إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

لمحة تاريخية على مسألة اصالة الوجود 2

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لمحة تاريخية على مسألة اصالة الوجود 2

    بسم الله الرحمن الرحيم

    ما معنى الماهية: فهي تأتي بمعنيين:
    الأول: هو مصدر جعلي مأخوذ من (ما هو) وهو ما يناله العقل من الموجودات الممكنة عند تصورها تصوراً تاماً، أو هي قالب كلي ذهني للموجودات العينية، وهذه هي الماهية بالمعنى الأخص، وهي إنما تكون للموجودات القابلة للكنه، أما غير القابلة لذلك كالوجود فإنه لا ماهية له، والعدم أيضاً لا حدود له.
    الثاني: هو المعنى الأعم للماهية أي ما به الشيء هو هو، أي ما يتحقق به الشيء، وهذا النوع من الماهية يشمل الموجود المحدود وغير المحدود.
    والمقصود في هذا البحث هو المعنى الأول، أي الماهية بالمعنى الأخص.
    أما معنى الأصالة والاعتبار، فإن الأصيل: هو الأمر الواقعي الحقيقي الخارجي، الذي تترتب عليه الآثار الخارجية أولاً وبالذات، وفي قبال الأصيل، الاعتباري، فالاعتبار يقابل الأصالة وهو ما لا تترتب عليه الآثار الخارجية أولاً وبالذات.
    أما محل النزاع فهو: من الذي يملأ الواقع الخارجي، وتترتب عليه الآثار الخارجية، أهو الوجود أم الماهية؟
    هذا منشأ النزاع في المسألة، فأما الذي يملأ الواقع الخارجي ويكون هو الحقيقة العينية فهو الوجود، عندها يكون هو الأصيل، هذا معنى أصالة الوجود، وإذا كانت هي الماهية فإن الأصالة للماهية.
    ولكن ما الذي يذهب إليه العقل؟ الجواب: هناك أربعة فرضيات، وهي:
    1 ـ يكون كلا الأمرين (الوجود والماهية) اعتباريين، أي لا توجد حقيقة تملأ الواقع الخارجي وتكون منشأً لترتب الآثار الخارجية.
    2 ـ كلاهما أصيل، أي كلاهما يملأ الواقع وتترتب عليه الآثار، فيصبح كل شيء حقيقته مزدوجة من ماهية ووجود.
    3 ـ الوجود أصيل والماهية اعتبارية.
    4 ـ الماهية أصيلة والوجود اعتباري.
    الفرض الأول يؤدي إلى القول بالسفسطة، وهي إنكار الواقع الخارجي، والفلسفة تبدأ حيثُ تنتهي السفسطة.
    أما الفرض الثاني: وهو كون الوجود والماهية كليهما أصيلاً، أي كل منهما يملأ الواقع الخارجي وتترتب عليه الآثار الخارجية، فهو قول غير صحيح، لأنه يلزم منه المحال، على اعتبار أن كل شيء سوف يتعد، فكل شيء يصبح شيئين، كالقلم في يدك يصبح مزدوجاً، ونحن ندرك بالبداهة، أن له في الخارج حقيقة واحدة تترتب عليها الآثار.
    ويبقى الفرضان الثالث والرابع، فما هو الصحيح منهما؟
    الذي ذهبت إليه مدرسة الحكمة المتعالية هو القول الثالث، أي القول بأصالة الوجود واعتبارية الماهية، فالوجود هو الحقيقة في العالم العيني، وهو المنشأ لترتب الآثار الخارجية، أما الماهية فهي أمر اعتباري منتزع من الوجود، فلا تترتب عليها الآثار الخارجية وإنما الآثار تترتب على منشأ انتزاعها وهو الوجود.
    ـ الأقوال في المسألة:
    القول: بأصالة الوجود، وهو قول مدرسة الحكمة المتعالية، والقول بأصالة الماهية، وهو قول منسوب إلى مدرسة الإشراق وإلى السهروردي، وقول بالتفصيل وهو المنسوب إلى المحقق الدواني، فقد قال بأصالة الوجود في الواجب وأصالة الماهية في الممكن.

