إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الرجعة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الرجعة

    الرجعة



    بسم الله الرحمن الرحيم



    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين اما بعد
    الرجعة في اللغة : العودة إلى الحياة الدنيا بعد الموت
    الذي تذهب إليه الإمامية أخذاً بما جاء عن آل البيت ( عليهم السلام ) ، هو نفس المعنى المحقّق في اللغة ، وهو أنَّ الله تعالى يُعيد قوماً من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة في صورهم التي كانوا عليها ، فيعزّ فريقاً ويذلُّ فريقاً آخر ، ويديل المحقين من المبطلين ، والمظلومين منهم من الظالمين ، وذلك عند قيام مهدي آل محمد ( عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام ) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت جوراً وظلماً ، ولذلك تعدُّ الرجعة مظهراً يتجلى فيه مقتضى العدل الإلهي بعقاب المجرمين على نفس الأرض التي ملئوها ظلماً وعدواناً .ولا يرجع إلاّ من علت درجته في الإيمان ، أو من بلغ الغاية من الفساد ، ثم يصيرون بعد ذلك إلى الموت ، ومن بعده إلى النشور ، وما يستحقونه من الثواب أو العقاب (1)، كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم تمنّي هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع ، فنالوا مقت الله ، أن يخرجوا ثالثاً لعلهم يصلحون "قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ "غافر(11)
    إمكان الرجعة :
    إنَّ الرجعة من نوع البعث والمعاد الجسماني ، غير أنها بعث موقوت في الدنيا ومحدود كماً وكيفاً ، ويحدث قبل يوم القيامة ، بينما يُبعث الناس جميعاً يوم القيامة ليلاقوا حسابهم ويبدؤا حياتهم الخالدة ، وأهوال يوم القيامة أعجب وأغرب وأمرها أعظم من الرجعة .بما أنَّ الرجعة والمعاد ظاهرتان متماثلتان من حيث النوع ، فالدليل على إمكان المعاد يمكن أن يقام دليلاً على إمكان الرجعة ، والاعتراف بإمكان بعث الحياة من جديد يوم القيامة يترتب عليه الاعتراف بإمكان الرجعة في حياتنا الدنيوية ، ولا ريب أنّ جميع المسلمين يعتبرون الإيمان بالمعاد من أُصول عقيدتهم ، إذن فجميعهم يذعنون بإمكانية الرجعة .
    يقول السيد المرتضى قدس سره : إعلم أنّ الذي يقوله الإمامية في الرجعة لا خلاف بين المسلمين ـ بل بين الموحدين ـ في جوازه ، وأنّه مقدور لله تعالى ، وإنّما الخلاف بينهم في أنّه يوجد لا محالة أو ليس كذلك ، ولا يخالف في صحة رجعة الأموات إلاّ خارج عن أقوال أهل التوحيد، لاَنَّ الله تعالى قادر على إيجاد الجواهر بعد إعدامها ، وإذا كان عليها قادراً ، جاز أن يوجدها متى شاء (2).
    (وقد دلَّ الكتاب الكريم على الحشر الخاص قبل يوم القيامة، وهو عودة بعض الاَموات إلى الحياة في قوله تعالى: "وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ "النمل (83) كما دلَّ على الحشر العام بعد نفخة النشور في نفس السورة بقوله: (وَيومَ يُنفَخُ في الصُورِ فَفَزعَ مَنْ في السَّماواتِ ومَنْ في الاَرضِ) إلى قوله تعالى: (وكلٌّ أتوهُ داخرِينَ)).ويستفاد من مجموع الآيتين أنّ يوم الحشر الخاص هو غير يوم النفخ والنشور الذي يحشر فيه الناس جميعاً، وبما أنّه ليس ثمة حشر بعد يوم القيامة بدليل الكتاب والسُنّة، فلا بدَّ أن يكون الحشر الخاص واقعاً قبل يوم

