إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التطرف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التطرف



    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وال محمد

    (التطرف)

    ..(تطرُّف) المستخدمة اليوم بيد أنّ هناك لفظة أخرى كَثُرَ استخدامها في كتبهم للدلالة على هذا المعنى وهي كلمة (الغلوّ) التي وردتْ في القرآن الكريم ووردت على لسان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لكن من خلال المفهوم السائد اليوم يمكننا القول أنّ التطرُّف يعني تجاوز حدّ الاعتدال سواء كان في العقيدة أو في الفكر أو في السلوك وجاء في البحوث الإسلامية الغلوّ في الحقيقة أعلى مراتب الإفراط في الجملة فالغلوّ في الكفن هو المغالاة في ثمنه والإفراط فيه إفراطاً أو تفريطاً أو بعبارة أخرى سلبًا أو إيجابًا زيادة أو نقصًا سواء كان غُلوّاً أم لا إذ العبرة ببلوغ طرفي الأمر وسبق الغلوّ في قول القائل

    لا تَغْلُ في شيءٍ مِنَ الأمرِ واقْتَصِدْ *** كِلا طرفيِّ قَصْدِ الأمورِ ذميمُ


    فالغُلُوّ أخصُّ من التطرُّف بحسبان أنّه مجاوزة الحد الطبيعي في الزيادة والنقص ففي حال النقص يسمى غُلوّاً إذا بالغ في النقص فيقال غلا في النقص وكذلك في الزيادة إذا بالغ فيها كقول النصارى في المسيح ابن مريم أنّه الله وابن الله والروح القدس تعالى الله عمّا يقولون علواً كبيراً والتطرُّف اصطلاحاً أيضاً يعني الانحياز إلى طرفي الأمر فيشمل الغُلوّ ولكنّ الغلوّ أخصّ منه في الزيادة والمجاوزة ليس فقط بمجرد البعد عن الوسط إلى الأطراف أو بمعنى آخر: كل غُلوّ فهو تطرُّف وليس كل تطرُّفٍ غُلوّ فالذي يتطرّف في حكمه في الدماء ربما يحكم بكفر بعض الناس من أهل القبلة فإذا غلا في تطرُّفه فربما يستبيح قتله ويرى في هذا أجراً من الله تعالى وهذا لا شكّ أنه أشدّ وأخطر لأنه يقتل باسم الدين.


    أنواع التطرُّف وصوره في الواقع الاجتماعي هناك ثلاثة أنواع من التطرُّف: قولي، وعملي (سلوكي)، ومعتقدي.


    أولاً: التطرُّف القولي :- هو كل لفظ لا يحِلُّ إطلاقه فالسبُّ والقذفُ والهِجاءُ والغيبةُ والنميمةُ والكذبُ وإطلاق الشائعات وما شاكل ذلك كله تطرُّفٌ في القول وهو بهذا المعنى لا يكاد يخلو منه مجتمع بل إنّ بعض المجتمعات أصبحت هذه الصفات سمةً أساسيةً ومميّزةً لها.



    ثانياً: التطرُّف العملي (السلوكي):- وهو كل تطرُّف في سلوكٍ أو فعلٍ يخالف الشرع لكنّه يختلف باختلاف درجة تحريمه فهناك كبائر كالقتل والزنا والسرقة وهناك صغائر فكلما كان الفعل كبيراً (أي ورد فيه حدٌّ، أو وعيد) كان أمره أعظم وهو أيضاً بهذا المعنى له صور وأشكال كثيرة في مجتمعاتنا.


    ثالثاً: التطرُّف المعتقدي:- ويدخل فيه كل ما خالف المعتقد الصحيح الذي جاء به النبي (صلى الله عليه واله وسلم) اهل البيت عليهم السلام والصحابة الابرار فالشِّركُ، والكفر، والإلحادُ، وادِّعاء الولد أو الزوجة لله والصنمية والتقديس الاعمى والعصبية الجاهلية واليأس والتشاؤم ونحو هذا كله من التطرُّف في الاعتقاد


