إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

هل أنّ العمل جزء من الإيمان أم لا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هل أنّ العمل جزء من الإيمان أم لا

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
    الإيمان لغة واصطلاحاً
    الإيمان لغة
    قال الخليل: الاَمن: ضدّ الخوف، والفعل منه أمن يأمن أمناً، والاِيمان: التصديق نفسه، وقوله تعالى: (وَما أنْتَ بِمُوَمنٍ لَنا) بمصدِّق لنا(1)قال ابن فارس: "أمن" له أصلان: أحدهما الاَمانة التي هي ضدّ الخيانة، والآخر التصديق. والمعنيان متدانيان. (2) وقال ابن الاَثير: في أسماء الله تعالى: "الموَمن" هوالذي يَصدُق عباده وعده، فهو من الاِيمان: التصديق، أو يوَمّنهم في القيامة من عذابه، فهو من الاَمان، والاَمن ضدّ الخوف (3) . ويظهر من ابن منظور أنّ له استعمالات مختلفة: 1 ـ الاَمن ضدّ الخوف. 2 ـ الاَمانة ضد الخيانة. 3 ـ الاِيمان ضد الكفر . 4 ـ الاِيمان: التصديق، ضدّه التكذيب يقال: آمن به قوم، وكذَّب به قوم. فأمّا آمنته المتعدي فهو ضدّ أخفته. وفي التنزيل العزيز: (آمنهم من خوف (4).
    الاِيمان اصطلاحاً : فإذا كان الاِيمان بمعنى التصديق: فيقع الكلام في كفاية أيّ قسم منه، فإنّ للتصديق مظاهر مختلفة، فالمحتملات أربعة: 1ـ الاِيمان هو الاِقرار باللسان وإن اعتقد الكفر بقلبه، وهو قول محمد بن كرّام السجستاني. 2ـ التصديق القلبي وإن أظهر الكفر بلسانه، وهذا هو المنسوب إلى جهم ابن صفوان. 3ـ الاِيمان هو التصديق القلبي منضمّاً إلى التصديق باللسان، وأمّا العمل فهو من ثمراته غير داخل في صميم الاِيمان، وهو المنسوب إلى مشاهير المتكلّمين والفقهاء. 4ـ الاِيمان هو التصديـق القلبـي منضمّـاً إلى الاِقرار باللسان والعمـل بالجوارح، وهو قول المعتزلة والاِباضية، وجمع من القدامى. فقد زعموا أنّ النبيّ وأصحابه ومن بعدهم اتّفقوا على أنّ من أعلن بلسانه شهادة فإنّه عندهم مسلم محكوم له بحكم الاِسلام، أضف إليهم قول رسول الله في السوداء: "اعتقها فإنّها موَمنة(5). يلاحظ عليه: أنّ الحكم عليه بالاِيمان لاَجل كون الاِقرار باللسان طريقاً وذريعة إلى فهم باطنه وتصديق قلبه، وأمّا لو علم عدم مطابقة اللسان مع الجنان فيحكم عليه بالنفاق، قال سبحانه: (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللهِ وبِاليَومِ الآخِرِ وما هُمْ بِمُوَْمِنِينَ) (البقرة ـ 8).
    في أنّ العمل جزء من الإيمان وعدمه:
    قد عرفت أنّ الخوارج والمعتزلة جعلوا الاِيمان مركّباً من التصديق والعمل ولأجله كفّروا مرتكب الكبيرة أو جعلوه في منزلة بين المنزلتين، لكن دراسة الموضوع حسب الآيات القرآنية يرشدنا إلى خروج العمل عن الاِيمان، وتكفي في هذه الآيات التالية:
    1 ـ قال سبحانه: (إنّ الَّذين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ)(البقرة ـ 277) فمقتضى العطف هو المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، فلو كان العمل داخلاً فيه لزم التكرار، واحتمال كون المقام من قبيل ذكر الخاص بعد العام يتوقف على وجود نكتة لتخصيصه بالذكر. أضف إلى ذلك أنّ الصالحات جمع معرّف يشمل الفرض والنقل، والقائل بكون العمل جزءاً من الاِيمان يريد به خصوص فعل الواجبات واجتناب المحرمات، فكيف يمكن أن تكون الصالحات بهذا المعنى جزء الاِيمان ويكون ذكره من قبيل عطف الخاص على العام.