    القيامة، فهو إذن من العلامات الواقعة بين يدي الساعة، كظهور الدجال وخروج السفياني ونزول عيسى من السماء وطلوع الشمس من مغربها وغيرها من الاَشراط المدلولة بالكتاب والسُنّة.
    كما دلَّ الكتاب الكريم على رجعة بعض الناس في الاُمم السابقة إلى الحياة بعد الموت في عدة آيات صريحة لا تقبل التأويل، منها قوله تعالى: وهو يدل على إمكان الرجعة في هذه الاُمّة أيضاً لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو أنَّ أحدهم دخل جُحر ضَبّ لدخلتُم»(3).
    و قال تعالى" أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " البقرة /259
    وقال تعالى: "وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ "البقرة(56) هاتان الآيتان تتحدثان عن قصة المختارين من قوم موسى عليه السلام لميقات ربه، وذلك أنّهم لمّا سمعوا كلام الله تعالى قالوا: لا نصدّق به حتى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة بظلمهم فماتوا، فقال موسى عليه السلام: «يا ربِّ، ماأقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم» فأحياهم الله له، فرجعوا إلى الدنيا ، فأكلوا وشربوا، ونكحوا النساء، وولد لهم الاَولاد، ثم ماتوا بآجالهم(4).
    وكذالك المسيح عليه السلام يحيي الموتى فهي ايضا من الرجعة، وقصة أصحاب الكهف:
    (وَلَبِثُوا في كَهفِهِم ثَلاثَ مائةٍ سِنينَ وازدادُوا تِسعاً) ثم بعثهم الله فرجعوا إلى الدنيا ليتساءلوا بينهم وقصتهم معروفة.)
    العلاّمة المجلسي في (البحار) (5)، قال: أجمعت الشيعة على الرجعة في جميع الاَعصار، واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار، حتى نظموها في أشعارهم واحتجوا بها على المخالفين في جميع أمصارهم ، وأثبتوه في كتبهم وأسفارهم، منهم الرازي والنيسابوري وغيرهما(6)
    .وفيما يلي أهم الشبهات التي أثارها منكري الرجعة مع جوابها:
    الشبهة الاُولى: الرجعة تنافي التكليف
    يقول السيد المرتضى قدس سره: إنَّ الرجعة لا تنافي التكليف، وإنّ الدواعي مترددة معها حتى لا يظنَّ ظان أنّ تكليف من يعاد باطل، وإنّ التكليف كما يصحّ مع ظهور المعجزات والآيات القاهرة، فكذلك مع الرجعة لاَنّه ليس في جميع ذلك ملجىء إلى فعل الواجب والامتناع من فعل القبيح(7).
    الشبهة الثانية
    قال أبو القاسم البلخي: لا تجوز الرجعة مع الاِعلام بها، لاَنَّ فيها إغراء بالمعاصي من جهة الاتكال على التوبة في الكرة الثانية.الجواب: إنَّ من يقول بالرجعة لا يذهب إلى أنّ الناس كلهم يرجعون، فيصير إغراء بأنّ يقع الاتكال على التوبة فيها، بل لا أحد من المكلفين إلاّ ويجوز أن لا يرجع، (8).
    الشبهة الثالثة
    كيف يعود كفار الملة بعد الموت إلى طغيانهم، وقد عاينوا عذاب الله تعالى في البرزخ، وتيقنوا بذلك أنهم مبطلون. قال الشيخ المفيد قدس سره: ليس ذلك بأعجب من الكفار الذين يشاهدون في البرزخ ما يحلَّ بهم من العذاب ويعلمونه ضرورة بعد المدافعة لهم والاحتجاج عليهم بضلالهم في الدنيا، فيقولون حينئذ (8) (يَاليتَنَا نُرَدُّ ولا نُكَذِّبَ بآياتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ المُؤمِنِينَ) فقال الله عزَّ وجل: ("بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ "الانعام (28)).
    الشبهة الرابعة:
    الرجعة تفضي إلى القول بالتناسخ
    وللجواب على هذه الشبهة لا بدَّ من بيان عدّة أُمور:
    سأل المأمون الاِمام الرضا عليه السلام: ما تقول في القائلين بالتناسخ ؟ فقال عليه السلام: «من قال بالتناسخ فهو كافر مكذّب بالجنة»(9).
    الشبهة الخامسة:
    ظهور اليهودية في التشيع بالقول بالرجعة.
    ذكرنا الآيات التي تدل على وقوع الرجعة في الاُمم السابقة، وقد صرّح القرآن الكريم بذكرها بما لا يقبل التأويل. المعتقدات والاَحكام الاِسلامية، لاَنَّ النبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم جاء مصدّقاً لما بين يديه من الشرائع السماوية، وإنْ نسخ بعض أحكامها، فظهور اليهودية أو النصرانية في بعض المعتقدات الاِسلامية ليس عيباً في الاِسلام، على تقدير أنّ الرجعة من الآراء اليهودية
    الشبهة السادسة
    الظاهر من قوله تعالى حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ المؤمنون(100) نفي الرجوع إلى الدنيا بعد الموت، فكيف يمكن التوفيق بين القول بالرجعة وبين ما يدلّ عليه ظاهر الآية

