إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الصوفية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الصوفية

    الصوفية
    التعريف :
    ـ هي منالتيارات السلوكية الإسلامية، تبتني على أسس أخلاقية واجتماعية، وتعتمد فكرتها علىتصفية القلب والتعلق بالمعبود، برزت كطريقة وسلوك في أواخر القرن الثاني الهجري،محورها تربية الروح، ونبذ حطام الدنيا، والاستغراق في الاعتبارات الروحية، وقدنشطت في إطار الإسلام، وتطورت حتى اتصلت بآراء فلسفية.
    عواملالظهور :
    ـ من العواملالتي ساعدت بشكل كبير على نشوء التيار الصوفي هي حالة التركيز على الجانب العقلي،لدى معظم الفرق وتفسيرها لكثير من القضايا في إطار دائرة الفلسفة والجدل، مما دفعذلك إلى عزوف جماعات عن هذا المنحى والتجائهم إلى تحكيم النفس، وكان لابدّ لهم منإضفاء الصبغة الدينية على سلوكهم، وطريقتهم فاخذوا يفسرون الآيات القرآنيةويتأولونها، بما يتفق وأهدافهم ونزعاتهم، وقد وضعوا الأحاديث والروايات التي تبررهذا النمط من النظر والنهج، ويظهر ذلك جلياً في أراء الصوفية على مختلف نحلهموطرائقهم.
    ـ إنّ الكثيرينممن دخلوا الإسلام بعد أن اجتاحت الفتوحات الإسلامية الدولتين الرومانية والفارسيةكانوا يدينون بمختلف الأديان والمعتقدات بما في ذلك اليهودية، والمسيحية،والبوذية، والمانوية، والزرادشتية، وقد تأثروا كثيراًً بمعتقدات الهنود، والصينين،حتى أصبحت مظاهر حياتهم خليطاً من البوذية والبرهمية والدهرية، وكان من الصعب فيمثل هذه الظروف أن ينفذ الدين الجديد إلى نفوسهم وقلوبهم، وتألفه عقولهم بتلكالسرعة، بحيث يجتث معها ما توارثوه وألفوه، حتى أصبح جزءاً من حياتهم وكيانهم، وقدتهيأ لهم التغلغل في العواصم الإسلامية، واختلطوا بالعرب الفاتحين، فكان لذلكالأثر البالغ في إحياء الروح التقشفية الصوفية، وانتشارها في البلاد الإسلامية،والاستغراق في الاعتبارات الروحية، نزعة مشتركة بين مختلف المذاهب والأديان، منها الغربيومنها الشرقي، ومنها الديني ومنها الفلسفي، ونلمس ذلك جلياً في أهل الكتاب، ونعنيبهم اليهود والنصارى والمجوس فكتبهم المقدسة.
    ـ وهي العهدالقديم والعهد الجديد و أوستا، مشحونة بالدعوة إلى إصلاح النفس وتهذيبها ومخالفةهواها. ـ نقل الكثير من الكتب الأجنبية وترجمتها إلى العربية، بما تحمل بين طياتهامن آراء ومعتقدات من التوراة، والإنجيل، والمانوية، والمزدكية حيث كان لها،التأثير الواضح على آراء الصوفية وتبـنـيهم لها، وبلغ ذلك ذروته في النصف الثانيمن القرن الثالث الهجري، ويظهر ذلك جلياً في أدب الشعر الصوفي فقد جاء فيه :
    مـواعظ رهـبان وذكر فعالهم وأخبار صدق عن نفوس كوافر
    مـواعظ تشفينا فنحن نحوزها وإن كانت الأنباء من كُلّ كافر
    مواعظ برّ تورّث النفس عبرة وتـتركها ولـهاء حول المقابر
    يضاف إلى هذاكله تأثير السلوكية الرهبانية على الحياة في البلدان الإسلامية، بما تحمله منأفكار تدعو إلى ترك الحياة، وتشجع التقشف، والاستهانة بالدنيا فقد ورد في الإنجيل :
    ( إنّه لأهونعلى الجمل أن يدخل خرم الإبرة من أن يدخل غني ملكوت السماوات ).
    وفي موضع آخر :
    ( لا تهتموالأنفسكم بما تأكلون، ولا لأجسامكم فيما تلبسون، انظروا إلى طير السماء فإنها لاتحصد ولا تزرع، ولا تخزّن شيئاً لغدها ومع ذلكم فأبوكم الذي في السماء يقوتها،أفلستم انتم بأفضل منها ؟ ).
