إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مقامات مرابطة العقل للنفس 3

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مقامات مرابطة العقل للنفس 3


    بسم الله الرحمن الرحيم

    وطريق العلاج في إلزام النفس ـ بعد تقصيرها في العمل على هذه العقوبات وربطها على تلك الطاعات الشاقة والرياضات ـ أمران:
    الأول ـ تذكر ما ورد في الأخبار من فضيلة رياضة النفس ومخالفتها، والاجتهاد في الطاعة والعبادة ووظائف الخيرات، قال الصادق (ع): " طوبى لعبد جاهد في الله نفسه وهواه! ومن هزم جند هواه ظفر برضاء الله، ومن جاوز عقله نفسه الامارة بالسوء بالجهد والاستكانة والخضوع على بساط خدمة الله ـ تعالى ـ فقد فاز فوزاً عظيماً، ولا حجاب أظلم وأوحش بين العبد وبين الله ـ تعالى ـ من النفس والهوى، وليس لقتلهما وقطعهما سلاح وآلة مثل الافتقار إلى الله، والخشوع، والجوع والظماء بالنهار، والسهر بالليل، فان مات صاحبه مات شهيداً، وان عاش واستقام اداه عاقبته إلى الرضوان الأكبر، قال الله ـ عز وجل ـ :
    " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين "
    وإذا رأيت مجتهداً ابلغ منك في الاجتهاد فوبخ نفسك ولمها وعيرها، تحثيثاً على الازدياد عليه، واجعل لها زماماً من الأمر، وعناناً من النهي، وسقها كالرابض للفارة الذي لا يذهب عليه خطوة من خطواته إلا وقد صح اولها وآخرها، وكان رسول الله (ص) يصلي حتى تورمت قدماه، ويقول: (أفلا أكون عبداً شكوراً)، أراد أن يعتبر به امته. فلا تغفلوا عن الاجتهاد والتعبد والرياضة بحال. ألا وإنك لو وجدت حلاوة عبادة الله، ورأيت بركاتها، واستضأت بنورها، لم تصبر عنها ساعة واحدة ولو قطعت ارباً ارباً، فما أعرض عنها من اعرض إلا بحرمان فوائد السلف من العصمة والتوفيق " قيل لربيع بن خثيم! مالك لا تنام بالليل؟ قال: " لأني اخاف البيات ". والأخبار الواردة في فضل السعي والاجتهاد ومخالفة النفس والهوى اكثر من أن تحصى.