    اولاً: إنّه ليس في الآية شيءٌ من ألفاظ العموم، فلعلَّ المشار إليهم لا يرجع أحد منهم، لاَنَّ الرجعة خاصّة كما تقدّم.
    ثانياً: إنَّ الذي) يفهم من الآية أنّ المذكورين طلبوا الرجعة قبل الموت لا بعده، والذي نقول به ونعتقده هو الرجعة بعد الموت، فالآية لا تنافي صحّة الرجعة بهذا المعنى.
    ثالثاً: إنَّ الظاهر من الآية هو إرادة الرجعة مع التكليف في دار الدنيا، بل يكاد يكون صريح معناها، ونحن لا نجزم بوقوع التكليف في الرجعة، وأنّ الدواعي معها متردّدة، وأنه أمر منوط بعلم الغيب، ولا يفصح عنه إلاّ المستقبل
    الشبهة السابعة: أحاديث الرجعة موضوعة
    الجواب: هذه الدعوى لا وجه لها، ذلك لاَنَّ الرجعة من الاُمور الضرورية فيما جاء عن آل البيت عليهم السلام من الاَخبار المتواترة، وعلى تقدير صحّة هذه الدعوى، فإنه لا يعتبر الاعتقاد بها بهذه الدرجة من الشناعة التي هوّلها خصوم الشيعة، وكم من معتقدات لباقي طوائف المسلمين لم يثبت فيها نصّ صحيح، ولكنها لم توجب تكفيراً وخروجاً عن الاِسلام ؟ولذلك أمثلة كثيرة، منها الاعتقاد بجواز سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عصيانه، ومنها الاعتقاد بقدم القرآن، ومنها القول بالوعيد، ومنها الاعتقاد بأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينصّ على خليفةٍ من بعده.
    الشبهة الثامنة: الرجعة محدودة في زمان النبوة
    إنَّ الرجعة لا تجوز إلاّ في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليكون معجزاً له ودلالة على نبوته.
    قال الشيخ الطبرسي: وذلك باطل، لاَنَّ عندنا بل عند أكثر الاُمّة يجوز إظهار المعجزات على أيدي الاَئمة والاَولياء، والاَدلة على ذلك مذكورة في كتب الاَصول
    والحمد لله رب العالمين.
    (1) عقائد الإمامية ، للمظفر : 108 تحقيق مؤسسة البعثة . والآية من سورة غافر 40 : 11
    (2) رسائل الشريف المرتضى 3 : 135 ـ
    (3) كنز العمال، للمتقي الهندي 11: 134 | 30924 مؤسسة الرسالة
    (4) الاعتقادات، للصدوق: 61. 25
    (5) بحار الاَنوار، للمجلسي 53: 122
    (6) رسائل الشريف المرتضى 1: 126 المسائل التي وردت من الري.
    (7) مجمع البيان، للطبرسي 1: 242.
    (8) المسائل السروية، للشيخ المفيد: 36 والآيتان من سورة الانعام 6: 27 ـ 28.
    (9) راجع الايقاظ من الهجعة، للحر العاملي: 422.


يعمل...
X