خير الأصحاب
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين واللعن الأبدي الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
الصحبة تعني المصاحبة , مصاحبة الأنسان أو مصاحبة الجسد للجسد , وهذا المعنى ينال قسطا كبيرا واهتماما واسعا وعلى قدر كبير من الحرص والتقويم والتقييم لما لهذا النمط السلوكي من أثر بارز في حياة الإنسان وسيرته وتعامله مع الآخرين في المجتمع ولمختلف الطبقات والشرائح في أي زمان وبأي مكان كان . وكان العرب قبل الإسلام يعيرون هذا المعنى اهتماما كبيرا في حسن الاختيار للصحبة والمصاحبة وحقوقها وواجباتها لأنها من مستلزمات ومقومات التعامل الإنساني اليومي في الحياة في أي مجال وفي أي وجه من أوجه السلوك البشري , ليحضى بصحبة تثريه معنويا بالمفاهيم والقيم النبيلة وتعطيه الكثير من أنماط السلوك الصحيحة ليجد فيها ربحا وفيرا لذاته ويكتسب منها معانيا سامية تكون مفخرة له وعاملا داعيا للاحترام والتوقير والتقدير والاقتداء في المجتمع .
مدعمة بالصدق والإخلاص والوفاء والنية الصافية والصادقة وكلها صفات بنائة في اختيار الصحبة والمحافظة عليها .
لأن العرب قبل الإسلام وبعده لهم في الصحبة علاقات واسعة وتعاملات كثيرة تحتم عليهم أن يحسنوا في الصحبة وباختيارها ويمكن للإنسان أن يحصل على هذا المعنى بذاته من خلال لقاءاته وتعامله اليومي وربما بالمصادفة , ويتم هذا من خلال عدة حالات منها الدراسة أو العمل أو السفر سواء كان بعيدا أو قريبا والمجالس والمجالسة والبحث والمباحثة والزيارات العامة والخاصة والبيع والشراء والمشاركة والحضور في الاحتفالات والمهرجانات والسفرات المشتركة والجماعية وفي الطريق بسبب سؤال معين أو استفسار عن معلومة معينة لمكان أو شخص ما , كل هذه الأمور وغيرها تكون عاملا من عوامل تكوين الصحبة والمصاحبة .
ولما جاء الإسلام هذبها وسلحها بالقيم النبيلة وبين لنا أن لمفهوم الأصحاب معنى آخر وهذا ما يتضح بقوله تعالى : ( لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة هم الفائزون ) .
وهذه الآية الكريمة في ظاهرها تحمل معنى آخر اكثر أهمية وهو أن الناس الذين تقودهم أفعالهم وأعمالهم في الدنيا والآخرة إلى النار هم أصحاب النار وأما الذين تقودهم أعمالهم وأفعالهم في الدنيا والآخرة إلى الجنة هم أصحاب الجنة .
ثم نلاحظ تقديم معنى أصحاب النار على معنى أصحاب الجنة في هذه الآية الكريمة لأن المقصود في عدم المساواة أو التساوي هم أصحاب النار المقصودون بهذا المعنى في عدم التساوي بينهم وبين أصحاب الجنة الذين لهم في الآخرة مقاما محمودا وروضواناً من الله تعالى ثوابا لهم على طاعتهم لله بعملهم الصالح في الحياة الدنيا من أفعال وأعمال في هذه الدار المؤقتة نحملها معنا إلى الآخرة الدار الأبدية حيث الخلود الدائم أو بئس المصير , وهذا أيضا يوضحه لنا الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) بقوله :
أيها الناس إنما الدنيا دار مجاز والآخرة دار قرار فخذوا من ممركم لمقركم ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم إن المرء إذا هلك قالت الناس ما ترك وقالت الملائكة ما قدم . وبهذا المعنى خير موعظة لنا .
