بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد واله الطيبين الطاهرين
السيرة العقلائيّة
المقصود من السيرة العقلائيّة اجمالا هو تعارف العقلاء على سلوك معيّن في شأن من الشئون بحيث لا يشذّ عن هذا السلوك منهم أحد إلّا و كان معرضا للنقد و التوبيخ، و هذا لا يتّفق إلّا في عند ما يكون السلوك مستندا الى نكتة عقلائيّة و لو لم تكن متبلورة بل كانت مركوزة في جبلتهم.
و هناك نوع آخر للسيرة العقلائيّة ذكره السيّد الصدر رحمه اللّه و هو تعارف العقلاء على سلوك معيّن إلّا انّ الخروج عن مقتضاه لا يستوجب توبيخ العقلاء، و ذلك يعبّر عن عدم نشوء هذا السلوك عن نكتة عقلائيّة و لو لم تكن متبلورة، بمعنى انّه ناشئ اتفاقا و لأغراض شخصيّة إلّا انّها خلقت حالة عامة تستوجب استظهار أو حدس صدور ذلك السلوك عن كلّ أحد.
و يمكن التمثيل لهذا النوع من السيرة بتعارف العقلاء و الذين هم في موقع المولويّة على اعتبار قول اللغوي حجة على عبيدهم بمعنى اعتبار قول اللغوي هو المعبّر عن مراداتهم فيما يصدر عنهم من أوامر، و هذا النحو من السلوك انّما نشأ عن أغراض شخصيّة تتّصل بكلّ واحد من أفراد العقلاء اللذين هم في موقع المولويّة، إذ انّهم و لغرض التحفظ على أغراضهم يصيغون أوامرهم بألفاظ متناسبة مع قول اللغوي، و هذا هو الذي دعاهم للأمر باعتماد قول اللغوي في مقام التعرّف على مقاصدهم.
و من الواضح انّه لو شذّ أحد عن هذه الطريقة و اتخذ وسيلة اخرى للتحفظ على أغراضه مع عبيده لم يكن ذلك موجبا لتوبيخ العقلاء له و لومه على الخروج عن الطريقة المألوفة.
و في كلا القسمين لا بدّ لإثبات صلاحيّة السيرة العقلائيّة للدليليّة على الحكم الشرعي من امضاء الشارع لهذه السيرة، و لكي يثبت امضاء الشارع للسيرة لا بدّ من تنقيح أمرين:
الأمر الاول: هو معاصرة السيرة لزمن المعصوم عليه السّلام، إذ مع عدم احراز ذلك لا تكون ثمّة وسيلة لإثبات الإمضاء، و ذلك لأنّه غالبا ما يكون الإمضاء بواسطة السكوت و عدم الردع، و هذا ما يستبطن معايشة المعصوم للسيرة و عندها يمكن الاستدلال بالسكوت و عدم الردع على التقرير و الامضاء.
و هكذا لو كان الإمضاء بواسطة التصريح فإنّه لا يتعقل إلّا مع معاصرة المعصوم عليه السّلام للسيرة إلّا انّه عندئذ يكون التصريح بالإمضاء أحد أمارات معاصرة المعصوم عليه السّلام للسيرة، نعم لو لم يكن لبيان الامام عليه السّلام المناسب للإمضاء دلالة على وجود السيرة فإنّ معاصرة السيرة لا يثبت بذلك إلّا انّه يمكن إثبات مناسبة ما عليه السيرة الفعليّة لنظر الشارع بذلک، و الحجيّة حينئذ لكلام المعصوم عليه السّلام دون السيرة، و هو خروج عن الفرض.
و بهذا يتنقح اعتبار معاصرة المعصوم عليه السّلام للسيرة التي يكون لها الدليليّة و الكاشفيّة عن الحكم الشرعي.
الأمر الثاني: أن يكون عدم الردع للسيرة المعاصرة للمعصوم عليه السّلام كاشفا عن الامضاء، و هذا لا يكون إلّا إذا كان عدم الردع موجبا لامتداد السيرة للشئون الشرعي.(1)
بيان اخر لمعنى السيرة العقلائية :
أنّ المعصوم إذا واجه سلوكاً معيّناً و سكت عنه فإنّه يدلّ على إمضائه له، و يكون الإمضاء عندئذ دليلًا على الحكم الشرعيّ.