    2 ـ قال سبحانه: (وَمْن يَعْمَل مِنَ الصّالِحاتِ وَهُو مُوَْمِنٌ)(طه ـ 112) وقوله: (وهو موَمن )جملة حالية والمقصود يعمل صالحاً حال كونه موَمناً وهذا يقتضى المغايرة.
    3 ـ وقال سبحانه: (وإنْ طائِفَتانِ مِنَ المُوَْمِنينَ اقْتَتَلُوا فَأصْلِحُوا بَينهُما فَإنْ بَغَتْ إحداهُما عَلى الاَُخرى فَقاتِلُوا الَّتي تَبغِي حَتّى تَفيء إلى أمْرِ الله )(الحجرات ـ 9) ترى أنّه سبحانه أطلق الموَمن على الطائفة العاصية وقال ما هذا مثاله: فإن بغت إحدى الطائفتين من الموَمنين على الطائفة الاَُخرى منهم، والظاهر أنّ الاِطلاق بلحاظ كونهم موَمنين حال البغي لا بلحاظ ما سبق وانقضى، أي بمعنى أنّهم كانوا موَمنين.
    4 ـ (يا أيُّها الَّذين آمنوا اتَّقوا الله وكُونُوا مَعَ الصّادِقينَ)(التوبة ـ 119) فأمر الموصوفين بالاِيمان بالتقوى أي الاِتيان بالطاعات واجتناب المحرّمات، ودلّ على أنّ الاِيمان يجتمع مع عدم التقوى، وإلاّ كان الاَمر به لغواً وتحصيلاً للحاصل، وحمل الاَمر في الآية على الاستدامة خلاف الظاهر.
    5 ـ هنـاك آيات تدل على أنّ محل الاِيمان ومرتكز لوائه هو القلب، قال سبحانه: (أُولئكَ كُتِبَ فِى قُلُوبِـهِمُ الاِيمانُ)(المجادلة ـ 22) ولو كان العمل جزءاً منه لما كان القلب محلاًّ لجميعه، وقال سبحانه: (وَلَمّا يَدْخُلِ الاِيمانُ في قُلُوبِكُم)(الحجرات ـ 14) . وهناك سوَال يطرح نفسه وهو: أنّ ظاهر الآية كون القلب محلاًّ لجميع الاِيمان مع أنّ جمهور الفقهاء والمتكلّمين جعلوا الاِقرار باللسان جزءاً منه والاِقرار قائم باللسان لا بالقلب، ولكن الاِجابة عنه سهلة، وهي: أنّ حقيقة الاِيمان ومرتكز لوائه هو القلب، غير أنّه لا يصحّ الحكم بكونه موَمناً إلاّ بعد اعترافه باللسان. فالجحد مانع وإن أذعن قلباً والاِقرار باللسان شرط لا جزء له، أي شرط لحكمنا بكونه موَمناً. نعم، لو كان هناك عِلْم لا يقبل الخطأ بأنّ الرجل مصدّق بما جاء به الرسول غير أنّه لا يستطيع أن يقرّ، كما في مَلِك الحبشة، فقد آمن بالرسول واعترف بنبوّته قلباً، فهو موَمن، والشرط عندئذ ساقط للضرورة،
    ولاَجل ذلك صلّى عليه الرسول (صلى الله عليه وآله وسم) عندما بلغته وفاته. هذا هو مقتضى الكتاب ويوَيده الاِجماع، حيث جعلوا الاِيمان شرطاً لصحة العبادات ولا يكون الشيء شرطاً لصحة جزئه. وأمّا السنّة فهي تعاضد أيضاً هذه النظرية. أخرج البخاري في كتاب الاِيمان ومسلم في باب فضائل علي ـ عليه السلام ـ أنّه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسم) يوم خيبر: "لاَُعطينَّ هذه الراية رجلاً يحبُّ الله ورسوله يفتح الله على يديه". قال عمر بن الخطاب: ما أحببت الامارة إلاّ يومئذ، قال: فتساورْتُ لها رجاء أن أُدعى إليها، قال فدَعى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسم) عليّ بن أبي طالب فأعطاه إيّاها، وقال: "إمش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك" فسار (علىّ) شيئاً ثم وقف ولم يلتفت وصرخ: "يا رسـول الله على ماذا أُقاتل النّاس" ؟ قال: (صلى الله عليه وآله وسم) : "قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك فقد مَنعوا منك دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها وحسابهم على الله".(6) روى الشافعي في كتاب "الاَُم" عن أبي هريرة، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسم) قال: "لا أزال أُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلاّ الله ، فإذا قالوا لا إله إلاّ الله ، فقد عصموا منّى دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها وحسابهم على الله ". قال الشافعي: فأعْلَمَ رسول الله : إنّ فرض الله أن يقاتلهم حتى يظهروا أن لا إله إلاّ الله ، فإذا فعلوا منعوا دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها، يعنى بما يحكم الله عليهم فيها وحسابهم على الله بصدقهم وكذبهم وسرائرهم، الله العالم بسرائرهم، المتولّي الحكم عليهم دون أنبيائه وحكّام خلقه، وبذلك مضت أحكام رسول الله فيما بين العباد من الحدود وجميع الحقوق، وأعلمهم أنّ جميع أحكامه على مايظهرون وأنّ الله يدين بالسرائر (7).
    روى الصدوق بسند صحيح قال: قلت لاَبي عبدالله ـ عليه السلام ـ (الاِمام الصادق) : ما أدنى ما يكون به العبد موَمناً؟ قال: "يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله، ويقرّ بالطاعة ويعرف إمام زمانه، فإذا فعل ذلك فهو موَمن" (8).
    وقد استدلّ الاِمام عليّ ـ عليه السلام ـ على خطأ الخوارج في رمى مرتكب الكبيرة بالكفر بفعل رسول الله وأنّه (صلى الله عليه وآله وسم) كان يعامل معهم معاملة الموَمن. وقال: "وقد علمتم أنّ رسول الله رجم الزاني ثم صلّى عليه، ثم ورّثه أهله، وقتل القاتل وورّث تراثه أهله، وقطع السارق، وجلد الزاني غير المحصن ثم قسّم عليهما من الفيَ. فأخذهم رسول الله بذنوبهم، وأقام حقّ الله فيهم ولم يمنعهم سهمهم من الاِسلام ولم يخرج أسماءهم من بين أهله" (9).
    فبما أنّ بعض السطحيين ربّما يرمون أصحاب هذا القول بالاِرجاء ـ وأين هو من الاِرجاء ـ نزيد في المقام بياناً ونقول: إن ّ كون القلب مركزاً للاِيمان وخروج العمل عن كونه عنصراً مقوّماً له، لا يعني أن التصديق القلبي يكفى في نجاة الاِنسان في الحياة الاَُخروية بل يهدف إلى أنّه يكفي في خروج الاِنسان عن زمرة الكافرين الذين لهم خصائص وأحكام ـ التصديق القلبي ـ، فيحرم دمه وماله وتحلّ ذبيحته وتصحّ مناكحته، إلى غير ذلك من الاَحكام التي تترتب على التصديق القلبي إذا أظهره بلسانه أو وقف عليه الغير بطريق من الطرق، وأمّا كون ذلك موجباً للنجاة يوم الحساب فلا، فإنّ للنجاة في الحياة الاَخروية شرائط أُخرى تكفّل ببيانها الذكر الحكيم والسنّة الكريمة.
