إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحجاب والمضمون الحضاري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحجاب والمضمون الحضاري

    الحجاب والمضمون الحضاري


    تبقى قضية الحجاب متجددة دوماً، نظراً لارتباط الحجاب بهوية المرأة المسلمة وشخصيتها المتميزة به، فكثير من المنادين بخلعه يهدفون سراً أو جهراً إلى تحرير المرأة من القيم والعادات الإسلامية، ويرون في نزع الحجاب المقدمة الضرورية لذلك.
    والمتمسكون به التزاماً بالشريعة المقدسة، يرون فيه رمزاً للإسلام والإيمان، وسمة لهما، مع ما يترتب عليه من أفعال وتصرفات يجب أن تتحلى بها المرأة المسلمة إلى جانبه.

    وهذا المقال إطلالة على الحجاب بأبعاده المختلفة، إذ إن هذه القضية ما تزال حية وحاضرة بتفاعلاتها وأصدائها في مجتمعاتنا الإسلامية كما في غيرها من المجتمعات العالمية.

    المرأة ودورها كإنسان :

    قبل الحديث عن الحجاب، نلقي الضوء على دور الإنسان في الأرض كما جاء في القرآن الكريم، فدور الإنسان، أرجلاً كان أم امرأة هو دور خلافة الله تعالى على الأرض: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً).

    وقد وهبه تعالى المؤهلات التي تمكّنه من ممارسة دوره كخليفة، من إرادة وحرية وعقل واختيار.. فالرجل والمرأة يتمتعان بالمؤهلات نفسها التي تخولهما ممارسة دور الخلافة، فهما يتجهان نحو الهدف نفسه، إذاً فهما متساويان في التكليف الإلهي، ومتساويان في الحساب، ولا فضل لرجل على امرأة ولا لامرأة على رجل إلاّ بالتقوى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).

    أما التفاوت في الخلقة فأمر طبيعي تتطلبه الحياة واستمراريتها وتوازنها، وهذا التفاوت يقتضي توزيع الأدوار في الحياة دون المساس بإنسانية الطرفين.

    فالمرأة، بالإضافة إلى دورها الأساس (الخلافة في الأرض) لها دور آخر تقتضيه طبيعتها الأنثوية (دور الزوجة، الأم)، ولتأدية هذا الدور يجب أن تتمتع المرأة بمواصفات خاصة (أنوثة، رقة، حنان، عاطفة...الخ ).

    الحجاب دوافع وهموم :

    إنّ المرأة بحسب طبيعتها التي خلقها الله بها تعتبر رمز للإثارة، وبعضهن عادة يعشن حالة لا شعورية من الاندفاع إلى إظهار مفاتنهن لجذب انتباه من حولهن ، فتكون موضع اثارة للغير ، ومن خلال هذه الأجواء انطلقت مسألة الحجاب في الإسلام .

    فالإسلام أراد أن ينظر الرجال إلى المرأة بصفتها إنسان لا أنثى تثير غرائزهم، وهنا تبرز أمامنا مسألة الحجاب كمفهوم يدعو للنظر إلى المرأة ـ الإنسان بغضّ النظر عن الاختلاف في تكوينها عن الرجل ، فالأنوثة أمر ثابت في ذاتية المرأة، والإسلام لا يريد أن يلغي هذه الأنوثة عندها، بل يؤكد عليها أن تختزن أنوثتها في شخصيتها، كما يختزن الرجل الذكورة في شخصيته، ولكن حتى لا يؤدي النظر إليها إلى تشابك بين ما هي عليه من إنسان، وما هي عليه من أنثى في المواقع التي يجب أن تظهر فيها بقدراتها الإنسانية من ثقافة وعلم وطاقات عقلية، إلى ما هنالك من قدرات إنسانية، نظّم لها عندئذٍ حركة الأنوثة في حياتها وشخصيتها، بحيث لا تتحوّل الأنوثة عندها إلى قيمة أساسية تُنسيها وتُنسي الآخرين قيمتها الإنسانية، ولها مع ذلك كله أن تعبّر عن عمق الأنوثة الجسدية مع زوجها من دون قيد أو شرط، وهذا من شأنه أن يشبع الجانب العاطفي عندها. وهذا هو الدافع الأكبر لمفهوم الحجاب في الإسلام، وبتعبير آخر، هو إيجاد التوازن النفسي داخل المرأة، وإيجاد التوازن الأخلاقي داخل المجتمع.

