بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرنا سابقا ان الكلام في المقدمة يدور حول امور ثلاثة هي تعريف العلم وموضوعه والحاجة اليه والمصنف لم يذكر بحث الموضوع لانه من القائلين بعدم ضرورة وجود موضوع لكل علم واكتفى ببحث التعريف والحاجة وقلنا بان المصنف(رحمه الله)ذكر دليلين على اثبات الحاجة لعلم المنطق وقد تقدم بيان الدليل الاول وهنا سنذكر ان شاء الله الدليل الثاني(1) ويتوقف بيانه على ذكر ثلاث مقدمات :
1-العلم ينقسم الى تصور والى تصديق .
2-التصور والتصديق ينقسم الى بديهي ونظري.
3-النظري قد يقع فيه الغلط.
فنحتاج الى قانون يعصم الذهن عن الخطأ في النظري وهذا العلم هو المنطق.
فثبت احتياجنا الى علم المنطق.
لكن التسليم بنتيجة هذا الدليل متوقف على ثبوت المقدمات الثلاث جميعها والا اذا كانت احداها باطلة يكون الدليل برمته باطلا فيجب علينا اثبات كل واحدة منها.
ولذا ابتدأالمصنف(رحمه الله)باثبات كل مقدمة منها وابتدأ بالمقدمة الاولى (العلم ينقسم الى بديهي ونظري)بذكر تعريف العلم وقالوا في سبب ذلك :ان تقسيم الشئ حكم عليه والحكم على الشئ فرع تصوره-وهذا ما سيتضح في بحث التصديق-فعلينا اولا ان نتصور العلم -من خلال التعريف-وبعد ذلك نقسمه فعرفه بانه (حضور صورة الشئ عند العقل).
لكن قبل الخوض في التعريف لابد من معرفة نوع العلم المعرف وهل يشمل كل اقسام العلم ام لا؟
فقد ذكروا ان العلم ينقسم الى حادث وقديم فهل هذا التعريف لاحدهما ام يشمل الجميع؟
الجواب انه تعريف للعلم الحادث فقط بدليل انه قال حصول اي حدوث فخرج العلم القديم الذي هو علم الباري تبارك وتعالى وايضا يخرج بقوله( في العقل)اي في النفس-كما سيأتي- والله تبارك وتعالى لانفس له.
وذكروا ايضا انقسام العلم الى الحصولي والحضوري والمراد من الاول هو العلم الذي تتوسط الصورة الذهنية فيه بين العالم والمعلوم كعلمنا بما نقرأ ونشاهد فان الصوره الذهنية تتوسط بيننا-العالم-وبين المعلوم الخارجي .اما العلم الحضوري فهو ما لا تتوسط صورة ذهنية بين العالم والمعلوم كعلمنا بالجوع والعطش فان نفس الجوع بما هو حالة نفسانية يكون موجودا وحاضرا لدى النفس.
والمراد من العلم المعرف هو خصوص العلم الحصولي بدليل قوله(حصول صورة الشئ لدى العقل)اي من خلال توسط صورة.
فتحصل ان العلم المعرف هو خصوص العلم الحادث الحصولي لا مطلق العلم.
ثم ان العلم الحادث الحصولي ينقسم الى علم حسي وخيالي ووهمي وعقلي فنحتاج الى معرفة كل واحد منها لنعلم في اي قسم منها نحتاج المنطق؟وذلك من خلال نظرة اجمالية لنظرية المعرفة عند المصنف بعبارة اخرى نحن كيف ندرك الاشياء؟
اذا فرضنا ان امامك شخص معين فان الحواس الخمسة ترسل نوعين من المعلومات :
1- المعلومات المادية كشكله الخارجي وصوته وطعمه...الخ
2-معلومات معنوية كحبه لك او بغضه او خوفه او خجله...الخ
فكل حاسة من حواسك سوف ترسل معلومات مناسبة لامكانياتها اما المعلومات المادية :فترسل العين شكل ولون الشخص وباقي المعلومات عن هيئته وترسل اليد ملمسه وهل هو خشن او ناعم مثلا وترسل الاذن صوته وهكذا باقي الحواس كل واحدة منها ترسل معلومات معينه وهذه المعلومات تتجمع في اول قوة من قوى النفس الباطنة-فكما للنفس حواس ظاهرة فلها حواس باطنة-وهي قوة الحس المشترك فانت الان ترى المكتوب امامك من خلال صورته في الحس المشترك فكل معلومة من احدى القوة تجتمع مع ما ترسله الحواس الاخرى وتعطي قوة الحس المشترك صورة مكتملة للمعلوم وهذه الصورة هي صورة جزئية-سيأتي معنى الجزئي-ثم تنتقل هذه الصورة الى القوة الثانية من قوى النفس وهي قوة الخيال والفرق بين هذه القوة وقوة الحس المشترك ان قوة الحس المشترك تستطيع ادراك المعلوم مادام مواجها للحواس فاذا غاب عنها او اغمض عينيه مثلا فلا تستطيع قوة الحس المشترك ادراكه بخلاف قوة الخيال فان الصورة تبقى فيها حتى لو زال المعلوم.
