إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

(حقيقة انتظار الظهور )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • (حقيقة انتظار الظهور )


    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وال محمد
    (حقيقة انتظار الظهور )

    أهمية المنتظرين في عصر الغيبة أن يكون مستعداً عقائديا ونفسيا وأخلاقيا لاستقباله فكما كان الإنتظار أشد كان التهيؤ أشد فالمؤمن المنتظر مولاه كلما اشتد انتظاره ازداد جهده في التهيؤ وان يتحلون بالإخلاص والصبر ومحاسن الأخلاق فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (من سره إن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر فان مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من ادركه فجدوا وانتظروا هنيئا لكم ايتها العصابة المرحومة )كتاب الغيبة للنعماني 207.

    ونذكر آداب العبوديّة الطاعة لمن خضع لامام العصر والزمان عليه‏ السلام

    الأول : أن يكون مهموما مغموما لأجل الامام عليه‏ السلام في زمن الغيبة وذلك لأمور ، منها : غيابه عليه ‏السلام عنّا بحيث لا نتمكّن من الوصول إليه ، وإنارة ابصارنا بالنظر إلى جماله ، فقد روي في عيون الأخبار عن الامام الرضا عليه ‏السلام في ضمن حديث يتعلّق بالحجة عليه ‏السلام انّه قال : « ... كم من حرّى مؤمنة وكم من مؤمن متأسف حيران حزين عند فقدان الماء المعين ... »

    ونقرأ في دعاء الندبة : « عزيز عليّ أن أرى الخلق ولا تُرى ، ولا أسمع لك حسيسا ولا نجوى ، عزيز عليّ أن تحيط بك دوني البلوى ، ولا ينالك منّي ضجيج ولا شكوى ، بنفسي أنت من مغيّبٍ لم يخل منّا ، بنفسي أنت من نازح ما نزح عنّا ، بنفسي أنت أمنيّة شائق يتمنّى من مؤمن ومؤمنة ذكرا فحنّا ، بنفسي أنت من عقيد عزٍّ لا
    يُسامى ... عزيز عليّ أن أبكيك ويخذلك الورى ... » إلى آخر الدعاء الذي هو نموذج لمناجات من ارتشف من كأس محبّته .

    ومنها : عدم تمكّنه عليه ‏السلام من اجراء الأحكام والحقوق والحدود ، وكون حقه مغصوباً وفي يد غيره، فقد روي عن الامام الباقر عليه ‏السلام انّه قال لعبد اللّه‏ بن ظبيان : يا عبد اللّه‏ ما من عيد للمسلمين اضحى ولا فطر الاّ وهو يتجدد فيه لآل محمد حزن ، قلت : فلم ؟ قال : لأنّهم يرون حقّهم في يد غيرهم.

    ومنها : ظهور جمع من لصوص الدين وقطاع طريق المذهب من كمينهم ، وبثّهم الشكوك والشبهات في افكار العوام ، بل والخواص من الناس حتى خرج الناس من الدين افواجا ، وعجز العلماء الحقيقيون عن اظهار علومهم ، وتحقق ما وعد الصادقان عليهما السلام بوقوعه .

    روى الشيخ النعماني عن عميرة بنت نفيل انّها قالت : سمعت الحسين بن عليّ عليه‏ السلام يقول : « لا يكون الأمر الذي تنتظرونه حتى يبرأ بعضكم من بعض ، ويتفل بعضكم في وجوه بعض ، ويشهد بعضكم على بعض بالكفر ، ويلعن بعضكم بعضا ، فقلت له : ما في ذلك الزمان من خير ، فقال الحسين عليه ‏السلام : الخير كلّه في ذلك الزمان ، يقوم قائمنا ، ويدفع ذلك كلّه ».

    وروى الشيخ النعماني أيضا عن الامام الصادق عليه ‏السلام حديثا بهذا المضمون ، وروي عن أمير المؤمنين عليه ‏السلام انّه قال لمالك بن ضمرة : « يا مالك بن ضمرة كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا ـ وشبّك أصابعه وأدخل بعضها في بعض ـ فقلت : يا أمير المؤمنين ما عند ذلك من خير ، قال : الخير كلّه عند ذلك ، يا مالك عند ذلك يقوم قائمنا ، فيقدّم سبعين رجلاً يكذبون على اللّه‏ وعلى رسوله صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله فيقتلهم ، ثم يجمعهم اللّه‏ على أمر واحد ».

    وروي أيضا عن الامام الباقر عليه ‏السلام انّه قال : « لتمحصَنَّ يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين ، وانّ صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه ولا يعلم متى يخرج منها ، وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا ويمسي وقد خرج منها ، ويمسي على شريعة من أمرنا ويصبح وقد خرج منها ».