وإن معنى الصحبة والقدوة المثالية والتي ينطبق عليهم معنى هذه الآية الكريمة التي مر ذكرها و الذين جسدوا أسمى صورة وأروع معانيها تضحية وعطاء وشموخا وكانوا فيها شموسا في سماء الخلود والمثل الصالح للأصحاب هم أصحاب الإمام الحسين ( عليه السلام ) الذين نذروا أنفسهم للذود عن الدين وعن حمى آل البيت (عليهم الصلاة السلام )والمتمثل بسبط رسول الله وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين ( عليه السلام ) . فقد خيرهم الحسين ( عليه السلام ) ليلة العاشر من المحرم وقال لهم :
أصحابي أهل بيتي إن القوم لا يطلبون غيري فمن أراد منكم النجاة فليتخذ من هذا الليل سبيلا ويعود إلى أهله وذويه ولا يعرض نفسه للهلاك والموت الذي لابد منه . فما كان من أصحابه وأهل بيته إلا موقف واحد هو البقاء معه والاستشهاد بين يديه مفاخرين بذلك الفوز العظيم .
فقال الأصحاب : يا ابن رسول الله نحن قد طلقنا حلائلنا وتركنا أبنائنا وأموالنا وزهو الدنيا وجئنا معك إلى كربلاء لكي نرزق الشهادة بين يديك لنبيض وجوهنا عند الله سبحانه وتعالى وعند جدك رسول الله ( صلى الله عليه وآل وسلم ) وعند أبيك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وعند أمك فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ( عليها السلام ) فلا تحرمنا من هذه الشهادة , عندها قال الإمام الحسين ( عليه السلام ) بحقهم :
( أما بعد فإني لا اعلم أصحابا أوفى ولا خير من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعا ) .
ثم أخذوا يتسابقون إلى المنية قرابين فداء بين يدي الحسين ( عليه السلام ) فنالوا الفوز العظيم والرضوان الأكبر بوفاء الصحبة . نعم كانت ضراغمة آل عبد المطلب والصفوة من الأصحاب عندئذٍ في أبهج حالة وأثبت جأش فرحين بما يلاقونه من نعيم وحبور وكلما اشتد المأزق الحرج أعقب فيهم انشراحا بين ابتسامة ومداعبة إلى فرح ونشاط.
ومذ أخذت في نينوى منهم النوى
ولاح بها للغدر بعض العلائم
غدا ضاحكا هذا وذا متبسما
سروا وما يغر المنون بباسم
هازل برير عبد الرحمن الأنصاري فقال له عبد الرحمن : ما هذه ساعة باطل ؟ فقال برير لقد علم قومي ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا ولكني مستبشر بما نحن لاقون , والله ما بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم ولوددت أنهم مالوا علينا الساعة . وخرج حبيب بن مظاهر يضحك فقال له يزيد بن الحصين الهمداني ما هذه ساعة ضحك ! قال حبيب : وأي موضع أحق بالسرور من هذا ؟ ماهو أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم فنعانق الحور .
تجري الطلاقة في بهاء وجوههم
إن قطبت فرقا وجوه كماتها
وتطلعت بدجى القتام أهلة
لكن ظهور الخيل من هالاتها
فتدافعت مشي النزيف إلى الردى
حتى كأن الموت من نشواتها
وتعانقت هي والسيوف وبعد ذا
ملكت عناق الحور في جناتها
فكأنهم نشطوا من عقال بين مباشرة للعبادة وتأهب للقتال لهم دوي كدوي النحل , بين قائم وقاعد وراكع وساجد قال الضحاك بن عبد الله المشرقي مرت علينا خيل ابن سعد فسمع رجل منهم الحسين ( عليه السلام ) يقرأ( ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيرا لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ) .
وبكت النسوة معها ولطمن الخدود وصاحت أم كلثوم وامحمداه واعلياه واماه واحسناه واضيعتاه بعدك ؟! .
