بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف الخلق والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين
والصلاة والسلام على اشرف الخلق والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين
قال الله تعالى ((يَأَيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرّسولَ وَ أُولى الأَمْرِ مِنكمْ فَإِن تَنَزَعْتُمْ فى شىْءٍ فَرُدّوهُ إِلى اللّهِ وَ الرّسولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الاَخِرِ ذَلِك خَيرٌ وَ أَحْسنُ تَأْوِيلاً)) (النساء59)
أن الله سبحانه لا يريد بإطاعته إلا إطاعته في ما يوحيه إلينا من طريق رسوله من المعارف و الشرائع، و أما رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فله حيثيتان: إحداهما: حيثية التشريع بما يوحيه إليه ربه من غير كتاب، و هو ما يبينه للناس من تفاصيل ما يشتمل على إجماله الكتاب و ما يتعلق و يرتبط بها كما قال تعالى: و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم: - النحل 44، و الثانية: ما يراه من صواب الرأي و هو الذي يرتبط بولايته الحكومة و القضاء قال تعالى: لتحكم بين الناس بما أراك الله: - النساء 105، و هذا هو الرأي الذي كان يحكم به على ظواهر قوانين القضاء بين الناس، و هو الذي كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يحكم به في عزائم الأمور، و كان الله سبحانه أمره في اتخاذ الرأي بالمشاورة فقال: "و شاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله -: آل عمران 159، فأشركهم به في المشاورة و وحده في العزم.
إذا عرفت هذا علمت أن لإطاعة الرسول معنى و لإطاعة الله سبحانه معنى آخر و إن كان إطاعة الرسول هي إطاعة لله بالحقيقة لأن الله هو المشرع لوجوب إطاعته كما قال: "و ما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله" فعلى الناس أن يطيعوا الرسول فيما يبينه بالوحي، و فيما يراه من الرأي.
و هذا المعنى و الله أعلم هو الموجب لتكرار الأمر بالطاعة في قوله: و أطيعوا الله و أطيعوا الرسول، لا ما ذكره المفسرون: أن التكرار للتأكيد فإن القصد لو كان متعلقا بالتأكيد كان ترك التكرار كما لو قيل: و أطيعوا الله و الرسول أدل عليه و أقرب منه فإنه كان يفيد أن إطاعة الرسول عين إطاعة الله سبحانه و أن الإطاعتين واحدة، و ما كل تكرار يفيد التأكيد.
و أما أولوا الأمر فهم لا نصيب لهم من الوحي، و إنما شأنهم الرأي الذي يستصوبونه فلهم افتراض الطاعة نظير ما للرسول في رأيهم و قولهم، و لذلك لما ذكر وجوب الرد و التسليم عند المشاجرة لم يذكرهم بل خص الله و الرسول فقال: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر، و ذلك أن المخاطبين بهذا الرد هم المؤمنون المخاطبون بقوله في صدر الآية: يا أيها الذين آمنوا، و التنازع تنازعهم بلا ريب، و لا يجوز أن يفرض تنازعهم مع أولي الأمر مع افتراض طاعتهم بل هذا التنازع هو ما يقع بين المؤمنين أنفسهم، و ليس في أمر الرأي بل من حيث حكم الله في القضية المتنازع فيها بقرينة الآيات الذامة لمن يرجع إلى حكم الطاغوت دون حكم الله و رسوله، و هذا الحكم يجب الرجوع فيه إلى أحكام الدين المبينة المقررة في الكتاب و السنة، و الكتاب و السنة حجتان قاطعتان في الأمر لمن يسعه فهم الحكم منهما، و قول أولي الأمر في أن الكتاب و السنة يحكمان بكذا أيضا حجة قاطعة فإن الآية تقرر افتراض الطاعة من غير أي قيد أو شرط، و الجميع راجع بالآخرة إلى الكتاب و السنة.
و من هنا يظهر أن ليس لأولي الأمر هؤلاء أن يضعوا حكما جديدا، و لا أن ينسخوا حكما ثابتا في الكتاب و السنة، و إلا لم يكن لوجوب إرجاع موارد التنازع إلى الكتاب و السنة و الرد إلى الله و الرسول معنى على ما يدل عليه قوله: و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم و من يعص الله و رسوله فقد ضل ضلالا مبينا: - الأحزاب 36، فقضاء الله هو التشريع و قضاء رسوله إما ذلك و إما الأعم، و إنما الذي لهم أن يروا رأيهم في موارد نفوذ الولاية، و أن يكشفوا عن حكم الله و رسوله في القضايا و الموضوعات العامة.
و بالجملة لما لم يكن لأولي الأمر خيرة في الشرائع، و لا عندهم إلا ما لله و رسوله من الحكم أعني الكتاب و السنة لم يذكرهم الله سبحانه ثانيا عند ذكر الرد بقوله: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول، فلله تعالى إطاعة واحدة، و للرسول و أولي الأمر إطاعة واحدة، و لذلك قال: أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم.