إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مقامات مرابطة العقل للنفس 4

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مقامات مرابطة العقل للنفس 4


    بسم الله الرحمن الرحيم

    الغفلة :
    وهي فتور النفس عن الالتفات والتوجه إلى ما فيه غرضها ومطلبها، إما عاجلاً أو آجلاً. وضدها: النية، وترادفها: الارادة والقصد، وهي انبعاث النفس وميلها وتوجهها إلى ما فيه غرضها ومطلبها حالاً أو مآلاً. والموافق لغرض النفس إن كان خيراً لها وسعادة في الدنيا أو الدين، فالغفلة عنه وعدم انبعاث النفس إلى تحصيله رذيلة، والنقصان والنية له والقصد إليه فضيلة وكمال، وإن كان شراً وشقاوة، فالغفلة عنه وكف النفس منه فضيلة والنية له وارادته رذيلة. ثم باعث النفس على النية أو الغفلة والكف، إن كان من القوة الشهوية كانت النية أو الغفلة متعلقة بها فضيلة أو رذيلة، وإن كان من قوة الغضب كانت النية أو الغفلة متعلقة بهذه القوة كذلك. فالنية والعزم على التزويج متعلقة بالقوة الشهوية، وعلى دفع كافر يؤذي المسلمين متعلقة بقوة الغضب، والنية في العبادات مع انضمام التقرب إليها تسمى اخلاصاً. ثم المتبادر من الموافق للغرض والمطلوب لما كان ما هو كذلك عند العقلاء وارباب البصيرة، فيكون المراد منه ما هو مرغوب ومطلوب في نفس الأمر وما تحصيله خير وسعادة، وبهذا الاعتبار تكون الغفلة باطلاقها مذمومة والنية ممدوحة، فلو ذمت الغفلة باطلاقها ومدحت النية كذلك، كان بهذا الاعتبار. والآيات والأخبار الواردة في ذم الغفلة خارجة بهذا الاعتبار كما وصف الله الغافلين وقال:
    " إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا " . وقال: " أولئك هم الغافلون "
    [ تنبيه ]: الغفلة بالمعنى المذكور اعم من ان يكون فتور النفس وخمودها عن الانبعاث إلى ما يراه موافقاً للغرض مع الجهل بالموافق والملائم، أو مع العلم به ومع النسيان عنه، أو مع التذكر له، وربما خص في عرف أهل النظر بصورة الذهول وعدم التذكر. ثم الكسالة والبطالة قريب من الغفلة بالمعنى العام، وربما فرق بينهما ببعض الاعتبارات.

    تتميم
    (الغفلة موجبة للحرمان)
    الغفلة والكسالة عما ينبغي تحصيله من أمور الدنيا والدين توجب الحرمان عن سعادة الدارين، وتؤدى إلى شقاوة النشأتين، إذ الاهمال في رعاية أمر المعيشة ومصالحها يؤدى إلى هلاكة الشخص وانقطاع النوع، والغفلة عن اكتساب المعارف والأخلاق الفاضلة وعن اداء الفرائض والنوافل تنجر إلى ابطال غاية الايجاد ـ اعني بلوغ كل شخص إلى كماله المستعد له ـ وهو مع كونه صريح المضادة والمنازعة لخالق العباد يوجب الهلاكة والشقاوة أبد الآباد.
    فصل
    ضد الغفلة النية ـ تأثير النية على الأعمال ـ النية روح الأعمال والجزاء بحسبها ـ عبادة الاحرار والاجراء والعبيد ـ نية المؤمن من العمل ـ النية غير اختيارية ـ الطريق في تخليص النية.
    قد عرفت أن ضد الغفلة النية، وهي انبعاث النفس وتوجهها إلى ما يراه موافقاً لغرضها، وقد عرفت أيضاً ان النية والارادة والقصد عبارات متواردة على معنى واحد، وهي واسطة بين العلم والعمل، إذ ما لم يعلم أمر لم يقصد، وما لم يقصد لم يفعل، فالعلم مقدم على النية وشرطها، والعمل ثمرتها وفرعها، إذ كل فعل وعمل يصدر عن فاعل مختار فانه لا يتم إلا بعلم وشوق وارادة وقدرة. إذ كل إنسان خلق بحيث يوافقه بعض الأمور ويلائم غرضه، ويخالفه بعض الأمور، فاحتاج إلى جلب الموافق ودفع المخالف المنافي، وهو موقوف على ادراك الملائم النافع، والمنافي الضار، إذ ما لم يعرف الشيء لم يعقل طلبه أو الهرب عنه، وهو العلم، وعلى الميل والرغبة والشهوة الباعثة عليه، وهو الشوق، إذ من أدرك الغذاء أو النار لا يكفيه ذلك للتناول والهرب، ما لم يكن شوق إلى التناول والهرب، وعلى القصد والشروع والتوجه إليه، وهو النية، إذ كم مشاهد للطعام راغب فيه شائق إليه لا يريده لكونه مؤذياً أو حراماً أو لعذر آخر، وعلى القدرة المحركة للأعضاء إليه ـ أي إلى جلب الملائم أو دفع المضار ـ وبها يتم الفعل، فهي الجزء الأخير للعلة التامة التي بها يتم فعل الفاعل المختار، فالأعضاء لا تتحرك إلى جانب الفعل ولا توجده إلا بالقدرة، والقدرة تنتظر النية، والنية تنتظر الداعية الباعثة ـ اعني الشوق ـ، والشوق ينتظر العلم أو الظن بكون ما يفعل موافقاً له، فان كان الشوق صادراً عن القوة البهيمية، بأن يكون الفعل مما تقتضيه هذه القوة، كأكل، وشرب، وجماع، وكسب مال، وأمثال ذلك من الالتذاذات الشهوية، كانت النية والقصد أيضاً متعلقة بهذه القوة معدودة من فضائلها أو رذائلها، وإن كان مما تقتضيه القوة السبعية: من دفع مؤذ، أو طلب الاستعلاء، أو تفوق، وامثال ذلك، كانت النية أيضاً متعلقة بهذه القوة معدودة من فضائلهما أو رذائلهما، وقد ظهر بما ذكر: أن المحرك الأول هو الغرض المطلوب ـ أعني المقصود المنوي بعد تعلق العلم به ـ وهو الباعث الأول، وينبعث منه الشوق وهو الباعث الثاني، ويتولد منه القصد والنية وهو الباعث الثالث المحرك للقدرة الباعث لانتهاضها على تحريك الأعضاء إلى جانب العمل.

يعمل...
X