فقال الحسين : يا أختاه يا أم كلثوم يا فاطمة يا رباب انظرن إذا قتلت فلا تشققن علي جيبا ولا تخمشن وجها ولا تقلن هجرا ثم إن الحسين ( عليه السلام ) أوصى أخته زينب ( عليها السلام ) بأخذ الأحكام من علي بن الحسين ( عليه السلام ) وإلقائها إلى الشيعة سترا عليه وبذلك يحدث أحمد بن إبراهيم قال : دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي الرضا ( عليه السلام ) أخت أبي الحسن العسكري ( عليه السلام ) سنة 282 بالمدينة وكلمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها فسمت من تأتم بهم وقالت فلان بن الحسن قلت معاينة أو خبرا قالت : خبرعن أبي محمد كتب به إلى أمه قلت أقتدي بمن وصيته إلى امرأة ؟ قالت : اقتداء بالحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فإنه أوصى إلى أخته زينب ( عليها السلام ) في الظاهر فكان ما يخرج من علي بن الحسين ( عليه السلام ) من علم ينسب إلى زينب ( عليها السلام ) سترا على علي بن الحسين ( عليه السلام ) ثم قالت إنكم قوم أخبار , أما رويتم أن التاسع من ولد الحسين ( عليه السلام ) يقسم ميراثه في الحياة ( إكمال الدين للصدوق ) ص 275 باب 49 طبع حجر أول .
ثم أنه ( عليه السلام ) أمر أصحابه أن يقاربوا البيوت بعضها من بعض ليستقبلوا القوم من وجه واحد وأمر بحفر خندق من وراء البيوت يوضع فيه الحطب ويلقي عليه النار إذا قاتلهم العدو كيلا تقتحمه الخيل فيكون القتال من وجه واحد . وخرج ( عليه السلام ) في جوف الليل إلى خارج الخيام يتفقد التلاع والعقبات فتبعه نافع بن هلال الجملي فسأله الحسين ( عليه السلام ) عما أخرجه قال : يا ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآل وسلم ) أفزعني خروجك إلى جهة معسكر هذا الطاغي فقال الحسين ( عليه السلام ) : أني خرجت أتفقد التلاع والروابي مخافة أن تكون مكمنا لهجوم الخيل يوم تحملون ويحملون ثم رجع ( عليه السلام ) وهو قابض على يد نافع ويقول : هي هي والله وعد لا خلف فيه .
ثم قال له ألا تسلك بين هذين الجبلين في جوف الليل وتنجو بنفسك ؟. فوقع نافع على قدميه يقبلهما ويقول : ثكلتني أمي , إن سيفي بألف وفرسي مثله فوالله الذي منَّ بك علي لا فارقتك حتى يكلأ عن فري وجرى .
ثم دخل الحسين ( عليه السلام ) خيمة زينب ( عليها السلام ) ووقف نافع بإزاء الخيمة ينتظره فسمع زينب ( عليه السلام ) تقول له : هل استعملت من أصحابك نياتهم فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة .
فقال لها : والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل إلى محالب أمه .
قال نافع : فلما سمعت هذا منه بكيت وأتيت حبيب بن مظاهر وحكيت ما سمعت منه(عليه السلام) ومن أخته زينب ( عليها السلام ) .
قال حبيب : والله لولا انتظار أمره لعاجلتهم بسيفي هذه الليلة قلت : إني خلفته عند أخته وأظن النساء أفقن وشاركنها في الحسرة فهل لك أن تجمع أصحابك وتواجهوهن بكلام يطيب قلوبهن فقام حبيب ونادى يا أصحاب الحمية وليوث الكريهة فتطالعوا من مضاربهم كالأسود الضارية فقال لبني هاشم ارجعوا إلى مقركم لا سهرت عيونكم .
ثم التفت إلى أصحابه وحكى لهم ما شاهده وسمعه نافع فقالوا بأجمعهم والله الذي من علينا بهذا الموقف لولا انتظار أمره لعاجلناهم بسيوفنا الساعة فطب نفسا وقر عينا فجزاهم الحسين ( عليه السلام ) خيرا .
وقال هلموا معي لنواجه النسوة ونطيب خاطرهن فجاء حبيب ومعه أصحابه وصاح : يا معشر حرائر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هذه صوارم فتيانكم آلوا ألا يغمدوها ألا في رقاب من يريد السوء فيكم وهذه أسنة غلمانكم أقسموا ألا يركزوها إلا في صدور من يفرق ناديكم .
