بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
البلاغة :في اللغة من بلغ عقله اي كمل بلغ الصبي اي وصل الى عمر كذا ,ولعل الجامع بينهما هو الوصول والانتهاء من بلغ الى حده.
وفي الاصطلاح البلاغي : يتصف بها امران
الاول : الكلام ,والثاني :المتكلم
ماهو الدليل على انحصار البلاغة بالكلام والمتكلم ؟
الجواب : قالوا :ان البلاغة هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال بلحاظ اللفاظ الزائدة من التوكيد في مقام الانكار نحو (زيد قائم) تقول (ان زيدا لقائم) وهكذا بقية الامور التي سوف تأتي ان شاء الله تعالى , وهذه الامور الزائدة من الكلام لا تستقيم بنفسها الا مع الكلام والكلام لا يجدي شيء الا مع وجود المتكلم ,فعرفنا ان الذي يتصف بالبلاغة هو الكلام والمتكلم .
مطلب جديد : لماذا قدم الكلام عن الفصاحة قبل البلاغة ؟
الجواب :انه سوف يأتي ان شاء الله تعالى ,ان النسبة بين الفصاحة والبلاغة اعم مطلقا
اي كل بليغ فصيح ولا عكس كما سوف تأتي الاشارة في محله ان شاء الله تعالى
فان البلاغة فصاحة وزيادة على ذلك
سؤال :لماذا قدم فصاحة المفرد على الكلام ؟
الجواب : ان فصاحة الكلام تتوقف على المفرد وهو وواضح لم تأمل بأدنى تأمل .
تعريف فصاحة المفرد : وهو عبارة عن خلوصه من ثلاثة امور (التنافر والغرابة ومخالفة القياس ) .
يلاحظ ان كلمة خلوص امر عدمي وقد يقال :التعريف بالعدم ؟ اجاب الشارح :انه من باب المسامحة في ذلك .
ان كل كلمة لها مادة وهيئة ,وباعتبار المادة يأتي بحث التنافر ,وباعتبار الهيئة يأتي بحث القياس ,وباعتبار الدلالة على معنى يأتي بحث الغرابة .
واليك التفصيل بين هذه الامور الثلاثة :
اولا : تنافر الحروف وهو وصف يوجب ثقل في الكلمة نحو كلمة (هعخع) وكلمة (مستشزرات)
والثقل يؤدي الى عدم فصاحة الكلمة ,كون الكلمة غير مأنوسة فينفر منها السامع .
لكن لعل سائل يسال ماهو الملاك في تشخيص التنافر من عدمه ؟
الجواب : هنالك بالعادة ثلاث ضوابط
الضابط الاول : قال بن الاثير في كتاب الاثر السائر :الذوق السليم الناشأ من كلام العرب وممارسة كلام العرب : اي من كثرة السماع والاستماع ,فما تمجه الاسماع ولم يتوارد في كلماتهم فهو غير فصيح ,وهو مختار الشارح التفتزاني .
الضابط الثاني : ما قاله الخلخالي : هو ان يرجع التنافر الى اوصاف الحروف ,فان لكل حرف وصف من الجهر والهمس والشدة والرخاء وما الى ذلك الثابت في علم التلاوة.
مثال على ذلك :لو اخذنا كلمة مستشزرات
فان الحروف المهموسة جمعت في كلمة (فحثه شخص سكت) تسمى حروف الهمس لان النفس معها يختفي .
وكذلك من ناحية الشدة والرخاء والتوسط بين ذلك ,فان الحروف الشديدة ثمانية (اجد قد بكت)
والرخوة جمعت في كلمة (لن عمر) وما عدها متوسط بين ذلك .
الان نقول : ان كلمة مستشزرات ان قبل الشين تاء وبعد الشين زاي
اولا : ان الشين من الحروف المهموسة والمتوسطة بالنسبة الشدة والرخاء
ثانيا : ان التاء التي قبلها مهموسة من حروف الهمس ومن الحروف الشديدة
ثالثا : ان الزاي من حروف الجهر والمتوسطة بالنسبة الشدة والرخاء
فان الشين خالفت التاء في الشدة و وافقتها بالهمس , وخالفت الشين الزاي في الجهر و وافقتها بالتوسط , وعليه ان الشين اتصفت بوصفين وخالفت مابعدها وما قبلها ,فانت تجد ان الحرف اذا جمع اكثر من وصف مع مخالفته لما بعده او قبله او كليهما ,فهذا يؤدي الى تنافر الحروف .