ثم تنتقل الصورة الى قوة اخرى وهي الاهم وهي القوة العاقلة التي تقوم بتجريد الصورة السابقة وتنتزع منه المفهوم الكلي وبعبارة اوضح ان الصورة الذهنية التي هي المفهوم تنقسم الى صورة جزئية كصورتك في المراة او صورة صديقك فلان فهي صورة لاتنطبق الا عليه ولدينا صور يمكن ان تنطبق على كثيرين كصورة الانسان مثلا فعندما تاتي الصورة من قوة الخيال يقوم العقل بتجريدها من خصوصيات هذا الشخص المعلوم ولهذا تسمى هذه النظرية بنظرية التجريد وسنعود لها عند البحث عن المفاهيم .اما المعلومات المعنوية كحب الشخص لك او بغضه فان القوة المختصة بادراك مشاعر الاخرين هي قوة الوهم لكن هذه القوة تدرك هذه المشاعر مادامت مواجهة للمعلوم ولا يمكنها الاحتفاظ بالمعلومات بعد زواله لذا تنتقل الصور العلمية منها الى قوة اخرى تسمى القوى الحافظة بواسطة هذه القوة يمكن ادراك مشاعر الاخرين حتى بعد زوالهم.
الى هنا اتضح ان للنفس حواس وقوى باطنة خمس هي:قوة الحس المشترك والصور الحاصلة فيها تسمى العلم الحسي والعلم الحاصل في المتخيلة يسمى العلم الخيالي والعلم الحاصل في الوهم والحافظة يسمى العلم الوهمي والعلم الحاصل في القوة العاقلة يسمى العلم العقلي وهو العلم الذي يفترق الانسان به عن باقي الحيوانات وهو الذي نحتاج المنطق لتسديده وعصمته من الخطأ لان المنطق يعصم الذهن عند التفكير والتفكير يحصل فقط في القوة العاقلة ولا يحصل في غيرها.وهذه العلوم تحصل تباعا وتدريجيا لدى الانسان ولذا بين المصنف ذلك فقال ما محصله:
ان الطفل يحصل عنده صور في ذهنه من مشاهاته وسماعه لاصوات الاخرين وهذا ما نسميه بالعلم الحسي وهذا العلم مشرك بين الانسان والحيوان ثم يتطور ادراكه فيصير قادرا على تخيل وتذكر اشياء غير موجودة امامه وهذا ما نسميه العلم الخيالي وهو ايضا مشترك بين الانسان والحيوان ثم يتطور ادراكه اكثر فيدرك مشاعر الاخرين كحزن الثكلى وفرح المستبشر وهكذا وهو ايضا مشترك .لكن بعد ذلك يحصل له العلم العقلي اي القدرة على التفكير والاستدلال وهذا ما يميزه عن باقي الحيوانات وبما ان هذه القوة فيها تفكير واستدلال والتفكير قد يكون خاطئا وقد يكون مصيبا فنحتاج الى المنطق لجعل التفكير مصيبا دائما.فالعلم المبحوث عنه هنا هو خصوص العلم العقلي.
والحمد لله رب العالمين.
--------------------------
(1)واول من استدل على الحاجة الى المنطق بهذا الدليل هو المعلم الثاني ابو نصر الفارابي.
