بسم الله الرحمن الرحيم
(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا..)
ذكرت جملة من الآيات الشريفة ظهور الإمام المهدي عليه السلام وبعض خصائصه الشريفة، وقد نصت على ذلك أيضاً الروايات الواردة في التفسير من طريق أهل البيت عليهم السلام وغيرهم، وقد ألفت في ذلك بعض الكتب القيمة التي عنيت بهذا الموضوع(1)، والآيات المفسرة بالإمام المهدي عليه السلام كثيرة جداً، ونحن نذكر جملة منها، وهي كما يلي:
1- قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}(2).
روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن علي عليه السلام في قوله تعالى: { فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} قال: هم آل محمد يبعث الله مهديهم بعد جهدهم، فيعزهم ويذل عدوهم(3).
فرات الكوفي: عن أبي المغيرة قال: قال علي عليه السلام: فينا نزلت هذه الآية: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}(4).
قال الشيخ الطوسي: وروى قوم من أصحابنا أن الآية نزلت في شأن المهدي عليه السلام وأن الله تعالى يمّن عليه بعد أن استُضعف، ويجعله إماماً ممكناً، ويورثه ما كان في أيدي الظلمة(5).
وقال الشيخ الطبرسي أيضاً: وقد صحت الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها، عطف الضروس على ولدها(6) وتلا عقيب ذلك: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ} الآية..(7).
وروى العياشي بالإسناد: عن أبي الصباح الكناني، قال: نظر أبو جعفر عليه السلام إلى أبي عبد الله عليه السلام، فقال: هذا والله من الذين قال الله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ} الآية(8).
وقال سيد العابدين علي بن الحسين عليه السلام: والذي بعث محمداً بالحق بشيراً ونذيراً، إنّ الأبرار منا أهل البيت، وشيعتهم، بمنزلة موسى وشيعته، وإن عدونا وأشياعهم، بمنزلة فرعون وأشياعه(9).
وفي معاني الأخبار بإسناده: عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى علي والحسن والحسين عليهم السلام فبكى وقال: أنتم المستضعفون بعدي، قال المفضل: فقلت له: ما معنى ذلك؟ قال: معناه أنكم الأئمة بعدي إن الله عزَّ وجلَّ يقول: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة(10).
وروى أبو الفرج الأصفهاني: عن إسحاق بن موسى الأنصاري، قال: سمعت محمد بن جعفر يقول: شكوت إلى مالك بن أنس ما نحن فيه، وما نلقى! فقال: اصبر حتى يجئ تأويل هذه الآية {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}(11).
وقال ابن أبي الحديد عند ذكره عقيدة الإمامية في تفسير الآية الشريفة: أن ذلك وعدٌ منه بالإمام الغائب الذي يملك الأرض في آخر الزمان، وأصحابنا يقولون: إنه وعدٌ بإمام يملك الأرض، ويستولي على الممالك.. (12).
2- قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(13).
قال علي بن إبراهيم في قوله: { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ.. الخ} فإنها نزلت في القائم من آل محمد، وهو الذي ذكرناه مما تأويله بعد تنزيله(14).
وروى الشيخ الصدوق: عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام في قول الله عزَّ وجلَّ: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، فقال: والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم عليه السلام، فإذا خرج القائم عليه السلام لم يبق كافر بالله العظيم، ولا مشرك بالإمام إلا كره خروجه حتى أن لو كان كافراً أو مشركاً في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله(15).
وفي تفسير العياشي: عن أبي المقدام، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} يكون أن لا يبقى أحد إلا أقرّ بمحمد صلى الله عليه وآله.
وعن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} قال: إذا خرج القائم لم يبق مشرك بالله العظيم، ولا كافر إلا كره خروجه(16).
وفي كتاب الكافي عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: سألته عن قول الله عزّ وجلّ: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ}(17) قال: يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بأفواههم، قلت: {وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ}؟ قال: والله متم الإمامة.. إلى أن قال: قلت: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ}؟ قال: هو الذي أمر رسوله بالولاية لوصيه والولاية هي دين الحق. قلت: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}؟ قال: يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم، قال يقول الله: {وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ}: ولاية القائم {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} بولاية عليّ، قلت: هذا تنزيل؟ قال: نعم، أما هذا الحرف فتنزيل، وأما غيره فتأويل(18).