اشكال الشارح التفتزاني على هذا الضابط :
قال : ان كلمة (مستشرف) كلمة فصيحة ومع ذلك ان الضوابط المذكورة في كلمة (مستشزرات) منطبق عليه ,قال :ان الراء من حروف الرخوة فاختلفت مع الشين بالرخوة والتوسط , وعليه ان كلمة مستشرف غير فصيحة ,ولا قائل به ..
الضابط الثالث : ما قاله الزوزني شارح ديوان ابو العلا المعري قال: ليس وصف الحرف يوجب الثقل ,بل ان تقارب الحروف وبعدها من المخارج يوجب التنافر وعليه تكون الكلمة غير فصيحة ,فاذا كانت الكلمة جامعة لحروف بعيدة عن المخرج ,فهو سبب في تنافر الكلمة .
كما لو جمعت الكلمة حرف من حروف الحلق وحرف من حروف الجوف ,فمؤداه الى التنافر
لكن الزوزني رد قوله بأشكال :حاصله ام كلمة (اعهد) هي كلمة قرآنية ,فأنها قد جمعت بين الحروف ما يخرج من اقصى الحلق وهو العين ,وما يخرج من الشفة وهو الهاء ,ولازم هذا الضابط يخرج القران من كونه غير فصيح .
ثم اجاب قائلاً : نحن وان سلمنا ان كلمة (اعهد) غير فصيحة ,لكن ورودها في كلام طويل وتكون في سياق كلمات كثيرة وعليه لا يلزم الفاسد ,وهو كون القران غير فصيح
قال :والشاهد على ذلك استعمل القران كلمات غير عربية مع العلم انها لم تضر بفصاحة القران
نحو كلمة(قرطاس) كلمة يونانية وكلمة (السجل) كلمة فارسية ,وكلمة (المشكاة) كلمة هندية ,وكل هذه الكلمات لم تضر بفصاحة الكلمات لانها وردت في كلام طويل ونحن ننظر الى مجموع الكلام وماتحتويه الجملة بأكملها .
الشارح التفتزاني لكي يصر على رايه وما اختاره في الضابط الاول ,فلا بد من ان يشكل على هذا الضابط الاخر .
قال :
اولا: لانسلم ان القران قد اشتمل على كلمات غير فصيحة ,ومجرد اشتراك اللفاظ في ما بين العرب وغيرهم لا يوجب كونه غير فصيح.
ثانيا: قياس ما نحن فيه على عربية القران قياس مع الافارق ,لان عربية القران بلحاظ هيئته لا بلحاظ الفاظه ,وهو فصيح بلحاظ الكلام والمتكلم .
الثالثا : انه من الصعب الالتزام بهذا الضابط وخصوصا جدا على مذهب الخلخالي والزوزني
تأمل جيدا ان الخلخالي والزوزني ادخلا المركب الناقص في الكلام ,والشارح التفتزاني قد ادخله في المفرد .
وعليه ان الخلخالي والزوزني يجب عليها الدفاع عن وجود الكلمة غير فصيحة بالنسبة الى المركب التام والمركب الناقص فمهمتها اصعب ,واما على راي التفتزاني فمهمته اسهل فهو ادخل المركب الناقص في المفرد ,وعليه لو ورد اشكال على المفرد بانها كلمة غير فصيحة سوف يدافع فقط على المفرد فقط وفقط ,واما غيره فلا بد من ان يدافع عن الكلمات الغير فصيحة التامة والناقصة .
رابعا : ان وجود كلمة غير فصيحة في القران ,لا يخلوا منه اما ان يعلم الله تعالى ان هذه الكلمة غير فصيحة ,او يعلم فان علم ان هذه الكلمة غير فصيحة واوردها يلزم عجز الله تعالى وغير قادر على تبديلها وهو محال عليه تعالى ,واما ان لم يعلم ان هذه الكلمة غير فصيحة فيلزم الجهل عليه تعالى وهي صفة نقص في ذاته .
وعليه يلزم ما اختاره الشارح (الضابط الاول)