ماذا تعرف عن ... العولمة
يعتبر انهيار سور برلين ، وتفكك الاتحاد السوفيتي وسقوط النظام الاشتراكي والذي كان يتقاسم الهيمنة مع الولايات المتحدة انتصاراً للنظام الرأسمالي الليبرالي والتي أظهرت ما يسمى بالنظام العالمي الجديد الذي يدعو إلى النظام الرأسمالي وتبني أيدلوجية النظام العالمي الاستعماري ــ تحت ستار ... العولمة والتي تمثل مرحلة متطورة للهيمنة الرأسمالية الغربية على العالم .
تعريف العولمة :
لفظة العولمة هي ترجمة للمصطلح الإنجليزي (Globalization) وبعضهم يترجمها بالكونية ، وبعضهم يترجمه بالكوكبة، وبعضهم بالشوملة ، إلا إنه في الآونة الأخيرة أشتهر بين الباحثين مصطلح العولمة وأصبح هو أكثر الترجمات شيوعاً بين أهل الساسة والاقتصاد والإعلام . وتحليل الكلمة بالمعنى اللغوي يعني تعميم الشيء وإكسابه الصبغة العالمية وتوسيع دائرته ليشمل العالم كله .
وكثرت الأقوال حول تعريف معنى العولمة حتى أنك لا تجد تعريفاً جامعاً مانعاً يحوي جميع التعريفات وذلك لغموض مفهوم العولمة ، ولاختلافات وجهة الباحثين فتجد للاقتصاديين تعريف ، وللسياسيين تعريف ، وللاجتماعيين تعريف وهكذا ، ويمكن تقسيم هذه التعريفات إلى ثلاثة أنواع : 1-ظاهرة اقتصادية ، 2-وهيمنة أمريكية ، 3-وثورة تكنولوجية واجتماعية.
1- أن العولمة ظاهرة اقتصادية:
عرفها الصندوق الدولي بأنها :" التعاون الاقتصادي المتنامي لمجموع دول العالم والذي يحتّمه ازدياد حجم التعامل بالسلع والخدمات وتنوعها عبر الحدود إضافة إلى رؤوس الأموال الدولية والانتشار المتسارع للتقنية في أرجاء العالم كله .
وعرفها "روبنز ريكابيرو" الأمين العام لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والنمو ـ بأنها :"العملية التي تملي على المنتجين والمستثمرين التصرف وكأن الاقتصاد العالمي يتكون من سوق واحدة ومنطقة إنتاج واحدة مقسمة إلى مناطق اقتصادية وليس إلى اقتصاديات وطنية مرتبطة بعلاقات تجارية واستثمارية .
2- إن العولمة تعني الهيمنة الأمريكية :
قال محمد الجابري :" العمل على تعميم نمط حضاري يخص بلداً بعينه ، وهو الولايات المتحدة الأمريكية بالذات ، على بلدان العالم أجمع .فهي بهذا التعريف تكون العولمة دعوة إلى تبنى إيديولوجية معينة تعبر عن إرادة الهيمنة الأمريكية على العالم . ولعل المفكر الأمريكي " فرانسيس فوكوياما " صاحب كتاب " نهاية التاريخ "يعبر عن هذا الاتجاه فهو يرى أن نهاية الحرب الباردة تمثل المحصلة النهائية للمعركة الإيديولوجية التي بدأت بعد الحرب العالمية الثانية بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية وهي الحقبة التي تم فيها هيمنة التكنولوجيا الأمريكية .
3- إن العولمة ثورة تكنولوجية واجتماعية :
يقول الاجتماعي "جيمس روزناو" في تعريفها قائلاً :" العلومة علاقة بين مستويات متعددة للتحليل : الاقتصاد، السياسة ، الثقافة ، الايديولوجيا ، وتشمل إعادة تنظيم الإنتاج ، تداخل الصناعات عبر الحدود ، انتشار أسواق التويل ، تماثل السلع المستهلكة لمختلف الدول ، نتائج الصراع بين المجموعات المهاجرة والمجموعات المقيمة .وعرفها بعضهم بأنها : "الاتجاه المتنامي الذي يصبح به العالم نسبياً كرة اجتماعية بلا حدود . أي أن الحدود الجغرافية لا يعتبر بها حيث يصبح العالم أكثر اتصالاً مما يجعل الحياة الاجتماعية متداخلة بين الأمم" .
وبعد قراءة هذه التعريفات ، يمكن أن يقال في تعريف العولمة : أنها صياغة إيديولوجية للحضارة الغربية من فكر وثقافة واقتصاد وسياسة للسيطرة على العالم أجمع باستخدام الوسائل الإعلامية ، والشركات الرأسمالية الكبرى لتطبيق هذه الحضارة وتعميمها على العالم.
