بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم يامن :
اصْطَفَاكُمْ ( الله ) بِعِلْمِهِ ، وَارْتَضَاكُمْ لِغَيْبِهِ ، وَاخْتَارَكُمْ لِسِرِّهِ ، وَاجْتَبَاكُمْ بِقُدْرَتِهِ ، وَأَعَزَّكُمْ بِهُدَاهُ ، وَخَصَّكُمْ بِبِرْهَانِهِ ، وَانْتَجَبَكُمْ لِنُورِهِ ، وَأَيَّدَكُمْ بِرُوحِهِ ، وَرَضِيَكُمْ خُلَفَاءَ فِي أَرْضِهِ ، وَحُجَجَاً عَلَى بَرِيَّتِهِ ، وَأَنْصَاراً لِدِينِهِ ، وَحَفَظَةً لِسِرِّهِ ، وَخَزَنَةً لِعِلْمِهِ ، وَمُسْتَوْدَعَاً لِحِكْمَتِهِ ، وَتَرَاجِمَةً لِوَحْيِه ، وَأَرْكَاناً لِتَوْحِيدِهِ ، وَشُهَدَاءَ عَلَى خَلْقِهِ ، وَأَعْلامَاً لِعِبَادِهِ ، وَمَنَاراً فِي بِلادِهِ ، وَأَدِلاَّءَ عَلى صِرَاطِهِ .
السلام عليكم يامن :
اصْطَفَاكُمْ ( الله ) بِعِلْمِهِ ، وَارْتَضَاكُمْ لِغَيْبِهِ ، وَاخْتَارَكُمْ لِسِرِّهِ ، وَاجْتَبَاكُمْ بِقُدْرَتِهِ ، وَأَعَزَّكُمْ بِهُدَاهُ ، وَخَصَّكُمْ بِبِرْهَانِهِ ، وَانْتَجَبَكُمْ لِنُورِهِ ، وَأَيَّدَكُمْ بِرُوحِهِ ، وَرَضِيَكُمْ خُلَفَاءَ فِي أَرْضِهِ ، وَحُجَجَاً عَلَى بَرِيَّتِهِ ، وَأَنْصَاراً لِدِينِهِ ، وَحَفَظَةً لِسِرِّهِ ، وَخَزَنَةً لِعِلْمِهِ ، وَمُسْتَوْدَعَاً لِحِكْمَتِهِ ، وَتَرَاجِمَةً لِوَحْيِه ، وَأَرْكَاناً لِتَوْحِيدِهِ ، وَشُهَدَاءَ عَلَى خَلْقِهِ ، وَأَعْلامَاً لِعِبَادِهِ ، وَمَنَاراً فِي بِلادِهِ ، وَأَدِلاَّءَ عَلى صِرَاطِهِ .
***
المتن :
( المقصد الأول في التصورات : دلالة اللفظ على تمام ما وضع له مطابقة وعلى جزئه تضمن وعلى الخارج التزام ، ولابد فيه من اللزوم عقلا او عرفا ويلزمهما المطابقة ولو تقديرا ولا عكس )
الشرح :
تمهيد
قد مر علينا ان متن التهذيب اشتمل على علمين : علم المنطق وعلم الكلام ونحن ندرس علم المنطق منه فحسب ، وعلم المنطق فيه جعله التفتازاني بعد الخطبة عبارة عن : مقدمة ومقصدين الأول في التصورات والثاني في التصديقات وخاتمة ، وقد انتهينا من المقدمة ووصل بنا الكلام الى المقصد الأول وهو : التصورات ، وقد بدأه بمباحث الألفاظ وتناول فيها الدلالة واقسامها والمفرد والمركب واقسام المفرد وغيرها من المباحث، والعبارة اعلاه تشير الى بحث الدلالة والكلام بيانها يقع في نقاط ست نعرضها اجمالا ثم نشرع ببيانها تفصيلا :
ـ النقطة الأولى : ( توجيه تعرض المنطقي لمباحث الألفاظ )
ـ النقطة الثانية : ( تعريف الدلالة وأقسامها ) .
