بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
واللعنة الدائمة الابدية على اعدائهم اجمعين
الى قيام يوم الدين
في مثل هذا اليوم المبارك وهذه الليلة العظيمة التي هي بالفضل العظيم من بعد ليلة القدر انها ليلة{النصف من شعبان المعظم}وفي فجرها المبارك ولد المنقذ الاعظم ومصلح البشرية وهادي الناس وامام الامة وحجة الله على الخلق
امام الانس والجان وشريك القران وجامع الكلمة على التقوى ومبيد اهل العناد والفسوق
انه امامنا ومقتدانا وسيدنا ومولانا المهدي المنتظر وصاحب العصروالزمان {ارواحنا لتراب مقدمه الفداء}
إنّ تاريخ بني أميّة وبني العبّاس، ولا سيّما منذ عصر الإمام الصادق (عليه السلام) فما بعد، شاهد صدق على حساسية الخلفاء من الأئمة المعصومين، وذلك لأنّ هذه الشخصيات الكريمة كانت مورداهتمام المجتمع واحترامه، وكلّما مرّ الزمن ازداد نفوذهم وتعاظم حبّ الناس لهم، وبلغ الأمر بالخلفاء العباسيين ان رأوا سلطتهم في معرض الخطر، وبالخصوص عندما سمعوا ما اشتهر بين الناس من انّ المهدي الموعود من نسل النبي ومن أحفاد الأئمة المعصومين وهو ابن الإمام العسكري وسوف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ماملئت ظلماً وجوراً، ومن هنا فقد أُخضع الإمام العسكري لمراقبة شديدة، وجُعِل تحت النظر في مركز الحكم العباسي (سامراء )كأبيه وجدّه، وحاول العباسيون بكلّ ما أوتوا من قوّة الحيلولة دون ولادة هذا الطفل وتربيته، إلّا أنّ المشيئة الإلهيّة تعلقّت بحتميّة هذه الولادة ولذا بائت جميع محاولاتهم بالفشل الذريع وذهبت جهودهم إدراج الرياح، وقد جعل اللَّه تعالى ولادته - مثل موسى (عليه السلام) - أمراً مخفيّاً، ومع ذلك فان الصفوة المختارة من أصحاب الإمام العسكري (عليه السلام) قد شاهدوا الإمام الموعود مرّات عديدة في زمان حياة والده الكريم، وعندما استشهد الإمام العسكري (عليه السلام) فقد ظهرأيضاً إمام العصر (عليه السلام) وصلّى على جثمان والده ورآه الناس في هذه الحالة ثم غاب عنهم.
ومنذ ولادة الإمام القائم (عليه السلام) وحتى شهادة والده الإمام العسكري (عليه السلام) فقد وفّق كثير من الأصحاب المقرّبين للإمام الحادي عشر لرؤية الإمام المهدي (عليه السلام) أو للعلم بوجوده في دار الإمام (عليه السلام)،وأساساً فانّ طريقة الإمام العسكري (عليه السلام) قد جرت على الاحتفاظ بولده الكريم طيّ الكتمان، ولكنّه في نفس الوقت كان يستغل الفرص المناسبة ليطلع أصحابه المؤتمنين على وجوده الشريف حتى ينقلوا ذلك للشيعة، لئلا يبقوا في حيرة من بعده، ونشير هنا إلى بعض النّماذج في هذا الشأن.
يقول أحمد بن إسحاق القمي - وهو من كبار شخصيّات الشيعة والأصحاب الخاصّين للإمام العسكري (عليه السلام) -: (دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) وانا أريد ان أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدء اً: يا أحمد بن إسحاق ان اللَّه تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم (عليه السلام) ولا يخلّيها إلى ان تقوم الساعة من حجّة للَّه على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض.
قال: فقلت له: با ابن رسول اللَّه فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض (عليه السلام) مسرعاً فدخل البيت، ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء الثلاث سنين، فقال يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك على اللَّه عزّ وجلّ وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، انّه سميّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وكنيه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الأمّة مثل الخضر (عليه السلام) ومثله مثل ذي القرنين، واللَّه ليغيبّن غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلّامن ثبّته اللَّه عزّ وجلّ على القول بإمامته ووفّقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه.
فقال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي فهل من علامة يطمئن إليها قلبي؟ فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربي فصيح: (انا بقيّة اللَّه في أرضه، والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثراً بعد عين ياأحمدبن إسحاق) .