    وبذلك يفترق عن قول المرجئة الذين اكتفوا بالتصديق القلبي أو اللساني واستغنوا عن العمل، وبعبارة أُخرى قدّموا الاِيمان وأخّروا العمل، فهذه الطائفة من أكثر الطوائف خطراً على الاِسلام وأهله، لاَنّهم بإذاعة هذا التفكير بين الشباب، يدعونهم إلى الاِباحية والتجرّد عن الاَخلاق والمثل العليا ويعتقدون أنّ الوعيد خاص بالكفار دون الموَمنين، فالجحيم ونارها ولهيبها لهم دون المسلمين، ومعنى أنّه يكفي في النجاة الاِيمان المجرّد عن العمل، وأىّ خطر أعظم من ذلك؟ وعلى ضوء ذلك يظهر المراد ممّا رواه البخاري عن عبد الله بن عمر: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسم) : "شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم شهر رمضان" (10)فإنّ المراد من الاِسلام، ليس هو الاِسلام المقابل للاِيمان في قوله سبحانه: (قَالَتِ الاَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُوَْمِنُوا ولكنْ قُولُوا أسلَمْنا ولَمّا يَدْخُلِ الاِيمانُ في قُلُوبِكُمْ )(الحجرات ـ 14) ولا الاِسلام والاِيمان بأقلّ درجاتهما الذي له أحكام خاصة، بل الاِيمان المُنْجي لصاحبه من العذاب الاَليم، وهذا لا يضرّ بما قلنا من أنّ مقوّم الاِيمان، هو العقيدة القلبية وذلك لاَنّ المقصود هناك من الاكتفاء بالتصديق بشرط الاِقرار هو الاِيمان الذي يصون دم المقر وماله وعرضه، لا الاِيمان المنجي في الآخرة، إذ هو كما في الرواية يتوقّف على العمل. وإليه ينظر ما روي عن الاِمام الصادق من أنّ الاِسلام يحقن به الدم وتوَدّي به الاَمانة، ويستحلّ به الفرج، والثواب على الاِيمان .(11)
    وحصيلة الكلام: أنّ كون التصديق القلبي مقياساً للاِيمان، غير القول بأنّ التصديق القولي أو القلبي المجرّدين عن العمل كاف للنجاة، ولاَجل ذلك تركّز الآيات على العمل بعد الاِيمان وتقول: (إنّ الَّذين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئكَ هُمْ خَيْرُ البَرّيةِ) (البيّنة ـ 7) وقال تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ وهُوَ مُوَمنٌ)(طه ـ 112) وقال تعالى: (يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا اتَّقوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادقين )(التوبة ـ 119) فلو كان العمل عنصراً مقوّماً للاِيمان فما معنى الاَمر بالتقوى بعد فرض الاِيمان لاَنّه يكون أشبه بطلب الاَمر الموجود وتحصيل الحاصل. ولا تنس ما ذكره الإمام الشافعي من أنّ الله يعامل بالسرائر وعباده يعاملون بما يظهر من الاِنسان من الاِقرار الكاشف عن التصديق، وربّما لا يكون كذلك.



    .1ترتيب العين: 56.
    .2المقاييس: 1|133.
    .3النهاية: 1|69.
    .4لسان العرب: 13|21
    5. ابن حزم: الفصل: 3|190.
    6. البخاري: الصحيـح: 1|10، كتاب الإيمان، وصحيـح مسلم: 7|17، باب فضائل علي ـ عليه السلام ـ.
    7. الشافعي: الاَم: 1|158 ـ 159.
    8. المجلسي: البحار: 66|16، كتاب الإيمان والكفر، نقلاً عن معاني الاَخبار للصدوق.
    9. نهج البلاغة الخطبة: 125.
    10. البخاري: الصحيح: 1|6، كتاب الإيمان، الباب الثاني، ولاحظ أيضاً ص16 باب أداء الخمس.
    11. البرقي: المحاسن: 1|285.

    قل للمغيب تحت أطباق الثرى إن كنت تسمع صرختي و ندائيا
    صبت علي مصائب لو أنها صبت على الأيام صرن لياليا
    ************
    السلام عليكِ يا أم أبيها
يعمل...
X