بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
آية أولي الأمر من الآيات التي نستطيع من خلالها إثبات مذهب الحق مذهب أهل البيت عليهم السلام وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
" يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الأمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَزَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً " ]سورة النساء آية 59 [.
ولكن هناك شبهات وردت حول هذه الآية الكريمة نذكر في هذا البحث واحد من هذه الإشكالات التي أشكل الرازي بها حول هذه الآية والرد عليها .
وتقرير الإشكال أنه تعالى أمر بطاعة أولي الأمر جمع ، وعندهم لا يكون في الزمان إلا إمام واحد ، وحمل الجمع على الفرد خلاف الظاهر[1] .
والإجابة على هذا الإشكال بعدة أجوبة وبعضها بتقرير آخر :
- الجواب رقم ( 1 ) : إنّ المراد هو الجمع ولكن بلحاظ التوزيع في الأزمنة، ولا منافاة فيه للظاهر بل نقول أكثر من ذلك وهو وجوب طاعتهم كلّهم على حدٍّ سواء، وان كان الاِمام واحداً في كلِّ عصر، وهذان مقامان مختلفان وهو واضحٌ لمن تدبّر .
- الجواب رقم ( 2 ) : نسأل الفخر الرازي: هل تعتبرون الخلفاء من أولي الأمر أم لا ؟
كل العامة ومنهم الفخر الرازي قائلون بوجوب طاعة الخلفاء الراشدين لأنهم أولو الأمر، وهذه العقيدة خلاف الظاهر ( من الآية بحسب إشكاله ) لأن أولي الأمر جمع، والخلفاء وإن كانوا جمعاً، لكن تعدد الخليفة في عصر واحد باطل بإجماع العامة.
فما أجبتم به أجبنا به على إشكالكم، وهذا النقض غير قابل للجواب، إلا أن تقولوا أن أحداً من الخلفاء ليس من أولياء الأمر، وهذا خلاف مذهبكم هذا النقض.
الجواب رقم ( 3 ) : أنّ الذي هو خلاف الظاهر من حمل الجمع على المفرد هو أن يطلق لفظ الجمع ويراد به واحد من آحاده . ولكنّ الآية الشريفة ليست كذلك . إنّ أُولي الأمر هم الأئمّة الاثنا عشر المعصومون ، و لا إشكال في إطلاق لفظ الجمع عليهم . و لايلزم في صحّة استعمال لفظ الجمع وجود جميع أفراده فعلاً ، بل إذا وُجِدُوا واحداً بعد الآخر ، فإنّ لفظ الجمع المنحلّ إلى الآحاد سوف ينطبق عليهم . فنحن نقول على سبيل المثال : على طالب المدرسة أن يجتاز الصفوف الدراسيّة . فالصفوف هنا جمع ولكنّ اجتيازها لايتحقّق في زمن واحد ، بل يتحقّق تدريجاً . و مثل هذا الاستعمال شائع بين الناس كثيراً . فهم يقولون : أطع رؤساءك ، أي : أطع هذا الرئيس ؛ لأنّه لايوجد في كلّ عصر أكثر من رئيس واحد . و قد وردت هذه الجموع في القرآن المجيد كثيراً . منها :
" فَلَا تُطِعِ الْمُكَذّبِينَ " ]سورة القلم آية 8[ .
" فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ " ]سورة الفرقان آية 52 [ .
" حَافِظُوا عَلَى الصّلَوَ تِ وَ الصّلَوةِ الْوُسْطَى " ]سورة البقرة آية 238 [.
" إِنّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَ كُبَرَآءَنَا " ]سورة الأحزاب آية 67 [.
" وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ " ]سورة الحجر آية 88 [ .
فالواضح من هذه الآيات هو أنّ الإنسان لايؤدّي صلواته كلّها في زمن واحد ، و لايطيع سادته و كبراءه في وقت واحد ، و لايخفض جناحه للمؤمنين جميعهم في عصر واحد . فهذه الجموع تنحلّ إلى أفراد متعدّدين . و متى كان أحدهم مصداقاً ، فهو الذي يقع عليه عب ء التكليف . و آية أُولي الأمر هي كذلك لأنّها منحلّة إلى أفراد ، متى تحقّق وجود أحدهم في الخارج ، فإنّ وجوب إطاعته سوف يتحقّق لامحالة[2] .
- الجواب ( 4 ) : وهذه من المسائل التي ارتعش فيها يراع الرازي، لأن ذكر " أولي الأمر " بلفظ الجمع في هذه الآية لا ينافي وجود إمام واحد في الفترة الزمانية الواحدة، ثم يليه الذي بعده فيبقى في فترة زمانية واحدا، ثم يليه الذي بعده.. وهلم جرا إلى اثني عشر إماما. وإنما ورد ذكرهم بلفظ الجمع لاشتراكهم في حكم واحد، فجمعهم هذا الحكم لفظا لا زمانا، فإن كانوا مجتمعين فلهم هذا الحكم، وإن تفرقوا في الأزمان حسب التسلسل فلكل واحد منهم نفس هذا الحكم، وهو الأمر بوجوب طاعتهم.
إذا، فلا تنافي بين الإمام الواحد في زمانه وبين ذكر " أولي الأمر " في الآية بلفظ الجمع.
وأما حمل الجمع على الفرد الذي هو خلاف الظاهر، فهو أن يطلق لفظ الجمع ويراد به واحد بعينه من أفراده، دون قصد بيان حكم مشترك بين الأفراد. وهناك من النصوص ما يؤيد ذلك.
فالأمر بطاعة الخلفاء واتباع سنتهم جاء على قرار الأمر بطاعة أولي الأمر في الآية، يقول: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء.. ". فالخلفاء جمع، فلا يجوز أن يقال هو خلاف الظاهر لحمله على الفرد، إذ أننا رأينا الخلفاء الأربعة قد جاء في كل زمان واحد منهم، فلم يتناف ذلك مع لفظ الجمع " الخلفاء "، ولم يقل أحد بلزوم مجيئهم جميعا في زمان واحد، فأولو الأمر من هذا القبيل.
- الجواب ( 5 ) : نعم ، إذا استعمل لفظ الجمع في المفرد لا غير ـ على نحو القضية الشخصية ـ فهو خلاف الظاهر بلا ريبٍ ، وليس الأمر هنا كذلك .
[1] . العصمة حقيقتها – أدلتها ج 5 ص 12 .
[2] . معرفة الإمام ج 2 ص 164 .