تاريخ القاعدة
ان اصطلاح (الاهم والمهم) واطلاقه على هذه القاعدة يبدو انه جديد راج استعماله عند متاخري المتاخرين والمعاصرين كما يظهر لمن راجع مثل (الجواهر) و(العروة) وشروحها وتعليقاتها مثل (مستمسك) السيد الحكيم و(تنقيح) السيد الخوئي و(مهذب) السيد السبزواري( وفقه) السيد الكلبايكاني (والفقه) للسيد الاستاذ قدست اسرارهم وغيرهم , لم نعثر على تعبير بذلك عند المتاخرين فضلا عن القدامى .
نعم عبروا عن ذلك بالمصلحة والمفسدة كما ورد في عبارة ابن ادريس قد في (السرائر) في احكام الاموات والمحقق قد في (الشرائع) في باب مورد عزل القاضي وكما ستعرف ذلك من كلمات العلامة قد المتوفي (736) هـ في (الارشاد) والمقدس الاردبيلي قد في (مجمع الفائدة والبرهان) ...ولعل اقدم ماعثر عليه في تعبير عن القاعدة المذكورة بالاهم والمهم ما ورد في كلمات الفاضل المقداد قد في كتاب ( نضد القواعد) في باب تعارض المصلحة والمفسدة بين تطبيق الحدود الشرعية بما فيها من الاهم وبين تركها الموجب للمفسدة الاعظم وباب تعارض امر المصلي بين الصلاة باللباس النجس او الصلاة مكشوف العورة قال: ((فان فيه مفسدة لما فيه من الاخلال بتعظيم الله في انه لا يناجى على تلك الاحوال ,الا ان تحصيل الصلاة اهم )) .
وبعده وردفي كلمات صاحب( هداية المسترشدين) المتوفي سنة(1248) هـ في بحث الترتيب ثم في كلمات صاحب (الجواهر) في باب اللقطة والشيخ الانصاري قد في المكاسب في باب مفسدة تولي الولاية للظالمين ومزاحمتها مع مصلحة التولي لقضاء حوائج العباد ثم من تاخر عنه الى يومنا هذا , ولا ضير في ذلك ,لان هذا شأن التطور في العلوم وتكامل نظرياتها فكم من اصطلاح كان معروف سابقاً ثم تبدل كالحكم الظاهري الذي كان يقول به القدامى ثم تبدل عند المتاخرين والمعاصرين الى التنجيز والاعذار لانهم رأوأ ان الحكم الالهي واحد هو الواقع ,والطرق والامارات اما تصيبه فيتنجز او تخطئه فيكون المكلف معذوراً , وكذا مصطلح الاصل والمارة وتفريق الامارة الى امارة وطريق استحدث لم يكن معروفاً سابقاً .
وكم من اصطلاح متفق عليه بين القدماء والمتاخرين ولكن اختلفوا في مضمونه كالصحيح الذي جعل معياراً لاعتبار الخبر عند القدامى والصحيح عند المتاخرين والحكومة والورود حيث استحدث في زمان الشيخ قد والتزم به من جاء بعده وميزوهما عن التخصيص والتخصص ,اللذين التزم بهما القدماء واطلقوهما على كل دليل يخصص غيره , واطلقوا على ما يخصص الحكم اسم التخصيص سواء كان بعناية التعبد او لا . واطلقوا على ما يخصص الموضوع اسم التخصيص سواء كان بعناية التعبد او لا وكذا الاجتهاد والتقليد في الفقه , فهو باب مستحدث عند المتاخرين لعدم حاجة القدامى الى ذلك بالمعنى المتعارف عليه اليوم , لذا خلت الكتب المتقدمة عنه كـ (المقنعة) و(الخلاف) و(المبسوط) و(السرائر) و(الشرائع) و(اللمعة) وغيرها .
نعم , كانوا يتعرضون لبعض فروع ذلك في باب القضاء خصوصاً وان عدم وجود الاصطلاح لا يعني عدم وجود المسألة في كلماتهم كما يظهر للمتتبع للفتاوى والكلمات في الكتب المفصلة نعم ربما لم تكن السألة متبلورة عندهم بهذه الدرجة من الوضوح التي باتت من بديهيات الفقه التي لا يغفل عنها فقيه ,ولا يخلوا منها كتاب فقه اليوم ولكن اذا راجع الباحث الفتاوى يجد انهم يفتون بتقديم الاهم على المهم عند التمانع في مقام الامتثال , ويعبرون عن ذلك بالمصلحة او دفع المفسدة ونحو ذلك , وحيث ان اختلاف الاصطلاح لا يضر في المضمون شيئأً فالتوقف عنده ليس من شأن الفقيه .
من كتاب فقه المصالح والمفاسد للشيخ فاضل الصفار