على العالم الاسلامي بل ان البحث الفلسفي والعرفاني كان موجودا قبل الاسلام ومهتما به من قبل العلماء من بقية الاديان الذين كانوا يبحثون عن وجود الحق والمعاد والثواب والعقاب والى يومنا هذا.
تاثير كانط على المجتمع الغربي
ولذلك نجد التاثير الكبير الذي احدثه الفيلسوف الالماني كانط على المجتمعات الغربية الاوربية، عندما استطاع ان يقدم نقودا واشكالات كبيرة على الفلسفة ، واكد على ان العقل الانساني عاجز عن معرفة، ان الله موجود او غير موجود ، في كتابه نقد العقل المحض ، والذي سوغ لبعض افراد المجتمعات الاوربية ان تقبل افكار الالحاد بكل سهولة، رغم ان الفيلسوف كانط لم ينكر وجودً الله، واكد ان وجودً الله وجود ضروري للاخلاق ، ولكن مع ذلك ان هذا لايعني ان فكرة وجود الله، صارت فكرة هامشية، فمازالت المحافل العلمية الغربية فضلا عن المحافل العلمية في عالمنا الاسلامي، تقيم الادلة والبراهين على وجود الله، ومازال الاستدلال على اوجه في الغرب على ان وجود الله امر لامفر منه.
تركيز العقل الانساني على نقطة
كما اننا لابد لنا من الاشارة الى ان العقل الانساني او القوى الادراكية لدى الانسان، هي ما اذا ركزت على شيء معين، فانها تغفل عن كل ماحولها، فهي لاترى الا ذلك الشيء الذي ركزت عليه، فالانسان الذي هو مشغول في عمل معين، مثل انه في حالة حل خصومة مع شخص ما، فانه في النتيجة سيغيب عن ذهنه مرضه الذي يعاني منه، و الذي يستذكره دائما، وهذا ليس معناه ان المرض قد زال عنه، بل المرض موجود ولكنه مغفول عنه.
الغريزة تجعل العقل في غفلة
والغريزة الانسانية اذا ما اشتدت وعظمت عند الانسان، وفقد الانسان سيطرته عليها، فانها بكل تاكيد ستجعل العقل عاجزا عن الالتفات الى الحقائق التي تصب في صالح الانسان، ويبقى الانسان في حالة كالسكران منساق ومنقاد الى غرائزه، كالعاشق الذي احب امرأة فانه سيغفل عندها عن كل شيء وعن مسؤولياته وعن مايجب عليه فعلًه، ويبقى غارق في بحور هذا العشق، ولايعرف شيئا عن هذا العالم سوى هذا العشق ، ونحن نجد الاية المباركة التي تقول :"وهم في غفلة معرضون " حيث يقول السيد الطباطبائي في تفسيرها : ذلك أنهم تعلقوا بالدنيا، واشتغلوا بالتمتع، فامتلأت قلوبهم من حبها، فلم يبق فيها فراغ يقع فيها ذكر الحساب وقوعا تتأثر به، حتى أنهم لو ذكروا لم يذكروا وهو الغفلة، فإن الشئ كما يكون مغفولا عنه لعدم تصورَه من أصله ( أي لعدم تصور ذلك الشيء وعدم حضوره لذهني) قد يكون مغفولا عنه لعدم تصوره كما هو حقه بحيث تتأثر النفس به (أي ان ذكر الحساب موجود في ذهني ولكنني لا اعير اهمية لهذا الموضوع بل ان تركيزي على التمتع بهذه الدنيا).
الغريزة تشد الانسان الى العالم السفلي
ولذلك الغريزة تشد الانسان الى العالم السفلي وهو عالم المادة او العالم المادي لان النفس الغريزية، والقوى الحيوانية هي تحاول تلبية متطلبات الجسد في هذه الحياة الدينا، وليس لها اي علاقة بالاعتقادات الالهية او الرسالة النبوية او الاعتقاد بوجود يوم اخر وغير ذلك، فانها اي الغرائز الانسانية تبحث عن العاجلة، وتلبية متطلباته من اكل وشرب وملبس ومأوى ونكاح ، ومعلوم ان كل واحد من هذه الامور يحتاج الى جهود من اجل تحصيله، وبالنتيجة سوف يحتاج الانسان، من اجل الحصول على غذاءه ان يبذل جهدا معين ، وأذا اراد ان يتزوج فلابد ان يصرف شيء من حياته من اجل جمع المال، وايجاد الفتاة الجيدة والملائمة له، ولابد انِ يعتني بملبسه وغير ذلك، خصوصا الحياة التي نعيشها اليوم التي اصبحت البهارج المادية في اوجها، فالانسان يحتاج الى ان يصرف عمره من اجل تحقيق وتامين احتياجاته الجسدية واشباع رغباته ، وحينها يكون هذا الانسان غارق في هذه الملذات والشهوات، وغافلا عن حياته الاخروية وغافلا عن العقاب والثواب.