ومن جملة الأشخاص الذين علموا بولادة الإمام الموعود (عليه السلام) واطلعوا عليها: السيّدة الجليلة التقية حكيمة عمّة الإمام، ونسيم خادم الإمام العسكري (عليه السلام)، وأبو جعفر محمد بن عثمان العمري النائب الثاني من نوّاب الإمام المهدي (عليه السلام) وغيرهم من العلماء والمحدثين في زمن الإمام العسكري (عليه السلام) ، والعجب ان الإمام العسكري (عليه السلام) في الوقت الذي كان يخبر الخواص من أصحابه بولادة المهدي، لم يخبر أخاه جعفراً بذلك، ولم يعرف جعفر أن لأخيه ولداً، ولعله كان يعلم ذلك ولكنه كان يتجاهله لأسباب وأهداف.
قبل وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) بخمسة عشر يوماً، كتب الإمام رسائل عديدة لشيعته من أهالي المدائن وسلّم الرسائل إلى خادمه أبي الأديان، وقال له: (امضي بها (أي بالرسائل) إلى المدائن، فإنك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى (سرّ من رأى ) يوم الخامس عشر (أي من سفره) وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل.
قال: أبو الأديان: فقلت يا سيدي فإذا كان ذلك فمن الإمام بعدك؟
قال: مَنْ طالبك بجوابات كتبي فهو القائم بعدي، ومن يُصلّى عليَّ فهو القائم بعدي فقلت زدني؟ فقال (عليه السلام): مَن أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي.
ثم منعتني هيبة الإمام أن أسأله عما في الهميان، وخرجت بالكتب (الرسائل) إلى المدائن، وأخذت جواباتها، ودخلت (سرّمَن أى ) يوم الخامس عشر - كما ذكر لي (عليه السلام) - فإذا أنا بالواعية (الصراخ) في داره وإذا به على المغتسل، وإذا بجعفر بن علي أخ الإمام العسكري بباب الدار، والشيعة من حوله يُعزّونه بوفاة الإمام (عليه السلام) ويهنئونه بالخلافة والإمامة، فقلت - في نفسي - إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة. فتقدمت فعزّيت وهنأت، فلم يسألني عن شي ء، ثم خرج عقيد (خادم الإمام العسكري) فقال: يا سيدي قد كُفِّن أخوك، فقم وصلّ عليه، فتقدّم جعفر بن علي ليُصلّي على أخيه، فلّما همّ بالتكبير خرج صبّي بوجهه سُمُرة، بشعره قطط بأسنانه تفليج فجذب رداء جعفر بن علي وقال (تأخّر يا عم، فأناأحقّ بالصلاة على أبي) فتأخر جعفر، وقد إربدّ وجهه واصفرّ،فتقدم الصبيُّ وصلّى عليه، ودفن إلى جانب قبر أبيه الهادي (عليهما السلام) ثم قال الصبي: يا بصري هات جوابات الكتب التي معك، فدفعتها إليه،وقلت هذه بيّنتان بقي الهميان.
بينما نحن جلوس، إذ قدم نفر (جماعة) من قم، فسألوا عن الحسن بن علي (عليه السلام) فعرفوا موته: قالوا: فمَن الإمام بعده؟ فأشارالناس إلى جعفر ، فسلّموا عليه، وعزّوه، وهنئوه، وقالوا: إنّ معناكتباً ومالاً، فتقول ممّن الكتب؟ وكم المال؟ فقام جعفر ينفض أثوابه ويقول: تُريدون منّا أن نعلم الغيب؟!
فخرج الخادم (أي: خادم الإمام المهدي (عليه السلام)) فقال: معكم كتب فلان وفلان، وهميان فيه ألف دينار، عشرة دنانير منها مطليّة (بالذهب). فدفعوا إليه الكتب والمال، وقالوا: الذي وجّه بك لأخذذلك هو الإمام..... إلى آخر الحديث)
وترى جعفراً يصرُّ على باطله ولا يتنازل عنه، وقد حمل إلى الخليفة المعتمد العباسي عشرين ألف دينار، لما توفي الحسن العسكري وقال له: يا أمير المؤمنين.... تجعل لي مرتبة أخي الحسن ومنزلته!!
فقال الخليفة: إعلم أن منزلة أخيك لم تكن بنا، إنّما كانت باللَّه عزّ وجلّ، ونحن كنّا نجتهد في حطّ منزلته والوضع منه، وكان اللَّه عزّوجلّ يأبى إلّا أن يزيده رفعة، لما كان فيه من الصيانة والعلم والعبادة.
