صراع الأجيال” مصطلح لداء في مضمونه الدواء
أنا حر، هذه خصوصيتي، لقد أصبحت شاباً ومن حقي أن أفعل ما أشاء، لم أعد صغيراً ليتحكم أحد بأفعالي…. لست آلة يتم تحريكها بجهاز التحكم… يجب أن يحترم الجميع طريقة تفكيري ورغبتي في فعل ما أريد… في أن أخوض تجارب الحياة أصيب فأتعلم وأخطئ فأتعلم….. وفي كلا الحالتين أعيش سعيداً لأنني حر فلا شيء أجمل من الحرية….
كانت هذه الجمل التي توجهَ بها الابن إلى أبيه بعد أن استجمع قدرته على التعبير لصياغة ما في باطنه من أفكار ومشاعر تجاه والديه….
إنها بالتأكيد هي مشكلة شائعة تنتشر في مجتمعاتنا على نحو تجعل حياة الأُسَر غير آمنة ولا مستقرة… فهل لهذه المشكلة حل أم أنها كما يقولون صراع الأجيال الذي لا ينتهي؟!… سننطلق في نقاشنا لهذه القضية من عبارة (صراع الأجيال) نفسها تلك العبارة التي تُطلق عادة لتحبيط المعنويات والتيئيس من أي محاولة للعلاج لأنها مشكلة اجتماعية ثابتة متكررة….
هل خطر في بالنا يوماً أن هذه العبارة تحمل في مدلولها ومعناها الحل والعلاج؟؟!!….
عندما نقول: “صراع الأجيال” فإننا نعني الفجوة التي تكون بين الأبناء والآباء والسبب الرئيسي لها حرص الآباء على متابعة الأبناء… وطالما أن هذه المشكلة تتوالى مع توالي الأجيال فهذا يعني أن هؤلاء الأبناء عندما يصبحون آباء فإنهم سيكررون الأمر ذاته مع أبنائهم، فيتذمر منهم أبناؤهم حتى إذا صار هؤلاء الأبناء آباء تكرر الأمر ذاته…
إذن الأمر يتعلق بمفاهيم وقناعات تقبع في عقول جيل الشباب على الدوام لا يتم تصويبها إلا عندما يصيرون آباء، عندها يدركون أن ما كان يفعله الوالدان كان حقاً وصواباً بدليل أنهم يكررون الأمر ذاته مع أبنائهم….
إذن الحل يكمن في تكوين هذه المفاهيم وتلك القناعات في عقول الأبناء قبل أن يصبحوا آباء… وبالتالي فإن عبارة “صراع الأجيال” لا تبعث على اليأس من علاج المشكلة بل تدلنا إلى من سنتوجه لحلها….
سنتوجه إلى الشباب ليس لنقنعهم بأن يقبلوا بواقعهم كما هو فيلتزموا برغبات الآباء أياً كانت بل لنوضح الرؤية فيما يتعلق بحالة الصراع التي يعيشونها مع آبائهم ونأخذ بأيديهم في محاولة لجسر الهوة بينهم….
إلى كل شاب وشابة يتذمر من تدخل والديه أقول:
أولاً: أطلب منك أمرين الأول: أمسك ورقة وقلماً واكتب: كيف يريد أن يعاملك والداك، وكيف تريد أن تعيش… وانتبه عند كتابتك أن تعرِّف المصطلحات التي تريد أن تتمتع بها، كالحرية الشخصية، والخصوصية…. وغيرها، أعطِ أمثلة على كلٍّ منها من أفعالك وتصرفاتك مع تقييم تلك الأفعال في ميزان الشرع والمجتمع، أي ما هو صح وما هو خطأ، عندها ستعلم يقيناً الدافع الكامن وراء رفضك تدخل أبويك لأن البر ما اطمأنت إليه نفسك والإثم ما أخفيته وخشيت أن يطلع عليه الناس…. الأمر الثاني: اكتب في ورقتك بالتفصيل كيف ستعامل أبناءك عندما تصير أباً بعد أن تتخيلهم شباباً وشابات…. فإنك بذلك ستوفر على نفسك الأيام والأعوام لتدرك الكثير من الحقائق.