الفرق بين العولمة والعالمية :
إن التقابل بين العالمية والعولمة وإيجاد الفرق بينهما فيه نوع من الصعوبة وخصوصاً أن كلمة العولمة مأخوذة أصلاً من العالم ولهذا نجد بعض المفكرين يذهبون إلى أن العولمة والعالمية تعني معنى واحدا وليس بينهما فرق . ولكن الحقيقة أن هذين المصطلحين يختلفان في المعنى فهما مقابلة بين الشر والخير .
العالمية : انفتاح على العالم ، واحتكاك بالثقافات العالمية مع الاحتفاظ بخصوصية الأمة وفكرها وثقافتها وقيمها ومبادئها . فالعالمية إثراء للفكر وتبادل للمعرفة مع الاعتراف المتبادل بالآخر دون فقدان الهوية الذاتية . وخاصية العالمية هي من خصائص الدين الإسلامي ، فهو دين يخاطب جميع البشر ، دين عالمي يصلح في كل زمان ومكان ، فهو لا يعرف الإقليمية أو القومية أو الجنس جاء لجميع الفئات والطبقات ، فلا تحده الحدود .
أما العولمة : فهي انسلاخ عن قيم ومبادئ وتقاليد وعادات الأمة وإلغاء شخصيتها وكيانها وذوبانها في الآخر.
فالعولمة تنفذ من خلال رغبات الأفراد والجماعات بحيث تقضي على الخصوصيات تدريجياً من غير صراع إيديولوجي .
نشأة العولمة :
يذهب بعض الباحثين إلى أن العولمة ليست وليدة اليوم وليس لها علاقة بالماضي؛ بل هي عملية تاريخية قديمة مرت عبر الزمن بمراحل ترجع إلى بداية القرن الخامس عشر إلى زمن النهضة الأوروبية الحديثة حيث نشأت المجتمعات القومية .. فبدأت العولمة ببزوغ ظاهرة الدولة القومية عندما حلت الدولة محل الإقطاعية، مما زاد في توسيع نطاق السوق ليشمل الأمة بأسرها بعد أن كان محدوداً بحدود المقاطعة .
وكانت ورئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر قد اقترحت فكرة العولمة يرافقها في ذلك الرئيس الأمريكي السابق رولاند ريغن. ووجهة نظر تاتشر الاقتصادية ـ والتي عُرفت بالتاتشرية ـ انبثقت من الاستحواذ اليهودي للمال والعتاد … حيث أن فكرتها الاقتصادية والتي صاغها اليهودي جوزيف وهي تهدف بجعل الغني أغنى والفقير أفقر.
وخلاصة البحث أن مصطلح العولمة منشأه غربي، وطبيعته غربية، والقصد منه تعميم فكره وثقافته ومنتوجاته على العالم، فهي ليست نتيجة تفاعلات حضارات غربية وشرقية، قد انصهرت في بوتقة واحدة ؛ بل هي سيطرة قطب واحد على العالم ينشر فكره وثقافته مستخدمة قوة الرأسمالي الغربي لخدمة مصالحه. فهو من مورثات الصليبية فروح الاستيلاء على العالم هي أساسه ولبه ولكن بطريقة نموذجيه يرضى بها المستعمر ويهلل لها ؛ بل ويتخذ هذه الصليبية الغربية المتلفعة بلباس العولمة مطلب للتقدم . يقول "بات روبرتسون : لم يعد النظام العالمي الجديد مجرد نظرية ، لقد أصبح وكأنه إنجيل."
فالذي نشاهده اليوم في ظلِّ هذا النظام الجديد، والتبشير بالعولمة: دولٌ تفكَّكَتْ كما يحدث الآن في أفغانستان، والصومال، والسودان، وغيرها من مذابح ضد الإنسان بشكْلٍ عام، والمسلم بشكل خاصٍّ، وارتكبت دون تحقيق دولي، وكما حدث في البوسنة والهرسك في قلب أوروبا، وما حدث في كوسوفا، وكما حدث في رواندا؛ حيث أُبِيد أكثر من نصف مليون مواطن، دون أن تُحَرِّك القوى المهيمنة ساكنًا، ومن نذكر بعض مخاطِر العولمة على حياتنا اليومية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية .
مخاطر العولمة على الجانب الديني:
1 - التشكيك وخَلْخَلة المعتَقَدات الدِّينية، وطمْس المقدَّسات لدى الشعوب المسلمة لصالح الفكر المادي اللا ديني الغربي .