    الثاني ـ مصاحبة أهل السعى، والاجتهاد في العبادة، ومجالسة المجاهدين المرتاضين الذين لا ينفكون ساعة من مشاق الطاعات والعبادات وإلزام نفوسهم على ضروب النكال والعقوبات، فملاحظة احوالهم ومشاهدة أعمالهم أقوى باعث للاقتداء بآثارهم وافعالهم، حتى قال بعضهم: " إذا اعترتني فترة في العبادات، نظرت إلى بعض العبّاد واجتهاده في العبادة فكنت بعد ذلك اعمل اسبوعاً ". إلا أن ذلك غير مرجو في أمثال زماننا، إذ لم يبق في عباد الله من يجتهد في العبادة اجتهاد الاولين، وليس فينا من تقرب عبادته عبادة ادنى رجل من سلفنا الصالحين. فينبغي أن يعدل عن المشاهدة إلى سماع احوالهم، ومطالعة حكاياتهم واخبارهم، ومن لاحظ حكاياتهم وسمع احوالهم واطلع على كيفية اجتهادهم في طاعة الله، يعلم أنهم عباد الله واحباؤه وانهم ملوك الجنة. قال بعض أصحاب أمير المؤمنين ـ عليه الصلاة والسلام ـ: " صلينا خلفه الفجر، فلما سلم انتقل إلى يمينه وعليه كآبة، فمكث حتى طلعت الشمس، ثم قلب يده وقال: والله لقد رأيت أصحاب محمد (ص) وما أرى اليوم شيئاً شبههم، وكانوا يصبحون شعثاً غبرا صفرا، فقد باتوا لله سجداً وقياماً. يتلون كتاب الله ـ عز وجل ـ، ويراوحون بين أقدامهم وجباههم، وكانوا إذا ذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت اعينهم حتى تبل ثيابهم، وكأن القوم باتوا غافلين ". وكان اويس القرني يقول في بعض الليالي: " هذه ليلة الركوع " فيحيى الليل كله في ركعة، ويقول في بعضها " هذه ليلة السجود " فيحيى الليل كله في سجدة. وقال ربيع بن خثيم: " أتيت اويساً فوجدته جالساً قد صلى الفجر، فجلست موضعاً، وقلت: لا أشغله عن التسبيح. فمكث مكانه حتى صلى الظهر ولم يقم حتى صلى العصر، ثم جلس موضعه حتى صلى المغرب، ثم ثبت حتى صلى العشاء، ثم ثبت مكانه حتى صلى الصبح، ثم جلس فغلبته عيناه، فقال: اللهم إني أعوذ بك من عين نوامة وبطن لا تشبع ". وروى: " أن رجلاً من العباد كلم امرأة ووضع يده على فخذها. ثم ندم فوضع يده في النار حتى نشت عقوبة لها. وبعضهم نظر إلى امرأة فجعل على نفسه ألا يشرب الماء البارد طول حياته، فكان يشرب الماء الحار لينغص على نفسه العيش. ومر بعضهم بغرفة فقال: متى بنيت هذه الغرفة؟ ثم اقبل على نفسه وقال: تسألين عما لا يعنيك؟! لأعاقبنك بصوم سنة، فصامها ". وروى: " أن ابا طلحة الأنصاري شغل قلبه في الصلاة طين في الحائطة، فتصدق بالحائطة جبراً لما فاته من الحضور في الصلاة ". وكان بعضهم اعتلت احدى قدميه فيصلى على قدم واحدة حتى يصلي الصبح بوضوء العشاء. وكان بعضهم يقول: " ما اخاف من الموت إلا من حيث يحول بينى وبين صلاة الليل ". وحكى رجل: " أنه نزل بعض أهل الله عندنا بالمحصب وكان له أهل وبنات، وفي كل ليل يقوم ويصلى إلى السحر، فإذا كان السحر ينادى بأعلى صوته: ايها الركب المعرسون! أكل هذا الليل تنامون فكيف ترحلون؟ فيسمع صوته كل من كان بالمحصب، فيتواثبون بين باك وداع، وقارىء ومتوضئ، وإذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته: عند الصباح يحمد القوم السرى "، وهكذا كان عمل عمال الله، وسلوك سالكي طريق الآخرة، وحكاياتهم غير محصورة خارجة عن الاحصاء، اشرنا إلى انموذج منها ليعلم الطالبون كيفية سيرة الرجال في مرابطة النفس ومراقبتها، ويعلمون ان عباد الله ليسوا امثالنا، بل هم قوم آخرون. قال بعض الحكماء: " إن لله عباداً انعم عليهم فعرفوه، وشرح صدورهم فأطاعوه وتوكلوا عليه فسلموا الخلق والأمر إليه، فصارت قلوبهم معادن لصفاء اليقين، وبيوتاً للحكمة، وتوابيت للعظمة، وخزائن للقدرة، فهم بين الخلائق مقبلون ومدبرون، وقلوبهم تجول في الملكوت، وتلوز بحجب العيون، ثم ترجع ومعا طوائف من لطائف الفوائد ما لا يمكن لواصف أن يصفها، فهم في باطن أمورهم كالديباج حسناً، وفي الظاهر مناديل مبذولون لمن أرادهم تواضعاً، وطريقهم لا يبلغ إليها بالتكليف، وإنما هو فضل الله يؤتيه من يشاء ". فعليك يا حبيبي بمطالعة أحوالهم وحكاياتهم، لينبعث نشاطك وتزيد رغبتك، واياك أن تنظر إلى أهل عصرك، ولعمرك! قل في امثال زماننا من يذكرك الله رؤيته، ويعينك في طريق الدين صحبته، فان تطع اكثر من في بلدك وعصرك يضلوك عن سبيل الله.
    ............................
يعمل...
X