فإن كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا، وإن لم تكن عندهم بمنزلته ولم يكن فيك ما كان في أخيك،لم نُغنِ عنك شيئاً.
نعم تولّى الإمام المهدي (عليه السلام) بعد وفاة أبيه (عليه السلام) إمامة المسلمين في صغر سنه وكان عمره آنذاك خمس سنين وهذه الإمامة المبكرة كانت ظاهرة واقعية في حياة أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فالإمام الجواد (عليه السلام) والإمام الهادي تولّيا الإمامة في الثامنة أو التاسعة من عمرهما وحينئذٍ لم يعد هناك اعتراض فيما يخص الإمامة المبكرة للإمام المهدي (عليه السلام) ويكفى دليلاً ومثالاً لظاهرة الإمامة المبكرة قوله تعالى: (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّة وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً) وقوله تعالى: (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِصَبِيّاً × قالَ إِنِّي عَبْدُاللَّهِ آتانِى الْكِتابَ وَجَعَلَنِى نَبِيّاً) فإنّ اللَّه الذي أعطى يحيى الحكم وهو صبيّ وأعطى النبوة لعيسى وهو في المهد صبياً قادر على اعطاء الإمامة لعدد من أولياءه ومنهم الإمام المهدي (عليه السلام) وهو في سن الصبا، وقد تحقق ذلك فعلاً ولا حاجة لمزيد من الأدلّة لإثبات ذلك بعد ما ذكرنا من الكتاب الكريم من المصاديق المشابهة.
نسأل الله تعالى ان يرينا الطلعة البهية لمولانا صاحب الزمان وان يعجل في فرجه وظهوره
ونحن اليوم في زماننا بأمس الحاجة اليه
اللهم انا نشكو اليك فقد نبينا وغيبة ولينا وكثرة عدونا وشدة الفتن بنا وتظاهر الزمان علينا
اللهم عجل في فرجه وظهوره واجعلنا ممن يتشرف بخدمته وطاعته
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وال الطاهرين.
المصادر:اصول الكافيوصلى الله على محمد واله الطاهرين
واللعنة الدائمة الابدية على اعدائهم اجمعين
الى قيام يوم الدين
في مثل هذا اليوم المبارك وهذه الليلة العظيمة التي هي بالفضل العظيم من بعد ليلة القدر انها ليلة{النصف من شعبان المعظم}وفي فجرها المبارك ولد المنقذ الاعظم ومصلح البشرية وهادي الناس وامام الامة وحجة الله على الخلق
امام الانس والجان وشريك القران وجامع الكلمة على التقوى ومبيد اهل العناد والفسوق
انه امامنا ومقتدانا وسيدنا ومولانا المهدي المنتظر وصاحب العصروالزمان {ارواحنا لتراب مقدمه الفداء}
إنّ تاريخ بني أميّة وبني العبّاس، ولا سيّما منذ عصر الإمام الصادق (عليه السلام) فما بعد، شاهد صدق على حساسية الخلفاء من الأئمة المعصومين، وذلك لأنّ هذه الشخصيات الكريمة كانت مورداهتمام المجتمع واحترامه، وكلّما مرّ الزمن ازداد نفوذهم وتعاظم حبّ الناس لهم، وبلغ الأمر بالخلفاء العباسيين ان رأوا سلطتهم في معرض الخطر، وبالخصوص عندما سمعوا ما اشتهر بين الناس من انّ المهدي الموعود من نسل النبي ومن أحفاد الأئمة المعصومين وهو ابن الإمام العسكري وسوف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ماملئت ظلماً وجوراً، ومن هنا فقد أُخضع الإمام العسكري لمراقبة شديدة، وجُعِل تحت النظر في مركز الحكم العباسي (سامراء )كأبيه وجدّه، وحاول العباسيون بكلّ ما أوتوا من قوّة الحيلولة دون ولادة هذا الطفل وتربيته، إلّا أنّ المشيئة الإلهيّة تعلقّت بحتميّة هذه الولادة ولذا بائت جميع محاولاتهم بالفشل الذريع وذهبت جهودهم إدراج الرياح، وقد جعل اللَّه تعالى ولادته - مثل موسى (عليه السلام) - أمراً مخفيّاً، ومع ذلك فان الصفوة المختارة من أصحاب الإمام العسكري (عليه السلام) قد شاهدوا الإمام الموعود مرّات عديدة في زمان حياة والده الكريم، وعندما استشهد الإمام العسكري (عليه السلام) فقد ظهرأيضاً إمام العصر (عليه السلام) وصلّى على جثمان والده ورآه الناس في هذه الحالة ثم غاب عنهم.