    ـ الأدلة على أصالة الوجود:
    1
    ـ البرهان الأول:
    الماهية من حيثُ هي لا موجودة ولا معدومة، الماهية بحد ذاتها لا تقتضي الوجود ولا العدم، لأن الوجود والعدم خارجان عن ذاتها، فهي متساوية النسبة إليهما، فعندما نريد تحليل ماهية ما، كماهية الإنسان فلا نقول الإنسان: حيوان ناطق موجود، لأن الوجود خارج عن ذات الماهية، الماهية متساوية النسبة إلى الوجود والعدم، فالجوهر مثلاً مأخوذ في ماهية الإنسان، ولهذا فلا يمكن أن نقول إن الإنسان يمكن أن يكون جوهراً ويمكن ألا يكون جهراً، لأن الجوهر مأخوذ في ماهية الإنسان لكن يمكن القول بأن الإنسان يمكن أن يكون موجوداً ويمكن ألا يكون موجوداً، لأن الوجود لم يؤخذ في ماهية الإنسان.
    وهنا ينبغي أن نشير إلى أن للحمل صورتين:
    الأولى: الحمل التحليلي أو الذاتي، وفيها نستخرج المحمول من ذات الموضوع، أي حمل الذاتي على الذات، ولذلك نقول: الإنسان جوهر جسم حيوان ناطق، فهنا نحمل الذاتي على الذات، كل هذه المحمولات ذاتيات بالنسبة للإنسان، وفي هذه الحالة نستخرج المحمول من ذات الموضوع، وهنا يستحيل حمل نقيض المحمول على الموضوع، فعندما نقول: الإنسان جوهر، لا يمكن القول: الإنسان ليس بجوهر.
    الثانية: الحمل التركيبي، وهو حمل شيء من خارج ذات الموضوع على الموضوع، مثل: الإنسان أبيض، الإنسان طويل، الإنسان قصير، ففي هذه الحالة لا يستحيل حمل نقيض المحمول على الموضوع، إذ نستطيع القول الإنسان أبيض والإنسان ليس بأبيض، ففي هذا الحمل لا يكون المحمول مستخرجاً من ذات الموضوع، أي ليس من حمل الذاتي على الذات.
    وهنا نسأل: أإنّ حمل الوجود والعدم على ماهية ما، كماهية الإنسان، من الحمل التحليلي أم التركيبي؟
    الجواب: إن الوجود والعدم معنيان تركيبيان، أي ليسا داخلين في معنى الماهية، وإنما يحملان على الماهية من باب حمل شيء من خارج ذات الموضوع على الموضوع، ولذلك لا يستحيل حمل نقيض أحدهما على الماهية، فيمكن أن نقول: الماهية موجودة، الإنسان موجود، ونقول الماهية معدومة، الإنسان معدوم.
    الحمل في الأول حمل الوجود على الماهية وفي الثانية حمل نقيضه وهو العدم، وهذا الحمل تركيبي، ولذلك فالوجود والعدم غير مأخوذين في مفهوم الماهية، وهذا معنى القول: (الماهية من حيث فهي ليست إلا هي لا موجودة ولا معدومة) وإن كانت الماهية في الواقع ونفس الأمر إما موجودة أو معدومة، كالإنسان.
    والآن نقول مَن الذي أخرج ماهية الإنسان من حالة الحياد بين الوجود والعدم وجعلها متلبسة بالوجود؟
    الجواب: إن الذي أخرجها هو الوجود، وهذا معنى أصالة الوجود.
    هذا ملخص الكلام في الدليل الأول، وربما يقول قائل إن الذي يخرجها غير الوجود، أو هي التي تخرج، لكن يكون ذلك منها انقلاباً، وهو محال، لأنها متساوية النسبة للوجود والعدم، فكيف تتلبس بالوجود بدون سبب؟ فهذا هو الإنقلاب المحال.
    إذاً لكي تخرج الماهية من حالة الاستواء إلى حالة الوجود لابدّ من مُخرِج لها، وهذا المُخرِج لا يمكن أن يكون هو الماهية لأنها متساوية النسبة للوجود والعدم، فلابدّ أن يكون هذا المخرج هو الوجود، ومن هنا تكون الآثار الخارجية ناشئة عن الوجود، والمتحقق في الخارج هو الوجود.
    وهنا قد يثار إشكال ملخصه: لماذا لا يكون خروج الماهية من حد الاستواء إلى المرحلة التي تترتب عليها الآثار بنسبة مكتسبة من الجاعل؟ أي عندما تنتسب الماهية إلى الجاعل فإنها تتحقق، تكون في عالم الأعيان، وبالتالي تصبح منشأ لترتب الآثار.
    والجاعل هو العلة الموجبة لخروج الماهية من حد الاستواء إلى الخارجية والتحقق والوجود.
    الجواب: إن هذا الكلام غير تام، لماذا؟ لأننا نسأل عن هذه الحيثية المكتسبة، وهي أن الماهية عندما انتسبت إلى الجاعل فقد تحققت، وعندها تترتب عليها الآثار، أي حيثية تكون متلبسة بالوجود والأصالة، اكتسبتها من الجاعل، فنقول: أهذه الحيثية المكتسبة، حقيقية متأصلة في الأعيان وخاصة، أم لا هي أمر اعتباري؟ فإذا كانت أمراً خارجياً حقيقياً عينياً أصيلاً فهذا هو ما نعنيه بأصالة الوجود. وإن كانت هذه الحيثية المكتسبة، لم تغيِّر من حال الماهية، أي الماهية قبل وبعد الانتساب للجاعل مستوية النسبة للوجود والعدم، فحينئذ يلزم من ذلك الانقلاب، وهو محال.
    بمعنى أن الأمر الاعتباري ينقلب إلى أصيل، الأمر المعدوم يغدو موجوداً بلا سبب فيلزم التناقض، والتناقض محال.
يعمل...
X