بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين واللعن الدائم على أعدائهم أعداء الدين
وفق الأدلة العقلية والنقلية تعتقد الشيعة الامامية الأثني عشرية بضرورة الامامة الإلهية والتي هي سفارة إلهية وامتداد طبيعي للنبوة والرسالة الخاتمة ، فهي السبيل الذي يتكفل بحفظ الشريعة وتجسيد مفاهيمها في كل عصر وزمان وتطبيق جزئياتها ، ويحتاج من ينهض بمسؤولياتها إلى أن يكون عالما فعلا بجميع الأحكام والمعارف الإلهية ، لذا فهو بأمس الحاجة إلى علم وتسديد الهي ، علم يفوق العلم العادي ، ويكون مصدره الله سبحانه وتعالى ومما يؤيد هذا المعنى قوله تعالى في سورة البقرة ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) )
حيث بيّن الله تعالى كيف زود طالوت بالعلم ليتمكن من القيام بمسؤولياته وقال القرطبي في الجامع لأحكام القران : ( إن الله اصطفاه أي اختاره وهو الحجة القاطعة وبين لهم مع ذلك تعليل اصطفاء طالوت وهو بسطته في العلم الذي هو ملاك الإنسان والجسم الذي هو معينه في الحرب وعدته عند اللقاء فتضمنت بيان صفة الإمام وأحوال الإمامة وأنها مستحقة بالعلم والدين ).
وقال الثعالبي في تفسيره (والجمهورُ على أنَّ العلْم في هذه الآية يرادُ به العمومُ في المعارف )
ثم إن العلم الإلهي الذي من الله سبحانه وتعالى لم يكن بلون واحد وطريقة معينة وإنما كان يتخذ أشكالا متعددة اقتضتها الحكمة الإلهية و يمكن إدراجها في نوعين اثنين :
النوع الأول : ما يطلق عليه الإلهام والنكت في القلوب
النوع الثاني : النقر في الأسماع وتحديث الملك
ومن الأدلة والشواهد على النوع الأول قوله تعالى في سورة لقمان (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) ) ولقمان عليه السلام لم يكن نبيا ومع هذا قد ألهمه الله تعالى العلم والحكمة
وقال مجاهد في تفسيره ( يَعْنِي الْفِقْهَ وَالْعَقْلَ وَالْعِلْمَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ )
و قال القرطبي في الجامع لأحكام القران (وَالْوَحْيُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَعْنَاهُ الْإِلْهَامُ ) فيدخل في هذا العلم ما حدث لأم موسى حيث قذف الله في قلبها وأوحى إليها ما يجب عليها عمله فالمؤمن إذا كان صالحا تقيا فان الله سبحانه سيلهمه المعرفة والصواب
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا فَبِي يَسْمَعُ وَبِي يُبْصِرُ وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَمْشِي} ... إلى أن يقول ( فَإِذَا كَانَتْ الْفِطْرَةُ مُسْتَقِيمَةً عَلَى الْحَقِيقَةِ مُنَوَّرَةً بِنُورِ الْقُرْآنِ. تَجَلَّتْ لَهَا الْأَشْيَاءُ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْمَزَايَا وَانْتَفَتْ عَنْهَا ظُلُمَاتُ الْجَهَالَاتِ فَرَأَتْ الْأُمُورَ عِيَانًا مَعَ غَيْبِهَا عَنْ غَيْرِهَا )
أما النوع الثاني من العلم وهو المعبر عنه بالنقر في الأسماع وتحديث الملك والشاهد على هذا القول ما حصل لمريم عليها السلام قال تعالى (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) )
قال أبن كثير في تفسيره (هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا خَاطَبَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ مَرْيَمَ، عَلَيْهَا السَّلَامُ، عَنْ أَمْرِ اللَّهِ لَهُمْ بِذَلِكَ )
وقال البيضاوي في تفسيره (كلموها شفاهاً كرامة لها )
وقال البخاري في صحيحه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ( قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ ، فَإِنْ يَكُنْ مِنْ أُمَّتِى مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ ) .
وغير هذا من الشواهد فلا غرابة ولا عجب من تكليم الملك لأئمة أهل البيت عليهم السلام