    ـ وتدعوالصوفية في كثير من برامج إلى محاربة الغرائز، وإماتتها، بالتجويع ولبس الخرق،والمرقعات، والالتجاء إلى الكهوف والغابات، والتنكر لجميع شؤون الحياة، فأصحابالسلوكيات والطرق ـ وإن اختلفوا فيما بين أنفسهم بعض الاختلاف في العقائد العامةالراجعة إلى الخلق والإيجاد ـ لكنهم متفقون في الرأي على وجوب ترويض النفس، للحصولعلى كمال المعرفة وسعادة النشأة. وتبرز سمات التأثير السلوكي على الشخصية الصوفيةحينما نلاحظ السلوكية العامة لرجال الرهبانية والمسيحية، وهذا الاشتراك يظهر فيميزات أربع تعدّ القاسم المشترك العملي بين جميع أصحاب تلك العقائد على اختلافمشاربها وهي :
    1 ـ الهدوء
    2 ـ الاعتزال
    3 ـ الإيحاءات الرياضية الروحية
    4 ـ احتقار الأمور المالية وهجرها
    ـ يقول العلامةالفيلسوف الكبير الطباطبائي (قدّس سرّه) (وأمّا سائر الفرق المذهبية من الهنود،كالجو كية أصحاب الأنفاس والأوهام، وكأصحاب الروحانيات وأصحاب الحكمة وغيرهم :فلكلّ طائفة منهم رياضات شاقة عملية لا تخلو عن العزلة، وتحريم اللذائذ الشهوانيةعلى النفس، وأما البوذية فبناء مذهبهم على تهذيب النفس، ومخالفة هواها، وتحريملذائذها عليها للحصول على حقيقة المعرفة، وقد كان هذا هو الطريقة التي سلكها بوذانفسه في حياته، فالمنقول أنّه كان من أبناء الملوك والرؤساء، فرفض زخارف الحياة، وهجرأريكة العرش، إلى غابة موحشة لزمها في ريعان شبابه، واعتزل الناس وترك التعلقبمزايا الحياة ،واقبل عن رياضة نفسه، والتفكر في أسرار الخلقة، وخرج إلى الناسودعاهم إلى ترويض النفس، وتحصيل المعرفة).
    ـ تميـَّزتالتربية الصوفية الروحية حينما استـندت على جذور عريقة، غاصت بها في تراث الأمموخرجت بمفاهيم وبرامج تمخضت عن تجربة صعبة، حملت فيها تأريخ الأمم والحضارات،وجاءت تعكس أهمّ ما وصلت إليه الأمم السالفة من تجارب وأساليب في بنائها الإنسانيوالروحي والديني، وكونها تشترك فيما بينها في الإطار العام، في النظرية الصوفيةونظرتها وتصورها عن الكيان البشري، واعتباره كتلة متلاصقة من الدم والعظام والجلدوالعضلات، والنخاع واللحم، والمني والدموع، والغائط والبول، ويهيمن عليه الشوق،والغضب، والوجل ،والشراهة، والوهم، والشهوة ،والجوع والعطش والشيخوخة، والموتوالمرض والألم، وقالوا : كيان كهذا لابد من اماتتة لتحيا الروح، وتتصل بخالقها،وتنكشف لها حقائق الأشياء وخفايا الكون، وهذا العمق التاريخي للفكر الصوفي جعلهينفذ بسرعة إلى قلوب الكثيرين، ويتفاعل مع النفوس، بعد أن أدرك ما تحتويه تلكالأنفس وما ترغب به، فالتصوف الإسلامي لم يبق بمعزل عن المؤثرات الخارجية، التيتتناغى مع الاتجاه الصوفي، ولا يمكن إخفاء التأثير الأفلاطوني، والمسيحي، بلوالبوذي على التصوّف الإسلامي، وذهب بعض إلى أنّ لباس الصوف هو الآخر نوع تأثربالادرية، وهم عرفاء النصارى ـ التي كانت تتبنى فكراً مزيجاً من الفلسفات الشرقيةوالغربية.
    النشأةوالتطور:
    مرّ التصوّفبأدوار مختلفة، جعلت منه نظاماً خاصاً ذا فلسفة ثابتة، ويمكن توزيع تلك الأدوارعلى ثلاث مراحل : ـ مرحلة الزهد العملي : وهذه المرحلة تمثل ادوار الحضانةللتصوّف، إذ كان التصوّف طريقة في الحياة اتصفت بالرغبة الشديدة في شؤون الدين،والاستهانة بأمور الدنيا، والقيام بالفرائض الدينية على أتمّ وجه للتقرب إلى اللهسبحانه.هذه المرحلة من وجهة نظر تحليلية تاريخية مثلت عملة ذات جنبتين، جنبتهاالايجابية في تشديدها على الاعتبارات الروحية، والفضائل الخلقية، والقدوة الصالحةالتي وجدها الناس في حياة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم) وسلوكالمنتجبين من الصحابة، وجنبتها السلبية في الردّة العنيفة التي حدثت في وجه التوسعالاجتماعي، والسلوك المنحرف لبعض الحكام المسلمين.