ولذا كانت احدى وظائف رسالات الانبياء، هو تنبيه الانسان وتحذيره من الغرائز والشهوات التي تشده الى العالم المادي ، وتجعله متناسيا وغافلا عن العالم العلوي، وهو عالم النشأة والمبدأ والمعاد.
الى هنا انتهت حلقتنا لهذا اليوم وسندخل باذن الله حلقة مقبلة في القوة الروحية، بعد ان انتهينا من كلا القوتين التي تحكم مملكة الانسان وعالمه الخاص به، فقد قمنا بالتعريف عن القوة الغريزية، وقلنا بان هذه القوة الموجودة لدى الانسان، هي متعلقة بجميع مفردات هذا العالم، وانها عمياء وصماء وغير ذلك، كما اننا دخلنا في البحث عن القوة الادراكية، وعرفنا كيف ان القوة الادراكية او العقل الانساني الموجود عند كل فرد منا، كيف تحصل فيه العلوم والمعارف ، وايضا اشرنا الى مجموعة من الامور التي تخص العقل الانساني او القوة الادراكية، ولكن مانحب ان نشير له بان القوة الروحية التي سنتحدث عنها في الحلقات القادمة هي ليست الا نتاج التزاوج، والتلاقح والصراع بين القوة العقلية والقوة الغريزية، فتولد من خلال هذين القوتين القوة الروحية والتي سندخل للحديث عنها في الابحاث القادمة نلتقيكم والسلام عليكم ورحمة وبركاته.
كيف نبرمج عقولنا
العنوان /تكلمة البحث في القوة الروحية
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
تحدثنا في الحقلة السابقة عن سبب تاسيس العلوم الفلسفية والكلامية والعرفانية ، وقلنا بانها تبحث عن الله وعن علاقة الانسان بالله ، وعن المعاد والجنة والجزاء الاخروي، من اجل ان يحدد الانسان موقفه الاخلاقي في هذا العالم، ولم يقتصر الحال على العالم الاسلامي بل ان البحث الفلسفي والعرفاني كان موجودا قبل الاسلام ومهتما به من قبل العلماء من بقية الاديان الذين كانوا يبحثون عن وجود الحق والمعاد والثواب والعقاب والى يومنا هذا.
تاثير كانط على المجتمع الغربي
ولذلك نجد التاثير الكبير الذي احدثه الفيلسوف الالماني كانط على المجتمعات الغربية الاوربية، عندما استطاع ان يقدم نقودا واشكالات كبيرة على الفلسفة ، واكد على ان العقل الانساني عاجز عن معرفة، ان الله موجود او غير موجود ، في كتابه نقد العقل المحض ، والذي سوغ لبعض افراد المجتمعات الاوربية ان تقبل افكار الالحاد بكل سهولة، رغم ان الفيلسوف كانط لم ينكر وجودً الله، واكد ان وجودً الله وجود ضروري للاخلاق ، ولكن مع ذلك ان هذا لايعني ان فكرة وجود الله، صارت فكرة هامشية، فمازالت المحافل العلمية الغربية فضلا عن المحافل العلمية في عالمنا الاسلامي، تقيم الادلة والبراهين على وجود الله، ومازال الاستدلال على اوجه في الغرب على ان وجود الله امر لامفر منه.
تركيز العقل الانساني على نقطة
كما اننا لابد لنا من الاشارة الى ان العقل الانساني او القوى الادراكية لدى الانسان، هي ما اذا ركزت على شيء معين، فانها تغفل عن كل ماحولها، فهي لاترى الا ذلك الشيء الذي ركزت عليه، فالانسان الذي هو مشغول في عمل معين، مثل انه في حالة حل خصومة مع شخص ما، فانه في النتيجة سيغيب عن ذهنه مرضه الذي يعاني منه، و الذي يستذكره دائما، وهذا ليس معناه ان المرض قد زال عنه، بل المرض موجود ولكنه مغفول عنه.