فخرجن النساء إليهم ببكاء وعويل وقلن أيها الطيبون حاموا عن بنات رسول اله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحرائر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
فضج القوم بالبكاء حتى كأن الأرض تميد بهم . وفي السحرمن هذه الليلة خفق الحسين ( عليه السلام ) ثم استيقظ وأخبر أصحابه بأنه رأى في منامه كلابا شدت عليه تنهشه واشدها عليه كلب أبقع وإن الذي يتولى قتله من هؤلاء رجل أبرص .
وإنه رأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد ذلك ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول له : أنت شهيد هذه الأمة وقد استبشر بك أهل السموات وأهل الصفيح الأعلى وليكن إفطارك عندي الليلة عجل ولا تؤخر فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء.
وانصاع حامية الشريعة ظامئاً
ما بل غلته بعذب فراتها
اضحى وقد جعلته آل أمية
شبح السهام رمية لرماتها
حتى قضى عطشا بمعترك الوغى
والسمر تصدر منه في نهلاتها
وجرت خيول الشرك فوق ضلوعه
عدوا تجول عليه في حلباتها
ومخدرات من عقائل أحمد
هجمت عليها الخيل في أبياتها
من ثاكل حرى الفؤاد مروعة
أضحت تجاذبها العدى حبراتها
ويتيمة فزعت لجسم كفيلها
حسرى القناع تعج في أصواتها
أهوت على جسم الحسين وقلبها
المصدوع كاد يذوب من حسراتها
وقعت عليه تشم موضع نحره
وعيونها تنهل في عبراتها
ترتاع من ضرب السياط فتنثني
تدعو سرايا قومها وحماتها
أين الحفاظ وفي الطفوف دماؤكم
سفكت بسيف أمية وقناتها
أين الحفاظ وهذه اشلاؤكم
بقيت ثلاثا في هجير فلاتها
أين الحفاظ وهذه أبناؤكم
ذبحت عطاشى في ثرى عرصاتها
أين الحفاظ وهذه فتياتكم
حملت على الأقتاب بين عداتها
حملت برغم الدين وهي ثواكل
عبرى تردد بالشجى زفراتها
فمن المعزي بعد أحمد فاطما
في قتل ابناها وسبي بناتها
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين واللعن الأبدي الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
الصحبة تعني المصاحبة , مصاحبة الأنسان أو مصاحبة الجسد للجسد , وهذا المعنى ينال قسطا كبيرا واهتماما واسعا وعلى قدر كبير من الحرص والتقويم والتقييم لما لهذا النمط السلوكي من أثر بارز في حياة الإنسان وسيرته وتعامله مع الآخرين في المجتمع ولمختلف الطبقات والشرائح في أي زمان وبأي مكان كان . وكان العرب قبل الإسلام يعيرون هذا المعنى اهتماما كبيرا في حسن الاختيار للصحبة والمصاحبة وحقوقها وواجباتها لأنها من مستلزمات ومقومات التعامل الإنساني اليومي في الحياة في أي مجال وفي أي وجه من أوجه السلوك البشري , ليحضى بصحبة تثريه معنويا بالمفاهيم والقيم النبيلة وتعطيه الكثير من أنماط السلوك الصحيحة ليجد فيها ربحا وفيرا لذاته ويكتسب منها معانيا سامية تكون مفخرة له وعاملا داعيا للاحترام والتوقير والتقدير والاقتداء في المجتمع .
مدعمة بالصدق والإخلاص والوفاء والنية الصافية والصادقة وكلها صفات بنائة في اختيار الصحبة والمحافظة عليها .
لأن العرب قبل الإسلام وبعده لهم في الصحبة علاقات واسعة وتعاملات كثيرة تحتم عليهم أن يحسنوا في الصحبة وباختيارها ويمكن للإنسان أن يحصل على هذا المعنى بذاته من خلال لقاءاته وتعامله اليومي وربما بالمصادفة , ويتم هذا من خلال عدة حالات منها الدراسة أو العمل أو السفر سواء كان بعيدا أو قريبا والمجالس والمجالسة والبحث والمباحثة والزيارات العامة والخاصة والبيع والشراء والمشاركة والحضور في الاحتفالات والمهرجانات والسفرات المشتركة والجماعية وفي الطريق بسبب سؤال معين أو استفسار عن معلومة معينة لمكان أو شخص ما , كل هذه الأمور وغيرها تكون عاملا من عوامل تكوين الصحبة والمصاحبة .