ـ النقطة الثالثة : ( اللفظية الوضعية وتقسيمها )
ـ النقطة الرابعة : ( شرط الدلالة الألتزامية )
ـ النقطة الخامسة : ( ملازمة المطابقية للتضمنية والالتزامية )
ـ النقطة السادسة : ( عدم ملازمة التضمنية والالتزامية للمطابقية )
***
* النقطة الأولى : ( توجيه تعرض المنطقي لمباحث الألفاظ )
ذكرنا في الامر الثالث والاخير من الامور التي اشتملت المقدمة على بيانها ان موضوع المنطق هو المعرّف والحجة فقط وهما من المعاني لا الالفاظ فالتعريف امر معنوي فتعريف الكلمة بانها قول مفرد معنوي لا لفظي لإن الذي قام بوضيفة التعريف هو معنى " قول مفرد " لا لفظه والدليل على على ذلك انك تستبدل اللفظ بلفظ اخر لغير العربي حين تريد تعريف الكلمة مما يعني ان الملحوظ هو المعنى فحسب ، ونفس الكلام يتأتى في الحجة فهي الاخرى امر معنوي لا لفظي فالحجة مثلا هي معنى : " الامامة لطف وكل لطف واجب ، فالامامة واجبة " لا لفظه ، فلو ترجمت هذا القياس الى لغة اخرى بلفظ اخر لكانت النتيجة من حيث المعنى واحدة ، فلو كان اللفظ لما اديا الغرض حين استبدلا بلفظ آخر .
وعلى هذا الاساس تعرض المناطقة الى مباحث الالفاظ بحاجة الى توجيه لانه خارج عن مقصودهم كما اوضحنا ذلك وقد وجه الملا عبد الله تعرض المناطقة لمباحث الالفاظ بما يلي :
ان هذا اشبه بالمقدمة التي تشتمل على التعريف والموضوع والغاية ووجه الشبه ان كلا من المقدمة ومباحث الالفاظ تعارف ايرادهما عند المناطقة ليعينان على فهم ما يُقبل عليه المحصّل والمشتغل فكما ان المقدمة تعطيه بصيرة في الشروع في العلم كذلك مباحث الألفاظ فان التعرض لها يعين المعلم على الافادة لغيره فببيان المصطلحات الخاصة في هذا العلم هنا كالكلي والجزئي والمتواطئ والمشكك وما اشبه يسّهل عليه استخدامها مع من يفيده وهكذا الحال بالنسبة للمتعلم فان فهمه للمصطلحات سيعينه قطعا على الاستفادة ، والحاصل ان الافادة للغير والاستفادة من الغير ونقل المعاني وتلقيها لا يتم الا بواسطة الالفاظ ولهذا تعرضوا لمباحث الالفاظ عموما وشرعوا بالبحث عن الدلالة خصوصا .
اذن : حيث ان التعريف جزء من غرض المنطق وموضوعه وقد استعمل فيه جملة من الاصطلاحات من قبيل الدلالة الالتزامية والتضمنية فقالوا عن الاولى انها لا تستعملان في التعاريف في الجملة بخلاف المطابقة فانها معتبرة وقالوا ايضا لا يجوز استعمال المشترك والمجاز في التعاريف الا بقرينة وان التعريف حد تام وهو عبارة عن الجنس والفصل وهي من الكليات الخمسة التي هي معان مفردة فاحتاجوا تقسيم اللفظ الى مفرد ومركب كل ذلك اقتصى ان يعقدوا مقدمة لخصوص هذا الفن كما احتاجوا الى عقد مقدمة لكل علم .
***
* النقطة الثانية : تعريف الدلالة وأقسامها .
المراد من الدلالة هي : كون الشيء بحيث يلزم من العلم به العلم بشيء اخر .
والمراد من الشيء الأول : هو الدال كطرقة الباب .
والمراد من الشيء الثاني : هو المدلول كوجود الطارق المدلول عليه من سماع طرقه للباب .
والمراد من العلم سواء بالاول او بالثاني : حصول صورة الشيء لدى العقل الذي قسمناه الى تصور وتصديق .
والحاصل : ان العلم بسماع طرقة باب الدار على نحو خاص مثلا ـ دال ـ يلزم منه العلم بوجود طارق ـ مدلول ـ وهذا الكون ومجموع دلالة الدال على المدلول يعبر عنها بالدلالة .
***
وللدلالة قسمتان :
أ ــ ثنائية عقلية وهي تقسيمها الى لفظية وغير لفظية
ب ـ ثلاثية استقرائية وهي تقسيمها الى طبعية ووضعية وعقلية .