و لكن مواجهة المعصوم تلك يمكن تصوّرها على نحوين:
النحو الأوّل: مواجهة سلوك فرديّ، كأن يرى المعصوم شخصاً يمسح في وضوئه منكوساً فيبتدئ من رءوس الأصابع و ينتهي بالكعبين، و يسكت عن ذلك، فيمكننا اعتبار سكوته كاشفاً عن إمضائه، فإنّ الأساس العقلي
بتقريبه الثاني و إن كان لا يجري هنا كما تقدّم بيان ذلك إلّا أنّه بتقريبه الأوّل عند تحقق شروطه و كذا الأساس الاستظهاري يجري و يثبت صحّة الوضوء.
لكن مثل هذه المواجهة خارجة عن محلّ بحثنا في السيرة العقلائية؛ لأنّه تصرّف فرديّ و ليس بظاهرة اجتماعية.
النحو الثاني: مواجهة سلوك اجتماعيّ و هو ما يسمّى بالسيرة العقلائية، كأن يواجه المعصوم سلوكاً معيّناً يعمل به العقلاء بما هم عقلاء لا بما هم
متديّنون مثلًا كعملهم بخبر الواحد، فإنّ العمل به و ترتيب الأثر عليه لا يخصّ المجتمع الإسلامي بل يشمل كافّة المجتمعات الإنسانية، و حينئذٍ لو واجه المعصوم مثل هذا السلوك و سكت عنه فإنّ سكوته يكشف عن إمضائه بأحد الوجهين المتقدّمين، أي الأساس العقلي و الاستظهاري، و من ثمّ يمكننا القول بأنّ العمل بخبر الواحد حجّة لقيام السيرة العقلائية الممضاة من قبل المعصوم على العمل به.
و ينبغي أن يعلم أنّنا في بعض الأحيان حينما نستدلّ على بعض المسائل الأصولية أو الفقهية بالسيرة العقلائية لا نقصد به صيرورة السيرة بما هي سيرة عقلائية دليلًا بقطع النظر عن إمضاء المعصوم، و إنّما الدليل في الحقيقة هو إمضاء المعصوم، فالدليل إذاً هو السيرة الممضاة.
و منه يتّضح أنّ السيرة العقلائية الحجّة هي التي يتوافر فيها شرطان:
1 الإمضاء من قبل المعصوم.
2 المعاصرة للمعصوم.(2)
----------------------------------------------------------------------------------
1-المعجم الأصولى، ج2، ص: 181
2-الدروس شرح الحلقة الثانية، ج2، ص: 194
والحمد لله منتهى رضاه
اللهم صل على محمد واله الطيبين الطاهرين
السيرة العقلائيّة
المقصود من السيرة العقلائيّة اجمالا هو تعارف العقلاء على سلوك معيّن في شأن من الشئون بحيث لا يشذّ عن هذا السلوك منهم أحد إلّا و كان معرضا للنقد و التوبيخ، و هذا لا يتّفق إلّا في عند ما يكون السلوك مستندا الى نكتة عقلائيّة و لو لم تكن متبلورة بل كانت مركوزة في جبلتهم.
و هناك نوع آخر للسيرة العقلائيّة ذكره السيّد الصدر رحمه اللّه و هو تعارف العقلاء على سلوك معيّن إلّا انّ الخروج عن مقتضاه لا يستوجب توبيخ العقلاء، و ذلك يعبّر عن عدم نشوء هذا السلوك عن نكتة عقلائيّة و لو لم تكن متبلورة، بمعنى انّه ناشئ اتفاقا و لأغراض شخصيّة إلّا انّها خلقت حالة عامة تستوجب استظهار أو حدس صدور ذلك السلوك عن كلّ أحد.
و يمكن التمثيل لهذا النوع من السيرة بتعارف العقلاء و الذين هم في موقع المولويّة على اعتبار قول اللغوي حجة على عبيدهم بمعنى اعتبار قول اللغوي هو المعبّر عن مراداتهم فيما يصدر عنهم من أوامر، و هذا النحو من السلوك انّما نشأ عن أغراض شخصيّة تتّصل بكلّ واحد من أفراد العقلاء اللذين هم في موقع المولويّة، إذ انّهم و لغرض التحفظ على أغراضهم يصيغون أوامرهم بألفاظ متناسبة مع قول اللغوي، و هذا هو الذي دعاهم للأمر باعتماد قول اللغوي في مقام التعرّف على مقاصدهم.
و من الواضح انّه لو شذّ أحد عن هذه الطريقة و اتخذ وسيلة اخرى للتحفظ على أغراضه مع عبيده لم يكن ذلك موجبا لتوبيخ العقلاء له و لومه على الخروج عن الطريقة المألوفة.