ولما جاء الإسلام هذبها وسلحها بالقيم النبيلة وبين لنا أن لمفهوم الأصحاب معنى آخر وهذا ما يتضح بقوله تعالى : ( لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة هم الفائزون ) .
وهذه الآية الكريمة في ظاهرها تحمل معنى آخر اكثر أهمية وهو أن الناس الذين تقودهم أفعالهم وأعمالهم في الدنيا والآخرة إلى النار هم أصحاب النار وأما الذين تقودهم أعمالهم وأفعالهم في الدنيا والآخرة إلى الجنة هم أصحاب الجنة .
ثم نلاحظ تقديم معنى أصحاب النار على معنى أصحاب الجنة في هذه الآية الكريمة لأن المقصود في عدم المساواة أو التساوي هم أصحاب النار المقصودون بهذا المعنى في عدم التساوي بينهم وبين أصحاب الجنة الذين لهم في الآخرة مقاما محمودا وروضواناً من الله تعالى ثوابا لهم على طاعتهم لله بعملهم الصالح في الحياة الدنيا من أفعال وأعمال في هذه الدار المؤقتة نحملها معنا إلى الآخرة الدار الأبدية حيث الخلود الدائم أو بئس المصير , وهذا أيضا يوضحه لنا الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) بقوله :
أيها الناس إنما الدنيا دار مجاز والآخرة دار قرار فخذوا من ممركم لمقركم ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم إن المرء إذا هلك قالت الناس ما ترك وقالت الملائكة ما قدم . وبهذا المعنى خير موعظة لنا .
وإن معنى الصحبة والقدوة المثالية والتي ينطبق عليهم معنى هذه الآية الكريمة التي مر ذكرها و الذين جسدوا أسمى صورة وأروع معانيها تضحية وعطاء وشموخا وكانوا فيها شموسا في سماء الخلود والمثل الصالح للأصحاب هم أصحاب الإمام الحسين ( عليه السلام ) الذين نذروا أنفسهم للذود عن الدين وعن حمى آل البيت (عليهم الصلاة السلام )والمتمثل بسبط رسول الله وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين ( عليه السلام ) . فقد خيرهم الحسين ( عليه السلام ) ليلة العاشر من المحرم وقال لهم :
أصحابي أهل بيتي إن القوم لا يطلبون غيري فمن أراد منكم النجاة فليتخذ من هذا الليل سبيلا ويعود إلى أهله وذويه ولا يعرض نفسه للهلاك والموت الذي لابد منه . فما كان من أصحابه وأهل بيته إلا موقف واحد هو البقاء معه والاستشهاد بين يديه مفاخرين بذلك الفوز العظيم .
فقال الأصحاب : يا ابن رسول الله نحن قد طلقنا حلائلنا وتركنا أبنائنا وأموالنا وزهو الدنيا وجئنا معك إلى كربلاء لكي نرزق الشهادة بين يديك لنبيض وجوهنا عند الله سبحانه وتعالى وعند جدك رسول الله ( صلى الله عليه وآل وسلم ) وعند أبيك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وعند أمك فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ( عليها السلام ) فلا تحرمنا من هذه الشهادة , عندها قال الإمام الحسين ( عليه السلام ) بحقهم :
( أما بعد فإني لا اعلم أصحابا أوفى ولا خير من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعا ) .
ثم أخذوا يتسابقون إلى المنية قرابين فداء بين يدي الحسين ( عليه السلام ) فنالوا الفوز العظيم والرضوان الأكبر بوفاء الصحبة . نعم كانت ضراغمة آل عبد المطلب والصفوة من الأصحاب عندئذٍ في أبهج حالة وأثبت جأش فرحين بما يلاقونه من نعيم وحبور وكلما اشتد المأزق الحرج أعقب فيهم انشراحا بين ابتسامة ومداعبة إلى فرح ونشاط.