وحاصل ضرب الاثنين في الثلاثة يحصل عندنا اقسام ستة للدلالة واليك مخطط توضيحي يعرض الأقسام الستة بجملتها .

(1) ـ مثال اللفظية الوضعية : كدلالة لفظ زيد على ذاته .
(2) ـ مثال اللفظية الطبعية : كدلالة " أح ، أح " على وجع الصدر .
(3) ـ مثال اللفظية العقلية : كدلالة لفظ " ديز " المسموع من وراء الجدار على وجود اللافظ .
(4) ـ مثال الوضعية غير اللفظية : كدلالة الدوال الاربع ـ الخط والعقد والاشارة والنصب ـ على مدلولاتها .
(5) ـ مثال الطبعية غير اللفظية : كدلالة سرعة النبض على الحمى .
(6) ـ مثال العقلية غير اللفظية : كدلالة الدخان على النار .
***
* النقطة الثالثة : ( اللفظية الوضعية وتقسيمها )
مدار الافادة والاستفادة والخطاب والتفاهم بين البشر هي الدلالة اللفظية الوضعية ومن هنا فهي المقصودة بالبحث من بين سائر اقسام الدلالة عند المنطقي ، ولها ثلاثة أقسام لا غير وهي :
أ ـ المطابقية .
ب ـ التضمنية .
حـــ : الألتزامية
لأن دلالة اللفظ على المعنى النائشة من الوضع إما على تمام ما وضع له اللفظ كدلالة لفظ " الكلمة " على القول المفرد ، فانه يمثل تمام معنى الكلمة ، او على جزء ما وضع له كدلالة لفظ " الكلمة " على القول فقط او على المفرد فقط ، او يدل اللفظ على ماهو خارج عن حريم المعنى الذي وضع له ولكن ذلك المعنى الخارج الذي دل عليه اللفظ لازم للمعنى الذي وضع له اللفظ كـدلالة لفظ " الكلمة " على الاعراب او البناء فان الاعراب والبناء غير داخل في معنى الكلمة لان معناها هو : القول المفرد ، ولكن ما من كلمة بعد ان تدخل في جملة الا وهي معربة او مبنية .
والى جميع ما تقدم اشار المتن بقوله : " دلالة اللفظ على تمام ما وضع مطابقة وعلى جزئة تضمن وعلى الخارج التزام .."
***
* النقطة الرابعة : ( شرط الدلالة الإلتزامية )الدلالة الالتزامية هي عبارة عن دلالة اللفظ على معنى خارج عن حريم معنى اللفظ ولا يخفى ان هذا المقدار من التعريف للدلالة الالتزامية يجعلها غير منضبطة اذ كل ماهو خارج عن المعنى الموضوع له اللفظ سيكون مدلولا بالدلالة الالتزامية للفظ فيما لو ترك التعريف على حاله هذا فيدل مثلا لفظ الانسان على القلم او الجدار وهكذا ، فلابد من اضافة شرط للدلالة الالتزامية يتفادى هذا الخلل وبكلمة اخرى : ان الدلالة المطابقية والتضمنية لا تحتاجان الى اضافة اي قيد او شرط لان اللفظ فيهما لم يدل على معنى خارج عن المعنى الموضوع له وانما دل على نفس المعنى الموضوع له اما بتمامه او بجزئه وهذا بخلاف الدلالة الالتزامية فانها عبارة عن دلالة اللفظ على معنى خارج عن معناه ومن هنا أضاف المصنف شرطا لها بقوله : ولابد فيه من اللزوم عقلا او عرفا . وحاصله :
لزوم المعنى الخارج للمعنى الموضوع له اللفظ بحيث اذا تصورنا المعنى الموضوع له نتصور ذلك المعنى الخارج بالضرورة ويستحيل تصور المعنى الموضوع له اللفظ بدون تصور المعنى الخارج وهذا اللزوم الذهني المشترط في الدلالة الالتزامية هو اللزوم الذهني الاعم من العقلي والعرفي اذن فهوعلى قسمين :
أ ـــــــــ لزوم عقلي ، كلزوم الزوجية للاثنين وكالبصر للعمى وكالجهل بالنسبة الى العلم، فان العقل يحكم بعدم بعدم انفكان تصور الزوجية عن تصور الاثنين ويحكم ايضا بالملازمة بين تصور العمى وتصور البصر بحيث كلما تصورنا العمى تصورنا البصر قهرا لان معنى العمى هو العدم المضاف الى البصر ويحكم ايضا بان الجهل لا يتصور الا مع تصور العلم لان الجهل هو العدم المضاف الى العلم اي عدم العلم .
