بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
السيدة أم البنين (عليها السلام)
حينما يتناول الباحث سيرة إحدى الشخصيات اللامعة في سماء الإسلام ممن كان لها دور مشرف في إعلاء كلمة الله تعالى والدفاع عن دينه فانه يعتمد على ثلاثة أمور يستطيع من خلالها الحصول على فكرة واضحة عن أحوال ذلك الشخص محل البحث .
وهذه الأمور الثلاثة هي :
أولاً : ما نزل بحقه من آيات قرآنية مباركة .
ثانياً : ما ورد بحقه من قبل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) .
ثالثاً : ما قام به هو من مواقف مشرفة في نصرة الحق وأهله .
وربما لا يجد الباحث في الأمرين الأولين ما يعينه فيلجأ إلى الأمر الثالث , وهو الإنجازات التي قام بها ذلك الشخص طيلة حياته . وفي الأمر الثالث يوجد تفصيل ؛ فقد تروى الحكايات الكثيرة عنه , وقد يروى منها القليل .
وإذا كان الغرض من البحث في سيرة شخص ما هو الاستفادة منها – أي السيرة – والاقتداء به . فان كثرة الروايات الفارغة من العبر والدروس النافعة لا تساوي شيئاً أمام قلة الروايات ذات الدلالات السامية التي تشير إلى عظمة وسمو صاحبها . على أن ذلك لا يعتبر تبريراً لتقصير المؤرخين في ترجمة حياة الكثير من العظماء الذين ضحوا بحياتهم وبذلوا كل ما لديهم في سبيل الله والدفاع عن أئمتهم الطاهرين ( عليهم السلام ) فإذن المواقف التاريخية النوعية تعتبر طريقاً مميزاً لمعرفة جوانب شخصية صاحبها .
ومن هذه المقدمة أنتقل بك عزيزي القارئ إلى الحديث عن حياة إحدى النساء الرساليات في الإسلام , إمرأة ظلمت مرتين , الأولى بما جرى عليها في حياتها , والثانية بما لاقته شخصيتها العظيمة من إهمال المؤرخين بعد وفاتها , بينما يسهبون في ذكر أحوال الكثيرات من النساء ممن ليس لهن أي تأثير إيجابي في حياة المسلمين .
وتلك المرأة المظلومة هي السيدة أم البنين فاطمة بنت حزام الكلابية (عليها السلام) زوجة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) , وهي التي أبى الله إلا أن يرفع شأنها ويخلد ذكرها في قلوب محبي أهل البيت ( عليهم السلام )
لقد كانت للسيدة أم البنين ( عليها السلام ) خصال سامية بدأتها بتوفيق من الله تعالى حينما كتب لها أن تكون شريكة لحياة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) تلك الحياة المليئة بالمآثر والبطولات والجهاد وطاعة الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ونصرة الإسلام . وتبدأ حكايتها مع العظمة عندما خطبها الإمام علي ( عليه السلام ) لنفسه إذ قال لأخيه عقيل وكان عالماً بأنساب العرب ؛ أنظر لي امرأة قد ولدتها الفحول من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً .
وفي رواية أخرى يذكر فيها السبب الحقيقي فيقول لأخيه : أريد منك أن تختار لي امرأة من ذوي البيوت والشجاعة حتى أصيب منها ولداً ينصر ولدي الحسين ( عليه السلام ) بكربلاء . فقال له عقيل : أين أنت عن فاطمة بنت حزام الكلابية فانه ليس في العرب أشجع من آبائها .
ومهما يكن فان مراد الإمام ( عليه السلام ) هو الزواج بامرأة تنجب أولاداً صالحين يرثون البطولة من الأبوين .
وهذه المرأة يجب أن تحرز ثقة الإمام ( عليه السلام ) ورضاه لغرض اعداد هؤلاء الفتيان ليوم منظور حاسم يعتمد عليه بقاء الإسلام أو زواله , وهذه المرأة هي أم البنين ولا منافسة لها . فإذن الغاية خطيرة ومهمة ويجب أن تتناسب معها أهمية الزوجة .