ذكرنا سابقا ان الكلام في المقدمة يدور حول امور ثلاثة هي تعريف العلم وموضوعه والحاجة اليه والمصنف لم يذكر بحث الموضوع لانه من القائلين بعدم ضرورة وجود موضوع لكل علم واكتفى ببحث التعريف والحاجة وقلنا بان المصنف(رحمه الله)ذكر دليلين على اثبات الحاجة لعلم المنطق وقد تقدم بيان الدليل الاول وهنا سنذكر ان شاء الله الدليل الثاني(1) ويتوقف بيانه على ذكر ثلاث مقدمات :
1-العلم ينقسم الى تصور والى تصديق .
2-التصور والتصديق ينقسم الى بديهي ونظري.
3-النظري قد يقع فيه الغلط.
فنحتاج الى قانون يعصم الذهن عن الخطأ في النظري وهذا العلم هو المنطق.
فثبت احتياجنا الى علم المنطق.
لكن التسليم بنتيجة هذا الدليل متوقف على ثبوت المقدمات الثلاث جميعها والا اذا كانت احداها باطلة يكون الدليل برمته باطلا فيجب علينا اثبات كل واحدة منها.
ولذا ابتدأالمصنف(رحمه الله)باثبات كل مقدمة منها وابتدأ بالمقدمة الاولى (العلم ينقسم الى بديهي ونظري)بذكر تعريف العلم وقالوا في سبب ذلك :ان تقسيم الشئ حكم عليه والحكم على الشئ فرع تصوره-وهذا ما سيتضح في بحث التصديق-فعلينا اولا ان نتصور العلم -من خلال التعريف-وبعد ذلك نقسمه فعرفه بانه (حضور صورة الشئ عند العقل).
لكن قبل الخوض في التعريف لابد من معرفة نوع العلم المعرف وهل يشمل كل اقسام العلم ام لا؟
فقد ذكروا ان العلم ينقسم الى حادث وقديم فهل هذا التعريف لاحدهما ام يشمل الجميع؟
الجواب انه تعريف للعلم الحادث فقط بدليل انه قال حصول اي حدوث فخرج العلم القديم الذي هو علم الباري تبارك وتعالى وايضا يخرج بقوله( في العقل)اي في النفس-كما سيأتي- والله تبارك وتعالى لانفس له.
وذكروا ايضا انقسام العلم الى الحصولي والحضوري والمراد من الاول هو العلم الذي تتوسط الصورة الذهنية فيه بين العالم والمعلوم كعلمنا بما نقرأ ونشاهد فان الصوره الذهنية تتوسط بيننا-العالم-وبين المعلوم الخارجي .اما العلم الحضوري فهو ما لا تتوسط صورة ذهنية بين العالم والمعلوم كعلمنا بالجوع والعطش فان نفس الجوع بما هو حالة نفسانية يكون موجودا وحاضرا لدى النفس.
والمراد من العلم المعرف هو خصوص العلم الحصولي بدليل قوله(حصول صورة الشئ لدى العقل)اي من خلال توسط صورة.
فتحصل ان العلم المعرف هو خصوص العلم الحادث الحصولي لا مطلق العلم.
ثم ان العلم الحادث الحصولي ينقسم الى علم حسي وخيالي ووهمي وعقلي فنحتاج الى معرفة كل واحد منها لنعلم في اي قسم منها نحتاج المنطق؟وذلك من خلال نظرة اجمالية لنظرية المعرفة عند المصنف بعبارة اخرى نحن كيف ندرك الاشياء؟
اذا فرضنا ان امامك شخص معين فان الحواس الخمسة ترسل نوعين من المعلومات :
1- المعلومات المادية كشكله الخارجي وصوته وطعمه...الخ
2-معلومات معنوية كحبه لك او بغضه او خوفه او خجله...الخ
فكل حاسة من حواسك سوف ترسل معلومات مناسبة لامكانياتها اما المعلومات المادية :فترسل العين شكل ولون الشخص وباقي المعلومات عن هيئته وترسل اليد ملمسه وهل هو خشن او ناعم مثلا وترسل الاذن صوته وهكذا باقي الحواس كل واحدة منها ترسل معلومات معينه وهذه المعلومات تتجمع في اول قوة من قوى النفس الباطنة-فكما للنفس حواس ظاهرة فلها حواس باطنة-وهي قوة الحس المشترك فانت الان ترى المكتوب امامك من خلال صورته في الحس المشترك فكل معلومة من احدى القوة تجتمع مع ما ترسله الحواس الاخرى وتعطي قوة الحس المشترك صورة مكتملة للمعلوم وهذه الصورة هي صورة جزئية-سيأتي معنى الجزئي-ثم تنتقل هذه الصورة الى القوة الثانية من قوى النفس وهي قوة الخيال والفرق بين هذه القوة وقوة الحس المشترك ان قوة الحس المشترك تستطيع ادراك المعلوم مادام مواجها للحواس فاذا غاب عنها او اغمض عينيه مثلا فلا تستطيع قوة الحس المشترك ادراكه بخلاف قوة الخيال فان الصورة تبقى فيها حتى لو زال المعلوم.