    مستتبعات الحجاب :

    إلى جانب الحجاب، يجب على المسلمة أن تتحلّى بمزايا أخلاقية حميدة، وأن يكون حجابها مرآة لنفسها وروحها، ويجب أن يشي سلوكها الخارجي بمقومات شخصيتها، كأن تغضّ البصر (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) [النور: 31]، وأن لا تخضع بالقول كتليين الكلام وما يصحبه من غنج ودلال (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) [الأحزاب: 32] كما إن المسؤولية الملقاة على عاتق الفتاة المحجبة كبيرة، إذ عليها أن تجاهد نفسها أسوة ببقية المؤمنين، فتبتعد عن الغيبة والنميمة والكذب والحسد، وأن تحرّم على نفسها ارتكاب الفواحش كالسرقة والزنا والقتل وأشباه ذلك. ويجب أن لا ترتاد أماكن اللهو المشبوهة.
    وكم يُنظر إلى الفتاة المحجّبة بصفتها قدّيسة أو ملاك ، في حين الفتاة المحجبّة بشر من لحم ودم، يمكن أن ترتكب المحرّمات والأخطاء الشرعية، إن هي تركت نفسها من دون حسيب أو رقيب، أو أودعت عقلها جانباً لتحلّ مكانه الغرائز والشهوات، ومن المعلوم أن الحدود أو القصاص نزل في مجتمع المدينة في صدر الإسلام، أي في المجتمع الذي فُرض فيه على النساء الستر، وهذا يعني أن كل إنسان، أرجلاً كان أم امرأة، معرّض لارتكاب ما حرّم الله تعالى، بما فيهم الفتاة المحجّبة، ومن هنا كان القصاص مفروضاً على مجتمع المسلمين زمن الرسول صلى الله عليه وآله وصدر الإسلام، ولم تكن الفتاة المحجّبة بمنأى عن القصاص إن هي ارتكبت ما يوجب ذلك، لأنها ليست فوق البشر، ومن هنا كان دأب الإسلام حثّ المسلمين على التحلّي بالأخلاق الحميدة وتحصين أنفسهم بتقوى الله، وبالتالي تحصين المجتمع من الوقوع في مستنقع الرذائل وما يستتبع ذلك من مفاسد تفكك ذلك المجتمع بدءاً بالفرد ومروراً بالأسرة ثم بالمجتمع أجمع.

    الحجاب وحرية المرأة :

    يعتقد البعض أن حجاب المرأة هو امتهان لكرامتها الإنسانية، وفقدان لحريتها أو تقييد لها، وأن الرجل في الإسلام يتمتع بحريته الكاملة، ولكن هذا المنطق ليس له أي أساس في الفكر الإسلامي، فكما أن المرأة في الإسلام لا يجوز لها أن تظهر في المجتمع بأنوثتها عن طريق إظهار مفاتنها، كذلك لا يمكن للرجل أن يظهر في المجتمع بالجانب الذكوري، ولكن بما أن جاذبية المرأة وطبيعة الإثارة في جسدها أشد تأثيراً من جاذبية الرجل وطبيعة الإثارة عنده، من هنا كان الحجاب بالصورة المفروضة على المرأة أوسع وأشمل من حجاب الرجل.