وهنا نتساءل , لماذا أمر الإمام ( عليه السلام ) عقيلا بأن يتولى بنفسه مهمة إختيار الزوجة مع استغناء الإمام ( عليه السلام ) عن عقيل وغيره ؟ فلا يخفى عليه أمر أم البنين وغيرها , حيث انه باب مدينة علم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . أغلب الظن أنه ( عليه السلام ) أراد أن يكون الحوار الذي دار بينهما مسجلا في ذاكرة التاريخ وشهادة للسيدة أم البنين وإبنها العباس ( عليه السلام ) بانهما موضع اهتمام الإمام المعصوم ( عليه السلام ) وقد تجهل هذه المنزلة لو تولى الإمام (عليه السلام ) الأمر بنفسه . ومن خلال الأخبار المقتضبة عنها , ننتزع لها عدة صفات بارزة في حياتها الشريفة , ومنها :
الموالية
كانت ( عليها السلام ) في قمة الولاء للمعصومين ( عليهم السلام ) وبمنتهى التفاني في طاعتهم . فلا ترغب في أن يسميها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) باسمها لكيلا يتألم الحسنان ( عليهما السلام ) عند سماع أسم أمهما فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) هذا مع أنهما كانا كبيرين وفي العقد الثالث من عمرهما . حيث كان عمر الحسن ( عليه السلام ) ثلاثة وعشرين عاما وعمر الحسين ( عليه السلام ) أثنين وعشرين عاما حينما ولد العباس ( عليه السلام ) وربما كانت لا ترضى بأن تتساوى مع الصديقة فاطمة ( عليها السلام ) في مناداتها بإسم ( فاطمة ) مبالغة في احترام المعصومين ( عليهم السلام ) والتذلل لمقامهم السامي عند الله تعالى .
وكانت السيدة أم البنين ( عليها السلام ) مستوفية لجميع شروط الإيمان ومنها الطاعة والوفاء لعترة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذ يقول <<لايؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهلي أحب إليه من أهله وعترتي أحب إليه من عترته وذاتي أحب إليه من ذاته >>
المواسية
وهذا اللقب حصلت عليه السيدة أم البنين بجدارة , حيث قدمت أولادها الأربعة فداء للإمام الحسين ( عليه السلام ) في يوم عاشوراء وهذه هي المواساة حقاً . ولاشك ان للأم دوراً كبيراً في التأثير على مسيرة أولادها . لا سيما وأن من أولاد الإمام علي ( عليه السلام ) من لم يشارك في واقعة كربلاء بل أشار على الإمام الحسين ( عليه السلام ) بمبايعة يزيد . وذلك هو عمر الأطرف الذي انتهت حياته قتيلاً مع مصعب بن الزبير . فدور السيدة أم البنين في نصرة الحسين ( عليه السلام ) كان واضحاً من خلال مشاركة أبنائها في واقعة الطف . ولقد كان لهم ثقل في ميزان القوى آنذاك إلى حد أن الشمر لعنه الله حاول أن يثني عزمهم عن نصرة الحسين ( عليه السلام ) بأن كتب لهم كتاب أمان من عبيد الله بن زياد بشرط أن يتركوا معسكر الحسين ( عليه السلام ) فكان جوابهم : لعنك الله ولعن أمانك , أتؤمننا وأبن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا أمان له .
فبهؤلاء الأبطال كانت مواساة السيدة أم البنين لمولاتنا فاطمة ( عليها السلام ) فحينما جاء بشر الى المدينة ناعياً الحسين ( عليه السلام ) أقبلت إليه لتسأله عن سلامة الإمام ( عليه السلام ) ولم تسأل عن أولادها إذ لا تقاس سلامتهم بسلامة الإمام الحسين ( عليه السلام ) الذي هو حجة الله في أرضه . ولم يظهر على هيئتها الحزن والبكاء على الرغم من سماعها بخبر شهادة أولادها حتى سمعت باستشهاد الإمام ( عليه السلام ) .
ولذا يروى ان الزهراء ( عليها السلام ) تشكر لها مواساتها يوم القيامة وذلك حينما تخرج كفي أبي الفضل العباس ( عليه السلام ) من ضمن ظلاماتها فتقول : إلهي ما ذنب هذين الكفين حتى يقطعا . فتعتبر مولاتنا الزهراء ( عليها السلام ) ان قطع كفي العباس ( عليه السلام ) هو جزء من ظلاماتها .
الثائرة
من أساليب الثورة ونشر المظالم اسلوب البكاء . وقد ورد الحث عليه من أئمتنا ( عليهم السلام ) وخاصة فيما يتعلق بفاجعة كربلاء .
