بسم الله الرحمن الرحيم
دليل حجية الدليل العقلي:
واما فيما يخص دليل حجية الدليل العقلي فذكر علمائنا ان حجيته ذاتية لانه يورث القطع وكل ما يورث القطع فهو حجة اما انه يورث القطع لاشتراطهم فيه ان تكون مقدماته يقينية وكلية وهيئته بديهية كهيئة الشكل الاول او مردها الى البديهي كباقي الاشكال ومن كان هكذا حاله فلابد ان يورث اليقين .
يقول امام الاصوليين السيد ابو القاسم الخوئي (قده) في مصباح الاصول:
وأمّا الجهة الثانية: أعني حجّية القطع وكونه منجّزاً ومعذّراً، وربّما يعبّر عنها بوجوب متابعة القطع، فالأقوال فيها ثلاثة:
الأوّل: أنّ حجّية القطع ثابتة ببناء العقلاء إبقاءً للنوع وحفظاً للنظام، فتكون من القضايا المشهورة باصطلاح المنطقيين، وهذا البناء قد أمضاه الشارع لذلك فيجب اتباعه.
الثاني: أنّ حجّيته إنّما هي بالزام من العقل وبحكمه.
الثالث: أنّ حجّية القطع من لوازمه العقلية، واختاره صاحب الكفاية (قدس سره) (1) حيث قال: وتأثيره في ذلك لازم وصريح الوجدان به شاهد وحاكم.
أمّا القول الأوّل، ففيه أوّلاً: أنّ حجّية القطع ولزوم الحركة على طبقه كانت ثابتة في زمان لم يكن فيه إلاّ بشر واحد، فلم يكن فيه عقلاء ليتحقق البناء منهم، ولم يكن نوع ليكون العمل بالقطع لحفظه.
وثانياً: أنّ الأوامر الشرعية ليست بتمامها دخيلة في حفظ النظام، فان أحكام الحدود والقصاص وإن كانت كذلك، والواجبات المالية وإن أمكنت أن تكون كذلك، إلاّ أنّ جلاً من العبادات ـ كوجوب الصلاة التي هي عمود الدين ـ لا ربط لها بحفظ النظام أصلاً.
وأمّا القول الثاني، فيرد عليه: أنّ العقل شـأنه الادراك ليس إلاّ، وأمّا الالزام والبعث التشريعي فهو من وظائف المولى. نعم، الانسان يتحرّك نحو ما يراه نفعاً له، ويحذر ممّا يراه ضرراً عليه، وليس ذلك بالزام من العقل، بل المنشأ فيه حبّ النفس، ولا اختصاص له بالانسان، بل الحيوان أيضاً بفطرته يحبّ نفسه ويتحرّك إلى ما يراه نفعاً له، ويحذر ممّا أدرك ضرره. وبالجملة حبّ النفس وإن كان يحرّك الانسان إلى ما قطع بنفعه، إلاّ أ نّه تحريك تكويني لا بعث تشريعي. فظهر بما ذكرناه: أنّ الصحيح هو:
القول الثالث، وهو أنّ حجّية القطع من لوازمه العقلية [ و ] أنّ العقل يدرك حسن العمل به وقبح مخالفته، ويدرك صحّة عقاب المولى عبده المخالف لقطعه، وعدم صحّة عقاب العامل بقطعه ولو كان مخالفاً للواقع، وإدراك العقل ذلك لا يكون بجعل جاعل أو بناء من العقلاء، لتكون الحجّية من الاُمور المجعولة أو من القضايا المشهورة، بل من الاُمور الواقعية الأزلية، كما هو الحال في جميع الاستلزامات العقلية. وظهر الكلام ممّا ذكرناه في:
الجهة الثالثة، إذ بعد كون الحجّية من اللوازم العقلية للقطع امتنع المنع عن العمل به، مع أ نّه يلزم منه اجتماع الضدّين اعتقاداً مطلقاً ومطلقاً في صورة الاصابة، إذ مع القطع بوجوب شيء لو منع الشارع عن العمل بالقطع ورخّص في تركه، فلو كان القطع مطابقاً للواقع لزم اجتماع الوجوب والاباحة واقعاً واعتقاداً، ولو كان القطع مخالفاً للواقع لزم اجتماعهما اعتقاداً، والاعتقاد بالمحال لا يكون أقل من المحال في عدم إمكان الالتزام به.