    وروي عن الامام الصادق عليه‏السلام أيضا انّه قال : « واللّه‏ لتُكسِّرُنَّ تكسّر الزجاج ، وانّ الزجاج ليعاد فيعود [ كما كان ] ، واللّه‏ لتُكسِّرُنَّ تكسّر الفخّار ، فانّ الفخّار ليتكسّر فلا يعود كما كان ، [ و ] واللّه‏ لتغربلنّ [ و ] واللّه‏ لتميزنّ [ و ] واللّه‏ لتمحصنّ حتى لا يبقى منكم الاّ الأقلّ ، وصعّر كفّه » .

    وهناك أخبار كثيرة بهذا المضمون ، فقد روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة في كمال الدين عن أمير المؤمنين عليه‏ السلام انّه قال : كأنّي بكم تجولون جولان الإبل تبتغون المرعى فلا تجدونه يا معشر الشيعة.

    وروي عن الصادق عليه ‏السلام انّه قال لعبد الرحمن بن سيابة : كيف أنتم إذا بقيتم بلا امام هدى ولا علم ، يتبرأ بعضكم من بعض ، فعند ذلك تميّزون وتمحّصون وتغربلون ....

    وروي أيضا عن سدير الصيرفي انّه قال : دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو
    بصير وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد اللّه‏ الصادق عليه‏ السلام ، فرأيناه جالسا على التراب وعليه مسح خيبري مطوّق بلا جيب مقصّر الكمّين ، وهو يبكي بكاء الواله الثكلى ، ذات الكبد الحرى ، قد نال الحزن من وجنتيه وشاع التغيير في عارضيه ، وأبلى الدموع محجريه وهو يقول : سيدي غيبتك نفت رقادي ، وضيّقت عليّ مهادي ، وابتزّت منّي راحة فؤادي ، سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجايع الأبد ، وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد ، فما أحسّ بدمعة ترقى من عيني ، وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزّايا ، وسوالف البلايا الاّ مثّل بعيني عن غوابر أعظمها وأفظعها ، وبواقي أشدّها وانكرها ، ونوائب مخلوطة بغضبك ، ونوازل معجونة بسخطك . قال سدير : فاستطارت عقولنا ولها ، وتصدّعت قلوبنا جزعا من ذلك الخطب الهائل ، والحادث الغائل ، وظننا انّه سمت لمكروهة قارعة ، أو حلّت به من الدهر بائقة ، فقلنا : لا أبكى اللّه‏ يا ابن خير الورى عينيك ، من أيّة حادثة تستنزف دمعتك وتستمطر عبرتك ؟ وأيّة حالة حتمت عليك هذا المأتم ؟ قال : فزفر الصادق عليه‏السلام زفرة انتفخ منها جوفه ، واشتدّ عنها خوفه ، وقال : ويلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم ، وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا ، وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، الذي خصّ اللّه‏ به محمدا صلى‏ الله‏ عليه ‏و‏آله والائمة من بعده ، وتأملت منه مولد قائمنا وغيبته وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان ، وتولّد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته ، وارتداد أكثرهم عن دينهم ، وخلعهم ربقة الاسلام من أعناقهم التي قال اللّه‏ تقدّس ذكره : « وَكُلَّ إنْسَانٍ ألْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ ... » . يعني الولاية ـ فأخذتني الرقّة واستولت عليّ الأحزان ... الخ.

    ويكفي هنا هذا الخبر الشريف ، فبما أنّ تفرّق الشيعة وابتلاؤهم في أيام الغيبة ، وانقداح الشكوك في قلوبهم كان سببا لبكاء الامام الصادق عليه ‏السلام ونحيبه وسهره قبل وقوع الغيبة بسنين ، فحريّ بالمؤمن المبتلى بهذه الداهية ، والغارق في هذا البحر الموّاج الهائل أن يديم البكاء والنوح والنحيب والحزن والهمّ والغم والتضرّع إلى اللّه‏ تعالى .

    الثاني : ومن تكاليف العباد في ايام الغيبة انتظار فرج آل محمد صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله في كلّ آنٍ ولحظة ، وترقّب ظهور الدولة القاهرة ، والسلطنة الظاهرة لمهدي آل ‏محمد عليه ‏السلام ، وامتلاء الأرض بالعدل والقسط، وغلبة الدين القويم على سائر الأديان ، كما أخبر اللّه‏
    تعالى بذلك النبي صلى‏ الله‏ عليه ‏و‏آله ووعده ، بل أخبر جميع الانبياء والملل بذلك ، وبشّرهم بمجيء يوم لا يُعبد فيه الاّ اللّه‏ ، ولا يَبقى شيء من الدين مختفيا خوفا من الأعداء ، ويذهب فيه البلاء عن المؤمنين ، كما نقرأ في زيارة مهدي آل محمد عليه‏السلام : « السلام على المهدي الذي وعد اللّه‏ به الأمم أن يجمع به الكلم ، ويلمّ به الشّعث ، ويملأ به الأرض عدلاً وقسطا ، وينجز به وعد المؤمنين ».

