بسم الله الرحمن الرحيم
التفسير
لما كانت سور القرآن قد أنزلت لسوق البشر إلى كماله الممكن ، وإخراجه من ظلمات الشرك والجهالة إلى نور المعرفة والتوحيد ، ناسب أن يبدأ في كل سورة باسمه الكريم ، فإنه الكاشف عن ذاته المقدسة ، والقرآن إنما انزل ليعرف به الله
سبحانه ، واستثنيت من ذلك سورة براءة ، فإنها بدأت بالبراءة من المشركين ولهذا الغرض انزلت ، فلا يناسبها ذكر اسم الله ولا سيما مع توصيفه بالرحمن الرحيم ( 1 ) .
وعلى الجملة : ابتدأ الله كتابه التدويني بذكر اسمه ، كما ابتدأ في كتابه التكويني باسمه الاتم ، فخلق الحقيقة المحمدية ونور النبي الاكرم قبل سائر المخلوقين ، وإيضاح هذا المعنى
: أن الاسم هو ما دل على الذات ، وبهذا الاعتبار تنقسم الاسماء الالهية إلى قسمين : تكوينية ، وجعلية .
فالاسماء الجعلية هي الالفاظ التي وضعت للدلالة على الذات المقدسة ، أو على صفة من صفاتها الجمالية والجلالية ، والاسماء التكوينية هي الممكنات الدالة بوجودها على وجود خالقها وعلى توحيده : " أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون 52 : 35 . لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا 21 : 22 " .
ففي كل شئ دلالة على وجود خالقه وتوحيده ، وكما تختلف الاسماء الالهية اللفظية من حيث دلالتها ، فيدل بعضها على نفس الذات بما لها من صفات الكمال ، ويدل بعضها على جهة خاصة من كمالاتها على اختلاف في العظمة والرفعة فكذلك تختلف
الاسماء التكوينية من هذه الجهة ، وإن اشترك جميعها في الكشف عن الوجود والتوحيد ، وعن العلم والقدرة وعن سائر الصفات الكمالية .
ومنشأ اختلافها : أن الموجود إذا كان أتم كانت دلالته أقوى ، ومن هنا صح إطلاق الاسماء الحسنى على الائمة الهداة ، كما في بعض الروايات ( 4) .
فالواجب جل وعلا قد ابتدأ في أكمل كتاب من كتبه التدوينية بأشرف الالفاظ وأقربها إلى اسمه الاعظم من ناظر العين إلى بياضها ( 3 ) كما بدأ في كتابه التكويني باسمه الاعظم في عالم الوجود العيني ، وفي ذلك تعليم البشر بأن يبتدئوا في أقوالهم وأفعالهم باسمه تعالى .
روي عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال : كل كلام أو أمر ذي بال لم يفتح بذكر الله عز وجل فهو أبتر ، أو قاطع أقطع ( 4 ) ، وعن أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن الله عز وجل : كل أمر ذي بال لم يذكر فيه بسم الله فهو أبتر ( 5 ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) روى ابنعباس قال سألت علي بن أبي طالب - ع - لم لم تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم ؟قال : لانها أمان ، وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان ،المستدركج 2 ص 33 . ( * )
( 2 ) الكافيباب النوادر من أبواب التوحيد ص 70 ، والوافيج 1 ص 109 ، وتفسيرالبرهانج 1 ص 377
( 3 ) الوافيباب قراءة البسملة والجهر بها ج 5 ص 99 ،والتهذيب ج 1 ص 218 باب => ( * ) ( البيان – 28(
(4 ) مسند أحمدج 2 ص 359
(5 ) البحارج 16 باب 58 الافتتاح بالتسمية ، وج 19 ص 60
التفسير
لما كانت سور القرآن قد أنزلت لسوق البشر إلى كماله الممكن ، وإخراجه من ظلمات الشرك والجهالة إلى نور المعرفة والتوحيد ، ناسب أن يبدأ في كل سورة باسمه الكريم ، فإنه الكاشف عن ذاته المقدسة ، والقرآن إنما انزل ليعرف به الله
سبحانه ، واستثنيت من ذلك سورة براءة ، فإنها بدأت بالبراءة من المشركين ولهذا الغرض انزلت ، فلا يناسبها ذكر اسم الله ولا سيما مع توصيفه بالرحمن الرحيم ( 1 ) .
