بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد واله اجمعين
: الفلسفة المشّائية
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد واله اجمعين
: الفلسفة المشّائية
سبب التسمية :
يُنقل عادةً لتسمية هذه الفلسفة بالمشّائية سببان أساسان
الأول: ما يذكره صاحب الملل والنحل "أمّا المشّاؤون بشكل مطلق فهم من أهل لوقين وأفلاطون لاحترامه الحكمة كان يعلّمها دائماً وهو في حال المشي، وتبعه على ذلك أرسطو، ومن هذا الباب
(سُمي) والظاهر أنّه أرسطو وأتباعه بالمشّائين
الثاني: إنّ أتباع هذه المدرسة يتّبعون المنهج العقليّ- على ما سيأتي توضيحه- وهو أنّهم يسيرون من المقدّمات ليشكّلوا الدليل حتى يصلوا إلى النتيجة، وهم يرفضون أيّ منهجٍ آخر، ولهذا المشي العقليّ وسموا بالمشّائين. "وإذا أردنا أن نستعمل كلمةً وتسميةً تحمل في طيّاتها طريقتهم الفلسفيّة فلا يوجد أفضل من كلمة الاستدلاليين
المعلّم الأول
استطاع أرسطو وهو تلميذ أفلاطون، وكبير فلاسفة اليونان، أن يؤسّس مدرسةً فلسفيّةً عظيمة، سيطرت على التفكير البشريّ بشتى اتجاهاته لفترة قرونٍ متواليةٍ، وما ذلك إلا للأسُس المنطقيّة والعقليّة التي وضعها في قالبٍ علميٍّ دقيقٍ. ويعود الفضل الكبير في تدوين هذه القواعد، وإخراجها من فطرة التفكير البشريّ السليم إلى حيّز التقنين والقواعد، لتشكل علماً مستقلاً، وقواعد عقليّةً يرجع إليها في فصل الخصومات، ويبنى على أساسها الفكر الصحيح، والاستدلال القويم، يعود ذلك كلّه إلى أرسطو، ولذلك حاز لقب المعلّم الأول. ولم يزل كثيرٌ من قواعد هذه المدرسةِ التي أسّسها يُعمل بها إلى عصرنا الحاليّ
الفلسفة المشائيّة في الأوساط الإسلاميّة
انتقلت هذه الفلسفة من اللغة اليونانيّة إلى الأوساط العربيّة على يد المترجمين في عهد الترجمة الإسلاميّة. وكان من أبرز الفلاسفة العرب المسلمين يعقوب بن إسحاق الكنديّ، إلا أنّ دوره لم يتجاوز الشرح والتفسير بالنحو الذي يجعلها مطابقةً مع الأفكار الأساسيّة في الدين الإسلاميّ
وظلّت الحركة الفكريّة في الأوساط الإسلاميّة تتناقل أفكار حكماء هذه المدرسة، ترجمةً وشرحاً وتفسيراً، حتى جاء دور العلَمين الكبيرين، أبي نصر الفارابي الملقّب بالمعلّم الثاني، وأبي علي بن سينا الملقّب بالشيخ الرئيس، وهو رئيس المدرسة المشائيّة في الفكر الإسلاميّ. فقد استطاع هذان العَلَمان- بعد هضم الفلسفات والأفكار السابقة والمطروحة ونقدها- تطويرَ كثيرٍ من الأصول الفلسفيّة حتى بلغت المدرسة المشّائية الرشد والكمال المطلوب
لم يكن للفلسفة قبل هذين العلَمين كيان مستقل عن فلسفة أرسطو، وسائر الفلسفات المنقولة. لكن بالجهود الجبّارة التي بذلاها خرجت الفلسفة ككيانٍ مستقلٍّ في الأوساط الفكريّة الإسلاميّة، وروّجا لهذه الفلسفة بشكلٍ كبيرٍ جدّاً ولذلك استحقّا بكل تقديرٍ هذه الألقاب التي أُضيفت إليهما ميّزات المدرسة
إنّ لكلّ مدرسةٍ طريقةَ تفكيرٍ خاصةً بها، وأسلوبَ بحثٍ يختلف عن المدارس الأخرى، لذلك بقواعدها وطريقتها وأسلوبها تشكّل مدرسةً مستقلّةً. ومن الضروري جدّاً التعرّف إلى خصائص وميّزات كلّ مدرسةٍ على حدةٍ، ليمكن تمييزها وأتباعها عن الأخرى، وعلى هذا فالمدرسة المشائيّة تمتاز بعدّة خصائص وميّزات
الاولى : المنهج العقليّ الذي يعتمد عليه في تحقيق المسائل الفلسفيّة، حتى في المسائل المتعلّقة بالأخلاق والسياسة، فإنّ هذه المدرسة حاولت أن تستخرج مسائلها من المبادئ العقليّة عبر الطرق المنطقيّة.
الثانية : إنّ الروح العامّة التي تحكم هذه الفلسفة هي الاهتمام بالإلهيّات خصوصاً، وبأبحاث الفلسفة الأولى عموماً. ويبدو ذلك واضحاً من خلال مراجعة أبحاث هذه الفلسفة، ومؤلفاتها
الثالثة : تحاول هذه الفلسفة أن تربط أبحاثها الفلسفيّة بقضايا الإنسان، لذلك نجدها تهتمّ بالقضايا الأخلاقيّة، وانتقلت هذه المسألة إلى الفلاسفة المسلمين، فجعلوا ذلك من صميم أفكار فلسفتهم الأساسيّة. وهذا يعني وجود بعدٍ عمليّ طُعِّمت به الفلسفة النظريّة لمعالجة مشاكل الحياة الإنسانيّة .