في يوم ولادة الامام الحسين (ع) غفر الله لفطرس ودردائيل وصلصائيل
جاءت روايات كثيرة في غفران الله لفطرس ووردة أيضاً في ودردائيل وصلصائل وغيرهم ، وأنهم كانوا ملائكة كان مغضوب عليهم غضب ما ومؤقت وحتى حين ،
والظاهر بهبوط المنزلة والشأن لهم لأيام وإن كانوا بعد في محل العبودية ، وفي يوم ولادة الحسين كرامة له غفر الله لهم ،
بعد أن شرفهم بزيارته والتوسل بحقه عند الله ، وبهذا عرف الله سبحانه وتعالى كرامته في السماء لأهلها كما عرف شأنه الكريم في الأرض
كما عرفت وستعرف في يوم ولادته المباركة .
وإن الملائكة : وإن كان لهم مقام كريم وإنهم لا يعصون الله ما يؤمرون .
لكنه بعضهم : لهم شأنهم ومحسوب عليهم ، وإن لم يكن منهم ، وكما كان إبليس لعنه الله محسوب عليهم وحشر معهم لما كان له من المقام في العبادة والإخلاص فيها ،
ثم عصى لما أُمر بالسجود لأدم لأنه كان من الجن ، فإنه حين ولد آدم وأمر بالسجود له أخذه الحسد ووسوست له نفسه وتكبر فعصى وطغى وتجبر ،
فحرم مقامه أبدا لأنه لم يتب ولم يرجع لله مع ما عرف بنفسه من عصيانه وحرمانه وطرده ولعنه ونزوله من مقام الكرامة ،
ولما بقي مصر على عدم العود للعبودية لله لعنه الله .
كما إنه : هناك ملائكة حكا الله عنهم بنوع من العقوبة أو فقل بنزولهم عن مقامهم لبعض التقصير الذي لا يعد ذنبا وعصيانا كبيرا ،
بل تأخر وتباطأ لا يناسب شأنهم فحرموا مقامهم وصار شأنهم بالنزول في الأرض كما في الملكين ببابل هاروت وماروت ،
ومع ما عندهم من العلم ، كما في قوله تعالى :
{ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ }البقرة102 .
وقد حُكي في قصصهم : أمورا قد تكون بعيده في شأن الملائكة ولا يناسب تزكيتهم , ولكن نزولهم في الأرض لمرتبة أقل من شأنهم مسلم كما حكته الآية ،
وإنه اختبار لهم بل عبرة للملائكة كلهم ، وللناس فتنه ، ويجب أن يعتبر بهم ويتعظ ويتعلم الحق منهم لا الباطل وتحريف الحق وقلبه ضلال ،
وإن قصصهم تشبه ما حكي في قصص فطرس والملائكة الذين نجو حين ركبوا سفينة الإمام الحسين ، وتوجهوا به لله تعالى فشفعه الله بهم وقبل توبتهم ،
وإن العقوبة ونزول الشأن كان معلق ليوم كريم يعرف به شأن إمام الحق لأهل السماء والأرض وبه يتوب الله عليهم .
ولكي نعرف كرامة الإمام : ونجاة الملائكة بتوسلهم بحق الحسين وقبول شفاعته من قبل الله تعالى ، نذكر هذه الأشعة:
الإشعاع الأول : (غفر الله لفطرس في يوم ولادة الإمام الحسين ):
في أمالي الصدوق بالإسناد عن إبراهيم بن شعيب قال : سمعت أبا عبد الله يقول :
إن الحسين بن علي : لما ولد أمر الله جبرائيل أن يهبط في ألف من الملائكة ، فيهنئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الله ومن جبرائيل .
قال : فهبط جبرائيل ، فمر على جزيرة في البحر فيها ملك يقال له : فطرس كان من الحملة بعثه الله في شيء فأبطأ عليه ،
فكسر جناحه وألقاه في تلك الجزيرة ، فعبد الله تبارك وتعالى فيها سبعمائة عام حتى ولد الحسين بن علي .
فقال الملك لجبرائيل : يا جبرائيل أين تريد ؟ قال : إن الله أنعم على محمد بنعمة فبعثت أهنئه من الله ومني .
فقال : يا جبرائيل احملني معك لعل محمدا صلى الله عليه وآله وسلم يدعو لي .
قال : فحمله .
قال : فلما دخل جبرائيل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هنأه من الله ، ومنه وأخبره بحال فطرس .
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : قل له : تمسح بهذا المولود ، وعد إلى مكانك .
قال : فتمسح فطرس بالحسين بن علي وارتفع .
فقال : يا رسول الله أما إن أمتك ستقتله ، وله علي مكافأة ألا يزوره زائر إلا أبلغته عنه ، ولا يسلم عليه مسلم إلا أبلغته سلامه ،
ولا يصلي عليه مصل إلا أبلغته صلاته ، ثم ارتفع .
قال في بحار الأنوار : ورواه في كامل الزيارات عن إبراهيم بن شعيب مثله .