    وقد وعدنا بهذا الفرج في سنة السبعين من الهجرة ، كما روى الشيخ الراوندي في الخرائج عن أبي اسحاق السبيعي ، وهو عن عمرو بن الحمق [ وهو من الأربعة الذين كانوا أصحاب سرّ أمير المؤمنين عليه ‏السلام ] انّه قال : دخلت على عليّ عليه ‏السلام حين ضرب الضربة بالكوفة ، فقلت : ليس عليك بأس انّما هو خدش . قال : لعمري انّي لمفارقكم ، ثم قال لي : إلى السبعين بلاء ـ قالها ثلاثا ـ قلت : فهل بعد البلاء رخاء ؟ فلم يجبني وأغمي عليه ، فبكت أم كلثوم ، فلمّا أفاق قال : لا تؤذيني يا أمّ كلثوم ، فانّك لو ترين ما أرى لم تبكِ ، انّ الملائكة من السماوات السبع بعضهم خلف بعض ، والنبيين يقولون لي : انطلق يا عليّ فما أمامك خير لك مما أنت فيه . فقلت : يا أمير المؤمنين انّك قلت : إلى السبعين بلاء ، فهل بعد السبعين رخاء ؟ قال : نعم وانّ بعد البلاء رخاء : « يَمْحُو اللّه‏ُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أمُّ الْكِتَابِ ». وروى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة ،

    والكليني في الكافي عن أبي حمزة الثمالي انّه قال : قلت لأبي جعفر عليه ‏السلام : انّ عليّا عليه‏ السلام كان يقول : إلى السبعين بلاء ، وكان يقول بعد البلاء رخاء ، وقد مضت السبعون ولم نر رخاء ؟ فقال أبو جعفر عليه‏السلام : يا ثابت انّ اللّه‏ تعالى كان وقّت هذا الأمر في السبعين ، فلمّا قتل الحسين عليه‏السلام اشتدّ غضب اللّه‏ على أهل الأرض فأخّره إلى أربعين ومائة سنة ، فحدّثناكم فأذعتم الحديث ، وكشفتم قناع السر ، فأخّره اللّه‏ ولم يجعل له بعد ذلك عندنا وقتا و «يَمْحُو اللّه‏ُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أمُّ الْكِتَابِ » .

    قال أبو حمزة : وقلت ذلك لأبي عبد اللّه‏ عليه ‏السلام فقال : قد كان ذاك. وروى الشيخ النعماني في كتاب الغيبة عن علاء بن سيابه عن أبي عبد اللّه‏ عليه ‏السلام انّه قال : من مات منكم على هذا الأمر منتظرا كان كمن هو في الفسطاط الذي
    للقائم عليه‏ السلام .

    وروي أيضا عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏ السلام انّه قال ذات يوم : ألا أخبركم بما لا يقبل اللّه‏ عزوجل من العباد عملاً الاّ به ؟ فقلت : بلى ، فقال : شهادة أن لا اله الاّ اللّه‏ ، وانّ محمدا عبده [ ورسوله ] ، والاقرار بما أمر اللّه‏ ، والولاية لنا ، والبراءة من أعدائنا ـ يعني الائمة خاصة ـ والتسليم لهم ، والورع والاجتهاد والطمأنينة ، والانتظار للقائم عليه‏ السلام . ثم قال : إنّ لنا دولة يجيء اللّه‏ بها إذا شاء ، ثم قال : من سرّه ان يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر ، فان مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه ، فجدّوا وانتظروا هنيئا لكم ايّتها العصابة المرحومة .

    وروى الشيخ الصدوق في كمال الدين عن أبي عبد اللّه‏ عليه ‏السلام انّه قال : انّ فيهم الورع والعفّة والصلاح ... وانتظار الفرج بالصبر ...

    وروي أيضا عن عليّ بن موسى الرضا عليه ‏السلام انّه قال : انّ رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله قال : أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج من اللّه‏ عزوجل .

    وروي أيضا عن أميرالمؤمنين عليه ‏السلام انّه قال: المنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه‏.

    وروى الشيخ الطبرسي في الاحتجاج انّه ورد توقيع من صاحب الأمر عليه ‏السلام على يد محمد بن عثمان وفي آخره : ... واكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فانّ ذلك فرجكم ...

    وروى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن المفضل انّه قال : ذكرنا القائم عليه ‏السلام ومن مات من أصحابنا ينتظره ، فقال لنا أبو عبد اللّه‏ عليه ‏السلام : إذا قام أتي المؤمن في قبره ، فيقال له : يا هذا انّه قد ظهر صاحبك فإن تشأ أن تلحق به فالحق ، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم.

    وروى الشيخ البرقي في المحاسن عنه عليه ‏السلام انّه قال لأحد أصحابه : من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن هو مع القائم عليه ‏السلام في فسطاطه.

    وفي رواية اخرى : كمن كان مع رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ عليه‏ و‏آله ، وفي رواية أخرى : كان كمن
    استشهد مع رسول اللّه‏ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله .

    وروي أيضا عن محمد بن الفضيل عن الرضا عليه‏ السلام قال : سألته عن شيء من الفرج ، فقال : أليس انتظار الفرج من الفرج ؟ انّ اللّه‏ عزوجل يقول : « فَانْتَظِرُوا انِّى مَعَكُمْ مِّنَ الْمُنْتَظرِينَ » .

    وروى ايضا عنه عليه ‏السلام انّه قال: ما أحسن الصبر وانتظار الفرج ، أما سمعت قول اللّه‏ عزوجل: « وَارْتَقبُوا انِّى مَعَكُمْ رَقِيب » ، « فَانْتَظِرُوا انِّى مَعَكُمْ مِّنَ الْمُنْتَظرِينَ » فعليكم بالصبر فانّه انّما يجيء الفرج على اليأس ، فقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم .


    الثالث : ومن التكاليف الدعاء لحفظ الامام عليه ‏السلام من شرّ شياطين الجنّ والإنس ، ولتعجيل نصرته وغلبته على الكفار والملحدين والمنافقين ، فانّ هذا قسم من أقسام إظهار المحبّة وكثرة الشوق ، والادعية في هذا الباب كثيرة ، منها ما روي عن يونس بن عبد الرحمن انّ الامام الرضا عليه ‏السلام كان يأمر بالدعاء للقائم عليه ‏السلام بهذا الدعاء : « اللهم ادفع عن وليك وخليفتك وحجتك ... الخ » .

    وقد ذكرتُ هذا الدعاء في كتاب مفاتيح الجنان في باب زيارة صاحب الأمر عليه‏السلام . ومنها الصلوات المنسوبة إلى أبي الحسن الضّراب الاصفهاني ، وقد ذكرتها في المفاتيح ايضا في آخر اعمال يوم الجمعة ، ومنها هذا الدعاء الشريف : « اللهم كن لوليك (فلان بن فلان وتقول مكانها) الحجة بن الحسن ، صلواتك عليه وعلى آبائه ، في هذه الساعة وفي كلّ ساعة ، وليا وحافظا ، وقائدا وناصرا ، ودليلاً وعينا ، حتى تسكنه أرضك طوعا ، وتمتّعه فيها طويلاً » . وتكرّر هذا الدعاء في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان على كلّ الاحوال قياما وقعودا ، وكذلك تكرّره في جميع الشهر وبأيّ وجه وفي أي وقت كان ، فتقرأه بعد تمجيد اللّه‏ وتحميده ، والصلوات على النبي وآله عليهم ‏السلام ، وهناك أدعية اخرى لا يسع المقام لذكرها ، فليرجع الطالب إلى النجم الثاقب .

    الرابع : اعطاء الصدقة عنه عليه‏ السلام لحفظه في أيّ وقت وبأيّ مقدار كانت ، ولابد من استجلاب كلّ الوسائل والأسباب التي لها دخل في صحته عليه‏ السلام وعافيته ودفع البلاء عنه ، كالدعاء والتضرّع والتصدّق والتوسّل لعدم وجود نفس أعزّ ولا أكرم من نفس امام
    العصر أرواحنا فداه ، بل لابد أن تكون نفسه أعزّ وأحبّ الينا من أنفسنا ، وبخلافه يكون ضعفا ومنقصة في الدين وخللاً في العقيدة ، كما روي بأسانيد معتبرة عن رسول اللّه‏ صلى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله انّه قال : لا يؤمن عبد حتى أكون أحبّ إليه من نفسه ، وأهلي أحبّ إليه من أهله ، وعترتي أحبّ إليه من عترته ... وكيف لا يكون كذلك ، والحال انّ وجود وحياة ودين وعقل وصحة وعافية وسائر النعم الظاهريّة والباطنيّة لجميع الموجودات من بركات وجوده المقدّس ووجود أوصيائه عليهم‏السلام . ولما كان ناموس العصر ، ومدار الدهر ، ومنار الشمس والقمر ، وصاحب هذا العالم ، وسبب سكون الأرض ، وسير الأفلاك ، ونظم أمور الدنيا ، والحاضر في قلوب الأخيار ، والغائب عن عيون الأغيار هو الحجة بن الحسن صلوات اللّه‏ عليهما ، فلابدّ لجميع الأفراد الأنانيين ، الذين أهمّتهم أنفسهم وانشغلوا في حفظها وحراستها وسلامتها ، فضلاً عمّن يعتقدون بأن غير وجوده المقدس لا يليق للوجود ولا يستحق العافية والسلامة ، أن يكون غرضهم الأصيل ومقصودهم الاولي ، التمسّك بكلّ الوسائل والأسباب المقرّرة والمذكورة التي لها دخل في الصحة والسلامة ، ودفع البلايا وقضاء الحوائج كالدعاء والتضرّع والتصدّق والتوسّل من أجل سلامة امامه وحفظ وجوده المقدس .


