بسم الله الرحمن الرحيم
اختفى الملكان عن سعيد وبقي حائرا لايعرف ماذا سيحدث له بعد ذلك ، لكن بعد ان أخبره الملك إنه سوف يستقر في قالب مثالي لطيف يشابه من حيث الصوره والشكل قالبه الاول ، قال سعيد : فقد احسست بعد اختفائه بتفكك كل القيود التي كانت تربطني ببدني المادي وكأن حبالا كانت تجرني نحوه قد تقطعت وقيودا قد تمزقت فأصبحت خفيفا لطيفا ولم اشعر بالتحاقي بالقالب المثالي إلا بعد استقراري فيه لخفته ولطافته . زالت همومي وآلامي بنجاتي من اسئله منكر ونكير إلا هم العقرب وألمه فهو لايرتضي المفارقه ولايقبل المساومه لذا عاد أنيني وصراخي منه وبينما أنا كذلك لاحظت اتساعا في القبر وانفتاح باب منه نحو حديقه واسعه كبيره حينها قال لي أحد الكائنات النورانيه وهو يجرني نحوه : لنخرج إلى الحديقه التي فتح القبر الباب اليها ، تحركنا جميعا واتجهنا نحو الباب فخرجنا منه وجلسنا وسط خضره واسعه كانت سعتها مد البصر وجمالها ملفت للنظر وقد وزعت فيه الورود بشكل منسق ومنتظم كما ان ألوانها تتغير بين الحين والآخر لتعطي جمالاً باهرا ورائحه خلابه .
كانت الكائنات الروحانيه على شكل ست صور بينهن صوره أحسنهن وجهاً وأبهاهن هيئهً وأطيبهن ريحاً قد استقرت فوق رأسي أما الأخريات فكانت واحده عن يميني والثانيه عن يساري والثالثه بين يدي والرابعه خلفي والخامسه عند رجلي فقالت أحسنهن صوره : من أنتم جزاكم الله خيراً؟ قالت التي على يميني : أنا الصلاه وقالت التي على يساري : انا الزكاه وقالت التي بين يديَ : أنا الصيام وقالت التي خلفي أنا الحج والعمره وقالت التي عند رجلي أنا البروالاحسان . ثم قالت الصور جميعاً ومن أنت ؟ فأنت أحسننا وجها وأطيبنا ريحا وأبهانا هيئهً؟ قالت أنا الولايه لآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين . ((عن الامام الباقر عليه السلام قال : إذا مات العبد المؤمن دخل معه في القبر سته صور فيهن صوره أحسنهن وجهاً وأبهاهن هيئه وأطيبهن ريحاً و.....)) قال سعيد كنت أشاهد وأسمع مايجري من حديث بين الكائنات النورانيه فسألتهن مستغربا : ألم تتعارفن قبل هذا الوقت ؟ قالت الولايه : كلا لم تترك أحداث القبر مجالا لذلك . إنه كان اجتماع أنس مع هذه الكائنات النورانيه لكنه انقضى سريعاً لحلاوته إذ أستأذنوا بمغادره المكان فأجبتهم مستغرباً : أحقاً ماتقولون ؟ وهل سأبقى وحيدا غريبا هنا ؟ أجاب أحدهم : إن لكل منا طاقه محدوده في الدفاع عنك ومرافقتك وذلك يتبع مدى أدائك لنا في الدنياوإخلاصك لله حين الاداء لذلك سوف يغادرك بعضنا ويبقى الآخر وبعد سويعات سوف يغادرك الجميع وسيكون هذا منوالنا خلال مسيرتك في عالم البرزخ لكننا سنلتقي بين مده وأخرى ولابد لك من أن تمر بمراحل وأشواط قد تكون صعبه وموحشه في بعضها وقد تكون ممزوجه بنعيم أعمالك حتى تستقر لك درجه ومرتبه تكون عليها الى يوم الحشر والحساب الأكبر .
قال سعيد : وهل سيكون بإمكاني الرقي خلال مده البرزخ ؟ قالت الكائنات النورانيه إن ذلك مرتبط بإعمالك أيضاً .