ثم تنتقل الصورة الى قوة اخرى وهي الاهم وهي القوة العاقلة التي تقوم بتجريد الصورة السابقة وتنتزع منه المفهوم الكلي وبعبارة اوضح ان الصورة الذهنية التي هي المفهوم تنقسم الى صورة جزئية كصورتك في المراة او صورة صديقك فلان فهي صورة لاتنطبق الا عليه ولدينا صور يمكن ان تنطبق على كثيرين كصورة الانسان مثلا فعندما تاتي الصورة من قوة الخيال يقوم العقل بتجريدها من خصوصيات هذا الشخص المعلوم ولهذا تسمى هذه النظرية بنظرية التجريد وسنعود لها عند البحث عن المفاهيم .اما المعلومات المعنوية كحب الشخص لك او بغضه فان القوة المختصة بادراك مشاعر الاخرين هي قوة الوهم لكن هذه القوة تدرك هذه المشاعر مادامت مواجهة للمعلوم ولا يمكنها الاحتفاظ بالمعلومات بعد زواله لذا تنتقل الصور العلمية منها الى قوة اخرى تسمى القوى الحافظة بواسطة هذه القوة يمكن ادراك مشاعر الاخرين حتى بعد زوالهم.
الى هنا اتضح ان للنفس حواس وقوى باطنة خمس هي:قوة الحس المشترك والصور الحاصلة فيها تسمى العلم الحسي والعلم الحاصل في المتخيلة يسمى العلم الخيالي والعلم الحاصل في الوهم والحافظة يسمى العلم الوهمي والعلم الحاصل في القوة العاقلة يسمى العلم العقلي وهو العلم الذي يفترق الانسان به عن باقي الحيوانات وهو الذي نحتاج المنطق لتسديده وعصمته من الخطأ لان المنطق يعصم الذهن عند التفكير والتفكير يحصل فقط في القوة العاقلة ولا يحصل في غيرها.وهذه العلوم تحصل تباعا وتدريجيا لدى الانسان ولذا بين المصنف ذلك فقال ما محصله:
ان الطفل يحصل عنده صور في ذهنه من مشاهاته وسماعه لاصوات الاخرين وهذا ما نسميه بالعلم الحسي وهذا العلم مشرك بين الانسان والحيوان ثم يتطور ادراكه فيصير قادرا على تخيل وتذكر اشياء غير موجودة امامه وهذا ما نسميه العلم الخيالي وهو ايضا مشترك بين الانسان والحيوان ثم يتطور ادراكه اكثر فيدرك مشاعر الاخرين كحزن الثكلى وفرح المستبشر وهكذا وهو ايضا مشترك .لكن بعد ذلك يحصل له العلم العقلي اي القدرة على التفكير والاستدلال وهذا ما يميزه عن باقي الحيوانات وبما ان هذه القوة فيها تفكير واستدلال والتفكير قد يكون خاطئا وقد يكون مصيبا فنحتاج الى المنطق لجعل التفكير مصيبا دائما.فالعلم المبحوث عنه هنا هو خصوص العلم العقلي.
والحمد لله رب العالمين.
--------------------------
(1)واول من استدل على الحاجة الى المنطق بهذا الدليل هو المعلم الثاني ابو نصر الفارابي.