ثانياً: أنت تعلم بلا شك أن الدافع الأكبر لتدخلات والديك هو حبهما لك وحرصهما عليك لكنك لا تقبل ما يقومان به، إذن الحل لن يكون إلا في طريقة تعامُل تمنحك مساحة من الراحة والحرية وفي الوقت نفسه تشعرهما بالاطمئنان تجاهك، وهذه الطريقة تتحمل أنت مسؤولية إيجادها وتفعيلها في حياتكم لأنك بلا شك أكثر اطلاعاً على العلوم الحديثة التي تزخر بفنون التواصل والتعامل والتي من المؤكد أنها لم تكن متاحة من قبلُ لوالديك….
ثالثاً: تذكّر وأنت تشعر بالضيق من تدخلات والديك أن في الحياة أخطاراً لن تتسع الحياة لتجربتها لأن خسائرها تقضي على الحياة نفسها، وهذه الأخطار لا تدركها الآن بسبب قلة خبرتك وتجربتك، أما أبواك فقد عرفا أخطارها من مشاهدات الحياة، لذا كان لزاماً عليهما أن يقفا حاجزاً بينك وبينها.
رابعاً: عندما تتقبل نصائح والديك وتستفيد من تجاربهما فإنك بذلك تعيش عمرين عمرك وعمرهما… في حين أنك كنت ستضيّع الأيام والأعوام لتصل إلى تلك الخبرات….
خامساً: تذكر دائماً أن ما يقوم به والداك ليس تكبيلاً لك أو أسراً لحريتك بل هو بمثابة السد الذي يقام في طريق نهر غزير لينظم مجراه ويضبط مسيره لأن الحرية التي تطمح إليها كالنهر الغزير لو تُرِك لفاض ماؤه وأتى على الأخضر واليابس…. ولا بد للإنسان من نظام يعيش وفقه… لأنه إن لم يفعل فستغدو العشوائية والفوضى نظاماً جديداً يعنون حياته ويوجه مسيره…
سادساً: إن ما يقوم به والداك إنما هو امتثالاً لأمر كلَّفهما الله تعالى به عندما قال:
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)”
وامتثالاً لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ” كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ….”
سابعاً: أذكرك أيضاً أن الله تعالى أمر المؤمنين أن يتواصوا بالحق ويتواصوا بالصبر، وأن يكون أمرهم شورى بينهم… فإذا كان هذا في المجتمع المؤمن فمن بابٍ أولى أن يكون في الأسرة المؤمنة، وهذا يقتضي أن يتقبل أفراد الأسرة بعضهم بعضاً…. عندها لن يضطر الوالدان أن يسألا ابنهما عن أموره لأنهما يعلمان أنه سيفعل ذلك من نفسه….
ثامناً: لا تنس أن ما تطالب به من حرية شخصية وخصوصية وغيرها من المصطلحات البراقة إنما هي مظاهر بهرنا بها الإعلام الغربي ومن بعده الإعلام العربي على اختلاف مواده، ولكننا نسينا أن منظومة الحياة الغربية التي تقتضي عدم تدخل الآباء في الأبناء تقتضي في الوقت ذاته ألا يقوم الآباء برعاية أبنائهم أو الإنفاق عليهم عندما يصيرون في سن معينة الأمر الذي يعده أبناؤنا من أهم واجبات الوالدين وعليهما الالتزام بها اتجاههم حتى يلتحقوا بعمل أو يتزوجوا.
هذه بعض النقاط أضعها بين أيديكم ولن أنسى أن أتوجه أيضاً إلى الآباء بعبارة فأقول:
لا بدّ عند متابعة الأبناء من حكمة دون ممارسة دور الشرطي الذي يلاحق اللص, وهذا يتطلب منكم أساليب حكيمة تعتمد على الحوار والصداقة ومنحهم الثقة مع توقع حصول الغلط وتقبُّل الأغلاط بصدر رحب وحكمة,.. مع السعي قبل كل ذلك وبعده إلى زرع تقوى الله وخشيته في نفوسهم في السر قبل العلن, كل هذا سيجعلهم يتحملون مسؤوليات الحياة ويبتعدون عن أخطائها ويحسنون اختيار مواقفهم….. عسانا نصل إلى يوم نبحث فيه في معجم اللغة العربية عن معنى: “صراع الأجيال” فنجد أنه: مصطلح قديم كان يطلق على ظاهرة سادت في مجتمعاتنا العربية في حقبة من الزمن تم القضاء عليها نهائياً بسبب الوعي الذي تم نشره ابتداء من الأسرة والمدرسة وانتهاء بوسائل الإعلام….
شكرا لمطالعتكم
الموضوع منقول ونقلناه للفائدة