ومذ أخذت في نينوى منهم النوى
ولاح بها للغدر بعض العلائم
غدا ضاحكا هذا وذا متبسما
سروا وما يغر المنون بباسم
هازل برير عبد الرحمن الأنصاري فقال له عبد الرحمن : ما هذه ساعة باطل ؟ فقال برير لقد علم قومي ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا ولكني مستبشر بما نحن لاقون , والله ما بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم ولوددت أنهم مالوا علينا الساعة . وخرج حبيب بن مظاهر يضحك فقال له يزيد بن الحصين الهمداني ما هذه ساعة ضحك ! قال حبيب : وأي موضع أحق بالسرور من هذا ؟ ماهو أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم فنعانق الحور .
تجري الطلاقة في بهاء وجوههم
إن قطبت فرقا وجوه كماتها
وتطلعت بدجى القتام أهلة
لكن ظهور الخيل من هالاتها
فتدافعت مشي النزيف إلى الردى
حتى كأن الموت من نشواتها
وتعانقت هي والسيوف وبعد ذا
ملكت عناق الحور في جناتها
فكأنهم نشطوا من عقال بين مباشرة للعبادة وتأهب للقتال لهم دوي كدوي النحل , بين قائم وقاعد وراكع وساجد قال الضحاك بن عبد الله المشرقي مرت علينا خيل ابن سعد فسمع رجل منهم الحسين ( عليه السلام ) يقرأ( ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيرا لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ) .
وبكت النسوة معها ولطمن الخدود وصاحت أم كلثوم وامحمداه واعلياه واماه واحسناه واضيعتاه بعدك ؟! .
فقال الحسين : يا أختاه يا أم كلثوم يا فاطمة يا رباب انظرن إذا قتلت فلا تشققن علي جيبا ولا تخمشن وجها ولا تقلن هجرا ثم إن الحسين ( عليه السلام ) أوصى أخته زينب ( عليها السلام ) بأخذ الأحكام من علي بن الحسين ( عليه السلام ) وإلقائها إلى الشيعة سترا عليه وبذلك يحدث أحمد بن إبراهيم قال : دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي الرضا ( عليه السلام ) أخت أبي الحسن العسكري ( عليه السلام ) سنة 282 بالمدينة وكلمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها فسمت من تأتم بهم وقالت فلان بن الحسن قلت معاينة أو خبرا قالت : خبرعن أبي محمد كتب به إلى أمه قلت أقتدي بمن وصيته إلى امرأة ؟ قالت : اقتداء بالحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فإنه أوصى إلى أخته زينب ( عليها السلام ) في الظاهر فكان ما يخرج من علي بن الحسين ( عليه السلام ) من علم ينسب إلى زينب ( عليها السلام ) سترا على علي بن الحسين ( عليه السلام ) ثم قالت إنكم قوم أخبار , أما رويتم أن التاسع من ولد الحسين ( عليه السلام ) يقسم ميراثه في الحياة ( إكمال الدين للصدوق ) ص 275 باب 49 طبع حجر أول .
ثم أنه ( عليه السلام ) أمر أصحابه أن يقاربوا البيوت بعضها من بعض ليستقبلوا القوم من وجه واحد وأمر بحفر خندق من وراء البيوت يوضع فيه الحطب ويلقي عليه النار إذا قاتلهم العدو كيلا تقتحمه الخيل فيكون القتال من وجه واحد . وخرج ( عليه السلام ) في جوف الليل إلى خارج الخيام يتفقد التلاع والعقبات فتبعه نافع بن هلال الجملي فسأله الحسين ( عليه السلام ) عما أخرجه قال : يا ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآل وسلم ) أفزعني خروجك إلى جهة معسكر هذا الطاغي فقال الحسين ( عليه السلام ) : أني خرجت أتفقد التلاع والروابي مخافة أن تكون مكمنا لهجوم الخيل يوم تحملون ويحملون ثم رجع ( عليه السلام ) وهو قابض على يد نافع ويقول : هي هي والله وعد لا خلف فيه .
ثم قال له ألا تسلك بين هذين الجبلين في جوف الليل وتنجو بنفسك ؟. فوقع نافع على قدميه يقبلهما ويقول : ثكلتني أمي , إن سيفي بألف وفرسي مثله فوالله الذي منَّ بك علي لا فارقتك حتى يكلأ عن فري وجرى .