ومنذ ولادة الإمام القائم (عليه السلام) وحتى شهادة والده الإمام العسكري (عليه السلام) فقد وفّق كثير من الأصحاب المقرّبين للإمام الحادي عشر لرؤية الإمام المهدي (عليه السلام) أو للعلم بوجوده في دار الإمام (عليه السلام)،وأساساً فانّ طريقة الإمام العسكري (عليه السلام) قد جرت على الاحتفاظ بولده الكريم طيّ الكتمان، ولكنّه في نفس الوقت كان يستغل الفرص المناسبة ليطلع أصحابه المؤتمنين على وجوده الشريف حتى ينقلوا ذلك للشيعة، لئلا يبقوا في حيرة من بعده، ونشير هنا إلى بعض النّماذج في هذا الشأن.
يقول أحمد بن إسحاق القمي - وهو من كبار شخصيّات الشيعة والأصحاب الخاصّين للإمام العسكري (عليه السلام) -: (دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) وانا أريد ان أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدء اً: يا أحمد بن إسحاق ان اللَّه تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم (عليه السلام) ولا يخلّيها إلى ان تقوم الساعة من حجّة للَّه على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض.
قال: فقلت له: با ابن رسول اللَّه فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض (عليه السلام) مسرعاً فدخل البيت، ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء الثلاث سنين، فقال يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك على اللَّه عزّ وجلّ وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، انّه سميّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وكنيه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الأمّة مثل الخضر (عليه السلام) ومثله مثل ذي القرنين، واللَّه ليغيبّن غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلّامن ثبّته اللَّه عزّ وجلّ على القول بإمامته ووفّقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه.
فقال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي فهل من علامة يطمئن إليها قلبي؟ فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربي فصيح: (انا بقيّة اللَّه في أرضه، والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثراً بعد عين ياأحمدبن إسحاق) .
ومن جملة الأشخاص الذين علموا بولادة الإمام الموعود (عليه السلام) واطلعوا عليها: السيّدة الجليلة التقية حكيمة عمّة الإمام، ونسيم خادم الإمام العسكري (عليه السلام)، وأبو جعفر محمد بن عثمان العمري النائب الثاني من نوّاب الإمام المهدي (عليه السلام) وغيرهم من العلماء والمحدثين في زمن الإمام العسكري (عليه السلام) ، والعجب ان الإمام العسكري (عليه السلام) في الوقت الذي كان يخبر الخواص من أصحابه بولادة المهدي، لم يخبر أخاه جعفراً بذلك، ولم يعرف جعفر أن لأخيه ولداً، ولعله كان يعلم ذلك ولكنه كان يتجاهله لأسباب وأهداف.
قبل وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) بخمسة عشر يوماً، كتب الإمام رسائل عديدة لشيعته من أهالي المدائن وسلّم الرسائل إلى خادمه أبي الأديان، وقال له: (امضي بها (أي بالرسائل) إلى المدائن، فإنك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى (سرّ من رأى ) يوم الخامس عشر (أي من سفره) وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل.
قال: أبو الأديان: فقلت يا سيدي فإذا كان ذلك فمن الإمام بعدك؟
قال: مَنْ طالبك بجوابات كتبي فهو القائم بعدي، ومن يُصلّى عليَّ فهو القائم بعدي فقلت زدني؟ فقال (عليه السلام): مَن أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي.