    وهذه الردّةالروحية بدأت على شكل سلوك فردي، لكن سرعان ما تحولت إلى تيار اجتماعي، ثُمّتبلورت كاتجاه في تعاليم الحسن البصري، وفي مواعظه الزهدية في مسجد البصرة، ولذلكعدّه المتصوفة رئيسهم ومنظرهم الأول.
    ـمرحلة الفلسفة الصوفية:وهي المرحلة الثانية التي بدأ التأثير الخارجي يتجلىفيها متمثلاً بالنزعة الزهدية بشكلها المتطور، ويظهر ذلك في ( رابعة العدوية )التي كانت السبّاقة إلى طرح فكرة الحبّ الإلهي مكان الخوف، والرهبنة المسيحية،وفكرة الحبّ الإلهي مهدت الطريق لفكرة الاتصال، أو الفناء التي طبعت الزهد بطابعالتصوّف الفلسفي.
    ومن هنا أخذالمذهب الصوفي يتجه في مجريين : حمل الأول التأثير اليوناني، وانطبع الثانيبالطابع الهندي.
    يرشح الأول منمؤلفات ( الحارث بن أسد المحاسبي) التي تتجلى في فكرة التماس معرفة الحقّ،بالاتصال الاشراقي التي عمل بها ذو النون المصري (المتوفى سنة 245 هـ)، ويبرز الثاني في فكرة الفناءالروحي التي حملها إلى التصوّف أبو يزيد البسطامي (المتوفَّى سنة 261)، وهو فارسيالأصل اقتبس فكرة الفناء (النرقانا) عن زهاد الهند، ثُمّ جاء الجنيد البغدادي (المتوفيسنة 297 هـ)، فنسّق مبادئ التصوّف، وربطها بالأصولالقرآنية، وأفرغها في نظام روحي فلسفي، قوامه الزهد والتقشف، وركنه ممارسة الرياضةالروحية.
    ـمرحلة المبادئ المتطرفة :اتسمت هذه المرحلة بتطور الأفكار الصوفية التي ظهرت فيكلماتهم على شكل رموز و تعابير خاصة، اضطرتهم إلى إضفاء جانب السرية، لعدم اطلاع(العوام) عليها، فـ (الحلاّج)، نجم لامع في دنيا الصوفية وتطورت عنده فكرة الفناءحتى زعم إنّ روحه تتحد في حال نشوته بالذات الإلهية، مما دعاه إلى كشف بعضالأسرار، وتصريحه بأنّه الحقّ والحقّ هو، وكان يقول : ( سبحاني ما أعظم شأني )الأمر الذي أودى به إلى القتل مصلوباً، ثُمّ جاء دور أبي حامد الغزالي، الذي حاولأن يحرر التصوّف ويهذبه، مما لحق به ويرده إلى الرصانة، ويؤيد أصوله بالشرع،ويحببه إلى القلوب، لكن السمة التي وسمه بها الحلاج عادت إليه في صورة عقيدةالحلول وفكرة وحدة الوجود.
    وإذا بلغالتصوّف الذروة في مراحله السابقة فإنّه قد أخذ في الانحطاط في هذه المرحلة حتىاقترن بالشعوذة والسحر، وادعاء الكرامات، بل تحوّل في نهاية المطاف إلى مذهب خرافي.
    ففي القرنالسابع الهجري نزل في العراق، والشرق العربي بشكل عام، متصوفون من الهنودوالمشعوذين من الحكماء الإلهيين فأدخلوا على حلقات الصوفية صنوفاً من المخدراتالصناعية، والطرق الغريبة كالرقص المشاهد، حتى يومنا هذا في تكايا الدراويش، الذييصاحبه أعمال شعبذة وأكل للزجاج والنار، ووخز البدن بإبر الحديد المحمي.
    ـ وتفرّعتالصوفية إلى العديد من المذاهب التي تبنت كُلّ منها اتجاها فلسفيا وعقائديا ميزهاعن غيرها من المذاهب نستعرضها كما يلي:
    المذهبالاشراقي : وهو أوّل مذهب غلبت عليه الناحية الفلسفية، والإشراق الروحي،أساس كُلّ تصوّف ظهر داعياً إلى الزهد والتقشف، وأوّل من ( ادّعاه ثوبان بنإبراهيم ذو النون المصري ).