    الخامس : الحج عنه عليه ‏السلام أو الاستنابة له ، كما كان ذلك مرسوما عند الشيعة منذ القدم وأقرّهم عليه‏ السلام بذلك ، كما روى القطب الراوندي رحمه‏ الله في الخرائج انّ أبا محمد الدعلجي كان له ولدان ، وكان من خيار أصحابنا وكان قد سمع الأحاديث ، وكان أحد ولديه على الطريقة المستقيمة وهو أبو الحسن كان يغسّل الأموات ، وولد آخر يسلك مسالك الأحداث في فعل الحرام ، ودُفع إلى أبي محمد حجّة يحج بها عن صاحب الزمان عليه ‏السلام ، وكان ذلك عادة الشيعة وقتئذٍ ، فدفع شيئا منها إلى ابنه المذكور بالفساد وخرج إلى الحج ، فلمّا عاد حكى انّه كان واقفا بالموقف (عرفات) فرأى إلى جانبه شابا حسن الوجه ، أسمر اللون بذؤابتين ، مقبلاً على شأنه في الدعاء والابتهال والتضرّع وحسن العمل ، فلمّا قرب نفر الناس التفت اليّ وقال : يا شيخ ما تستحي ؟ قلت : من أيّ شيء يا سيدي ؟ قال : يُدفع اليك حجّة عمّن تعلم فتدفع منها إلى فاسق يشرب الخمر ، يوشك أن تذهب عينك هذه ـ وأومأ إلى عيني ـ وأنا من ذلك إلى الآن على وجل ومخافة . [ وقيل : ] فما مضى عليه أربعون يوما بعد مورده حتى خرج في عينه التي أومأ إليها قرحة ، فذهبت.

    السادس : القيام عند سماع اسمه الكريم سيّما اسم (القائم) ، كما كان ذلك سيرة جميع طبقات الاماميّة ، كثّرهم اللّه‏ تعالى في جميع البلاد من العرب والعجم والترك والهند والديلم ، وهذا يدلّ على وجود مصدر وأصل لهذا العمل ، وإن لم يُر هذا المصدر إلى الآن ، لكن سُمع عن بعض العلماء الخبراء بأنهم رأوا خبرا يدلّ عليه بانّ بعض العلماء ذكر انّ هذا المطلب قد سُئل عنه العالم المتبحّر الجليل السيد عبد اللّه‏ سبط المحدّث الجزائري ، فأجاب رحمه‏الله عنه في بعض تصانيفه بأنّه رأى خبرا مضمونه : انّ اسم القائم عليه ‏السلام ذُكر يوما عند الامام الصادق عليه‏ السلام فقام الامام تعظيما واحتراما لإسمه عليه ‏السلام .
    يقول المؤلف : هذا كلام شيخنا في النجم الثاقب لكن العالم المحدّث ، الجليل الفاضل ، الماهر المتبحّر النبيل سيدنا الأجل السيد حسن الموسوي الكاظمي أدام اللّه‏ بقاءه قال في تكملة أمل الآمل ما حاصله : كتب أحد علماء الامامية وهو عبد الرضا بن محمد من أولاد المتوكّل ، كتابا في وفاة الامام الرضا عليه‏السلام اسمه (تاجيج نيران الأحزان في وفات سلطان خراسان) ومن منفردات هذا الكتاب انّه قال : لما أنشد دعبل الخزاعي قصيدته التائية على الامام الرضا عليه‏السلام ، ولمّا وصل إلى قوله :
    خروج امام لا محالة خارج يقوم على اسم اللّه‏ بالبركات قام الامام الرضا عليه ‏السلام على قدميه ، وأطرق رأسه إلى الأرض ، ثم وضع يده اليمنى على رأسه وقال : « اللهم عجّل فرجه ومخرجه وانصرنا به نصرا عزيزا » .

    السابع : من تكاليف العباد في ظلمات الغيبة ، التضرّع إلى اللّه‏ تعالى ، ومسألته أن يحفظ ايمانهم من تطرّق شبهات الشياطين وزنادقة المسلمين ، وقراءة الأدعية الواردة في هذا الباب ، منها الدعاء الذي رواه الشيخ النعماني والكليني بأسانيد متعدّدة عن زرارة انّه قال : سمعت أبا عبد اللّه‏ عليه ‏السلام يقول : انّ للغلام غيبة قبل أن يقوم ، قال : قلت : ولم ؟ قال : يخاف ـ وأومأ بيده إلى بطنه ـ ثم قال : يا زرارة وهو المنتظر وهو الذي يشكّ في ولادته ، منهم من يقول : مات أبوه بلا خلفٍ ، ومنهم من يقول : حملٌ ، ومنهم من يقول : انّه ولد قبل موت أبيه بسنتين ، وهو المنتظر غير انّ اللّه‏ عزوجل يُحبّ أن يمتحن الشيعة ، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة . قال : قلت : جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أيّ شيء أعمل ؟ قال : يا زرارة إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء : « اللهم عرّفني نفسك ، فانّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك ، اللهم عرّفني رسولك فانّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجتك ، اللهم عرّفني حجتك فانّك إن لم تعرّفني حجتك ضللت عن ديني »

