بسم الله الرحمن الرحيم
لقد ذكر العلماء والمفسرون آراء متباينة حول مفاد روايات التفسير بالرأي وسنعرض لأهمها:1. العلامة الطباطبائي:
قال في هذا المورد: ((والحاصل إن المنهي عنه إنما هو الاستقلال في تفسير القرآن واعتماد المفسر على نفسه من غير رجوع إلى غيره ولازمه وجوب الاستمداد من الغير بالرجوع إليه))(1)
ثم خلص الى القول: ((بأنه لابد من الاستعانة بنفس القرآن في مجال التفسير لأن هذا الغير لامحالة إما هو الكتاب أو السنة وكونه السنة ينافي القرآن ونفس السنة الآمرة بالرجوع إليه وعرض الأخبار عليه فلا يبقى للرجوع إليه والاستمداد منه في تفسير القرآن إلا نفس القرآن.))(2)
وذكر في مكان آخر إن المقصود من روايات المنع من التفسير بالرأي هو النهي عن المنهج والطريق وليس المنع عن المكشوف وبعبارة أخرى إنه نهى(عليه السلام)عن تفهم كلامه على نحو ما يُتفهم به كلام غيره.(3)
ورغم إن ألفاظ القرآن عربية رُوعي فيها جميع ما يُراعى في الكلام العربي ولكن الاختلاف جاء من جهة المراد والمصداق الذي ينطبق عليه مفهوم الكلام ثم ضرب مثلاً لذلك بصفات وأسماء الله تعالى التي تختلف مصاديقها مع المصاديق العادية.(4)
2.الإمام الخميني والسيد الخوئي:
فسرالسيد الخوئي(قده) أحاديث التفسير بالرأي فقال: ((ويحتمل إن معنى التفسير بالرأي؛ الاستقلال بالفتوى من غير مراجعة الائمة(عليهم السلام) مع أنهم قرناء الكتاب في وجوب التمسك ولزوم الانتهاء اليهم فإذا عمل الانسان بالعموم والاطلاق الوارد في الكتاب ولم يأخذ التخصيص أو التقييد الوارد عن الأئمة (عليهم السلام) كان هذا من التفسير بالرأي وعلى الجملة حمل اللفظ على ظاهره بعد الفحص على القرائن المتصلة والمنفصلة من الكتاب والسنة أو الدليل العقلي لا يعد من التفسير بالرأي .(5)
وكذلك نقل عن الامام الخميني (قده) انه قال:
فإن من المحتمل بل من المظنون إن التفسير بالرأي يتعلق بآيات الأحكام التي لا تصلها الآراء والعقول والتي يجب أخذها بحالة التعبد الصرف والانقياد التام من خزان الوحي ومهابط ملائكة الله كما هو الحال مع أكثر الروايات الشريفة الواردة في هذا الباب والتي وردت لمواجهة فقهاء العامة الذين أرادوا أن يفهموا دين الله بعقولهم وبالقياس.))
3.الشيخ الانصاري:
قال في مورد التفسير بالرأي:
إن من المعلوم ان هذا لا يسمى تفسيراً، إذ التفسير هو كشف القناع ولو سلمنا كون مطلق حمل اللفظ على معناه تفسيراً ولكن الظاهر ان المراد بالرأي هو الاعتبار العقلي الظني الراجع الى الاستحسان فلا يشمل حمل ظواهر الكتاب على معانيها اللغوية والعرفية وعلى هذا فالمراد بالتفسير بالرأي: أما حمل اللفظ على خلاف ظاهره أو أحد احتمالين (اذا كان هناك احتمالان أو أكثر) من دون دليل لرجحان ذلك في نظره أو حمل اللفظ على المعنى اللغوي والعرفي في بادئ الرأي دون الاخذ بنظر الاعتبار القرائن النقلية والعقلية.(6)
4.آية الله معرفة:
قسم مفاد أحاديث التفسير بالرأي الى نوعين هما:
أ- أن يعمد قوم الى آية قرآنية فيحاولوا تطبيقها على ما قصدوه من رأي او عقيدة او مذهب او مسلك تبريرا لما اختاروه في هذا السبيل ولم يقصدوا تفسير القرآن وهذا هو المراد بقوله(صلى الله عليه وآله) : ((فقد خر بوجهه أبعد من السماء)) أو ((فليتبؤا مقعده من النار)).