    المذهبالحلولي : وهو ثاني المذاهب الصوفية، ومفاده : حلول العنصر الإلهي فيالعنصر البشري، وبه نادى (الحلاّج)..
    مذهبوحدة الوجود : وهو ثالث مذاهب الصوفية، والقائل به ( محيي الدين بن عربي )، (والسهر وردي )، ( وابن الفارض )، و(الحلاّج) أيضاً.
    مذهبالفناء في الله : وهو من المذاهب التي تأمر بالمزيد من العبادات، وإهمال الجسم،ولبس الخشن من الثياب، وكان يحمل لواءه ( أبو يزيد البسطامي ).
    مذهبحبّ الله : ويدعو هذا المذهب إلى الحضور الذهني والتعلق الإلهي، والمنظرالأول لهذا المذهب ( رابعة العدوية )، و( معروف الكرخي ).
    ـ وابتكر رجالالمتصوفة طرقاً عملية أخرى اتبعت مناهجَ وأساليب مختلفة في تربية مريديها، ويمكنأن نقول إنّ طرق الصوفية كثيرة جداً يصعب حصرها إذا ما لاحظنا جانب السرية الذييكتنف بعضها، واهمّ تلك الطرق هي:
    الطريقةالقادرية : مؤسسها الشيخ عبد القادر الكيلاني، المعروف بأبي محمد محيـيالدين عبد القادر بن موسى بن عبد الله الكيلاني، ويعرف جده بالاسم الفارسي ( حنكيدوست ) عرف بالكيلاني نسبة إلى مسقط رأسه ( كيلان ) بفارس وذلك سنة 471 هـ، وفي سنة 488هـ انتقل إلى بغداد أثناء خلافة( المستظهر بالله العباسي ).
    الطريقةالرفاعية : مؤسسها احمد بن علي بن أحمد الرفاعي، ولد سنة 512 هـ، بقرية حسنيبإقليم البطائح ما بين البصرة و واسط، وقيل أن الرفاعي نسبة إلى رفاعة احد البطونالقبلية، كان خاله شيخاً للطريقة الصوفية، وقد أخذ عنه وأصبح المسئول عن الرفاعية،توفي ببلدة ( أمّ عبيدة ) سنة 578هـ، ودفن فيها، وله مسجد معروف في القاهرة باسمه.
    الطريقةالميلوية : مؤسسها جلال الدين محمد بن محمد بن الحسين الملقب بالبلخي،نسبة إلى مسقط رأسه، ولد سنة 604 هـ، وانتقل إلى نيسابور ثُمّ إلى بغداد، واستقربمدينة قونية التركية، إبان حكم الأمير علاء الدين السلجوقي، وهذه الطريقة شائعةبين الأتراك، وكانوا عند الأذكار يجتمعون في حلقات فيرقصون بلباسهم الخاص،ويستخدمون الطبول الإيقاعية، ولا يزال لهذه الفرقة وجود في تركية، ودمشق، وإيران.
    وهناك طُرقصوفية معروفة عند متصوفة الهنود أهمها:
    ـ الطريقةالجشتية : للشيخ معين الدين حسن السنجري، المتوفَّى سنة 627 هـ، ومدارهاعلى الذكر الجلي، بحفظ الأنفاس، وربط القلب بالشيخ، وصفاء المحبة والتعظيم،والدخول في الأربعينات، مع دوام الصيام، والقيام، وتقليل الكلام، والطعام والمنام،والمواظبة على الوضوء.
    ـ طريقةالنقشبندية : للشيخ بهاء الدين محمد نقشبند البخاري، ومدارها على تصحيحالعقائد ودوام العبادة، ودوام الحضور مع الحقّ سبحانه.
    ـ طريقة السهروردية : للشيخ شهاب الدين عمر السهر وردي، ومدارها على توزيع الأوقاتعلى ما هو اللائق بالناس من الصيام والقيام والمواظبة على الأدعية المأثورة والأوراد..
    ـ طريقةالكبروية : للشيخ نجم الدين أبي الجناب احمد بن عمر بن محمد الخوارزميالمعروف بالكبرى.
    ـ طريقةالمدارية : للشيخ بديع الدين المدار المكنبوري، ومدارها على التماشي منمخالفة ظاهر الشريعة، وإنشاء أسرار التوحيد في الدرجة القصوى.
    ـ طريقةالقلندرية : للشيخ قطب الدين العمري الجونبوري المشهور بـ (بنادل).
    ـ طريقةالشطارية : للشيخ عبد الله الشطار الخراساني.
    ـ طريقةالعيدروسية : تنسب للسيد عفيف الدين العيدروس الكبير، ومدارها إحياء العلومللغزالي.