و في كلا القسمين لا بدّ لإثبات صلاحيّة السيرة العقلائيّة للدليليّة على الحكم الشرعي من امضاء الشارع لهذه السيرة، و لكي يثبت امضاء الشارع للسيرة لا بدّ من تنقيح أمرين:
الأمر الاول: هو معاصرة السيرة لزمن المعصوم عليه السّلام، إذ مع عدم احراز ذلك لا تكون ثمّة وسيلة لإثبات الإمضاء، و ذلك لأنّه غالبا ما يكون الإمضاء بواسطة السكوت و عدم الردع، و هذا ما يستبطن معايشة المعصوم للسيرة و عندها يمكن الاستدلال بالسكوت و عدم الردع على التقرير و الامضاء.
و هكذا لو كان الإمضاء بواسطة التصريح فإنّه لا يتعقل إلّا مع معاصرة المعصوم عليه السّلام للسيرة إلّا انّه عندئذ يكون التصريح بالإمضاء أحد أمارات معاصرة المعصوم عليه السّلام للسيرة، نعم لو لم يكن لبيان الامام عليه السّلام المناسب للإمضاء دلالة على وجود السيرة فإنّ معاصرة السيرة لا يثبت بذلك إلّا انّه يمكن إثبات مناسبة ما عليه السيرة الفعليّة لنظر الشارع بذلک، و الحجيّة حينئذ لكلام المعصوم عليه السّلام دون السيرة، و هو خروج عن الفرض.
و بهذا يتنقح اعتبار معاصرة المعصوم عليه السّلام للسيرة التي يكون لها الدليليّة و الكاشفيّة عن الحكم الشرعي.
الأمر الثاني: أن يكون عدم الردع للسيرة المعاصرة للمعصوم عليه السّلام كاشفا عن الامضاء، و هذا لا يكون إلّا إذا كان عدم الردع موجبا لامتداد السيرة للشئون الشرعي.(1)
بيان اخر لمعنى السيرة العقلائية :
أنّ المعصوم إذا واجه سلوكاً معيّناً و سكت عنه فإنّه يدلّ على إمضائه له، و يكون الإمضاء عندئذ دليلًا على الحكم الشرعيّ.
و لكن مواجهة المعصوم تلك يمكن تصوّرها على نحوين:
النحو الأوّل: مواجهة سلوك فرديّ، كأن يرى المعصوم شخصاً يمسح في وضوئه منكوساً فيبتدئ من رءوس الأصابع و ينتهي بالكعبين، و يسكت عن ذلك، فيمكننا اعتبار سكوته كاشفاً عن إمضائه، فإنّ الأساس العقلي
بتقريبه الثاني و إن كان لا يجري هنا كما تقدّم بيان ذلك إلّا أنّه بتقريبه الأوّل عند تحقق شروطه و كذا الأساس الاستظهاري يجري و يثبت صحّة الوضوء.
لكن مثل هذه المواجهة خارجة عن محلّ بحثنا في السيرة العقلائية؛ لأنّه تصرّف فرديّ و ليس بظاهرة اجتماعية.
النحو الثاني: مواجهة سلوك اجتماعيّ و هو ما يسمّى بالسيرة العقلائية، كأن يواجه المعصوم سلوكاً معيّناً يعمل به العقلاء بما هم عقلاء لا بما هم
متديّنون مثلًا كعملهم بخبر الواحد، فإنّ العمل به و ترتيب الأثر عليه لا يخصّ المجتمع الإسلامي بل يشمل كافّة المجتمعات الإنسانية، و حينئذٍ لو واجه المعصوم مثل هذا السلوك و سكت عنه فإنّ سكوته يكشف عن إمضائه بأحد الوجهين المتقدّمين، أي الأساس العقلي و الاستظهاري، و من ثمّ يمكننا القول بأنّ العمل بخبر الواحد حجّة لقيام السيرة العقلائية الممضاة من قبل المعصوم على العمل به.
و ينبغي أن يعلم أنّنا في بعض الأحيان حينما نستدلّ على بعض المسائل الأصولية أو الفقهية بالسيرة العقلائية لا نقصد به صيرورة السيرة بما هي سيرة عقلائية دليلًا بقطع النظر عن إمضاء المعصوم، و إنّما الدليل في الحقيقة هو إمضاء المعصوم، فالدليل إذاً هو السيرة الممضاة.
و منه يتّضح أنّ السيرة العقلائية الحجّة هي التي يتوافر فيها شرطان:
1 الإمضاء من قبل المعصوم.
2 المعاصرة للمعصوم.(2)
----------------------------------------------------------------------------------
1-المعجم الأصولى، ج2، ص: 181
2-الدروس شرح الحلقة الثانية، ج2، ص: 194
والحمد لله منتهى رضاه