وقال القرطبي: وقيل: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ} أي ليظهر الدين دين الإسلام على كلّ دين. قال أبو هريرة والضحاك: هذا عند نزول عيسى عليه السلام، وقال السدي: ذاك عند خروج المهدي، لا يبقى أحد إلا دخل في الإسلام..(19)
وقال القرطبي أيضاً في موضع آخر: روي أن جميع ملوك الدنيا كلها أربعة: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان سليمان بن داود وإسكندر، والكافران نمرود وبختنصر، وسيملكها من هذه الأمة خامس لقوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} وهو المهدي (20).
وجاء في تفسير البحر المحيط: قال السدي: ذلك عند خروج المهدي لا يبقى أحد إلا دخل في الإسلام وأدى الخراج(21).
3- قوله تعالى: {وَعَدَ الله الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}(22).
قال القمي في تفسيره: قوله: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ..} نزلت في القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله(23).
وروى فرات الكوفي: عن السدي، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} إلى آخر الآية، قال: نزلت في آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وروى أيضاً عن القاسم بن عوف، قال: سمعت عبد الله بن محمد يقول: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} إلى آخر الآية، قال: هي لنا أهل البيت(24).
قال الشيخ الطبرسي رحمه الله تعالى: والمروي عن أهل البيت عليهم السلام: أنها في المهدي من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وروى العياشي بإسناده عن علي بن الحسين عليه السلام أنه قرأ الآية، وقال: هم والله شيعتنا أهل البيت، يفعل الله ذلك بهم على يدي رجل منا، وهو مهدي هذه الأمة، وهو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم، حتى يلي رجل من عترتي، اسمه اسمي، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
وروي مثل ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، فعلى هذا يكون المراد بـ{الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}: النبي وأهل بيته، صلوات الرحمن عليهم، وتضمنت الآية البشارة لهم بالاستخلاف، والتمكن في البلاد، وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي عليه السلام منهم.
ويكون المراد بقوله: {كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} هو أن جعل الصالح للخلافة خليفة مثل آدم، وداود، وسليمان عليهم السلام، ويدل على ذلك قوله: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}(25)، و {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ}(26)، وقوله: {فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا}(27).
وعلى هذا إجماع العترة الطاهرة، وإجماعهم حجة، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، وأيضاً فإن التمكين في الأرض على الإطلاق، لم يتفق فيما مضى، فهو منتظر لأن الله عزَّ اسمه، لا يخلف وعده(28).
وفي كتاب الاحتجاج: عن أمير المؤمنين عليه السلام.. في حديث له قال: كلّ ذلك لتتم النظرة التي أوجبها الله لعدوه إبليس إلى أن يبلغ الكتاب أجله، ويحق القول على الكافرين، ويقرب الوعد الحق الذي بينه الله في كتابه بقوله: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} وذلك إذا لم يبق من الإسلام إلا اسمه، ومن القرآن إلا رسمه، وغاب صاحب الأمر بإيضاح العذر له في ذلك، لاشتمال الفتنة على القلوب حتى يكون أقرب الناس إليه أشدَّ عداوة له، وعند ذلك يؤيده الله بجنود لم تروها، ويظهر دين نبيه على يديه، ويظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون(29).
وفي مناقب آل أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وآله قال: زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها(30).
وروى المقداد عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يبقى على الأرض بيت مدر، ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الإسلام بعزّ عزيز وذلّ ذليل، إما أن يعزّهم الله فيجعلهم من أهلها، وإما أن يذّلهم فيدينون بها(31).
4- قوله تعالى: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}(32).
روى الشيخ الصدوق: عن داود بن كثير الرقي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزَّ وجلَّ: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} قال: من أقرّ بقيام القائم عليه السلام أنه حقّ.
وعن يحيى بن أبي القاسم قال: سألت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام عن قول الله عزَّّ وجلَّ: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}؟ فقال: المتقون شيعة علي عليه السلام والغيب فهو الحجة الغائب.
وشاهد ذلك قول الله عزَّ وجلَّ: {وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ}(33) فأخبر عزَّ وجلَّ أن الآية هي الغيب، والغيب هو الحجة، وتصديق ذلك قول الله عزَّ وجلَّ: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً}(34) يعني حجة(35).
5- قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ}(36).
روى الشيخ الصدوق: عن علي بن رئاب، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: في قول الله عزَّ وجلَّ: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آ َمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} فقال: الآيات هم الأئمة، والآية المنتظرة هو القائم عليه السلام، فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف، وإن آمنت بمن تقدمه من آبائه عليهم السلام(37).
6- قوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}(38).
روى الشيخ الصدوق: عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزَّ وجلَّ: {اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} قال: يحييها الله عزَّ وجلَّ بالقائم عليه السلام بعد موتها - بموتها كفر أهلها - والكافر ميت(39).