وقال : قد مضى بتغيير ما في باب أخذ ميثاقهم من الملائكة.
وروى في المناقب : عن ابن عباس والصادق مثله ثم قال :
وقد ذكر الطوسي في المصباح رواية عن القاسم بن أبي العلاء الهمداني حديث فطرس الملك في الدعاء [56].
وفي المسألة الباهرة في تفضيل الزهراء الطاهرة : عن أبي محمد الحسن بن طاهر القائني الهاشمي
: أن الله تعالى كان خيره بين عذابه في الدنيا أوفي الآخرة ، فاختار عذاب الدنيا فكان معلقا بأشفار عينيه
في جزيرة في البحر لا يمر به حيوان وتحته دخان منتن غير منقطع .
فلما أحس الملائكة نازلين : سأل من مر به منهم عما أوجب لهم ذلك فقال : ولد للحاشر النبي الأمي أحمد من بنته وصيه ،
ولد ، يكون منه أئمة الهدى إلى يوم القيامة ،
فسأل من أخبره أنه يهنئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتلك عنه ، ويعلمه بحاله .
فلما علم : النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ، سأل الله تعالى أن يعتقه للحسين ففعل سبحانه .
فحضر فطرس وهنأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعرج إلى موضعه .
وهو يقول : من مثلي وأنا عتاقة الحسين ابن علي وفاطمة وجده أحمد الحاشر[57].
وفي السرائر عن جامع البزنطي عن غير واحد من أصحابنا أن أبا عبد الله قال :
إن فطرس : ملك كان يطوف بالعرش ، فتلكأ في شيء من أمر الله فقص جناحه ورمى به على جزيرة من جزائر البحر ،
فلما ولد الحسين هبط جبرائيل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يهنئه بولادة الحسين ،
فمر به فعاذ بجبرائيل فقال : قد بعثت إلى محمد أهنئه بمولود ولد له فان شئت حملتك إليه .
فقال : قد شئت فحمله فوضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبصبص بإصبعه إليه ،
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : امسح جناحك بحسين ، فمسح جناحه بحسين فعرج[58] .
الإشعاع الثاني : (غفر الله لدردائيل في يوم ولادة الإمام الحسين
في كمال الدين بسنده عن مجاهد قال : قال ابن عباس : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
إن الله تبارك وتعالى ملكا يقال له : دردائيل كان له ستة عشر ألف جناح ، ما بين الجناح إلى الجناح هواء ، والهواء كما بين السماء والأرض .
فجعل يوما يقول في نفسه : أفوق ربنا شيء ؟
فعلم الله تبارك وتعالى : ما قال ، فزاده أجنحة مثلها فصار له اثنان وثلاثون ألف جناح ، ثم أوحى الله إليه أن : طر ، فطار مقدار خمسمائة عام ،
فلم ينل رأسه قائمة من قوائم العرش .
فلما علم الله أتعابه : أوحى إليه أيها الملك عد إلى مكانك ، فأنا عظيم فوق كل عظيم ، وليس فوقي شيء ، ولا أوصف بمكان ،
فسلبه الله أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة .
فلما ولد الحسين بن علي صلوات الله عليهما :
وكان مولده عشية الخميس ليلة الجمعة .
أوحى الله إلى ملك خازن النيران : أن اخمد النيران على أهلها ، لكرامة مولود ولد لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وأوحى إلى رضوان خازن الجنان : أن زخرف الجنان وطيبها ، لكرامة مولد ولد لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم في دار الدنيا .
وأوحى إلى حور العين: تزينَ وتزاورن ، لكرامة مولود ولد لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم في دار الدنيا .
وأوحى الله إلى الملائكة : أن قوموا صفوفا بالتسبيح والتحميد والتمجيد والتكبير ، لكرامة مولود ولد لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم في دار الدنيا .
وأوحى الله إلى جبرائيل : أن اهبط إلى نبيي محمد في ألف قبيل ، في القبيل ألف ألف ملك على خيول بلق مسرجة ملجمة ،
عليها قباب الدر والياقوت ، معهم ملائكة يقال لهم : الروحانيون بأيديهم حراب من نور أن هنئوا محمدا بمولوده .
وأخبره يا جبرائيل أني قد سميته الحسين وعزه وقل له : يا محمد يقتله شرار أمتك على شرار الدواب ، فويل للقاتل ، وويل للسائق ، وويل للقائد .
قاتل الحسين : أنا منه برئ وهو مني برئ ، لأنه لا يأتي أحد يوم القيامة إلا وقاتل الحسين أعظم جرما منه .
قاتل الحسين : يدخل النار يوم القيامة مع الذين يزعمون أن مع الله إلها آخر ، والنار أشوق إلى قاتل الحسين ممن أطاع الله إلى الجنة .
قال : فبينا جبرائيل يهبط من السماء إلى الأرض إذ مر بدردائيل ، فقال له دردائيل: يا جبرائيل ما هذه الليلة في السماء هل قامت القيامة على أهل الدنيا ؟
قال : لا ، و لكن ولد لمحمد مولود في دار الدنيا ، وقد بعثتي الله إليه لأهنئه بمولوده .