وعلى الجملة : ابتدأ الله كتابه التدويني بذكر اسمه ، كما ابتدأ في كتابه التكويني باسمه الاتم ، فخلق الحقيقة المحمدية ونور النبي الاكرم قبل سائر المخلوقين ، وإيضاح هذا المعنى
: أن الاسم هو ما دل على الذات ، وبهذا الاعتبار تنقسم الاسماء الالهية إلى قسمين : تكوينية ، وجعلية .
فالاسماء الجعلية هي الالفاظ التي وضعت للدلالة على الذات المقدسة ، أو على صفة من صفاتها الجمالية والجلالية ، والاسماء التكوينية هي الممكنات الدالة بوجودها على وجود خالقها وعلى توحيده : " أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون 52 : 35 . لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا 21 : 22 " .
ففي كل شئ دلالة على وجود خالقه وتوحيده ، وكما تختلف الاسماء الالهية اللفظية من حيث دلالتها ، فيدل بعضها على نفس الذات بما لها من صفات الكمال ، ويدل بعضها على جهة خاصة من كمالاتها على اختلاف في العظمة والرفعة فكذلك تختلف
الاسماء التكوينية من هذه الجهة ، وإن اشترك جميعها في الكشف عن الوجود والتوحيد ، وعن العلم والقدرة وعن سائر الصفات الكمالية .
ومنشأ اختلافها : أن الموجود إذا كان أتم كانت دلالته أقوى ، ومن هنا صح إطلاق الاسماء الحسنى على الائمة الهداة ، كما في بعض الروايات ( 4) .
فالواجب جل وعلا قد ابتدأ في أكمل كتاب من كتبه التدوينية بأشرف الالفاظ وأقربها إلى اسمه الاعظم من ناظر العين إلى بياضها ( 3 ) كما بدأ في كتابه التكويني باسمه الاعظم في عالم الوجود العيني ، وفي ذلك تعليم البشر بأن يبتدئوا في أقوالهم وأفعالهم باسمه تعالى .
روي عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال : كل كلام أو أمر ذي بال لم يفتح بذكر الله عز وجل فهو أبتر ، أو قاطع أقطع ( 4 ) ، وعن أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن الله عز وجل : كل أمر ذي بال لم يذكر فيه بسم الله فهو أبتر ( 5 ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) روى ابنعباس قال سألت علي بن أبي طالب - ع - لم لم تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم ؟قال : لانها أمان ، وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان ،المستدركج 2 ص 33 . ( * )
( 2 ) الكافيباب النوادر من أبواب التوحيد ص 70 ، والوافيج 1 ص 109 ، وتفسيرالبرهانج 1 ص 377
( 3 ) الوافيباب قراءة البسملة والجهر بها ج 5 ص 99 ،والتهذيب ج 1 ص 218 باب => ( * ) ( البيان – 28(
(4 ) مسند أحمدج 2 ص 359
(5 ) البحارج 16 باب 58 الافتتاح بالتسمية ، وج 19 ص 60
ذكر الرحمة بدء القرآن :
قد وصف الله تعالى نفسه بالرحمة في ابتداء كلامه دون سائر صفاته الكمالية ، لان القرآن إنما نزل رحمة من الله لعباده .
ومن المناسب أن يبتدأ بهذه الصفة التي اقتضت إرسال الرسول وإنزال الكتاب . وقد وصف الله كتابه ونبيه بالرحمة في آيات عديدة ، فقد قال تعالى : " هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون 7 : 203 .
(وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين )10 : 57 .
(ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) 16 : 89 .
(وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) 17 : 82 .
(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) 21 : 107 .
(وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين) 27 : 77
ذكر الرحيم بعد الرحمن:
قد عرفت أن هيئة فعيل تدل على أن المبدأ فيها من الغرائز والسجايا غيرالمنفكة عن الذات وبذلك تظهر نكتة تأخير كلمة " الرحيم " عن كلمة " الرحمن " فإن هيئة " الرحمن " تدل على عموم الرحمة وسعتها ولا دلالة لها على أنها لازمة للذات ، فأتت كلمة " الرحيم " بعدها للدلالة على هذا المعنى .