2 - تقليد النصارى في عقيدتهم، وذلك باكتساب كثيرٍ من عاداتهم المحرَّمة وغير المناسبة، والتي ربما تقْدح في عقيدة المسلم وهو لا يعلم؛ كالتشبه بالنساء, ولبس القلائد والصلبان، وإقامة الأعياد العامة والخاصة، وهذا واضح ومنتشر بين الشباب في أشكالِهم وملابسهم.
3 - نشْر الكفر والإلحاد؛ حيث إن كثيرًا من شعوب تلك الدول لا يؤمنون بدين، ولا يعترفون بعقيدة سماوية، فلا حرج عندهم إذا نشروا أفلامًا تدعو بطريقة أو بأخرى لتعلم السحر والشعوذة والكهانة التي يقحمونها في بعض ألعابهم وقتالِهم.
4 - استبعاد الإسلام وإقصاؤه عن الحكم والتشريع، وعن التربية والأخلاق، وإفساح المجال للنظم والقوانين والقيَم الغربية المستمدة من الفلسفة المادية والعلمانية .
والاستمرار في عرض والمسلسلات المترجمة والرومانسية - سيخفف ويضعف ويكسر الحاجز الشعوري بقوة الإسلام، ويرسخ هيمنة الغرْب، فمع كثرة المساس يقل الإحساس.
5 - تحويل المناسبات الدينية إلى مناسبات استهلاكية، وذلك بتفْريغها من القِيَم والغايات الإيمانية إلى قيَم السوق الاستهلاكية، فعلى سبيل المثال: استطاع التقدم العلمي والتقني الحديث أن يحوّل شهر رمضان (شهر الصوم والعبادة والقرآن)، وعيد الفطر خاصة، من مناسبة دينية إلى مناسبة استهلاكية.
مخاطر العولمة في الجانب الاقتصادي:
1 - السيطرة على رؤوس الاموال العربية، واستثماراتها في الغرب، فالعالم العربي الذي تتفاقم الديون عليه بمقدار (50) ألف دولار في الدقيقة الواحدة هو نفسه الذي تبلغ حجم استثماراته في أوروبا وحدها (465) مليار دولار عام 1995م، بعد أن كانت (670) مليارًا عام 1986م، فنتيجة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والتبعية النفسية للغرب؛ تصب هذه الأموال هناك لتدار حسب المنظومة الغربية.
2 - الهيمنة الأمريكية على اقتصاديات العالم من خلال القضاء على سُلطة وقوة الدولة الوطنية في المجال الاقتصادي؛ بحيث تصبح الدولة تحت رحمة صندوق النقد الدولي، حين تستجدي منه المعونة والمساعدة عبر بوابة القروض ذات الشروط المجحفة، وخاضعة لسيطرة الاحتكارات والشركات الأمريكية الكبرى على اقتصاد الدول.
3 - تركيز الثروة المالية في يد قلة من الناس أو قلة من الدول، حيث 20 % من دول العالم تستحوذ على 85 % من الناتج العالمي الإجمالي، وعلى 84% من التجارة العالمية، ويمتلك سكانها 85% من المدخرات العالمية.
4 - سيطرة الشركات العملاقة عمليًّا على الاقتصاد العالمي: إنّ خمس دول - الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وفرنسا وألمانيا وبريطانيا - تتوزَّع فيما بينها 172 شركة من أصل مائتي شركة من الشركات العالمية العملاقة.
5 - إضعاف قوة موارد الثروة المالية العربية المتمثِّلة في النفط؛ حيث تم إضعاف أهميته كسلعة حينما تم استثناؤه من السلع التي تخضع لحرية التجارة الدولية - أسوة بتجارة المعلومات - من تخفيض الضرائب والقيود الجمركية المفروضة عليه من الدول المستهلكة، فما زالت هذه الدول - وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية - ترفُض اعتبار النفْط والمشتقات البتروكيماوية من السلع التي يجب تحريرها من القيود الجُمركية والضرائب الباهظة التي تفرضها الدول المستهلكة، وبذلك تجنِي هذه الدول الأرباح الهائلة من وراء ذلك.
6 - ظهور عمليَّة الإغراق التي ترتبط بالسِّعْر, وذلك بأن تطرح في الأسواق سلع مستوردة بأسعار تقل كثيرًا عن سعر المثيل في السوق المحلي .
مخاطر العولمة من الجانب السياسي:
1 - فرض السيطرة السياسية الغربيَّة على الأنظمة الحاكمة والشعوب التابعة لها، والتحكُّم في مركز القرار السياسي وصناعته في دول العالم لخدمة المصالح الأمريكية والقوى الصِّهْيَوْنِيَّة المتحَكِّمة في السياسة الأمريكية نفسها، على حساب مصالح الشعوب وثرواتها الوطنية والقومية وثقافتها ومعتقداتها الدينية.