والمرأة على وجه الخصوص تستطيع أن تتخذ هذا الأسلوب لنشر ظلاماتها أمام الناس كما فعلت مولاتنا فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بعد وفاة أبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وما تلاها من مآسي مرت على الصديقة الطاهرة ( عليها السلام ) . وكما كانت تفعله نساء أهل البيت ( عليهم السلام ) بعد مقتل الحسين ( عليه السلام ) .
وأبرز من أنتهجت هذا الأسلوب هي السيدة أم البنين ( عليها السلام ) . حيث روي عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ان أم البنين ( عليها السلام ) كانت تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها فيتجمع الناس إليها يستمعون منها .
وروى انها كانت تخط في الأرض أربعة قبور في مقبرة البقيع وتبكي أولادها . كما كانت تفعل السيدة الزهراء ( عليها السلام ) حينما تبكي أباها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في بيت الأحزان الذي بناه لها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) خارج المدينة .
وكان الهدف من ذلك هو تأليب النفوس وتأجيج الحقد على قتلة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وتحويل مشاعر الناس من بكاء ولوعة إلى غضب واستنكار .
الوجيهة عند الله
وهذه المنزلة واضحة لدى الكثيرين . حيث أن الحوائج مهما كانت متعسرة فانها تقضى وتتيسر ببركة التوسل إلى الله بالسيدة أم البنين ( عليها السلام ) فمثلاً تنذر قراءة ختمة قرآن ويهدى ثوابها إلى السيدة أم البنين (عليها السلام ) إن قضيت الحاجة أو تقرأ سورة الفاتحة ويهدى ثوابها لها حال الشدة ويطلب من الله الفرج بحق أهل البيت ( عليهم السلام ) وبحقها ( عليها السلام ) عنده . فيأتي الفرج في الحال , ولقد لمسنا ولمس معظم الناس ذلك ممن يعرفون قدرها ولهذا فهي صاحبة الكرامات الكثيرة والجاه والرفعة عند الله . وهي وجيهة عند الله بالحسين ( عليه السلام ) من نوع وجاهة من إستشهد بين يدي الحسين ( عليه السلام ) حيث أصبحوا سادة الشهداء بعد أهل البيت ( عليهم السلام ) .
وقد سمع أحد الصالحين من الخطيب المعروف الشيخ باقر المقدسي ( حفظه الله ) ان أحد الحجاج ذهب مع أصحابه إلى زيارة أئمة البقيع ( عليهم السلام ) وبعد اتمام الزيارة طلب منه أصحابه مرافقتهم إلى قبر أم البنين ( عليها السلام ) لزيارتها فرفض دونما علة . ولم يفلحوا في إقناعه وفي ليلة ما , رأى في منامه انه يسير بين حدائق غناء وانهار جميلة حتى وصل إلى قصر عالٍ في وسطها وعند الباب وقف حاجب , فسأله الحاج عن صاحب هذا القصر . فأجاب : إنه لسيدي أبي الفضل العباس ( عليه السلام ) فطلب منه الإذن بزيارته ( عليه السلام ) فقال له الحاجب : لابد من الاستئذان من سيدي العباس ( عليه السلام ) . وبعد لحظات جاء الحاجب لينقل له رفض أبي الفضل ( عليه السلام ) لزيارة الرجل فطلب معرفة السبب . فجاء الرد من العباس ( عليه السلام ) : بما أنك وصلت قريباً من قبر أمي ولم تزرها استخفافاً بقدرها فأنا لا أسمح لك بزيارتي .
وفي هذه الرؤيا إنذار لكل من يقلل من شأن هذه السيدة الجليلة .
بقي أن نقول أن التاريخ لم يذكر متى ولدت ومتى توفيت . ولكن حدد يوم الثالث عشر من جمادي الثانية يوماً رمزياً لوفاتها وهذا ما اتفق عليه خطباء المنبر الحسيني . ولعل في اختيار هذا اليوم علاقة بوفاة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) وهو يوم الثالث عشر من جمادي الأولى{على بعض الروايات } حيث أنها شريكة الزهراء ( عليها السلام ) في المصاب والمواسية والمواليه لها فحددوا لها نفس اليوم من شهر التالي .
فسلام الله عليها وعلى أولادها الأربعة العباس وجعفر عبد الله وعثمان وجزاهم الله عن رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أفضل جزاء المحسنين .
والحمد لله رب العالمين.
الفاتحة إلى روح مولاتنا السيدة الطاهرة أم البنين (عليها السلام ) معطرة بالصلاة على محمد وآل محمد.