فقال الملك له : يا جبرائيل بالذي خلقك وخلقني إن هبطت إلى محمد فأقرئه مني السلام ، وقل له :
بحق هذا المولود عليك إلا ما سألت الله ربك أن يرضى عني ويرد علي أجنحتي ومقامي من صفوف الملائكة .
فهبط جبرائيل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم : وهنأه كما أمره الله وعزاه .فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : تقتله أمتي ؟ قال : نعم ،
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ما هؤلاء بأمتي ، أنا برئ منهم والله برئ منهم .
قال جبرائيل : وأنا برئ منهم يا محمد .
فدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة وهنأها .
وعزاها ، فبكت فاطمة ، وقالت : يا ليتني لم ألده قاتل الحسين في النار . وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أنا أشهد بذلك يا فاطمة ،
ولكنه لا يقتل حتى يكون منه إمام تكون منه الأئمة الهادية بعده .
ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : الأئمة بعدي :
الهادي : علي . المهتدي : الحسن . الناصر : الحسين . المنصور : علي بن الحسين . الشافع : محمد بن علي . النفاع : جعفر بن محمد . الأمين :
موسى بن جعفر . الرضا : علي بن موسى . الفعال : محمد بن علي . المؤتمن : علي بن محمد . العلام : الحسن بن علي . ومن يصلي : خلفه عيسى بن مريم .
فسكنت فاطمة من البكاء .
ثم أخبر جبرائيل : النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقضية الملك وما أصيب به .
قال ابن عباس : فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحسين ، وهو ملفوف في خرق من صوف ، فأشار به إلى السماء
ثم قال : اللهم بحق هذا المولود عليك ، لا بل بحقك عليه ، وعلى جده محمد وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ،
إن كان للحسين بن علي ابن فاطمة عندك قدر ، فارض عن دردائيل ، ورد عليه أجنحته ، ومقامه من صفوف الملائكة .
فاستجاب الله دعاءه : وغفر للملك ، والملك لا يعرف في الجنة إلا بأن يقال : هذا مولى الحسين بن علي ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
الإشعاع الثالث : (غفر الله صلصائيل في يوم ولادة الإمام الحسين
قال المجلسي رحمه الله أقول : في حديث المفضل بطوله ـ في كتابه بحار الأنوار ـ الذي يأتي بإسناده في كتاب الغَيبة عن الصادق أنه قال :
كان ملك بين المؤمنين يقال له : صلصائيل ، بعثه الله في بعث فأبطأ فسلبه ريشه ودق جناحيه وأسكنه في جزيرة من جزائر البحر
إلى ليلة ولد الحسين ، فنزلت الملائكة واستأذنت الله في تهنئة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
وتهنئة أمير المؤمنين وفاطمة ، فأذن الله لهم ، فنزلوا أفواجا من العرش ومن السماء ، فمروا بصلصائيل وهو ملقى بالجزيرة .
فلما نظروا إليه وقفوا ، فقال لهم: يا ملائكة ربي إلى أين تريدون ؟ وفيم هبطتم؟
فقالت له الملائكة : يا صلصائيل قد ولد في هذه الليلة أكرم مولود ولد في الدنيا بعد جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأبيه علي ، وأمه فاطمة ،
وأخيه الحسن ، وقد استأذنا الله في تهنئة حبيبه محمد صلى الله عليه وآله وسلم لولده فأذن لنا.
فقال صلصائيل : يا ملائكة الله إني أسألكم بالله ربنا وربكم وبحبيبه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وبهذا المولود أن تحملوني معكم إلى حبيب الله
وتسألونه وأسأله ، أن يسأل الله بحق هذا المولود الذي وهبه الله له أن يغفر لي خطيئتي ، ويجبر كسر جناحي ، ويردني إلى مقامي مع الملائكة المقربين .
فحملوه : و جاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فهنئوه بابنه الحسين ، وقصوا عليه قصة الملك ،
وسألوه مسألة الله والإقسام عليه بحق الحسين : أن يغفر له خطيئته ، ويجبر كسر جناحه ، ويرده إلى مقامه مع الملائكة المقربين .
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فدخل على فاطمة فقال له : ناوليني ابني الحسين ، فأخرجته إليه مقموطا يناغي جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
فخرج به إلى الملائكة ، فحمله على بطن كفه ، فهللوا وكبروا وحمدوا الله تعالى وأثنوا عليه .
فتوجه به إلى القبلة نحو السماء ، فقال : اللهم إني أسألك بحق ابني الحسين أن تغفر لصلصائيل خطيئته ، وتجبر كسر جناحه ، وترده إلى مقامه مع الملائكة المقربين .
فتقبل الله تعالى من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أقسم به عليه ، وغفر لصلصائيل خطيئته وجبر كسر جناحه ، ورده إلى مقامه مع الملائكة المقربين