    الأفكاروالمعتقدات :
    ـ الحلولوالاتحاد : وهو إنّ من هذّب نفسه في الطاعة، وصبر عن اللذات والشهوات، يرتقي إلىمقام المقربين، ثُمّ لا يزال يرتقي ويصفو في درجات المصافاة حتى يصفو من البشرية،فإذا لم يبق فيه من البشرية حظّ حلّ فيه روح الله، الذي حلّ في عيسى بن مريم، ولميُردْ حينئذ شيئا إلاّ كان كما أراد وكان جميع فعله، فعل الله تعالى.
    ونقل إنّ أبايزيد البسطامي دخل مدينة فتبعه منها خلق كثير فالتفت إليهم وقال : (أنا الله لاإله إلا أنا فاعبدوني) فقال الناس : لقد جنّ أبو يزيد وتركوه.
    ـوحدة الوجود : وهو إنّ الله هو الروح لكلّ الموجودات، والموجودات جسم لتلكالروح، وجميع تلك الأجسام تشير إلى الروح التي هي الله وهو كُلّ شيء، وأنّه تعالىمتحد وموجود في كُلّ الصور، والاختلاف بين الناس في المعبود، إنما هو في الشكل لافي الجوهر، وقال بعضهم في تحديد حقيقة الوجود : إنّ الوجود حقيقة هو ذات الحقّتعالى، وليس لتلك الأعيان والماهيات الظاهرة، وجود حقيقي ذاتي لها والذي نشاهدمنها هو انصباغها بنور الوجود الحقّ على نحو من أنحاء الظهور، وطور من أطوارالتجلي الخفي، فهو الظاهر من جميع المظاهر المشهور في كُلّ التعينات بحسباستعدادها، ومن ذلك قول ابن عربي:
    لـولاه لـما كـنا ولا نـحن ما كانا
    فـان قلنا بانا هو يـكون الحقّ إيانا
    فيظهرنا ليظهر هو سـراراً ثُمّ إعلانا
    ـالحقيقة المحمدية : وهي أوّل المخلوقات، ومبدأ خلق العالم، وهي النور الذي خلقهالله قبل كُلّ شيء وخلق منه كُلّ شيء، أو هي العقل الإلهي الذي تجلى الحقّ فيهلنفسه، فكان هذا التجلي بمنـزلة أول مرحلة من مراحل التنزل الإلهي في صور الوجود،وهي الصورة الكاملة للإنسان الكامل الذي يجمع في نفسه جميع حقائق الوجود. ومنالشعر الصوفي في الحقيقة المحمدية الأبيات التالية :

    ذات لها في نفسها وجهان للسفل وجه والعلا للثاني
    ولكلّ وجه في العبادة والادا ذات وأوصاف وفعل بيان
    إن قلت واحدة صدقت وان تقل اثنان حقّ أنّه اثنان
    ـ إنّ الولايةلا صلة لها بأي شأن من شؤون العالم ولذلك لم يكن لها زمان، دون زمان وأنّ النبوةإحدى مراتب الولاية مقضي عليها بالانقطاع لأنها من الصفات التي تزول عمن يتصفونبها، أما الولاية فلا زوال لها، والعلم الباطن أعلى وأتمّ من العلم الذي يتوصلإليه النبيّ بواسطة الوحي، وأنّ أي رسول من حيث هو ولي أتمّ وأكمل منه، من حيث هورسول أو نبي. وأنّ الولي يطلق على العبد إذا اكتملت فيه حقا صفات الولاية.
    واخصّ صفاتالولاية الإسلامية هي الفناء في الله والتحقق بالوحدة الذاتية بين الحق والخلق،فإذا وصل العبد إلى هذا المقام فقد وصل إلى غاية الطريق الصوفي وحقّ له أن يسمينفسه لا باسم الولي وحده، بل بأيّ اسم من الأسماء الإلهية، وإذا فني الصوفي عنصفاته البشرية وتخلق بصفات الإلوهية سموا ذلك تخلقاً، وإذا فني عن ذاته وتحققبوحدته مع الحقّ سموا ذلك تحققاًَ وإذا بقي بعد الفناء وعرف أن لا وجود له ولاقوام إلاّ بالله وحصل في مقام القرب الدائم منه سموا ذلك متحلقا.