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
السيدة أم البنين (عليها السلام)
حينما يتناول الباحث سيرة إحدى الشخصيات اللامعة في سماء الإسلام ممن كان لها دور مشرف في إعلاء كلمة الله تعالى والدفاع عن دينه فانه يعتمد على ثلاثة أمور يستطيع من خلالها الحصول على فكرة واضحة عن أحوال ذلك الشخص محل البحث .
وهذه الأمور الثلاثة هي :
أولاً : ما نزل بحقه من آيات قرآنية مباركة .
ثانياً : ما ورد بحقه من قبل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) .
ثالثاً : ما قام به هو من مواقف مشرفة في نصرة الحق وأهله .
وربما لا يجد الباحث في الأمرين الأولين ما يعينه فيلجأ إلى الأمر الثالث , وهو الإنجازات التي قام بها ذلك الشخص طيلة حياته . وفي الأمر الثالث يوجد تفصيل ؛ فقد تروى الحكايات الكثيرة عنه , وقد يروى منها القليل .
وإذا كان الغرض من البحث في سيرة شخص ما هو الاستفادة منها – أي السيرة – والاقتداء به . فان كثرة الروايات الفارغة من العبر والدروس النافعة لا تساوي شيئاً أمام قلة الروايات ذات الدلالات السامية التي تشير إلى عظمة وسمو صاحبها . على أن ذلك لا يعتبر تبريراً لتقصير المؤرخين في ترجمة حياة الكثير من العظماء الذين ضحوا بحياتهم وبذلوا كل ما لديهم في سبيل الله والدفاع عن أئمتهم الطاهرين ( عليهم السلام ) فإذن المواقف التاريخية النوعية تعتبر طريقاً مميزاً لمعرفة جوانب شخصية صاحبها .
ومن هذه المقدمة أنتقل بك عزيزي القارئ إلى الحديث عن حياة إحدى النساء الرساليات في الإسلام , إمرأة ظلمت مرتين , الأولى بما جرى عليها في حياتها , والثانية بما لاقته شخصيتها العظيمة من إهمال المؤرخين بعد وفاتها , بينما يسهبون في ذكر أحوال الكثيرات من النساء ممن ليس لهن أي تأثير إيجابي في حياة المسلمين .
وتلك المرأة المظلومة هي السيدة أم البنين فاطمة بنت حزام الكلابية (عليها السلام) زوجة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) , وهي التي أبى الله إلا أن يرفع شأنها ويخلد ذكرها في قلوب محبي أهل البيت ( عليهم السلام )
لقد كانت للسيدة أم البنين ( عليها السلام ) خصال سامية بدأتها بتوفيق من الله تعالى حينما كتب لها أن تكون شريكة لحياة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) تلك الحياة المليئة بالمآثر والبطولات والجهاد وطاعة الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ونصرة الإسلام . وتبدأ حكايتها مع العظمة عندما خطبها الإمام علي ( عليه السلام ) لنفسه إذ قال لأخيه عقيل وكان عالماً بأنساب العرب ؛ أنظر لي امرأة قد ولدتها الفحول من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً .
وفي رواية أخرى يذكر فيها السبب الحقيقي فيقول لأخيه : أريد منك أن تختار لي امرأة من ذوي البيوت والشجاعة حتى أصيب منها ولداً ينصر ولدي الحسين ( عليه السلام ) بكربلاء . فقال له عقيل : أين أنت عن فاطمة بنت حزام الكلابية فانه ليس في العرب أشجع من آبائها .
ومهما يكن فان مراد الإمام ( عليه السلام ) هو الزواج بامرأة تنجب أولاداً صالحين يرثون البطولة من الأبوين .
وهذه المرأة يجب أن تحرز ثقة الإمام ( عليه السلام ) ورضاه لغرض اعداد هؤلاء الفتيان ليوم منظور حاسم يعتمد عليه بقاء الإسلام أو زواله , وهذه المرأة هي أم البنين ولا منافسة لها . فإذن الغاية خطيرة ومهمة ويجب أن تتناسب معها أهمية الزوجة .