2 - العولمة نظام يقفز على الدولة والوطن والأمة، واستبدال الإنسانية بذلك ، إنَّها نظام يفتح الحدود أمام الشبكات الإعلامية، والشركات المتعددة الجنسيات، ويزيل الحواجز التي تقف حائلاً دون الثقافة الرأسمالية المادية والغزْو الفكري، الذي يستهدف تفتيت وحدة الأمة، وإثارة النعرات الطائفية، وإثارة الحروب والفتَن داخل الدولة الواحدة كما في السُّودان.
3 - إنّ العولمة لا تكتفي بواقع التجزئة العربية والإسلامية الآن، بل تحاول إحداث تجزئة داخلية في كل بلد عربي أو إسلامي، حتى ينشغلوا بأنفسهم وينسوا تمامًا أنهم أمة عربية واحدة، ينتمون إلى جامعة إسلامية واحدة.
مخاطر العولمة في الجانب الاجتماعي:
1- شيوع الثقافة الغربية . لأنّ العولمة تمجِّد الثقافة الغربية وتشويه التقاليد والأعراف السائدة في العالم الإسلامي.
2 - تغريب الإنسان المسلم، وعزله عن قضاياه وهمومه الإسلامية، وإدخال الضعف لديه، والتشكيك في جميع قناعته الدينية، وهويته الثقافية.
3 - إنّ وسائل العولمة في مجال الإعلام والاتصالات - وخاصة الأقمار الصناعية - التي تدور حول العالم في كل لحظة، وتتسلل إلى البيوت على وجه الأرض كلها، دون استئذان، تلعب دورا في إشاعة الجنس وثقافة العنف التي مِن شأنها تنشئة أجيال كاملة تؤمن بالعنف كأسلوب للحياة وكظاهرة عادية وطبيعية، وما يترتّب على ذلك من انتشار الرذيلة والجريمة والعنف في المجتمعات الإسلامية، وقتل أوقات الشباب بتضييعها في توافه الأمور، وبما يعود عليه بالضرر البالغ في دينه وأخلاقه وسلوكه وحركته في الحياة، وتساهم في هذا الجانب شبكات الاتصال الحديثة والقنوات الفضائية وبرامج الإعلانات والدعايات للسلع الغربية، وهي مصحوبة بالثقافة الجنسية الغربية التي تخدش الحياء والمروءة والكرامة الإنسانية.
4 - انتشار نوعية مميزة من الثقافة المادية والمعنوية الأمريكية؛ حيث سيطرت الثقافة الأمريكية الشعبية على أذواق البشر، فأصبحت موسيقا وغناء مايكل جاكسون، وتليفزيون رامبو، وسينما دالاس، هي الآليات والنماذج السائدة في مختلف أنحاء العالم، وأصبحت اللغة الإنجليزية ذات اللكنة الأمريكية هي اللغة السائدة.
5 - انتشار الأزياء والمنتجات الأمريكية في كثير من الدول الإسلامية؛ لأنَّ هذه السلع تحمل في طيَّاتها ثقافة مغايرة تسحق ثقافات الأمم المستوردة لها، وظهور اللغة الإنجليزية على واجهات المحلات والشركات، وعلى اللعب والهدايا، وعلى ملابس الأطفال والشباب.
6- إنَّ ثقافة العولمة ثقافة مادية بحتة، لا مجال فيها للروحانيات أو العواطف النبيلة، أو المشاعر الإنسانية، إنها تهمل العلاقات الاجتماعية القائمة على التعاطُف والتكافل والاهتمام بمصالح وحقوق الآخرين ومشاعرهم، فهي تشكل عالمًا يجعل من الشح والبخل فضيلة، ويشجع على الجشع والانتهازية والوصول إلى الأهداف بأية وسيلة، دون أدنى التفات إلى القيم الشريفة السائدة في المجتمع.
قد ينبري بعض السذج من الناس فيقول: وأي خطر حقيقي يمكن أن يهدّد المسلمين إذا شاعتْ هذه المطاعم والأزياء والتقاليد والمنتجات الأوربية والأمريكية؟!
والجواب: هو المثل الفرنسي المشهور الذي يقول: أَخبرْني ماذا تأكل، أُخبرك مَن أنت.
والجواب: هو المثل الفرنسي المشهور الذي يقول: أَخبرْني ماذا تأكل، أُخبرك مَن أنت.
هذه بعض مخاطر العولمة التي يجب على كل مربي من أب وأم ومعلم ومعلمة، وكل من هو مسؤول عن رعيته، أن يتعرف عليها، ويحذر منها؛ حتى لا نقع فيها، أو نُساق لها ونحن لا نعلم.
شكرا لمروركم