    ومنها دعاء طويل اوّله هذا الدعاء المذكور ، ثم بعده : « اللهم لا تمتني ميتة جاهلية ، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني » إلى آخر الدعاء ، وقد ذكرناه في ملحقات كتاب مفاتيح الجنان ، وذكره أيضا السيد ابن طاووس في جمال الاسبوع بعد الأدعية المأثورة بعد صلاة العصر من يوم الجمعة ثم قال : ذكر دعاء آخر يدعى له صلوات اللّه‏ عليه به ، وأوّله يشبه الدعاء المتقدّم عليه ، وهو ممّا ينبغي إذا كان لك عذر عن جميع ما ذكرناه من تعقيب لعصر يوم الجمعة فايّاك أن تهمل الدعاء به ، فاننا عرفنا ذلك من فضل اللّه‏ جلّ جلاله الذي خصّنا به ، فاعتمد عليه(1) .

    يقول المؤلف : ونُقل ما يقرب من كلام السيد ابن طاووس في ذيل الصلوات المنسوبة إلى أبي الحسن عليه‏السلام عن الضراب الاصفهاني ، فقال : ويظهر من هذا الكلام الشريف انّه حصل للسيد شيء من صاحب الأمر عليه‏السلام ، وهذا منه غير بعيد . ومنها الدعاء الذي رواه الشيخ الصدوق عن عبداللّه‏ بن سنان انّه قال: قال أبو عبداللّه‏ عليه‏السلام : ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى، ولا امام هدى، ولا ينجو منها الاّ من دعا بدعاء الغريق، قلت : كيف دعاء الغريق ؟ قال : يقول : « يا اللّه‏ يا رحمان يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك » فقلت : « يا اللّه‏ يا رحمان يا رحيم يا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك » قال : انّ اللّه‏ عزوجل مقلّب القلوب والأبصار ، ولكن قل كما أقول لك : « يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك » .

    الثامن : الاستغاثة والاستعانة به عليه ‏السلام في الشدائد والأهوال ، والبلايا والأمراض ، وحلول الشبهات والفتن من مختلف الجوانب ، وطلب حلّ المشاكل والشبهات ، ورفع الكربات ودفع البلايا ، لأنّه عليه ‏السلام وبحسب القدرة الالهية والعلوم اللدنيّة الربّانيّة عالم بأحوال العباد وقادر على اجابة مرادهم ، عامّ الفيض لا ولن يغفل عن النظر في أمور رعاياه ، وهو بنفسه قال في التوقيع الذي خرج إلى الشيخ المفيد : « ... فانّا يحيط علمنا بأنبائكم ، ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم ، ومعرفتنا بالزلل الذي أصابكم ... ».

    وروى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة بسند معتبر عن أبي القاسم الحسين بن روح النائب الثالث رضى‏الله‏عنه انّه قال : اختلف أصحابنا في التفويض وغيره ، فمضيت إلى أبي طاهر بن بلال في أيام استقامته فعرّفته الخلاف ، فقال : أخّرني ، فأخّرته أيّاما فعدت

    إليه ، فأخرج اليّ حديثا باسناده إلى أبي عبد اللّه‏ عليه ‏السلام قال : إذا أراد [ اللّه‏ ] أمرا عرضه على رسول اللّه‏ صلى‏ الله ‏عليه‏ و‏آله ثم أمير المؤمنين عليه‏ السلام واحدا بعد واحد إلى أن ينتهي إلى صاحب الزمان عليه‏ السلام ، ثم يخرج إلى الدنيا ، وإذا أراد الملائكة أن يرفعوا إلى اللّه‏ عزوجل عملاً عرض على صاحب الزمان عليه‏السلام ، ثم يخرج على واحد واحد إلى أن يُعرض على رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله ، ثم يعرض على اللّه‏ عزوجل ، فما نزل من اللّه‏ فعلى أيديهم ، وما عرج إلى اللّه‏ فعلى أيديهم، وما استغنوا عن اللّه‏ عزوجل طرفة عين (1).

    ونقل السيد حسين المفتي الكركي سبط المحقق الثاني في كتاب دفع المناوات عن كتاب البراهين عن أبي حمزة عن الامام الكاظم عليه‏السلام انّه قال : ما من ملك يهبطه اللّه‏ في أمر الاّ بدأ بالامام ، فعرض ذلك عليه ، وانّ مختلف الملائكة من عند اللّه‏ تبارك وتعالى إلى صاحب هذا الأمر.

    وفي خبر أبي الوفاء الشيرازي انّ رسول اللّه‏ صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله قال له : ... وامّا صاحب الزمان فاذا بلغ السكين منك هكذا وأومأ بيده إلى حلقه ، فقل : يا صاحب الزمان أغثني ، يا صاحب الزمان أدركني. [ فانّه غياث المستغيثين وملجأ ومأوى لهم ] .