7- قوله تعالى: {وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}(40).
النعماني: عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن رجل من أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال: سمعته يقول: نزلت هذه الآية التي في سورة الحديد {وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} في أهل زمان الغيبة، ثم قال عزَّ وجلَّ: {أَنَّ اللهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(41).
وقال: إنما الأمد أمد الغيبة، فإنه أراد عزَّ وجلَّ: يا أمة محمد، أو يا معشر الشيعة، لا تكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد، فتأويل هذه الآية جاء في أهل زمان الغيبة وأيامها دون غيرهم من أهل الأزمنة، وإن الله تعالى نهى الشيعة عن الشك في حجة الله تعالى، أو أن يظنوا أن الله تعالى يخلي أرضه منها طرفة عين، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في كلامه لكميل بن زياد: بلى، اللهم لا تخلو الأرض من حجة لله إما ظاهر معلوم، أو خائف مغمور، لئلا تبطل حجج الله وبيناته، وحذّرهم من أن يشكّوا أو يرتابوا، فيطول عليهم الأمد فتقسوا قلوبهم(42).
8- قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}(43).
قال الشيخ الطبرسي رحمه الله تعالى في تفسير الآية: {أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} قال أبو جعفر عليه السلام: هم أصحاب المهدي عليه السلام في آخر الزمان.
ويدل على ذلك ما رواه الخاص والعام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً صالحاً من أهل بيتي، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما قد ملئت ظلماً وجوراً(44).
وقال القمي أيضاً في التفسير: قوله: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} فبشر الله نبيه صلى الله عليه وآله أن أهل بيتك يملكون الأرض، ويرجعون إلى الدنيا، ويقتلون أعداءهم(45).
9- قوله تعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}(46).
روى الشيخ الطوسي: بإسناده عن أبي صالح، عن عبد الله بن العباس في قول الله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} قال: قيام القائم عليه السلام، ومثله {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعًا}(47) قال: أصحاب القائم عليه السلام يجمعهم الله في يوم واحد.
وعن إسحاق بن عبد الله بن علي بن الحسين عليه السلام في هذه الآية {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} قال: قيام القائم عليه السلام من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
قال: وفيه نزلت {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}(48) قال: نزلت في المهدي عليه السلام(49).
10-قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا}(50).
تفسير علي بن إبراهيم: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ} يعني القائم عليه السلام وأصحابه(51).
قال الشيخ الطبرسي رحمه الله تعالى: وروى أصحابنا أنهم يخرجون مع قائم آل محمد عليهم السلام(52).
11- قوله تعالى: {لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ}(53).
تفسير العياشي: عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى: {لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} قال: إلى خروج القائم عليه السلام فإن معه النصر والظفر(54).
12- قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ الله أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(55).
الطبرسي: وثالثها، إن المراد بخزيهم في الدنيا أنه إذا قام المهدي، وفتح قسطنطينية، فحينئذ يقتلهم، عن السدي(56).
وفي تفسير الثعلبي عن السدي: هو إنه إذا قام المهدي في آخر الزمان فتحت قسطنطينية فقتل مقاتليهم، وسبى ذراريهم، فذلك خزيهم في الدنيا(57).
وفي تفسير البحر المحيط: وقيل: قتل المهدي إياهم إذا خرج، قاله المروزي(58).
13- قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله}(59)
الطبرسي: روى زرارة، وغيره، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: لم يجئ تأويل هذه الآية، ولو قام قائمنا بعد، سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية، وليبلغن دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما بلغ الليل، حتى لا يكون مشرك على ظهر الأرض، كما قال الله تعالى: {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}(60).
العياشي: ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية كما قبلها رسول الله صلى الله عليه وآله وهو قول الله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله}(61).
الآلوسي: قيل: لم يجيء تأويل هذه الآية بعد وسيتحقق مضمونها إذا ظهر المهدي فإنه لا يبقى على ظهر الأرض مشرك أصلاً على ما روي عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه(62).
14- قوله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(63).
القرطبي: روي عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه خروج المهدي بالسيف(64).
1- ومن الكتب المؤلفة في ذلك، هو:كتاب (المحجة فيما نزل في القائم الحجة عليه السلام) تأليف السيد هاشم بن سلمان التوبلي المحدث البحراني(ت 1107)، طبع بتحقيق السيد منير الميلاني، في بيروت، وطبع أيضاً في قم بتحقيق وتعليق الشيخ حامد الفدوي الإردستاني، نشر المكتبة المرتضوية لأحياء الآثار الجعفرية.