ثم منعتني هيبة الإمام أن أسأله عما في الهميان، وخرجت بالكتب (الرسائل) إلى المدائن، وأخذت جواباتها، ودخلت (سرّمَن أى ) يوم الخامس عشر - كما ذكر لي (عليه السلام) - فإذا أنا بالواعية (الصراخ) في داره وإذا به على المغتسل، وإذا بجعفر بن علي أخ الإمام العسكري بباب الدار، والشيعة من حوله يُعزّونه بوفاة الإمام (عليه السلام) ويهنئونه بالخلافة والإمامة، فقلت - في نفسي - إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة. فتقدمت فعزّيت وهنأت، فلم يسألني عن شي ء، ثم خرج عقيد (خادم الإمام العسكري) فقال: يا سيدي قد كُفِّن أخوك، فقم وصلّ عليه، فتقدّم جعفر بن علي ليُصلّي على أخيه، فلّما همّ بالتكبير خرج صبّي بوجهه سُمُرة، بشعره قطط بأسنانه تفليج فجذب رداء جعفر بن علي وقال (تأخّر يا عم، فأناأحقّ بالصلاة على أبي) فتأخر جعفر، وقد إربدّ وجهه واصفرّ،فتقدم الصبيُّ وصلّى عليه، ودفن إلى جانب قبر أبيه الهادي (عليهما السلام) ثم قال الصبي: يا بصري هات جوابات الكتب التي معك، فدفعتها إليه،وقلت هذه بيّنتان بقي الهميان.
بينما نحن جلوس، إذ قدم نفر (جماعة) من قم، فسألوا عن الحسن بن علي (عليه السلام) فعرفوا موته: قالوا: فمَن الإمام بعده؟ فأشارالناس إلى جعفر ، فسلّموا عليه، وعزّوه، وهنئوه، وقالوا: إنّ معناكتباً ومالاً، فتقول ممّن الكتب؟ وكم المال؟ فقام جعفر ينفض أثوابه ويقول: تُريدون منّا أن نعلم الغيب؟!
فخرج الخادم (أي: خادم الإمام المهدي (عليه السلام)) فقال: معكم كتب فلان وفلان، وهميان فيه ألف دينار، عشرة دنانير منها مطليّة (بالذهب). فدفعوا إليه الكتب والمال، وقالوا: الذي وجّه بك لأخذذلك هو الإمام..... إلى آخر الحديث)
وترى جعفراً يصرُّ على باطله ولا يتنازل عنه، وقد حمل إلى الخليفة المعتمد العباسي عشرين ألف دينار، لما توفي الحسن العسكري وقال له: يا أمير المؤمنين.... تجعل لي مرتبة أخي الحسن ومنزلته!!
فقال الخليفة: إعلم أن منزلة أخيك لم تكن بنا، إنّما كانت باللَّه عزّ وجلّ، ونحن كنّا نجتهد في حطّ منزلته والوضع منه، وكان اللَّه عزّوجلّ يأبى إلّا أن يزيده رفعة، لما كان فيه من الصيانة والعلم والعبادة.
فإن كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا، وإن لم تكن عندهم بمنزلته ولم يكن فيك ما كان في أخيك،لم نُغنِ عنك شيئاً.
نعم تولّى الإمام المهدي (عليه السلام) بعد وفاة أبيه (عليه السلام) إمامة المسلمين في صغر سنه وكان عمره آنذاك خمس سنين وهذه الإمامة المبكرة كانت ظاهرة واقعية في حياة أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فالإمام الجواد (عليه السلام) والإمام الهادي تولّيا الإمامة في الثامنة أو التاسعة من عمرهما وحينئذٍ لم يعد هناك اعتراض فيما يخص الإمامة المبكرة للإمام المهدي (عليه السلام) ويكفى دليلاً ومثالاً لظاهرة الإمامة المبكرة قوله تعالى: (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّة وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً) وقوله تعالى: (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِصَبِيّاً × قالَ إِنِّي عَبْدُاللَّهِ آتانِى الْكِتابَ وَجَعَلَنِى نَبِيّاً) فإنّ اللَّه الذي أعطى يحيى الحكم وهو صبيّ وأعطى النبوة لعيسى وهو في المهد صبياً قادر على اعطاء الإمامة لعدد من أولياءه ومنهم الإمام المهدي (عليه السلام) وهو في سن الصبا، وقد تحقق ذلك فعلاً ولا حاجة لمزيد من الأدلّة لإثبات ذلك بعد ما ذكرنا من الكتاب الكريم من المصاديق المشابهة.
نسأل الله تعالى ان يرينا الطلعة البهية لمولانا صاحب الزمان وان يعجل في فرجه وظهوره
ونحن اليوم في زماننا بأمس الحاجة اليه
اللهم انا نشكو اليك فقد نبينا وغيبة ولينا وكثرة عدونا وشدة الفتن بنا وتظاهر الزمان علينا
اللهم عجل في فرجه وظهوره واجعلنا ممن يتشرف بخدمته وطاعته
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وال الطاهرين.
كمال الدين/الصدوق
بحار الانوار/المجلسي
|