    روى الشيخ الكشي والشيخ الصفار في البصائر عن رميلة انّه قال : وعكت وعكا شديدا في زمان أمير المؤمنين عليه‏السلام ، فوجدت من نفسي خفة يوم الجمعة ، فقلت : لا أصيب شيئا أفضل من أن أفيض عليّ من الماء واصلّي خلف أمير المؤمنين عليه ه‏السلام ، ففعلت ثم جئت المسجد ، فلمّا صعد أمير المؤمنين عليه ‏السلام المنبر عاد عليّ ذلك الوعك . فلمّا انصرف أمير المؤمنين عليه ‏السلام دخل القصر ودخلت معه ، فالتفت اليّ أمير المؤمنين عليه‏السلام وقال : يا رميلة ما لي رأيتك وأنت منشبك بعضك في بعض ؟ فقصصت عليه القصة التي كنت فيها ، والذي حملني على الرغبة في الصلاة خلفه . فقال لي : يا رميلة ليس من مؤمن يمرض الاّ مرضنا لمرضه ، ولا يحزن الاّ حزنّا لحزنه ، ولا يدعو الاّ أمنّا له ، ولا يسكت الاّ دعونا له ، فقلت : يا أمير المؤمنين جعلت فداك هذا لمن معك في القصر ، أرأيت مَن كان في أطراف الأرض ؟ قال : يا رميلة ليس يغيب عنّا مؤمن في شرق الأرض ولا غربها.

    وروى الشيخ الصدوق والصفار والشيخ المفيد وغيرهم بأسانيد كثيرة عن الامام الباقر والصادق عليه ماالسلام قال : انّ اللّه‏ تبارك وتعالى لم‏يدع الأرض الاّ وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان، فاذا زاد المؤمنون شيئا ردّهم ، وإذا نقصوا شيئا أكمله لهم ، ولولا

    ذلك لالتبست على المؤمنين أمورهم ، وفي رواية : ولم يفرق بين الحق والباطل.

    وروي في تحفة الزائر للمجلسي ، ومفاتيح النجاة للسبزواري : من كانت له حاجة فليكتبها في رقعة ، ويقذفها في ضريح احد الائمة عليهم‏ السلام ، أو يمهرها ويضعها في طين طاهر ، ويقذفها في نهر أو بئر عميق أو غدير ماء كي تصل إلى يد صاحب الزمان عليه ‏السلام ، وهو عليه ‏السلام يتولى قضاء حاجته ، واليك نص الرقعة : « بسم اللّه‏ الرحمن الرحيم ، كتبت يا مولاي صلوات اللّه‏ عليك مستغيثا ، وشكوت ما نزل بي مستجيرا باللّه‏ عزوجل ثم بك من أمرٍ قد دهمني ، وأشغل قلبي ، وأطال فكري ، وسلبني بعض لُبّي ، وغيّر خطير نعمة اللّه‏ عندي ، أسلمني عند تخيّل وروده الخليل ، وتبرّء منّي عند ترائي إقباله اليّ الحميم ، وعجزت عن دفاعه حيلتي ، وخانني في تحمّله صبري وقوّتي ، فلجأت فيه اليك ، وتوكّلت في المسألة للّه‏ جلّ ثناؤه عليه وعليك في دفاعه عنّي ، علما بمكانك من اللّه‏ ربّ العالمين وليّ التدبير ، ومالك الأمور ، واثقا بك في المسارعة في الشفاعة إليه جلّ ثناؤه في أمري ، متيقّنا لاجابته تبارك وتعالى ايّاك باعطائي سُؤلي ، وأنت يا مولاي جديرٌ بتحقيق ظنّي ، وتصديق أملي فيك في أمر كذا وكذا (وتذكر حاجتك بدل كذا وكذا) فيما لا طاقة لي بحمله ، ولا صبر لي عليه ، وإن كنت مستحقا له ولأضعافه بقبيح أفعالي وتفريطي في الواجبات التي للّه‏ عزوجل ، فأغثني يا مولاي صلوات اللّه‏ عليك عند اللهف ، وقدّم المسألة للّه‏ عزوجل في أمري قبل حلول التلف وشماتة الأعداء ، فبك بسطت النعمة عليّ ، واسأل اللّه‏ جلّ جلاله لي نصرا عزيزا ، وفتحا قريبا فيه بلوغ الآمال ، وخير المبادي وخواتيم الأعمال ، والأمن من المخاوف كلّها في كلّ حالٍ ، انّه جلّ ثناؤه لما يشاء فعّال ، وهو حسبي ونعم الوكيل في المبدء والمآل »(2) .