وكتاب: (المهدي في القرآن) تأليف آية الله السيد صادق الحسيني الشيرازي.
وكتاب: (القرآن يتحدث عن الإمام المهدي عليه السلام) (الإشارات القرآنية وتأويل الأيات التي تحدثت عن الإمام المخلِّص في أحاديث أهل البيت عليه السلام) إعداد مهدي حسن علاء الدين، نشر مركز بقية الله الأعظم للدراات والنشر، بيروت – لبنان.
2- سورة القصص، الآية: 5.
3- كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي:143ح184-183 ، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: 54/51
4- تفسير فرات الكوفي: 1ح131
5- التبيان، الشيخ الطوسي:8/129.
6- شمس الفرس شماساً: كان لا يمكن أحداً من ظهره، ولا من الإسراج، ولا الإلجام، ولا يكاد يستقر. والضروس: الناقة السيئة الخلق تعض حالبيها.
7- مجمع البيان، الشيخ الطبرسي:7/414. نهج البلاغة، الإمام علي عليه السلام:209/ح47/4، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد:29/19.
8- راجع: الإرشاد، الشيخ المفيد:180/2، مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب:343/3، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي:168-167/24.
9- مجمع البيان، الشيخ الطبرسي:414/7، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي: 168-167/34.
10- معاني الأخبار، الشيخ الصدوق:1ح79 ، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي:1ح168/24.
11- مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني: 359.
12- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد:29/19.
13- سورة التوبة، الآية:33
14- تفسير القمي.289/1
15- كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق:16ح670، تفسير فرات الكوفي:3ح482-481.
16- تفسير العياشي:52ح و50ح87/2.
17- سورة الصف، الآية:8
18- الكافي، الكليني:432/1ح91.
19- تفسير القرطبي:122-121/8.
20- تفسير القرطبي:11/74-84.
21- تفسير البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي:34/5.
22- سورة النور، الآية: .55
23- تفسير القمي: .14/1
24- تفسير فرات الكوفي:6ح و3ح 289-288.
25- سورة البقرة، الآية: .30
26- سورة ص، الآية: .26
27- سورة النساء، الآية: ظ¥ظ¤
28- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: .267/7
29- الإحتجاج، الشيخ الطبرسي:382/1 ، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي:1ح125/90.
30- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب:98/1 ، صحيح مسلم:171/8 ، سنن الترمذي:2267ح319/3. ، فتح الباري، ابن حجر: .221/8
31- التفسير الصافي، الفيض الكاشاني:445/3 . صحيح ابن حبان:92/15 ، مسند أحمد بن حنبل:103/4 ، المعجم الكبير, الطبراني:255/20 ، المستدرك، الحاكم:430/4 .
32- سورة البقرة، الآية: 1-3.
33- سورة يونس، الآية: .20
34- سورة المؤمنون، الآية: .50
35- كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: 18-17.
36- سورة الأنعام، الآية: 158
37- كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: 18
38- سورة الحديد، الآية: 17
39- كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: 13ح668.
40- سورة الحديد، الآية: .16
41- سورة الحديد، الآية: .17
42- كتاب الغيبة، النعماني: 32-31.
43- سورة الأنبياء، الآية: .5
44- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي:120/7.
45- تفسير القمي:297/2.
46-سورة الذاريات، الآية: 23
47- سورة البقرة، الآية: 138
48- سورة النور، الآية: 55
49- كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي:133و123ح177-176.
50- سورة الإسراء، الآية: 7
51- تفسير القمي:2/14 ، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي:3ح46/51.
52- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي:377/4
53- سورة النساء، الآية:77
54- تفسير العياشي:48ح235/2و،195ح258/1.
55- سورة البقرة، الآية:.114
56- مجمع البيان، الطبرسي:1/356 ، تفسير القرطبي:2/79 ، تفسير ابن كثير:1/162. فتح القدير، الشوكاني:1/132، الدر المنثور، السيوطي:1/108 .
57- تفسير الثعلبي:1/261
58- تفسير البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي:1/529 .
59- سورة الأنفال, الآية: 39
60- مجمع البيان، الطبرسي:467/4
61- تفسير العياشي:60/2 ، بحار الأنوار، الشيخ المجلسي:345/52
62- تفسير الآلوسي: 9/207
63- سورة السجدة، الآية: 21.
64- تفسير القرطبي:107/14 ، تفسير البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي:198/7.