وهنا نتساءل , لماذا أمر الإمام ( عليه السلام ) عقيلا بأن يتولى بنفسه مهمة إختيار الزوجة مع استغناء الإمام ( عليه السلام ) عن عقيل وغيره ؟ فلا يخفى عليه أمر أم البنين وغيرها , حيث انه باب مدينة علم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . أغلب الظن أنه ( عليه السلام ) أراد أن يكون الحوار الذي دار بينهما مسجلا في ذاكرة التاريخ وشهادة للسيدة أم البنين وإبنها العباس ( عليه السلام ) بانهما موضع اهتمام الإمام المعصوم ( عليه السلام ) وقد تجهل هذه المنزلة لو تولى الإمام (عليه السلام ) الأمر بنفسه . ومن خلال الأخبار المقتضبة عنها , ننتزع لها عدة صفات بارزة في حياتها الشريفة , ومنها :
الموالية
كانت ( عليها السلام ) في قمة الولاء للمعصومين ( عليهم السلام ) وبمنتهى التفاني في طاعتهم . فلا ترغب في أن يسميها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) باسمها لكيلا يتألم الحسنان ( عليهما السلام ) عند سماع أسم أمهما فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) هذا مع أنهما كانا كبيرين وفي العقد الثالث من عمرهما . حيث كان عمر الحسن ( عليه السلام ) ثلاثة وعشرين عاما وعمر الحسين ( عليه السلام ) أثنين وعشرين عاما حينما ولد العباس ( عليه السلام ) وربما كانت لا ترضى بأن تتساوى مع الصديقة فاطمة ( عليها السلام ) في مناداتها بإسم ( فاطمة ) مبالغة في احترام المعصومين ( عليهم السلام ) والتذلل لمقامهم السامي عند الله تعالى .
وكانت السيدة أم البنين ( عليها السلام ) مستوفية لجميع شروط الإيمان ومنها الطاعة والوفاء لعترة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذ يقول <<لايؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهلي أحب إليه من أهله وعترتي أحب إليه من عترته وذاتي أحب إليه من ذاته >>
المواسية
وهذا اللقب حصلت عليه السيدة أم البنين بجدارة , حيث قدمت أولادها الأربعة فداء للإمام الحسين ( عليه السلام ) في يوم عاشوراء وهذه هي المواساة حقاً . ولاشك ان للأم دوراً كبيراً في التأثير على مسيرة أولادها . لا سيما وأن من أولاد الإمام علي ( عليه السلام ) من لم يشارك في واقعة كربلاء بل أشار على الإمام الحسين ( عليه السلام ) بمبايعة يزيد . وذلك هو عمر الأطرف الذي انتهت حياته قتيلاً مع مصعب بن الزبير . فدور السيدة أم البنين في نصرة الحسين ( عليه السلام ) كان واضحاً من خلال مشاركة أبنائها في واقعة الطف . ولقد كان لهم ثقل في ميزان القوى آنذاك إلى حد أن الشمر لعنه الله حاول أن يثني عزمهم عن نصرة الحسين ( عليه السلام ) بأن كتب لهم كتاب أمان من عبيد الله بن زياد بشرط أن يتركوا معسكر الحسين ( عليه السلام ) فكان جوابهم : لعنك الله ولعن أمانك , أتؤمننا وأبن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا أمان له .
فبهؤلاء الأبطال كانت مواساة السيدة أم البنين لمولاتنا فاطمة ( عليها السلام ) فحينما جاء بشر الى المدينة ناعياً الحسين ( عليه السلام ) أقبلت إليه لتسأله عن سلامة الإمام ( عليه السلام ) ولم تسأل عن أولادها إذ لا تقاس سلامتهم بسلامة الإمام الحسين ( عليه السلام ) الذي هو حجة الله في أرضه . ولم يظهر على هيئتها الحزن والبكاء على الرغم من سماعها بخبر شهادة أولادها حتى سمعت باستشهاد الإمام ( عليه السلام ) .
ولذا يروى ان الزهراء ( عليها السلام ) تشكر لها مواساتها يوم القيامة وذلك حينما تخرج كفي أبي الفضل العباس ( عليه السلام ) من ضمن ظلاماتها فتقول : إلهي ما ذنب هذين الكفين حتى يقطعا . فتعتبر مولاتنا الزهراء ( عليها السلام ) ان قطع كفي العباس ( عليه السلام ) هو جزء من ظلاماتها .
الثائرة
من أساليب الثورة ونشر المظالم اسلوب البكاء . وقد ورد الحث عليه من أئمتنا ( عليهم السلام ) وخاصة فيما يتعلق بفاجعة كربلاء .