وقد اقتضت بلاغة القرآن أن تشير إلى كلا الهدفين في هذه الآية المباركة ، فالله رحمن قد وسعت رحمته كل شئ وهو رحيم لا تنفك عنه الرحمة .
وقد خفي الامر على جملة من المفسرين ، فتخيلوا أن كلمة " الرحمن " أوسع معنى من كلمة " الرحيم " بتوهم أن زيادة المباني تدل على زيادة المعاني .
وهذا التعليل ينبغي أن يعد من المضحكات ، فإن دلالة الالفاظ تتبع كيفية وضعها ، ولا صلة لها بكثرة الحروف وقلتها ورب لفظ قليل الحروف كثير المعنى ، وبخلافه لفظ آخر ، فكلمة حذر تدل على المبالغة دون كلمة حاذر ، وإن كثيرا ما يكون الفعل المجرد والمزيد فيه بمعنى واحد ، كضر وأضر .
هذا إذا فرضنا أن يكون استعمال كلمة " الرحمن " استعمالا اشتقاقيا وأما بناء على كونها من أسماء الله تعالى وبمنزلة اللقب له نقلا عن معناها اللغوي - وقد تقدم إثبات ذلك - فإن في تعقيبها بكلمة " الرحيم " زيادة على ما ذكر إشارة إلى سبب النقل ، وهو اتصافه تعالى بالرحمة الواسعة .
قد وصف الله تعالى نفسه بالرحمة في ابتداء كلامه دون سائر صفاته الكمالية ، لان القرآن إنما نزل رحمة من الله لعباده .
ومن المناسب أن يبتدأ بهذه الصفة التي اقتضت إرسال الرسول وإنزال الكتاب . وقد وصف الله كتابه ونبيه بالرحمة في آيات عديدة ، فقد قال تعالى : " هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون 7 : 203 .
(وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين )10 : 57 .
(ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) 16 : 89 .
(وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) 17 : 82 .
(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) 21 : 107 .
(وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين) 27 : 77
ذكر الرحيم بعد الرحمن:
قد عرفت أن هيئة فعيل تدل على أن المبدأ فيها من الغرائز والسجايا غيرالمنفكة عن الذات وبذلك تظهر نكتة تأخير كلمة " الرحيم " عن كلمة " الرحمن " فإن هيئة " الرحمن " تدل على عموم الرحمة وسعتها ولا دلالة لها على أنها لازمة للذات ، فأتت كلمة " الرحيم " بعدها للدلالة على هذا المعنى .
وقد اقتضت بلاغة القرآن أن تشير إلى كلا الهدفين في هذه الآية المباركة ، فالله رحمن قد وسعت رحمته كل شئ وهو رحيم لا تنفك عنه الرحمة .
وقد خفي الامر على جملة من المفسرين ، فتخيلوا أن كلمة " الرحمن " أوسع معنى من كلمة " الرحيم " بتوهم أن زيادة المباني تدل على زيادة المعاني .
وهذا التعليل ينبغي أن يعد من المضحكات ، فإن دلالة الالفاظ تتبع كيفية وضعها ، ولا صلة لها بكثرة الحروف وقلتها ورب لفظ قليل الحروف كثير المعنى ، وبخلافه لفظ آخر ، فكلمة حذر تدل على المبالغة دون كلمة حاذر ، وإن كثيرا ما يكون الفعل المجرد والمزيد فيه بمعنى واحد ، كضر وأضر .
هذا إذا فرضنا أن يكون استعمال كلمة " الرحمن " استعمالا اشتقاقيا وأما بناء على كونها من أسماء الله تعالى وبمنزلة اللقب له نقلا عن معناها اللغوي - وقد تقدم إثبات ذلك - فإن في تعقيبها بكلمة " الرحيم " زيادة على ما ذكر إشارة إلى سبب النقل ، وهو اتصافه تعالى بالرحمة الواسعة .