بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد الكائنات الروح الأمين ابي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
اما بعد: فإن الكلام لا زال في تفسير الآيات الاولى من سورة البقرة:والصلاة والسلام على سيد الكائنات الروح الأمين ابي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
س كيف يكون الإرتباط بالله؟
الصفة الاُخرى للمتقين هي أنهم (يُقيمُونَ الْصَّلاةَ).
«فالصّلاة» باعتبارها رمز الإرتباط بالله تجعل المؤمنين المنفتحين على عالم ماوراء الطبيعة على ارتباط دائم بالخالق العظيم فهم لا يحنون رؤوسهم إلا أمام الله ولا يستسلمون إلاّ لرب السماوات والأرض ولذلك لا معنى في قاموس حياتهم لعبادة الاوثان أو التسليم أمام الجبابرة والطواغيت ومثل هذا الإنسان يشعر أنّه أسمى من جميع المخلوقات الاُخرى إذ أنّه منح لياقة الحديث مع ربّ العالمين وهذا الإحساس الوجداني أكبر عامل في تربية الموجود البشري والإنسان الذي يقف خمس مرات يوميّاً أمام الله يتضرع إليه ويناجيه ينطبع فكره وعمله وقوله بطابع إلهي ومثل هذا الإنسان لا ينهج طريقاً فيه سخط الله على أن يكون تضرعه لله صادراً عن أعماق قلبه ومنطلقاً من تمام وجوده.
س كيفية الإرتباط بالنّاس؟
المتقون إضافة إلى ارتباطهم الدائم بالخالق لهم إرتباط وثيق ومستمر بالمخلوقين ومن هنا كانت الصفة الثالثة التي يبيّنها لهم القرآن أنّهم (ومِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) ومن هنا يلاحظ أن القرآن لا يقول: ومن أموالهم ينفقون بل يقول: (ومِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ)، وبذلك وسّع نطاق الإنفاق ليشمل المواهب المادية والمعنوية فالمتقون لا ينفقون أموالهم فسحب بل ينفقون من علمهم ومواهبهم العقلية وطاقاتهم الجسميّة ومكانتهم الإجتماعية وبعبارة اُخرى ينفقون من جميع إمكاناتهم لمن له حاجة إلى ذلك دون توقّع الجزاء منه.
ان الملاحظة الاُخرى هي إن الإنفاق قانون عام في عالم الخليقة وخاصة في التركيب العضوي لكل موجود حي قلب الإنسان لا يعمل لنفسه فقط بل ينفق ما عنده لجميع خلايا البدن الدماغ والرئة وسائر أجهزة البدن تنفق دائماً من ثمار عملها والحياة الجماعية أساساً لا مفهوم لها دو نما إنفاق الإرتباط بالنّاس في الحقيقة حصيلة الإرتباط بالله فالإنسان المرتبط بالله يؤمن أن كل ما لديه من نِعَم إنّما هي مواهب إلهيّة مودعة لديه لفترة زمنيّة معينة ومن هنا فلا يزعجه الإنفاق بل يسره ويفرحه لأنه بالإنفاق قسّم مال الله بين عباد الله وبقيت له نتائج هذا العمل وبركاته المادية والمعنوية وهذا التفكير يطهّر روح الإنسان من البخل والحسد ويحوّل الحياة من ساحة لتنازع البقاء إلى مسرح للتعاون حيث يشعر كل فرد بأنه مسؤول أن يضع ما لديه من مواهب تحت تصرف كل المحتاجين مثل الشمس تفيض بأشعتها على الموجودات دون أن تتوقع من أحد جزاء وقد ورد في حديث عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) بشأن تفسير الآية (وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) يقول: «إنَّ مَعْنَاهُ وِمِمّا عَلَّمْنَاهُمْ يَبُثُّونَ» ومن البديهي أنّ الرّواية لا تريد أن تجعل الإنفاق مختصاً بالعلم بل إن الإمام الصادق يريد بذكر هذا اللون من الإنفاق أن يوسّع مفهوم الإنفاق كي لا يكون مقتصراً على الجانب المالي كما يتبادر إلى الأذهان لأول وهلة ومن هنا يتضح ضمنياً أن الإنفاق المذكور في الآية لا يقتصر على الزكوات الواجبة والمستحبة بل يتسع معناه ليشمل كل مساعدة بلا مقابل.