والمرأة على وجه الخصوص تستطيع أن تتخذ هذا الأسلوب لنشر ظلاماتها أمام الناس كما فعلت مولاتنا فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بعد وفاة أبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وما تلاها من مآسي مرت على الصديقة الطاهرة ( عليها السلام ) . وكما كانت تفعله نساء أهل البيت ( عليهم السلام ) بعد مقتل الحسين ( عليه السلام ) .
وأبرز من أنتهجت هذا الأسلوب هي السيدة أم البنين ( عليها السلام ) . حيث روي عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ان أم البنين ( عليها السلام ) كانت تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها فيتجمع الناس إليها يستمعون منها .
وروى انها كانت تخط في الأرض أربعة قبور في مقبرة البقيع وتبكي أولادها . كما كانت تفعل السيدة الزهراء ( عليها السلام ) حينما تبكي أباها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في بيت الأحزان الذي بناه لها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) خارج المدينة .
وكان الهدف من ذلك هو تأليب النفوس وتأجيج الحقد على قتلة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وتحويل مشاعر الناس من بكاء ولوعة إلى غضب واستنكار .
الوجيهة عند الله
وهذه المنزلة واضحة لدى الكثيرين . حيث أن الحوائج مهما كانت متعسرة فانها تقضى وتتيسر ببركة التوسل إلى الله بالسيدة أم البنين ( عليها السلام ) فمثلاً تنذر قراءة ختمة قرآن ويهدى ثوابها إلى السيدة أم البنين (عليها السلام ) إن قضيت الحاجة أو تقرأ سورة الفاتحة ويهدى ثوابها لها حال الشدة ويطلب من الله الفرج بحق أهل البيت ( عليهم السلام ) وبحقها ( عليها السلام ) عنده . فيأتي الفرج في الحال , ولقد لمسنا ولمس معظم الناس ذلك ممن يعرفون قدرها ولهذا فهي صاحبة الكرامات الكثيرة والجاه والرفعة عند الله . وهي وجيهة عند الله بالحسين ( عليه السلام ) من نوع وجاهة من إستشهد بين يدي الحسين ( عليه السلام ) حيث أصبحوا سادة الشهداء بعد أهل البيت ( عليهم السلام ) .
وقد سمع أحد الصالحين من الخطيب المعروف الشيخ باقر المقدسي ( حفظه الله ) ان أحد الحجاج ذهب مع أصحابه إلى زيارة أئمة البقيع ( عليهم السلام ) وبعد اتمام الزيارة طلب منه أصحابه مرافقتهم إلى قبر أم البنين ( عليها السلام ) لزيارتها فرفض دونما علة . ولم يفلحوا في إقناعه وفي ليلة ما , رأى في منامه انه يسير بين حدائق غناء وانهار جميلة حتى وصل إلى قصر عالٍ في وسطها وعند الباب وقف حاجب , فسأله الحاج عن صاحب هذا القصر . فأجاب : إنه لسيدي أبي الفضل العباس ( عليه السلام ) فطلب منه الإذن بزيارته ( عليه السلام ) فقال له الحاجب : لابد من الاستئذان من سيدي العباس ( عليه السلام ) . وبعد لحظات جاء الحاجب لينقل له رفض أبي الفضل ( عليه السلام ) لزيارة الرجل فطلب معرفة السبب . فجاء الرد من العباس ( عليه السلام ) : بما أنك وصلت قريباً من قبر أمي ولم تزرها استخفافاً بقدرها فأنا لا أسمح لك بزيارتي .
وفي هذه الرؤيا إنذار لكل من يقلل من شأن هذه السيدة الجليلة .
بقي أن نقول أن التاريخ لم يذكر متى ولدت ومتى توفيت . ولكن حدد يوم الثالث عشر من جمادي الثانية يوماً رمزياً لوفاتها وهذا ما اتفق عليه خطباء المنبر الحسيني . ولعل في اختيار هذا اليوم علاقة بوفاة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) وهو يوم الثالث عشر من جمادي الأولى{على بعض الروايات } حيث أنها شريكة الزهراء ( عليها السلام ) في المصاب والمواسية والمواليه لها فحددوا لها نفس اليوم من شهر التالي .
فسلام الله عليها وعلى أولادها الأربعة العباس وجعفر عبد الله وعثمان وجزاهم الله عن رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أفضل جزاء المحسنين .
والحمد لله رب العالمين.
الفاتحة إلى روح مولاتنا السيدة الطاهرة أم البنين (عليها السلام ) معطرة بالصلاة على محمد وآل محمد.