بسم الله الرحمن الرحيم
المسار التأريخي للدليل العقلي عند الامامية:
كانت مسألة حجية الدليل العقلي مما اتفق عليه جميع الامامية بلا خلاف ظاهر بينهم لذا لا تجدهم يفردون بابا او فصلا مستقلا لبحث حجية الدليل العقلي بل ان اكثر المحدثين تجدهم يصرحون بتوقف حجية السنة على العقل والا لزم الدور الصريح واول من صرح بحجية الدليل العقلي هو الشيخ المفيد المتوفي سنة 413 حيث قال: (اعلم ان اصول احكام الشريعة ثلاثة اشياء: كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه وأقوال الائمة الطاهرين من بعده، والطرق الموصلة الى علم الشرع في هذه الاصول ثلاثة: احدهما: العقل: وهو السبيل الى معرفة حجية القران ودلائل الاخبار، ثانيا اللسان...وثالثا الاخبار...)التذكرة باصول الفقه:28.
اما الشيخ الطوسي المتوفي سنة 460 فيقوا: (المعلومات على ضربين: ضرورية ومكتسبة، والمكتسب على ضربين: ضرب لا يصح ان يعلم الا بالعقل وضرب يصح ان يعلم بالعقل والسمع.) العدة ج2 ص759.
وابن ادريس الحلي المتوفي 598 يقول: (فاذا فقد الادلة الثلاثة – أي الكتاب والسنة والاجماع – فالمعتمد في المسأة عند المحققين التمسك بدليل العقل فانها مبقاة عليه وموكلة اليه.) السرائر 18.
اما المحقق الحلي المتوفي 676 فيقول: (ادلة الاحكام على قسمين: احدهما ما يتوقف فيه على الخطاب وفحوى الخطاب ودليل الخطاب.
ثانيهما: ما ينفرد العقل بالدلالة عليه .) المعتبر ج1 ص32.
اما العلامة الحلي المتوفي 762فيقول: (ان الحسن والقبح عقليان لا شرعيان .....الى ان يقول: من كلف الاعمى نقط المصحف والزمه الطيران حكم العقلاء كافة بقبح ذلك منه واوجبوا ذمه – لانه تكليف بما لا يطاق – ولا يتوقف العقلاء في ذلك على شرع ولهذا حكم به منكروا الاديان والشرائع) نهاية الوصول ج1 ص142.
وهكذا يستمر الاخذ بالدليل العقلي من دون خلاف في حجيته الى زمان المحدث الاسترابادي فانه رفض الاخذ به وصرح بانحصار الاخذ بروايات اهل البيت عليهم السلام بل انه غالى في ذلك حتى انه رفض الاخذ بظاهر القران الكريم وحصر الدليل بكلام المعصومين عليهم السلام يقول في (الفوائد المدنية) صفحة 254 إلى صفحة 260: ( الفصل الثاني في بيان انحصار مدرك ما ليس من ضروريات الدين، من المسائل الشرعية، أصلية كانت أو فرعية، في السماع عن الصادقين (عليهم السلام).)
فلاحظ كيف رفض جميع الادلة ما عدا الاخبار وانها ليست حجة فاذا كان العقل يرى إستحالة أن يكون الحق تعالى محدوداً بحد، فهذا الاستدلال ليس بحجة بل لابد أن ننظر إلى الدليل النقلي، فإذا قال الدليل النقلي الوارد عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أن الله ليس له حد، نلتزم، وإذا قال له حد فيجب ان نقول ان له حد وان لزم التجسيم على ذلك، وهذا هو الذي قاله بشكل صريح أحمد بن حنبل، وهو الذي أسس له ابن تيمية، حين قال لم يرد عندنا أن الله ليس بجسم، ،فأذا قلت العقل يثبت أن الجسم لا يمكن أن يكون الا حادثاً، ومركبا وله حركة وزمان ومكان يجيبك العقل ليس بحجة، وحتى لو لزمت هذه اللوازم فنحن نلتزم بها اذا جائت بالنقل.
نموذج اخر من الفكر الاخباري وهو المحدّث البحراني (قده) يقول في مقدمة كتابه الحدائق الجزء الأوّل من صفحة 125 في المقدمة العاشرة في بيان حجية الدليل العقلي وعدمه: (قد اشتهر بين أصحابنا الاعتماد على الأدلة العقلية في الأصول والفروع، وترجيحها على الأدلة النقلية إذا تعارض دليل عقلي، وظاهر نقلي، ولذا تراهم في الأصولَيْن (يعني أصول الدين واصول الفقه) متى تعارض الدليل العقلي والسمعي، قدموا الأوّل واعتمدوا عليه، وتأولوا الثاني بما يرجع إليه، وإلّا طرحوه بالكلية، إذا لم يمكن تأويل النقلي أسقطوه عن الاعتبار أو ارجعوا علمه إلى أهله، وفي كتبهم الاستدلالية في الفروع .....إلى آخره، هذه في صفحة 125، إلى أن يأتي في صفحة 126، ينقل عبارة عن السيد نعمة الله الجزائري، من كتاب الأنوار النعمانية، يقول: ولم أرَ من رد ذلك وطعن فيه، سوى المحدث المدقق السيد نعمة الله الجزائري، منها كتاب الأنوار النعمانية، وهو كتاب جليل، يشهد بسعة دائرته، حيث قال ونعم ما قال: إنّ أكثر أصحابنا قد تبعوا جماعة من المخالفين من أهل الرأي والقياس ومن أهل الطبيعة والفلاسفة وغيرهم من الذي اعتمدوا على العقول واستدلالاتها، وطرحوا ما جاءت به الأنبياء، حيث لم يأتِ على وفق عقولهم.)
الا انهم للانصاف لم يرفضوا الدليل العقلي برمته بل اجازوا الاخذ بالدليل العقلي الفطري البديهي يقول المحقق البحراني في الحدائق في صفحة 129: فإن قلت: فعلى ما ذُكر من عدم الاعتماد على الدليل العقلي، يلزم أن لا يكون العقل معتبراً بوجه من الوجوه، مع أنّه قد استفاضت الآيات القرآنية، والأخبار المعصومية بالاعتماد على العقل، والعمل على ما يرجحه، وأنّه حجة من حجج الله، (أن في ذلك لآيات قوم يعقلون)، (لآيات قوم يتفكرون)، (لآيات لاولي الألباب)، (لآيات لاولي النهى) (إنما يتذكر أولي الألباب) (لذكرى لاولي الألباب) (افلى يعقلون) (بأنهم قوم لا يعقلون)، (افلا يتدبرون القرآن) إلى غير وفي الحديث من الحجة على الخلق قال: فقال العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه، والكاذب على الله فيكذبه، وآخر عن الصادق حجة الله على العباد النبي والحجة فيما بين العبد وربه العقل …. إلى ان يقول: قلت: لا ريب أنّ العقل الصحيح الفطري حجة من حجج الله، إذا كان فطرياً بديهياً… .