    ـ للأولياءثلاث مراتب : القطب الأول هو القطب الواحد وهي روح محمد وتعد أكمل مظاهره. والثانيقطب العالم الإنساني، وهي أنّ الأرض لا تخلو من رسول حيّ بجسمه. والقطب الثالث هوقطب الغوث وهذا القطب لا يكون منه في الزمان إلاّ واحد وهو قد يكون ظاهر الحكمويحوز الخلافة الظاهرة، وسمي بالغوث من حيث إغاثة العوالم بمادته ورتبته الخاصة. ـللقطب إمامان وهما بمنزلة الوزيرين احدهما عبد الربّ والآخر عبد الملك، ويخلفهاحدهما عند موته. كما أنّ الأوتاد أربعة في كُلّ زمان يحفظ الله بأحدها المشرقّوبالثاني المغربّ وبالثالث الجنوبّ وبالرابع الشمال، وأنّ الأبدال سبعة يحفظ اللهبهم الأقاليم السبعة، وهم عارفون بما أودع الله سبحانه وتعالى الكواكب السيارة منأمور وأسرار في حركاتها ونزولها في المنازل المقدرة.
    ـالأولياء من رجال الغيب خمسة أقسام :
    القسم الأول :هم المقتفون آثار الأولياء والغائبون عن عالم الأكوان فيالغيب المسمى بمستوى الرحمن.
    القسمالثاني : أهل المعاني الذين يصور الولي بصورهم فهم أرواح وكأنهم أشباحسافروا عن عالم الشهود، وهؤلاء أوتاد الأرض القائمون لله بالسنة والفرض.
    والقسم الثالث :ملائكة الإلهام والبواعث، يطرقون الأولياء ويكلمونالأصفياء، لا يبرزون إلى عالم الإحساس ولا يتعرفون لعوام الناس.
    القسم الرابع :رجال المناجاة الذين يخبرون بالمغيبات وينبئون عنالأسرار.
    والقسم الخامس :أهل الحظوة في العالم ومن أجناس بني آدم، يظهرون للناسويغيبون، ويكلمونهم فيجيبون وأكثر ما يسكنون الجبال والقفار والاودية وأطرافالأنهار.
    ـ إنّ الله تعالى لما تسمىبالملك ورتب العالم، ترتيب المماليك فجعل الخواص من عباده جلساءه، ثُمّ جعل حاجباًمن الكروبين أعطاه علمه في خلقه وسماه نوناً، ثُمّ عيّن من الملائكة ملكاً آخر،دونه في الرتبة سماه القلم واتخذه كاتباً، وعلمه من علمه، ما شاء في خلقه بواسطةنون.
    ـ إمكان رؤية الله تعالىبالأبصار في الآخرة، وأنّه يراه المؤمنون دون الكافرين لأنّ ذلك كرامة من اللهتعالى ورؤيته تعالى، جائزة عقلاً واجبة سمعاً، ولا يمكن رؤيته في الدنيا بالأبصارولا بالقلوب.
    ـ إنّ الله خلق أفعال العبادجميعها خيرها وشرّها وأنّ كُلّ ما يفعلونه فبقضاء الله وقدره وإرادته ومشيئته،ولولا ذلك لم يكونوا عبيداً حيث قال الله تعالى:(وَاللَّهُخَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) ، وفي آيةأخرى، قال الله تعالى :(مِن شَرِّ مَاخَلَقَ) .
    ـ إنّ الدين على قسمين : شريعةوحقيقة. فأهلّ الشريعة عندهم أهل الظاهر العوام من الناس الذين يعتمدون على النصوصالشرعية، ومنهم فقهاء المذاهب وعامة فقهاء الشرع ويسمون بعلماء الرسوم. وأمّا أهلالباطن فهم أهل الحقيقة والطريقة وهم الخاصة من الناس الذين يعتمدون على تأويلالنصوص الشرعية والتأويل، هو صرف النصّ إلى معنى لا يحتمله إلاّ عن طريق الأحلامواستفتاء القلوب.
    أبرز الشخصيات :
    1ـ محمد بن علي بن أحمد المعروف بـ (محيـي الدين بن عربي)الملقب بالشيخ الكبير.
    2ـ محمد بن محمد بن أحمد (أبو حامد الغزالي الطوسي).
    3ـ الحسين بن منصور (أبو مغيث الحلاج).
    4ـ أبو يزيد طيفور بن عيسى البسطامي.
    5ـ الحارث المحاسبي.
    6ـ أبو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي.
    7ـ ثوبان بن إبراهيم (ذو النون المصري) أبو الفيض.
    8ـ بشر بن الحرث الحافي أبو نصر.
    9ـ أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي.
    10ـ أبو الحسن سري بن المغلس السقطي.
    11ـ عبد الحق بن إبراهيم بن محمد ـ المشهور بـ ـ ابن دارةـ والملقب بـ (قطب الدين).
    12ـ رابعة العدوية.