وكيف ؟ قد يكون رقيك بسبب صدقه جاريه لم تزل آثارها ومنفعتها مستمره على أهل الدنيا فكل يوم يمضي عليك ترقى درجه تتناسب معها ومنها الولد الصالح الذي ترعرع في أحضانك وقد بلغ رشده ((في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال صدقه أجراها في حياته فهي تجري بعد موته وسنه هدى سنها فهي يعمل بها بعد موته أو ولد صالح يدعو له )) فخدم الاسلام وأهله أو قد يكون رقيك بسبب خير يأتيك من أهل الدنيا أو من صلاه أو صيام أو عمل خير يهدى ثوابه إليك ثم ساد صمت قليل .
عندما ساد الصمت لحظات قال أحد الكائنات الروحانيه : والآن لابد من الفراق وسيبقى معك الصلاه والصيام إلى وقت آخر ،ذهبوا وعيني تلاحقهم ثم بعد سويعات غادرني الصلاه والصيام فبقيت وحيداً فريداً . ساد ظلام الليل لكني مازلت أرى فهناك أنوار ثابته وأخرى تشع بين الحين والآخر ومازالت رائحه الورود العطره تخالط النسيم النقي الذي كان يهب برفق وهدوء لكني لااحس بلذه ذلك بسبب لدغه العقرب الذي لم يزل عالقاً في قدمي وبين لحظه وأخرى تتطايرشرارات عينه المخيفه نحوي لذا تنحيت جانبا وجلست حزينا مستوحشا على سرير دلني عليه نوره المشع وبريقه الجذاب .
قلت في نفسي أهذه هي الجنه التي كنت أحلم بنعيمها ؟! لكني لاأرى فيها غير الغربه والوحشه وفي هذه الأثناء سمعت نداءاً من شجره قريبه فتوجهت نحوها وأطرقت لكلامها فإذا بها تقول إن كل ماتراه هنا هو تجسم لأعمالك في الدنيا كما قال تعالى ((يوم تجد كل نفس ماعملت من خير محضرا وماعملت من سوء ....)) وانت بحاجه إلى نقاء أكثر كي ترقى إلى وضع افضل مما انت فيه . أجبت الشجره متسائلا : حتى انت وهذا السرير الذي جلست عليه هو تجسم لأعمالي ؟ قالت نعم .
بالله عليك أخبريني أي عمل تجسم بصورتك هذه ؟ أجابت الشجره أما أنا فقد خلقت منذ وقت طويل على أثر ذكر وتسبيح وتهليل كان بتدبر وخلوص لله وكذلك هذه الأشجار التي تراها والمتباينه في الشكل والجمال وإنما هذا التباين بينها يتبع التفاوت في درجه أذكارك . قال لها سعيد : لم تخبريني عن السرير الذي كنت جالساً عليه . قالت : اما السرير فهو تجسم لإيوائك مسافر ذات يوم أدخلته ساعه في بيتك فوقيته حر الظهيره . قال سعيد : أصابتني الحسره والندم على أوقات عمري التي انقضت ولم أملأها بذكر الله لكن الحسره لاتنفع والندم لايجدي وعلى التسليم والقبول . تمعنت جيدا في ثمر هذه الشجره فرأيته أشبه بالتفاح لكنه بألوان متعدده فنويت الطلب من بعضها ولكن قبل أن اتفوه بكلمه واحده رأيت الثمر يتساقط أمامي واحده تلو الأخرى وبعدد ألوانها ، تجولت في أنحاء الحديقه فرأيت الطيور المضيئه بألوانها الزاهيه وتغاريدها المطربه تطير بين الأشجار ورأيت الأنهار تشق الحديقه بشكل هندسي رائع لتجري وتشكل شلالات جميله امتزجت أصواتها فتكونت نغمه موسيقيه عذبه لم تكن الأنهار من نوع واحد وانما متعدده فكان الاول نهر ماء عذب والآخر لبن ناصع البياض مصفى والآخر تسمى مادته خمرا طعمه لذيذ ورائحته عطره إنه لايشبه خمر الدنيا سوى اسمه . بينما كنت أتجول في الحديقه الخلابه وانظر يمينا ويسارا وإذا بشخص غايه في الجمال والبياض يتقدم نحوي ويسلم علي فأجبته وعليك السلام . أحسست براحه كبيره عند رؤيته فقلت له: هل يمكن أن تخبرني من أنت وماذا تفعل هنا ؟
قال أنا خلاصه أعمالك الحسنه قد كنت معك في الدنيا وسأكون معك على طول مسيرتك في عالم البرزخ . قال له سعيد : لكنني لم أراك قبل هذا الوقت ! قال خلاصه الأعمال الحسنه : ان الانسان لايرى في الدنيا سوى ظاهر عمله غافل عن باطنه وحقيقته الملكوتيه التي هي مرافقه له لحظه الأداء ولا تظهر له إلا بعد كشف الغطاء عنه .
قال سعيد : وماذا بعد البرزخ ؟ قال : بعد البرزخ سيكون لي دور يتناسب مع عظمه الحساب والأهوال يوم ذاك . قال سعيد : إذن قد فزت ونجوت . قال ذو الأعمال الحسنه كلا إن أمامك الكثير من الأهوال والمصائب وأنواع من العذاب سوف يصب عليك وكله آثار أعمالك السيئه وكل عذاب يصيبك في البرزخ سوف يطهرك أكثر وأكثر حتى تنقى .
قال سعيد : وماذا سيكون دورك في كل ذلك وأين رفقتك لي في تلك الأهوال والمصائب ؟ قال : إن لي حدا محدودا في مرافقتك والسعي لنجاتك ، إذ أن لديك ملكات فاسده ومعاصي ارتكبتها ولم تتب منها ولابد لك من أن تذوق عذابها وفي ذلك سوف أكون بعيداً حتى تطهر منها .
قال سعيد : وماذا عن العقرب الذي في قدمي ، وكيف الخلاص منه ؟ قال : إن هذا متعلق بالشخص الذي يطلبك مالا ولم تؤده إليه وسوف لايزول عنك حتى تؤديه دينه أو يبرئك منه . قال سعيد : وماذا بوسعك أن تساعدني في هذا الأمر ؟ قال سوف أبذل أقصى جهدي لمساعدتك ونجاتك منه إن شاء الله . والان لابد لي من مفارقتك . قال سعيد : تركني وحيدا وذهب انطفأت كل المصابيح وذهب بريق كل الأشياء وساد الظلام فلم أعد أرى شيئاً ولا أسمع صوتاً وغمرتني وحشه شديده وتحيرت إلى أي جهه أقصد وإلى أي طرف أخطو لعل هذا مقدمه للعذاب .....
انجلى الليل وأقبل عليَ كائنان عملاقان أسودان كسواد القير لايُرى منهما شيء غير شرارات تخرج من عينيهما وحلقيهما وشرارات أخرى تخرج من عصاتيهما الملتهبتين دنيا مني حتى وصلاني وأنا في حاله خوف شديد فمسكني أحدهما من رأسي والآخر من قدمي وحملا بي سريعاً كالبرق إلى واد كبير عميق يصعد منه دخان أسود عظيم وله سور ضخم لم اتمكن من تمييز حد لنهايته لامن أعلى ولامن يمين أو يسار اقتربنا منه فأنفتح لنا بابه الذي لو اجتمعت آلاف مؤلفه من البشر لفتحه ماتمكنوا منه . دخلنا وإذا بأصوات صراخ وعويل لنساء ورجال ، وشممت رائحه كريهه نتنه فقلت للمأمورين معي : ماهذا المكان الذي جلبتماني إليه لعلكما اشتبهتما في شخصي . قال أحدهما : نحن ملائكه الغضب لانشتبه في شخص قط ، وفوقنا رقيب نأخذ منه الأمر ورقيبنا عليه رقيب حتى يصل الأمر إلى الجليل الأعلى ألم تقرأ في القرآن الكريم ((لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون )) .
أما الآخر فقال : وهذا وادي خصص لعذاب العاصين ولابد لك من قضاء أنواع العذاب فيه حتى تنقى من ذنوبك . قال الملك كلامه وضربه على رأسه .
الى اللقاء في الجزءالقادم لنرى كيف كانت هذه الضربه وماالذنب الذي اقترفه في دنياه ....