    ثم يأتي الغدير أو النهر ويعتمد على أحد الوكلاء امّا عثمان بن سعيد العمري ، أو ابنهُ محمد بن عثمان ، أو الحسين بن روح ، أو عليّ بن محمد السّمري ، فينادي أحدهم ويقول : « يا فلان بن فلان ، سلام عليك أشهد انّ وفاتك في سبيل اللّه‏ ، وانّك حيّ عند اللّه‏ مرزوق ، وقد خاطبتك في حياتك التي لك عند اللّه‏ عزوجل ، وهذه رقعتي وحاجتي إلى مولانا عليه‏ السلام ، فسلّمها إليه وأنت الثقة الأمين » . ثم يقذفها في النهر أو البئر أو الغدير ، فتُقضى حاجته .
    ويُستفاد من هذا الخبر الشريف انّ هؤلاء الاربعة المذكورين كما كانوا الواسطة
    بين صاحب الزمان عليه ‏السلام وبين الناس في الغيبة الصغرى في عرض الحوائج والرقاع وأخذ الجواب وابلاغه ، فكذلك حالهم في الغيبة الكبرى ، فهم في ركابه عليه‏ السلام ومن المفتخرين بهذا المنصب الشريف .
    فعُلِمَ انّ مائدة احسانه عليه‏ السلام وجوده وكرمه وفضله ونعمه منتشرة في كلّ قطر من أقطار الأرض ، وباب كرمه مفتوح ، والطريق إليه واضح لكلّ آيسٍ ومضطربٍ وضالٍّ ومتحيّرٍ وجاهلٍ وحيران ، الذي جاء بصدق وعزم واضطرار وصفاء مع اخلاص ، فان كان جاهلاً عُلّم ، وان كان ضالاّ هُدي ، وإن كان مريضا عوفي ، كما يظهر هذا من الحكايات والقصص السالفة .

    وخلاصة الحال انّ صاحب الأمر عليه ‏السلام حاضر بين العباد ، وناظر إلى أعمالهم وأحوالهم ، وقادر على كشف البلايا عنهم ، وعالم باسرارهم وخفاياهم ، ولم يكن معزولاً عن منصب الخلافة بسبب غيبته واستتاره عن الناس ، ولم يترك عليه‏ السلام الرئاسة الالهيّة ، ولم يظهر العجز عن قدرته الرّبانية ، وإن شاء عليه ‏السلام حلّ مشاكل القلوب من دون أيّ سعي وفعاليّة ، وإن شاء شوّق قلب المضطر لكتاب أو لعالم عنده دواء دائه ، أو يُلهمه دعاء أو يعلّمه دواءه في المنام ، وما رُأي وسُمع من أنّ بعض المضطرين وأصحاب الحوائج مع صدق الولاء والاقرار بالامامة ، وقد دعوا وتضرّعوا وشكوا أمرهم إليه عليه ‏السلام ولم تُقض حوائجهم ، فهذا ـ بالاضافة لوجود موانع الدعاء والقبول فيه ـ امّا أن يزعم انّه مضطر وليس كذلك ، أو يزعم انّه ضالٌ متحيّر وقد هُدي إلى الطريق وعُلّم كالجاهل بالاحكام العملية الذي اُرجع إلى العالم ، كما جاء في التوقيع المبارك عن مسائل اسحاق بن يعقوب حيث قال : وامّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فانّهم حجّتي عليكم وأنا حجة اللّه‏ عليهم(1) .

    فاذا أمكن وصول الجاهل للعالم وإن كان بالهجرة والسفر ، أو الحصول على كتابه في الأحكام لم يكن مضطرا ، وكذلك العالم الذي يمكن أن يحلّ المشاكل ويدفع الشبهات عنه بالرجوع إلى الظواهر ونصوص الكتاب والسنة والاجماع لا يسمّى عاجزا ، وهكذا من وسّع في نفقاته ومعاشه خارج الحدود الالهية والموازين الشرعيّة ، ولم يكتفِ بالمقدار الممدوح في الشرع ، ولم يقنع بما في يده طلبا لما هو زائد عن قوام معاشه لم يكن مضطرا ، وقس على هذا الموارد التي يعتقد الانسان بانّه مضطرٌ أو عاجز فيها ، فلو تأمّل بصدق لرأى خلافه .

    وحتى إذا كان هذا الشخص صادق في اضطراره ، فلعلّ قضاء حاجته لا تكون في مصلحته أو مصلحة النظام الكلّي ، ولم يرد وعد باجابة دعاء كلّ مضطر ، نعم لا يقدر على قضاء الحوائج الاّ اللّه‏ أو خلفاءه ، وليس معنى هذا اجابة كلّ مضطر ، وكثيرا ما
    م تُجَبْ ، ولم يكن الأمر كذلك بانّ كل عاجز يُجاب وتُقضى حاجته في أيّ زمان ومهما كانت ، فانّ في هذا اختلال النظام ورفع الأجر والثواب العظيم الجزيل لأصحاب البلاء والمصاب ، فانّهم إذا رأوا ثوابهم يوم القيامة تمنّوا أن تتقطّع لحومهم بالمقاريض في الدنيا كي يصلوا إلى ثواب اكثر وأجر أوفر ، ولكن اللّه‏ تعالى مع قدرته الكاملة ، وغنائه المطلق ، وعلمه المحيط بذرّات وأجزاء الموجودات لم يؤاخذ خلقه بمثل ذلك .
    منتهى الآمال,,
    في تواريخ النبي والآل.
يعمل...
X