    الانتشار ومواقعالنفوذ :
    ـ انتشرت الفرقة الصوفية فيخراسان وأصفهان من بلاد إيران وفي بغداد ـ وهي أكبر معاقل التصوّف ـ والبصرةوالكوفة من العراق، ونشأت أغلب الطرق الصوفية في بلاد المغرب العربي، ومنه انتقلتإلى مصر والسودان، وبلغت آراء ومعتقدات الصوفية وطرقهم شبة القارة الهنديةوالباكستان، ولا تزال لحدّ الآن تلقى الاتباع والمريدين، ويمارس معتنقوها أعمالهموشعائرهم في مراكزهم الخاصة لأداء مراسمهم وطقوسهم.
    وقائع وأحداث :
    ـ قيل لأبي يزيد البسطامي : لانراك تشتغل بكسب فمن أين يأتيك معاشك ؟ فقال : مولاي يرزق الكلب والخنزير أتراه لا يرزق أبا يزيد.
    ـ إنّ بعض الصوفية دخلوا علىالجنيد وقالوا له : أين نطلب الرزق ؟ فقال : إن علمتم أين هو فاطلبوه، فقالوا : نسأل الله تعالى ؟ فقال :إن علمتم أنّه ينساكم فذكَّروه، فقالوا، أندخل البيت ونقفله علينا ونتوكل ؟ فقال : التجربة مع اللهشكّ، فقالوا : فما الحيلة ؟ قال : الحيلة في ترك الحيلة.
    ـ ومن الأحداث المهمة والظريفةما جرى للحسين بن منصور الحلاج وهو من كبار الصوفية على ما نقله شيخ الطائفةالطوسي (ره) حيث قال : لما أراد الله تعالى أن يكشف أمر الحلاج ويظهر فضيحتهويخزيه وقع له إنّ أبا سهل بن إسماعيل بن علي النوبختي ـ رضي الله عنه ـ ممن تجوزعليه مخرقته وتتمّ عليه حيلته فوجه إليه يستدعيه، وظنّ إنّ أبا سهل كغيره من الضعفاءفي هذا الأمر بفرط جهله، وقدّر أن يستجرّه إليه فيتمخرق به، ويتسوف بانقياده علىغيره فيستتب له ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة على الضعفة لقدر أبي سهل في أنفسالناس ومحله من العلم والأدب أيضاً عندهم، ويقول له في مراسلته إياه : (إلى وكيلصاحب الزمان (عجّل الله تعالى فرجه) ـ وبهذا أولاً كان يستجرّ الجهال ثُمّ يعلومنه إلى غيره ـ وقد أمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك لتقوي نفسك ولاترتاب بهذا الأمر) فأرسل إليه أبو سهل ـ رضي الله عنه ـ يقول له : إني أسالك أمراًيسيراً يخفّ مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين، وهو إنّي رجلأحبّ الجواري وأصبو إليهن ولي منهن عدة أتحظاهن والشيب يبعدني عنهن، واحتاج أنأخضبه في كُلّ جمعة، وأتحمل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك، وإلاّ انكشف أمريعندهن، فصار القرب بعداً والوصال هجراً، وأريد أن تغنيني عن الخضاب، وتكفينيمؤونـته ، وتجعل لحيتي سوداء فاني طوع يديك، وصائر إليك، وقائل وداع إلى مذهبك، معمالي في ذلك من البصيرة، و لك من المعونة)، فلما سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابهعلم أنّه قد أخطأ في مراسلته، وجهل في الخروج إليه بمذهبه، وأمسك عنه ولم يرد إليهجواباً ولم يرسل إليه رسولاً وصيره أبو سهل ـ رضي الله عنه ـ إ‎حدوثة وضحكة، ويطنز به عند كُلّ أحد، وشهر أمره عندالصغير والكبير، وكان هذا الفعل سبباً لكشف أمره وتنفير الجماعة عنه.
    من ذاكرة التاريخ :
    ـ يحكي الغزالي في باب معاقبةالنفس إنّ أبا مسلم الخولاني قد علق سوطاً في جدار بيته يخوف به نفسه، فإذا كلتنفسه تناول سوطه وضرب به ساقه ! ويقول : أنت أولى بالضرب من دابتي ! ثُمّ يقول : أيظن أصحاب (محمد) أنيستأثروا به دوننا ؟ كلا والله لنزاحمنهم عليه زحاماً، حتى يعلموا إنهم خلفواوراءهم رجالا ! ثُمّ يستأنف ضرب نفسه!!
    ـ ويحكي الغزالي أيضاً أنّ صفوانبن سليم كان قد تعقدت ساقاه من طول القيام، وكان إذا جاء الشتاء اضطجع على السطحليضرب به البرد ! وإذا جاء الصيف اضطجع داخل البيت ليجد الحرّ فلا ينام !!.
