بسم الله الرحمن الرحيم
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال:«ويل للصائم وويلٌ للقائم وويل لصاحب الصوف إلاّ من...». ويظهر من الرواية أنّه صلى الله عليه وآله سكت هنا، فقيل: يا رسول الله إلاّ من؟ فقال: «إلاّ من تنـزّهت نفسه عن الدنيا وأبغض المدحة واستحبّ المذمّة».يستفاد من هذا الحديث الشريف وأحاديث أخرى أيضاً أنّ من أسس تربية الإنسان لنفسه أن يكون بحيث لا يتأثّر ويتغيّر بمدح أو ذمّ فضلاً عن ظهور آثارهما على أعماله وأفعاله.
إنّ الإنسان بطبعه الأوّلي يحبّ المدح ويكره الذمّ، ولكي يصل إلى مرحلة يبغض فيها المدح ويحبّ الذمّ يحتاج إلى ملكة لا يمكن تحصيلها إلاّ بعد أن ينزّه نفسه عن الدنيا وملذّاتها.
ربّما يكون تحصيل هذه الملكة أصعب من الحصول على ملكة العدالة، ولكنّ الآثار المترتّبة على هذه الملكةهي الأخرى أكثر من الآثار المترتّبة على ملكة العدالة.
وليس المقصود ممّا ورد في هذا الحديث بغض المدحة لأنها مدحة، ولا حبّ المذمّة لأنّها مذمّة، بل لأنّ المدح والثناء يقلّلان من قيمة الإنسان غالباً إذا عمل لأجلهما؛ إمّا بخيلاء أوتفاخر أو تكبّر أو غير ذلك، بينما المذمّة على العكس؛ فهي مدعاة لأن تحثّ الإنسان على تصحيح أحواله وأفعاله.
وبعبارة أخرى: ينبغي للإنسان أن يبغض المدح لأنّ الآثار المترتّبة عليه تضرّه، وكذا الحال بالنسبة لحبّ المذمّة، فهو يحبّها لا لكونها حسنة وإنّما لأنّه إذا ما ذُمّ فإنّه سيلتفت غالباًإلى عيوبه ويسعى لتصحيحها، فتكون نتيجة الذمّ لصالحه.
لكي يصل الإنسان إلى مرحلة بغض المدحة وحبّ المذمّة، يحتاج إلى جهدٍ كبير في المراقبة والتركيز، وإذاوفّق إلى تحصيل هذه الملكة سيكون من أعظم الناس راحة، بل حتّى الذين لم يصلوا إلى هذه الملكة سيشعرون بأنّه أكثر منهم راحة واستقراراً.
وفي خبر عن النبي صلى الله عليه وآله أيضاً أنّه قال: «إنّما هلك الناس باتّباع الهوى وحبّ الثناء» لأنّ حبّ الثناء ربّما يهلك الإنسان، وكلّما زاد مدح الإنسان تعرّض للمحرّمات أكثر، إلاّ من ربّى نفسه.