    وإذا أُثيرت مسألة أن حجاب المرأة يمنعها من الاختلاط بالرجل، وبالتالي يحرمها من فرص كثيرة في المجتمع على مستوى طلب العلم والعمل، نقول إن الإسلام لم يحرّم الاختلاط مطلقاً، فليس كل اختلاط محرّماً، إنما الاختلاط المحرّم هو ذلك الذي تؤدي أجواؤه إلى الانحراف، كما أن الإسلام فسح المجال للمرأة لتتعلّم وذلك من خلال قول رسول الله صلى الله عليه وآله : ((طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة))، فجعل طلب العلم واجباً على المرأة تماماً كما هو واجب على الرجل لكي تكون إنساناً بالمعنى الصحيح للإنسانية. كما أن الإسلام يعتبر المرأة إنساناً مستقلاً، له احترامه وحقوقه. وهي تمتلك حرية القيام بأي عملٍ أحلّه الله تعالى.. مع مراعاة عدم الإخلال بواجباتها ؟ كالواجبات الزوجية بالنسبة للزوجة التي تقتضيها تكامل وتوزع الأدوار بينها وبين الرجل في إقامة صرح الحياة الإنسانية. وإذا ادّعى مدّع بأن الحجاب هو الذي يمنعها من القيام بدورها في حقل العمل، فإن ذلك ليس له أي أساس في المفهوم الإسلامي للحجاب، فالحجاب لا يعطّل أي طاقة من طاقات المرأة، فلها الحق في أن تقوم بمسؤولياتها كافة في ما يمكن لها أن تمارسه في نطاق ثقافتها وقدراتها التي تملكها في ساحات العمل.

    والتاريخ الإسلامي حافل بقصص الكثيرات من النساء المسلمات المجاهدات اللاتي شاركن في الأعمال ومارسن أدواراً عظيمة في حياتهن، فهذه فاطمة الزهراء (عليها السلام) قامت بدورها في نصرة الحق والرسالة حين دعت الحاجة إلى ذلك ، وهذه الحوراء زينب (عليها السلام) بنت أمير المؤمنين الإمام علي (ع) قامت تدافع بجرأة عن الإسلام والحق حين رافقت أخاها الإمام الحسين (ع) إلى كربلاء في نصرة الدين الاسلامي .
    كما كان صلى الله عليه وآله وسلم يصطحب معه النساء إلى المعارك لمداواة الجرحى وسقاية العطشى، وربما خاضت هؤلاء النسوة غمار المعركة إذا دعت الحاجة إلى ذلك، مثلما فعلت نسيبة بنت كعب الأنصارية، حتى امتدحها الرسول صلى الله عليه وآله أكثر من مرّة. والشيء نفسه قامت به سويدة الهمدانية في المعارك التي خاضها الإمام علي (ع).

    هذا غيض من فيض، فالتاريخ الإسلامي حافل بقصص الكثيرات من أمثال هؤلاء النسوة. أما اليوم فإن النهضة التي تشهدها المرأة المحجبة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي ، كافية لإبطال دعاوى الأكاذيب والأباطيل بحق المرأة المسلمة المحجبة .

    فالحجاب لا يؤدي ـ إذاً ـ إلى تضييع قدرات المرأة وتعطيل قواها الفكرية والنفسية، وإلى الوقوف حجر عثرة في طريق تقدّمها العلمي والاجتماعي والاقتصادي. وإن ارتداء الحجاب في المجتمع، ولا سيما في أثناء العمل يمنع الآخرين من استغلالها كأنثى، مثلما يحصل للأخريات، فلا يكون جمالها وجسدها هو المعيار، بل المعيار هو ما تتقنه من أداء لدورها الإنساني، وما تحققه على مستوى العلم والعمل.


    والحمد لله رب العالمين
    المصدر
    شبكة الامامين الحسنين
    التعديل الأخير تم بواسطة ضياء الحفار ; الساعة 19-05-2014, 12:02 PM. سبب آخر:
يعمل...
X