    ـ اجمع علماء بغداد على قتلالحسين بن منصور المشهور بالحلاّج، ووضعت القيود في يديه وحمل إلى السجن، وأمرالمقتدر بالله بتسليمه إلى صاحب الشرطة ليضربه ألف سوط فان مات، وإلاّ يضربه ألفسوط أخرى، ثُمّ يضرب عنقه. فسلمهالوزير للشرطي وقال له : إن لم يمت فاقطع يديه ورجليه وحزّ رأسه واحرق جثته ولاتقبل خدعه فتسلمه الشرطي وأخرجه إلى باب الطاق يُجر في قيوده، فاجتمع عليه خلقعظيم وضربه ألف سوط فلم يتأوه، ثُمّ قطع أطرافه، وحزّ رأسه، واحرق جثته، ونصب رأسهعلى الجسر وذلك في سنة 309 هـ.
    خلاصة البحث :
    ـ الصوفية هي إحدى المذاهبالإسلامية الكبرى، تبنت طرقاً ورياضات روحية في بداية ظهورها أواخر القرن الثانيالهجري، وطرحت عقائد ميزتها عن غيرها من الفرق الإسلامية، كالقول بوحدة الوجود،والحقيقة المحمدية، والحلول وتأويل الآيات القرآنية طبقاً لما تفرزه المكاشفاتوالإلهامات الشخصية.
    ـ أثرت عوامل عديدة في إبرازالآراء الصوفية وفتحت المجال أمام أئمة الصوفية حيث الاحتدام الفكري العقائديوالتركيز على التفسير العقلي والفلسفي والاعتماد بشكل متميز على التحليل العقليوالنظري، مما مهد السبيل وفتح الآفاق أمام التيار الصوفي في سدّ الفراغ الروحي،ووضعت الرياضات النفسية التي لم تلتفت إليها بقية الفرق الإسلامية، فجاءت الصوفيةبأسلوب عليه صبغة الزهد، ولباس التقوى، وسمة الإيمان، واستهوت قلوب الكثير منضعفاء الإيمان، والمتحجرين فصوروا للجهلاء إنّ الدين رفض الدنيا، وفسخ للارتباطبالمجتمع، وهجر الناس، والاشتغال بذكر، الأوراد والأفكار.
    ـ ومن العوامل دخول التياراتالمناوئة للرسالة الإسلامية كالنصرانية، واليهودية، والمجوسية والبوذية، وتأثيرهاالمتقابل على المجتمع الإسلامي، وخصوصا خلال الفتوحات الإسلامية التي عمتالحضارتين الرومانية والفارسية، ودخول الأعداد الغفيرة من الديانات الأخرى إلىالإسلام الفاتح، ولم تكن الفرصة كافية كي يتجاوزوا مرحلة التغيير الفكري،والعقائدي حسبما يريده ويقرره الدين الجديد المتمثل بالإسلام، فخلطوا بين ماتوارثوه من آبائهم وبين أسس ومعتقدات الدين الإسلامي، وكانت النتيجة ظهور عقائدشائبة، وسلوكيات معوجّة، تتنافى مع جوهر العقيدة الإسلامية الأصلية وروحها.
    استندت حركة التصوّف على عدّةمحاور وركّزت فيها على مجموعة من المراتب في إعداد أتباعها وهي:
    1 ـ مرحلة الزهد العملي
    2 ـ مرحلة الفلسفة الصوفية
    3 ـ مرحلة المبادئ المتطرفة
    وكان أبرز ما طرحتهالصوفية من معتقدات وأفكار هي :
    1 ـ الحلول والاتحاد .
    2 ـ وحدة الوجود وهو إنّ الوجود حقيقة،هو ذات الله وانه تعالى موجود في كُلّ العصور.
    3 ـ الحقيقة المحمدية وهي أوّل مرحلة منمراحل التنزل الإلهي في صور الوجود.
    4 ـ إنّ للأولياء ثلاث مراتب.
    5 ـ وإنّ الأولياء من رجال الغيب ستةأقسام.
    من أبرز الشخصياتالتي وجهت التحرّك الصوفي على مرّ القرون المتعددة ووضعت النظريات ورسمت أبعادالسلوك الصوفي هي :
    1 ـ محمد بن علي المعروف بـ (محيـي الدينبن عربي).
    2 ـ محمد بن محمد أبو حامد الغزالي.
    3 ـ أبو يزيد طيفور بن عيسى البسطامي،وغيرهم.
    التعديل الأخير تم بواسطة الشيخ عباس محمد ; الساعة 04-06-2017, 02:41 PM. سبب آخر:
يعمل...
X