ب ـــــــ لزوم عرفي . كالشجاعة لعلي عليه السلام والمظلومية للحسين عليه السلام والجود لحاتم والطغيان لفرعون ، فان الذهنية العرفية الاسلامية كلما تصورت علي عليه السلام تصورت الشجاعة وكلما تصورت الحسين عليه السلام تصورت المظلومية وهكذا تتصور الجود والكرم كلما تصورت حاتم الطائي والطغيان كلما تصورت فرعون .
والفرق بين اللزوم العقلي والعرفي ان الاول مستحيل عقلا انفكاكه عن ملزومه بخلاف الثاني فلا توجد فيه اي استحالة عقلية .
هذا هو معنى قول المصنف : " ولا بد فيه من اللزوم عقلا او عرفا " اي لابد في الالتزام من اللزوم الذهني العام للزوم العقلي واللزوم العرفي .
***
* النقطة الخامسة : ( ملازمة المطابقية للتضمنية والالتزامية )
حاصل الكلام في هذه النقطة في القضية الكلية التالية :
كما تحققت الدلالة التضمنية والالتزامية تحققت المطابقية ، والسبب في ذلك هو ان الدلالة على جزء المعنى الموضوع له اللفظ " التضمنية " او على المعنى اللازم للمعنى الموضوع له اللفظ " الالتزمية " متفرع على دلالة اللفظ على تمام معناه كما هو واضح . وهذا يشمل صورتين :
الاولى : مالو كانت المطابقية محققة وفعلية ، فيستعمل المتكلم اللفظ ويريد به تمام معناه المطابقي كما لو اطلق الكلمة واراد بها القول المفرد او اطلق الانسان واراد به الحيوان الناطق فالمطابقية متحققة هنا فعلا ويفهم السامع منه جزء معناه كالقول فقط او المفرد فقط باعتبارهما فرعان وتابعان لتمام المعنى الذي هو الاصل وهذه هي هي تبعية التضمنية للمطابقية المتحققة فعلا او يفهم منه معنى خارج لازم للمعنى الموضوع له الذي هو القول المفرد في مثالنا كان يفهم من الكلمة الاعراب والبناء مثلا وهذه هي تعبية الالتزامية للمطابقية .
الثانية : مالو كانت المطابقية مقدرة كما لو فرضنا اشتهر استعمال اللفظ في جزء معناه كاشتهار الاصابع في الانامل تبعا لاستعمال القرآن الكريم لذلك {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [البقرة : 19] مثلا او اشتهر استعمال اللفظ في لازم معناه كاشتهار لفظ فرعون في لازمه العرفي وهو الطغيان ، فالدلالة المطابقية هنا مقدرة ومعنى انها مقدرة اي ان لفظها له معنى مطابقي لو استعمل فيه فعلا لكانت دلالته عليه دلالة مطابقية هذا هو معنى قول المصنف : "ويلزمهما المطابقة ولو تقديرا "
***
* النقطة السادسة : ( عدم ملازمة التضمنية والالتزامية للمطابقية )
مفاد هذه النقطة يتلخص في القضية السالبة الجزئية التالية :
ليس كلما تحققت الدلالة المطابقية تحققت التضمنية والالتزامية .
بيان ذلك : هنا عدة صور :
1ــ تحقق المطابقية والتضمنية والالتزامية ، كدلالة الانسان على الحيوان الناطق اللازم له الضحك مثلا .
وهذا لا اشكال فيه وليس الكلام عنه .
2ــ تحقق المطابقة دون التضمن والالتزام كما لو كان اللفظ له معنى بسيط ولا لازم عقلي او عرفي له .
3ــ تحقق المطابقة والتضمن دون الالتزام كما لو كان اللفظ له معنى مركب لكن لا لازم له .
4ـــ تحقق المطابقة والالتزام دون التضمن .كما لو كان اللفظ له معنى بسيط وله لازم .
اذن : فالدلالة التضمنية والالتزامية لا تلازمان المطابقية كما رأيت في جميع هذه الصور الاربع ، فهي جائزة ولا اشكال فيها واليها اشار بقوله : " ولا عكس " .