بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
م/ فقه المصالح والمفاسد ((قاعدة التزاحم بين الاهم والمهم))
لعل المتتبع لابواب الفقه المختلفة من الطهارة الى الديات حسبما جرى عليه القدامى وكذلك الابواب الجديدة التي اضيفت الى الفقه اخيرا او يمكن ان تضاف كالسياسة والاجتماع والاقتصاد والاسرة والدولة ونحوها يجد مضافا الى الادلة الخاصة التي قامت عليها الاحكام المختلفة قانونا استثنائيا يحكم على الادلة ويتقدم عليها اذا حصل تدافع وتزاحم بين الموارد ذلك هو قانون الاهم والمهم .
فما من مورد تزاحم فيه حكمان او موضوعان وأحرز بينهما الاهم الاّ وتقدم على غيره ولعلنا يمكن ان نجزم ان ما من باب من ابواب الفقه الا ويجري فيه هذا القانون
كما ان ما من دليل ثانوي يتقدم علىالادلة الاولية الا ويخضع لهذا القانون ايضاً عند التعارض لذا فان قانون الاهم والمهم يتقدم على الادلة الاولية بل حتى على الادلة الثانوية كدليل (لاضرر ولا ضرار) و(لاحرج) اللذين يعتبران من اوسع الادلة الثانوية حكومة على غيرهما كما يعرف ذلك من الفقه .
مفردات القاعدة
تتضمن قاعدة التزاحم مفردات خمسة هي :
المصلحة والمفسدة والاهم والمهم والتزاحم , وفي لسان الفقهاء , والاصوليين ربما يعبر عن كل واحدة منها بلفظ يرادفها في المضمون العرفي وان افترق عنها في التدقيق اللغوي نظير المنفعة تطلق على الا لمصلحة والمضرة والمضرة تطلق على المفسدة ...
والمراد من المصلحة هنا ما ينصرف الى الاذهان عرفاً وهو مافيه النفع والفائدة وهذا المعنى مأخوذ من اللغة والمفسدة ضدها كما يستفاد من بعض المصادر اللغوية .
وعليه فليس للفقهاء اصطلاح خاص للمصلحة والمفسدة سوى مالهما من المعنى اللغوي والعرفي فهي حقيقة عرفية عامة لا عرفية خاصة ولا حقيقة شرعية ولا متشرعية لكنهم عبروا في التزاحم بالمصلحة والمفسدة دون المنفعة والمضرة لجهة العمومية فان المصلحة تعم وتشمل المنفعة المعنوية والمادية بخلاف المنفعة فانها تختص بالمادية ومثله يقال في المفسدة والمضرة وهذا لايمنع ان يراد من المنفعة ما يراد من المصلحة ومن المضرة ما يراد من المفسدة لانهما من قبيل الفقير والمسكين اذا اجتمعا افترقا واذا افترقا اجتمعا .
والمهم : هو الامر الشديد يقال هممت بالشيء اي اردته وقصته وعزمت عليه .
والاهم : الاكثر شدة سواء كانت الشدة في المصلحة او المفسدة .
والتزاحم : هو التدافع بين المصلحتين او المفسدتين او المصلح او المفسدة وعليه فاذا قيل بتزاحم المصلحة الاهم بغيرها يراد بها المصلحة الشديدة التي يحكم العقل بقبح تفويتها سواء بترك تحصيلها من حيث اجتناب الفعل او من حيث تحصيل المصلحة بواسطة الاتيان بالفعل الاقل اهمية ومثله يقال في المفسدة وبذلك نعرف وجه الحكم بلزوم ترجيح الاهم على المهم .
من كتاب فقه المصالح والمفاسد للشيخ فاضل الصفار