    أنواع التطرف الاخرى والتطرف لا ينحصر فى الجانب الديني فحسب فهناك أشكال مختلفة من التطرف السياسي والثقافي والاجتماعي وإذا كان التطرف الديني في الوقت الراهن هو الأبرز في المجتمعات العربية والإسلامية كما في المجتمعات الغربية فإن تطرفاً يسارياً قد ساد المنطقة العربية في فترة الستينيّات وبداية السبعينيّات ولم يكن التطرف القومي أحسن حالاً وغالباً ما كان أصحاب التوجهات الدينية في تلك الفترات يقعون ضحية ذلك التطرف اليساري أو القومي حين وصل اليساريون والقوميون إلى السلطة فتعرّضت الجماعات الدينية للقمع ومصادرة الحريات والاعتقال وفي بعض الأحيان إلى التصفية والإعدام بعد أن صودر حقها في التعبير بل في الوجود ووُجهت لها الاتهامات بالرجعية والعمالة للاستعمار المسألة إذن ليست حكراً على تطرف ديني فكما أن هناك تكفيراً دينياً هناك أيضا تكفير سياسي وعلماني ومثلما أن هناك توجهات إسلامية متطرفة ترفض الاعتراف بالآخرين وتعمل على إلغائهم هناك في المقابل علمانية متطرفة تستخف بالدين وتتجرّأ على الثوابت الدينية وترفض محاورة من يخالفونها الرأي وتصنّفهم على أنهم خارجون على الصف الوطني وتمارس بحقهم سياسة القمع والاستئصال .

    برز التطرف الفكري في وقت مبكر من تأريخ المجتمع البشري حتى قبل أن تتعقّد التركيبة الإجتماعية سواء في منظومتها الفكرية أو في وسائلها الحياتية لأن في أسباب التطرف الفكري ما ليس رهنا بالتركيبة الإجتماعية المعقدة و إنما يتجسد في البيئة الساذجة على وجه التحديد و لطالما وُجد التطرف الفكري لا كحالة في الفرد و المجتمع و إنما كظاهرة إجتماعية تتسع و تضيق حسب عوامل نشوئها و حجم تفاعل هذه العوامل و تأثيرها و لم يقتصر ذلك على صعيد معيَّن من أصعدة الحياة و إنما يكاد يشمل أو يشمل بالفعل جميع الأصعدة لأن التطرف الفكري يتحقق أينما تحقق سببه و على أي صعيد إن للتطرف الفكري وجهين أحدهما مكشوف و الآخر مقنَّع فكما يوجد التطرف الفكري المكشوف و الذي يمكن تشخيصه دون تعقيد كذلك هناك التطرف الفكري المقنَّع الذي تضيع معه البوصلة لا سيما إذا اتخذ صيغة علمية و ظهر بوجه حضاري فيترك تأثيرا كبيرا و خطيرا في الشعوب و المجتمعات و ربما يصل إضلاله حد تصور أنه النهج الصحيح و ما عداه هو الشذوذ و الخطأ و نجد لذلك أمثلة كثيرة في ثقافات الأمم و حضاراتها و ليست الحضارة الغربية بدعا عن ذلك فقد أفرزت فيما أفرزت من مفردات ثقافاتها من الشذوذ الثقافي الفكري ما حاولت تلبيسه بوجه حضاري ساهم و لا يزال يساهم في إغواء الناس و إضلالهم ربما ليس في تعبير ( التطرف الفكري ) ما يوجب الشطط على مستوى إدراك المفاهيم و تشخيصها لكن هذا التعبير قد ينطوي على ما يسبب الإلتباس و ربما الضياع عند إسقاطه على الواقع في مقام تطبيقه عليه إننا حينما نرجع الى المادة اللغوية للفظ ( ط, ر , ف ) نراها قد استعملت في معانٍ شتى لا ينطبق الكثير منها على المفهوم الذي نحن بصدده . فقد يطلق تعبير التطرف على الشخص الذي لا يثبت على أمر أو رأي و قد يطلق على المرء الذي ينسى القديم و يستطرف الجديد و قد يطلق على الطيب الغريب أو على المستحدث بشكل عام و إن لم يكن داخلا في المُحدَث المبتَدَع و ليس لذلك كله ربط بالمفهوم الذي نحن بصدده إن تعبير ( التطرف الفكري ) بما ينطوي عليه من مضمون قد استُلّ من استعمال المادة اللغوية في التباعد و التنحي فالمتطرف هو المتباعد الى ناحية الشيء و طرفه فاستُلَّ منه تعبير ( التطرف الفكري ) كمفهوم مشبَّع بالسلبية للتعبيرعن الإنحراف عن الإستقامة في الفكر و الإعتدال في الفهم..

    للباحث جناب الشيخ الأستاذ عامر المنشداوي



يعمل...
X