بسم الله الرحمن الرحيم
الامام علي بن الحسين (ع)
حاكت سيرة الأئمة المعصومين سيرة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام أجمعين، وشابهوهم بجميع ذاتياتهم، واتجاهاتهم، في هداية الأمة نحو الطريق القويم ومقارعة الظلم والطغيان والفرعنة والجاهلية والجبروت والوثنية والركوع لغير الله سبحانه وتعالى، حيث عانوا ما عانوا في هذا الطريق وقدموا أنفسهم وأرواحهم لإعلاء كلمة الحق على طبق إخلاص للباري تعالى، فمنهم من سلك طريق الجهاد المسلح ومنهم من سلط خيار النضال السلمي .
الامام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام وهو من أنوار الهداية الربانية الذين أختارهم الله سبحانه وتعالى لإنقاذ العباد من براثن الوثنية والقبلية والظلمة والجهالة التي ما تزال تحيط بضلالها عالمنا الاسلامي؛ كان (ع) كالمسيح عيسى بن مريم في زهده، وإنابته الى الله عزوجل وكالنبي أيوب في بلواه وصبره، وكالرسول محمد (صلى الله عليه وآله) في صدق عزيمته وسمو أخلاقه... ولا تحد نزعاته الخيرة وأرصدته الروحية، وحسبه أنه وحده في تأريخ هذه الدنيا، قد عرف بزين العابدين ولم يمنح لأحد هذا اللقب سواه.
سلك الامام السجاد عليه السلام طريق النضال السلمي في مقارعة الظالمين والطغاة وهداية الأمة عبر سلاح الدعاء الذي شدد دوره الدين الاسلامي المحمدي الأصيل في تربية الانسان المسلم وتوعيته وتنوير فكره وهدايته نحو الصواب والطريق القويم وتعزيز ارادته وعزمه على مواجهة المصاعب والمصائب وردع الظلم والفرعنة والطغيان والتصدي للظلم والاحتلال والاستعمار والدعوة نحو التحرر والاستقلال
ومن هذا المنطلق رسم الامام علي بن الحسين زين العابدين (ع)، معالم مدرسته الاسلامية ونهجه المقاوم للطغاة وفضح الظلم ونبذه والتصدي اليه بأدعية عالية المضامين تستند كلها لوحي القرآن الحكيم وتعتبر بحق دائرة معارف عليا لجميع المعارف الالهية، ابتداءً من معرفة الله سبحانه وتعالى، وانتهاءً بتكريس الصفات الرسالية عند الانسان المسلم في التوحيد والعدالة والمساواة كما وردت في صحيفته السجادية في وقت كان العالم الاسلامي يمر بأصعب مراحله وحكم أعتى طغاته من بني أمية المجرمين.
فقد ساد الحياة السياسية في عصره ألوان من القلق والاضطراب، حيث خيم الذعر والخوف على الناس وفقدوا جميع أشكال الأمن والاستقرار، مما سبب تفكك المجتمع وشيوع الأزمات السياسية الحادة، واندلاع الثورات المتلاحقة. والسبب الأول والأخير في كل هذه الأحداث المؤلمة يعود الى طبيعة الحكم الأموي الجائر والمستبد والفساد الذي استشرى في البلاد من قبل الملوك والولاة.
كما اثار الامام السجاد (ع) مسألة العصبية القبلية والطائفية والقومية البالغة الحساسية حيث قال: " العصبيّة الّتي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجلُ شرارَ قومِهِ خيراً مِن خيارِ قومٍ آخرين.." - الكافي للشيخ الكليني، ج 2، ص 308، واراد من وراء ذلك مقارعة العصبية ومحاربتها بكل صورها المقيتة التي لا تزال تسري ويتوسع نطاقها في البلاد الاسلامية حيث نرى كيف يتفرعن الحكام ويطغون على ابناء جلدتهم بعد أن ينعتوهم بنعوت طائفية أو قومية أو قبلية وبافكار انحرافية تدفع المجتمع الاسلامي نحو التفرقة والنفاق والتحلل الفكري والمتطرف بحلة الدين وعبر وعاظ سلاطينهم المنحرفين مما أدى الى ظهور الفرق المنحرفة كالوهابية والسلفية لتدفع بالشاب المسلم نحو تكفير أخيه المسلم وهدر دمه بأبسط الصور.
وقد عرف حكام الجور والطغاة على امتداد العصور وحتى يومنا هذا أن اجتماع الناس تحت مظلة أهل البيت (ع) وتمسكهم بنهجهم والتفافهم حول رايتهم الخفاقة عالياً لهو خطر كبير على سلطتهم ومساند حكمهم التي كسبوها بالظلم والتزييف والطغيان والانحراف وتشويه الصورة الحقيقية للاسلام الحنيف، فصب أحفاد الطلقاء جل اهتمامهم في محاربة هذه المدرسة الوضاءة والمنيرة الصادقة فهدموا المساجد ودور العبادة في البحرين بالارهاب سلطوي ممنهج، وآخر ارهابي تكفيري في العراق وسوريا لبنان واليمن مستهدفين كل دور العبادة والحسينيات والتكايا لمنع الناس من التجمع وذكر أهل البيت (ع)، حيث خابت ظنونهم وفشلت مخططاتهم وهم يرون الأمة تتجه نحو نبراس الحق والحقيقة أهل بيت النبوة والامامة عليهم السلام متفانية في نهجهم ومتمسكة بحبلهم القويم والصراط المستقيم.