الغريزة تجعل العقل في غفلة
والغريزة الانسانية اذا ما اشتدت وعظمت عند الانسان، وفقد الانسان سيطرته عليها، فانها بكل تاكيد ستجعل العقل عاجزا عن الالتفات الى الحقائق التي تصب في صالح الانسان، ويبقى الانسان في حالة كالسكران منساق ومنقاد الى غرائزه، كالعاشق الذي احب امرأة فانه سيغفل عندها عن كل شيء وعن مسؤولياته وعن مايجب عليه فعلًه، ويبقى غارق في بحور هذا العشق، ولايعرف شيئا عن هذا العالم سوى هذا العشق ، ونحن نجد الاية المباركة التي تقول :"وهم في غفلة معرضون " حيث يقول السيد الطباطبائي في تفسيرها : ذلك أنهم تعلقوا بالدنيا، واشتغلوا بالتمتع، فامتلأت قلوبهم من حبها، فلم يبق فيها فراغ يقع فيها ذكر الحساب وقوعا تتأثر به، حتى أنهم لو ذكروا لم يذكروا وهو الغفلة، فإن الشئ كما يكون مغفولا عنه لعدم تصورَه من أصله ( أي لعدم تصور ذلك الشيء وعدم حضوره لذهني) قد يكون مغفولا عنه لعدم تصوره كما هو حقه بحيث تتأثر النفس به (أي ان ذكر الحساب موجود في ذهني ولكنني لا اعير اهمية لهذا الموضوع بل ان تركيزي على التمتع بهذه الدنيا).
الغريزة تشد الانسان الى العالم السفلي
ولذلك الغريزة تشد الانسان الى العالم السفلي وهو عالم المادة او العالم المادي لان النفس الغريزية، والقوى الحيوانية هي تحاول تلبية متطلبات الجسد في هذه الحياة الدينا، وليس لها اي علاقة بالاعتقادات الالهية او الرسالة النبوية او الاعتقاد بوجود يوم اخر وغير ذلك، فانها اي الغرائز الانسانية تبحث عن العاجلة، وتلبية متطلباته من اكل وشرب وملبس ومأوى ونكاح ، ومعلوم ان كل واحد من هذه الامور يحتاج الى جهود من اجل تحصيله، وبالنتيجة سوف يحتاج الانسان، من اجل الحصول على غذاءه ان يبذل جهدا معين ، وأذا اراد ان يتزوج فلابد ان يصرف شيء من حياته من اجل جمع المال، وايجاد الفتاة الجيدة والملائمة له، ولابد انِ يعتني بملبسه وغير ذلك، خصوصا الحياة التي نعيشها اليوم التي اصبحت البهارج المادية في اوجها، فالانسان يحتاج الى ان يصرف عمره من اجل تحقيق وتامين احتياجاته الجسدية واشباع رغباته ، وحينها يكون هذا الانسان غارق في هذه الملذات والشهوات، وغافلا عن حياته الاخروية وغافلا عن العقاب والثواب.
ولذا كانت احدى وظائف رسالات الانبياء، هو تنبيه الانسان وتحذيره من الغرائز والشهوات التي تشده الى العالم المادي ، وتجعله متناسيا وغافلا عن العالم العلوي، وهو عالم النشأة والمبدأ والمعاد.
الى هنا انتهت حلقتنا لهذا اليوم وسندخل باذن الله حلقة مقبلة في القوة الروحية، بعد ان انتهينا من كلا القوتين التي تحكم مملكة الانسان وعالمه الخاص به، فقد قمنا بالتعريف عن القوة الغريزية، وقلنا بان هذه القوة الموجودة لدى الانسان، هي متعلقة بجميع مفردات هذا العالم، وانها عمياء وصماء وغير ذلك، كما اننا دخلنا في البحث عن القوة الادراكية، وعرفنا كيف ان القوة الادراكية او العقل الانساني الموجود عند كل فرد منا، كيف تحصل فيه العلوم والمعارف ، وايضا اشرنا الى مجموعة من الامور التي تخص العقل الانساني او القوة الادراكية، ولكن مانحب ان نشير له بان القوة الروحية التي سنتحدث عنها في الحلقات القادمة هي ليست الا نتاج التزاوج، والتلاقح والصراع بين القوة العقلية والقوة الغريزية، فتولد من خلال هذين القوتين القوة الروحية والتي سندخل للحديث عنها في الابحاث القادمة نلتقيكم والسلام عليكم ورحمة وبركاته.