ثم دخل الحسين ( عليه السلام ) خيمة زينب ( عليها السلام ) ووقف نافع بإزاء الخيمة ينتظره فسمع زينب ( عليه السلام ) تقول له : هل استعملت من أصحابك نياتهم فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة .
فقال لها : والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل إلى محالب أمه .
قال نافع : فلما سمعت هذا منه بكيت وأتيت حبيب بن مظاهر وحكيت ما سمعت منه(عليه السلام) ومن أخته زينب ( عليها السلام ) .
قال حبيب : والله لولا انتظار أمره لعاجلتهم بسيفي هذه الليلة قلت : إني خلفته عند أخته وأظن النساء أفقن وشاركنها في الحسرة فهل لك أن تجمع أصحابك وتواجهوهن بكلام يطيب قلوبهن فقام حبيب ونادى يا أصحاب الحمية وليوث الكريهة فتطالعوا من مضاربهم كالأسود الضارية فقال لبني هاشم ارجعوا إلى مقركم لا سهرت عيونكم .
ثم التفت إلى أصحابه وحكى لهم ما شاهده وسمعه نافع فقالوا بأجمعهم والله الذي من علينا بهذا الموقف لولا انتظار أمره لعاجلناهم بسيوفنا الساعة فطب نفسا وقر عينا فجزاهم الحسين ( عليه السلام ) خيرا .
وقال هلموا معي لنواجه النسوة ونطيب خاطرهن فجاء حبيب ومعه أصحابه وصاح : يا معشر حرائر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هذه صوارم فتيانكم آلوا ألا يغمدوها ألا في رقاب من يريد السوء فيكم وهذه أسنة غلمانكم أقسموا ألا يركزوها إلا في صدور من يفرق ناديكم .
فخرجن النساء إليهم ببكاء وعويل وقلن أيها الطيبون حاموا عن بنات رسول اله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحرائر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
فضج القوم بالبكاء حتى كأن الأرض تميد بهم . وفي السحرمن هذه الليلة خفق الحسين ( عليه السلام ) ثم استيقظ وأخبر أصحابه بأنه رأى في منامه كلابا شدت عليه تنهشه واشدها عليه كلب أبقع وإن الذي يتولى قتله من هؤلاء رجل أبرص .
وإنه رأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد ذلك ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول له : أنت شهيد هذه الأمة وقد استبشر بك أهل السموات وأهل الصفيح الأعلى وليكن إفطارك عندي الليلة عجل ولا تؤخر فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء.
وانصاع حامية الشريعة ظامئاً
ما بل غلته بعذب فراتها
اضحى وقد جعلته آل أمية
شبح السهام رمية لرماتها
حتى قضى عطشا بمعترك الوغى
والسمر تصدر منه في نهلاتها
وجرت خيول الشرك فوق ضلوعه
عدوا تجول عليه في حلباتها
ومخدرات من عقائل أحمد
هجمت عليها الخيل في أبياتها
من ثاكل حرى الفؤاد مروعة
أضحت تجاذبها العدى حبراتها
ويتيمة فزعت لجسم كفيلها
حسرى القناع تعج في أصواتها
أهوت على جسم الحسين وقلبها
المصدوع كاد يذوب من حسراتها
وقعت عليه تشم موضع نحره
وعيونها تنهل في عبراتها
ترتاع من ضرب السياط فتنثني
تدعو سرايا قومها وحماتها
أين الحفاظ وفي الطفوف دماؤكم
سفكت بسيف أمية وقناتها
أين الحفاظ وهذه اشلاؤكم
بقيت ثلاثا في هجير فلاتها
أين الحفاظ وهذه أبناؤكم
ذبحت عطاشى في ثرى عرصاتها
أين الحفاظ وهذه فتياتكم
حملت على الأقتاب بين عداتها
حملت برغم الدين وهي ثواكل
عبرى تردد بالشجى زفراتها
فمن المعزي بعد أحمد فاطما
في قتل ابناها وسبي بناتها