3-تضارب الآراء في شخصية أبن سبأ
أظهر المحققون الذين اعترضوا على الصنف الأول إشكالات وتناقضات في شخصية أبن سبأ وما قام به ومن هذه الإشكالات :
1- التعارض في منشئه وبيئته
لقد وقع التهافت والاختلاف في منشئه وبيئته فهناك من قال أنه من حمير التي تقع غرب اليمن ومن قال أنه من همدان التي تقع شرق اليمن ، نقل الطبري في تأريخه ( كان عبد الله بن سبإ يهوديا من أهل صنعاء أمه سوداء فأسلم زمان عثمان ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم )
وقال أبن حزم في كتابه الفصل في الملل والأهواء ( وَالْقسم الثَّانِي من فرق الغالية الَّذين يَقُولُونَ بالإلهية لغير الله عز وَجل فأولهم قوم من أَصْحَاب عبد الله بن سبا الْحِمْيَرِي )
وأما عبد القاهر البغدادي قال في الفرق بين الفرق ( وكان ابن السوداء فى الاصل يهوديا من اهل الحيرة فاظهر الاسلام )
وقال البلاذري في أنساب الأشراف ( وأما حجر بْن عدي الكندي وعمرو بْن الحمق الخزاعي وحبة بْن جوين البجلي ثُمَّ العرني وعبد اللَّه بْن وهب الْهَمْدَانِيّ- وَهُوَ ابْن سبأ- )
2- الاختلاف في شخصيته
ذهب بعض العلماء إلى أن أبن سبأ هو أبن السوداء كما نقله الطبري في تاريخه ( أمه سوداء ) وذهب البعض الآخر إلى أنهما شخصيتان ( أبن السوداء وأبن سبأ ) قال الإسفراييني (وَوَافَقَ ابْن السَّوْدَاء عبد الله بن سبأ بعد وَفَاة عَليّ فِي مقَالَته هَذِه وَكَانَا يدعوان الْخلق إِلَى ضلالتهما )
3- التعارض في زمن ظهور نشاطه الفكري
واختلفوا أيضا في زمن ظهور نشاطه الفكري وتحركاته منهم من قال في زمن عثمان ومنهم من قال في زمن خلافة أمير المؤمنين عليه السلام ،قال الطبري في تأريخه ( فأسلم زمان عثمان ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشأم فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشأم فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمر فيهم فقال لهم فيما يقول لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمدا يرجع وقد قال الله عز وجل (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) فمحمد أحق بالرجوع من عيسى قال فقبل ذلك عنه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها ثم قال لهم بعد ذلك إنه كان ألف نبي ولكل نبي وصى وكان علي وصي محمد ثم قال محمد خاتم الانبياء وعلي خاتم الاوصياء )
أما البغدادي في الفرق بين الفرق قال : ( واما الروافض فان السبئية منهم اظهروا بدعتهم في زمان على رضي الله عنه فقال بعضهم لعلى انت الاله فاحرق علي قوما منهم ونفى ابن سبأ الى ساباط المدائن )
4- تضارب الأقوال في معتقدات أبن سبأ
تضاربت المصادر في معتقدات أبن سبأ فبعضها ذكر أنه كان يؤمن أن عليا نبي كما في التبصير في الدين للإسفراييني ( أنه كان من غلاة الروافض وكان يقول في أول أمره أن عليا كان نبيا )
ثم يؤمن بأنه أله كما في الفرق بين الفرق للبغدادي ( ثمَّ غلا فِيهِ حَتَّى زعم انه إِلَه ودعا الى ذَلِك قوما )
وذكر البعض الآخر أنه يؤمن بأن عليا ليس إلها كاملا بل حل به جزء الإلوهية كما في الملل والنحل للشهرستاني ، وذكروا أيضا أنه كان يؤمن بأن عليا وصي النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
كما ورد التناقض في مسألة إيمانه بالرجعة ، فمرة يؤمن بان عليا هو من سوف يرجع وأنه لم يمت وهو في السحاب ومرة أخرى ينادي بأن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو من سيرجع لا عليا عليه السلام
5- تعارض الأقوال في زمان إسلامه
هذا وقد تعارضت وتقاطعت الأخبار في زمان إسلامه فمرة يذكرون أنه في سنة ( 30 ه ) ورد الشام وهو مسلم مؤمن بالله وأخرى يذكرون أنه في سنة ( 33 ه ) قدم البصرة وأعلن لواليها ابن عامر أنه رجل من أهل الكتاب يرغب في اعتناق الإسلام وجميع ذلك ذكر في تأريخ الطبري وفيه دلالة واضحة عن اختلاف تاريخ إسلامه .
وقد وردت تناقضات أخرى في دخوله مصر حيث يذكر الذهبي في تأريخ الإسلام إن أبن السوداء ساهم في التحريض على تنحية وعزل عمر بن العاص في حين يذكر حسن بن فرحان المالكي في نحو إنقاذ التأريخ أن عزل أبن العاص كان في سنة ( 25 ه أو 27 ه ) حيث يقول ( يروي سيف أن أتباع عبد الله بن سبأ قاموا بالوشاية في مصر بين عمرو بن العاص وأبن أبي سرح حتى عزل عثمان عمرو بن العاص سنة سبع وعشرين ، بينما يروي سيف نفسه أن أبن سبأ لم يدخل مصر إلا سنة خمسة وثلاثين )