إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الفرق بين المعرفة والعلم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفرق بين المعرفة والعلم

    ينبغي لنا قبل الحديث عن أقسام المعرفة وأنواعها أن نشير إلى الفارق بين العلم من جهة والمعرفة من جهة أخرى، حيث إن المعرفة وإن كانت فرع العلم إلاّ أنها تمتاز عنه بخصوصيات وميزات ارتقت بها لتكون محطاً لنظر أهل البيت عليهم السلام فمن هنا كان تأكيدهم عليها ولفت نظرهم إليها في الكثير من أحاديثهم ورواياتهم, ففي رواية الصدوق كما جاء في أماليه عن الصادق عليه السلام: (لا يقبل الله عملاً إلاّ بمعرفة, ولا معرفة إلاّ بعمل, فمن عرف دلته المعرفة على العمل ومن لم يعمل فلا معرفة له, إن الإيمان بعضه من بعض).(1)
    هذا الترابط والتلاحم الوثيق بين المعرفة والعمل لا نجده متوفراً وحاصلاً بين العلم والعمل حيث يمكن افتراق الأوّل عن الثاني كما جاء في الحديث الشريف، عن عليّ عليه السلام: (علم بلا عمل كشجر بلا ثمر).(2)
    فهو صريح بإمكانية فصل العلم عن العمل، بينما نلاحظ أن هناك ترابطاً ذاتياً وتلائماً عضوياً بين المعرفة والعمل، فالعمل من مقومات وذاتيات المعرفة وهي بدونه تنسلخ عن هويتها (فلا معرفة إلاّ بعمل)، (ومن لم يعمل فلا معرفة له).
    إذن تحصّل من كل هذا أن العلم والذي هو (انطباع صورة الشيء في الذهن) كما يعرّفه المناطقة ليس بالضرورة أن تكون فيه جنبة عملية ودافع حركي بخلاف المعرفة فإنها تتفاعل ذاتياً مع العمل وتنسجم عضوياً مع الحركة الميدانية.
    ويمكن أن نلاحظ مائزاً آخر بينهما وهو أن المعرفة فيها جنبة شهودية وكاشفية باعتبار تولدها من القلب (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى)(3) فهي ليست وليدة الفكر بخلاف العلم فهو تراكم معلومات وحركة العقل بينها وبين المجاهيل, فلذا لا يمكن أن تكون المعرفة حجاباً بخلاف العلم, فما أكثر ما يحجب الإنسان من الوصول إلى ربه ويبقى غارقاً في عالم الألفاظ, لذا نقرأ في المناجاة الشعبانية لأمير المؤمنين عليه السلام: (إِلَهِي هَبْ لِي كَمَالَ الانْقِطَاعِ إِلَيْكَ وَأَنِرْ أَبْصَارَ قُلُوبِنَا بِضِيَاءِ نَظَرِهَا إِلَيْكَ حَتَّى تَخْرِقَ أَبْصَارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ إِلَى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ وَتَصِيرَ أَرْوَاحُنَا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ)(4) فهي إشارة واضحة إلى كون العلم لا يمتلك ولا يختزن في طياته الحالة الكشفية فهو في أفضل مراتبه يشكّل (حجاباً نورانياً) وهذا ما يميزه عن الجهل باعتبار الأخير (حجاباً ظلمانياً) ولا يمكن أن يكشف هذه الحجب النورانية إلاّ المعرفة القلبية ونور البصيرة كما أشارت إليه المناجاة.
    ولذلك كانت المعرفة من أهم الركائز التي بنيت عليها أسس الهداية وهذا ما نجده واضحاً وجلياً في دعاء المعرفة حيث يقول: (اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ رَسُولَكَ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي).(5) فالضلالة والغرق في بحار الظلمة ناتج عن الجهل وعدم المعرفة، وحينما نلاحظ الدعاء وربطه بين معرفة الحجة وبين النجاة من الضلال يتبين لنا العنصر الوحيد المنجي والمنقذ في الدارين والمحور الأساس التي تثمر معه معرفة الله ورسوله ألا وهو (معرفة الإمام)، بل نستطيع القول أن لا معرفة بالله ورسوله بدون معرفة الإمام, إذ كيف يعرف الأوّل والثاني وهو ضال عن الدين, وهل الضلال عن الدين إلاّ جهل بهما.
    محاور المعرفة:

    ويمكن اختزال محاور المعرفة في نقطتين:
    1 _ معرفة مقامات الإمام المهدي عليه السلام.
    2 _ معرفة حقه على الخلق.
    ومن الحسن إلفات النظر إلى أنه كلما سبرنا غور مقامه وعرفنا جزءاً من حقيقة كنهه زادت حقوقه علينا وعظمت مسؤليتنا تجاهه.
    ومن الممكن أن تتداخل بعض مقاماته لتشكل إحدى الوسائل في إثبات حقوقه على الخلائق.
    1 _ معرفة مقامات الإمام المهدي عليه السلام:

    لا بدّ لنا من إعطاء ضابطة عامة وهي ضرورية للدخول في خضم هذه الأنوار الألهية والفيوضات الربانية، وهي أنه لا يمكن لغير المعصوم أن يعرف المعصوم عليه السلام حقّ معرفته ويكون على اطلاع تام بكل مقاماته وقربه, فهذا مما لا يمكن، إذ أن العصمة كمال ولا يمكن معرفة الكمال لمن هو محتاج إليه, ولهذا نجد الزيارة تؤكد على ذلك، فنقرأ في زيارة صاحب العصر عليه السلام: (السَّلامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللَّهِ الَّتِي لا تَخْفَى، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللَّهِ عَلَى مَنْ فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، السَّلامُ عَلَيْكَ سَلامَ مَنْ عَرَفَكَ بِمَا عَرَّفَكَ بِهِ اللَّهُ وَنَعَتَكَ بِبَعْضِ نُعُوتِكَ الَّتِي أَنْتَ أَهْلُهَا وَفَوْقَهَا...).(6)
    مما يعني أن هناك بعض الحقائق لا يمكن الوصول إليها وبعض الجوانب الحقيقية في عظمة الإمام المهدي عليه السلام. من المستحيل سبر غورها ومعرفة كنهها.
    والتعمق بزيارة الجامعة يرشدنا إلى حقائقهم النورانية وانه من المستحيل الوصول إلى كمال معرفتهم، فنلاحظ هذا المقطع من الزيارة الكريمة: (كَلامُكُمْ نُورٌ، وَأَمْرُكُمْ رُشْدٌ، وَوَصِيَّتُكُمُ التَّقْوَى، وَفِعْلُكُمُ الْخَيْرُ، وَعَادَتُكُمُ الْإِحْسَانُ، وَسَجِيَّتُكُمُ الْكَرَمُ، وَشَأْنُكُمُ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ وَالرِّفْقُ، وَقَوْلُكُمْ حُكْمٌ وَحَتْمٌ، وَرَأْيُكُمْ عِلْمٌ وَحِلْمٌ وَحَزْمٌ، إِنْ ذُكِرَ الْخَيْرُ كُنْتُمْ أَوَّلَهُ وَأَصْلَهُ وَفَرْعَهُ وَمَعْدِنَهُ وَمَأْوَاهُ وَمُنْتَهَاهُ، بِأَبِي أَنْتُمْ وَأُمِّي وَنَفْسِي كَيْفَ أَصِفُ حُسْنَ ثَنَائِكُمْ وَأُحْصِي جَمِيلَ بَلائِكُمْ...)(7) حيث تدرج الإمام عليه السلام في بيان بعض حقائقهم والتي تنطبق على إمامنا وسيدنا صاحب العصر والزمان عليه السلام.
    وذلك من خلال تقسيم مراتب الموصوف إلى ثلاثة مقاطع حيث وصفتهم الزيارة في مقطعها الأوّل بتسعة أوصاف كل واحد غاية في العظمة ويعجز الآخرون عن الإتصاف بها بشكل تام, ثمّ لمّا عجزت الكلمات وضاقت المصاديق عن الأحاطة بعلو شأنهم وجلالة قدرهم استعاض الإمام الهادي عليه السلام عن المصاديق المتكثرة الحاكية عن علو مقامهم بمعنى جامع ومفهوم شامل ينطبق على كل الصفات والنعوت المذكورة وغيرها وذلك في المقطع الثاني فقال: (إِنْ ذُكِرَ الْخَيْرُ كُنْتُمْ أَوَّلَهُ...)(8) فالخيراسم جنس يحوي جميع الكمالات، ولكن هل يا ترى قد استوعب بعد حقيقة الإمام عليهاالسلام ؟ كلا, لذا نجد الزائر يعترف بالعجز ويقرّ بالقصور فيتحول من الاخبار ببعض مقاماتهم ونعوتهم إلى التساؤل والحيرة أمام هذه الأنوار فيقول: (بِأَبِي أَنْتُمْ وَأُمِّي وَنَفْسِي كَيْفَ أَصِفُ حُسْنَ ثَنَائِكُمْ وَأُحْصِي جَمِيلَ بَلائِكُمْ) (9) كما هو في المقطع الثالث من الزيارة.
    2 _ حقوق الإمام المهدي عليه السلام على الخلق:

    ذكرنا سالفاً أن معرفة الحقّ كلما كثر وتعاظم كان ذلك موجباً لبيان عظم شخصية صاحب الحقّ, فهي من جهة تشترك مع الفقرة الأولى في بيان مقام الإمام المهدي عليه السلام ، ومن جانب آخر فهي مدعاة للوصول إليه والارتباط به, إذ من الواضح أن الارتباط يختلف شدة وضعفاً بالسبب الموصل والرابط المقرب, فيتغير طردياً باختلاف الرابط قوة وضعفاً.
    ومن هنا كان لا بدّ لتمتين الرابطة وتأصيل العلاقة وتركيزها في نفس المنتظر من بيان ومعرفة الحقّ الذي عليه تجاه الإمام عليه السلام ، وقد ذكر الكثير في هذا الشأن في كتاب (مكيال المكارم في الدعاء للقائم) للشيخ الاصفهاني قدس سره. وهنا نذكر نبذة منها للفائدة.

    فنقول:
    الأوّل: حق الوجود:

    كما في توقيع الإمام المهدي عليه السلام المروي في الإحتجاج: (فإنا صنايع ربنا والناس بعد صنايع لنا).(10) ويحتمل الحديث عدة معان:
    المعنى الأوّل: ما روي في الاحتجاج. انه اختلف جماعة من الشيعة في أن الله عز وجل فوّض إلى الأئمّة صلوات الله عليهم أن يخلقوا ويرزقوا.
    فقال قوم: هذا محال، لا يجوز على الله تعالى لأن الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عز وجل, وقال آخرون: بل الله عز وجل أقدر الأئمّة على ذلك وفوّض إليهم فخلقوا ورزقوا، وتنازعوا في ذلك نزاعاً شديداً.
    فقال قائل: ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان, فتسألونه عن ذلك ليوضح لكم الحقّ فيه فإنه الطريق إلى صاحب الأمر، فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلّمت وأجابت... إلى قوله... فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته: إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسّم الأرزاق لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وأمّا الأئمّة عليهم السلام فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ويسألون, فيرزق، إيجاباً لمسألتهم وإعظاماً لحقهم.(11)
    حيث يشير هذا التوقيع الشريف الصادر من الناحية المقدسة وبصراحة إلى وسائطية أهل البيت عليهم السلام في إيصال الفيوضات الإلهية إلى سائر المخلوقات, وإلى هذا تضمنت الإشارة أيضاً في دعاء الندبة: (أَيْنَ السَّبَبُ الْمُتَّصِلُ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ).(12) ونسبة الفعل إلى السبب والواسطة كثيرة جداً في العرف واللغة.
    المعنى الثاني: إنه العلة الغائية والغرض الحقيقي من خلق جميع ما أنشأه وأبدعه الله تعالى من عالم الإمكان. ومما يؤيد هذا المعنى _ بأنهم عليهم السلام العلة الغائية للخلق _ الكثير من الروايات منها حديث الكساء المشهور.(13)
    ونكتفي في بيان هذا الحقّ على هذا القدر ونعتقد بأنه يفي للتدليل على أن من حقّه عليه السلام على الخلق هو (حق الوجود).



    الهوامش


    (1) الأمالي: 508.

    (2) غرر الحكم: 6290.

    (3) النجم: 11.

    (4) إقبال الأعمال 3: 399.

    (5) الكافي 1: 342/ باب الغيبة/ ح 29.

    (6) بحار الأنوار 99: 99.

    (7) من لا يحضره الفقيه 2: 616/ الزيارة الجامعة.

    (8) السابق.

    (9) السابق.

    (10) الاحتجاج 1: 260.

    (11) الاحتجاج 2: 284.

    (12) إقبال الأعمال 1: 509/ دعاء الندبة؛ (مفاتيح الجنان: دعاء الندبة).

    (13) الكافي 1: 287/ باب / ح 1.
يعمل...
X