ب- الاستبداد بالرأي في تفسير القرآن مجانباً طريقة العقلاء في فهم معاني الكلام و لا سيما كلامه تعالى فان للوصول الى مراده على الآثار الواردة حول الآيات وملاحظة أسباب النزول الى غير ذلك من الشروط التي يجب توفرها في المفسر فالغفلة عن هذه الأمور والاعتماد على الفهم الخاص مخالفان لطريقة السلف والخلف في التفسير ومن استبد برأيه هلك ومن قال على الله بغير علم فقد ضل سواء السبيل ولهذا فانه قد اخطأ وان أصاب الواقع لانه اخطأ الطريق.(7)
5.القرطبي:
إن أحاديث المنع من التفسير بالرأي يمكن أن تكون على معنيين:
أ- أن يكون له(المفسر) في الشئ رأي وإليه ميل من طبعه وهواه ويفسر القرآن طبقا لهواه ويستدل على رأيه بهذه الوسيلة بحيث لو لم يكن عنده ذلك الرأي لما لاح له ذلك المعنى من القرآن.
ويمكن تصور هذا المعنى على صورتين: فتارة يكون مع العلم وذلك عندما يحتج على تصحيح بدعته ببعض آيات القرآن وأخرى يكون مع الجهل في ما إذا كانت الآية محتملة لاحتمالين فيميل برأيه إلى الوجه الذي يوافق غرضه.
ب- أن يسارع الى تفسير القرآن بظاهر العربية دون الأخذ بنظر الاعتبار القرائن النقلية والأدبية.(8)
6. الشيخ ناصر مكارم الشيرازي:
قال في شأن التفسير بالرأي:
ففي كل مورد يتخذ الانسان عقيدة من العقائد ويسعى الى تلفيق الشواهد من القرآن وأحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت(عليه السلام) وعندما لا يجد فيهما ما يؤيد عقيدته يقوم بانتخاب بعض الآيات والروايات ويفسرها خلاف ظاهرها دون وجود أي قرينة على ذلك لكي توافق عقيدته ورأيه الشخصي.(9)
وقال في مكان آخر: إن أحد معاني التفسير بالرأي هو التسليم والقبول بالقواعد اللغوية والأدبية في فهم الجمل والكلمات القرآنية ولكن يقع التحريف عند تطبيق الآية على مصاديقها فيقوم باختيار بعض الموارد التي ليست من مصاديق الآية على أساس الذوق والرأي الشخصي.(10)
7.الاستاذ عميد الزنجاني:
قال في معنى التفسير بالرأي:
إن التفسير بالرأي هو أن يكون محور الاستنباط فيه هو نظر ورأي المفسر حيث يكون حراً في فهم معاني الآيات ومقاصدها وليس مقيداً في حدود معينه وهذه النظرية تقع مقابل التفسير النقلي تماما.(11)
ثم ذكر روايات التفسير بالرأي والمعاني الثلاثة للباء في ((برأيه)) واختار معنى الاستعانة فقال:
إن المفسر بالرأي يستعين برأيه الشخصي فقط في استخراج مقاصد القرآن دون الالتفات الى الطريق الطبيعي والجهات اللازمة والاستمداد من المبادئ والمقدمات المقررة في التفسير.(12)
8.عبد الرحمن العك:
بدأ البحث تحت عنوان (المنهج العقلي) ثم قال: وللعلماء تسمية للتفسير العقلي هي: (التفسير بالرأي).
ويطلق الرأي في اللغة على : الاعتقاد العقل التدبير كما يطلق في الاصطلاح على الإجتهاد ومنه أطلق على أهل الفقه أصحاب الرأي وعلى ما تقدم فان التفسير بالرأي: هو التفسير بالعقل والاجتهاد .(13)
(1) الميزان ج3 ص77.
(2) المصدر نفسه.
(3) الميزان ج3 ص76.
(4) الميزان ج3 ص78.
(5) البيان ص287-288.
(6) فرائد الأصول ج1 ص142_143.
(7) التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب ج1 ص69-70.
(8) تفسير القرطبي ج1 ص32-34.
(9) التفسير بالرأي ص 23.
(10) نفس المصدر ص27.
(11) مباني وروشهاني تفسيري ص249.
(12) نفس المصدر ص 257.
(13) أصول التفسير وقواعد ص 167.