بِسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم
الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعالَمِيْنَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أشْرَفِ الْأَنْبِياءِ وَالْمُرْسَلِينَ أَبِي الْقاسِمِ مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ الْطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِين.
الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعالَمِيْنَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أشْرَفِ الْأَنْبِياءِ وَالْمُرْسَلِينَ أَبِي الْقاسِمِ مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ الْطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِين.
وقع الاختلاف بين المدرستين اقصد مدرسة اتباع اهل البيت (عليهم السلام) و المدارس الاخرى من الفرق الاسلامية في وجوب المسح على الرجلين أو وجوب غسلهما :
وكان رأي مدرسة اتباع اهل البيت (عليهم السلام) الاثني عشرية في الرجلين المسح دون الغسل واجمعوا عليه بحيث لم يرتضوا غيره بل من جاء بغير ما نصت عليه روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فيكون وضوئهم باطل وقالوا فيه :
وهو – المسح - متعين في الوضوء، وقد كان في الصحابة من يقول به كابن عباس وأنس، وفي التابعين مثل عكرمة والشعبي .
واستدل اتباع مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) الاثني عشرية فيما جاء من النص والاثر .
أما النص فوجوه: الاول قوله تعالى * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إليا لمرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين) * سورة المائدة: 6.
وعطف اليدين على الوجه موجب لاشتراكهما في الغسل، فيكون عطف الرجلين على الرأس كذلك عملا بمقتضى العطف.
أو نقول لو كان المراد في الآية الغسل، لزم إما الاضمار أو الابهام، وهما على خلاف الاصل.
أما الملازمة، فلان العامل في نصب الرجلين إما ظاهر وإما مقدر، والثاني إضمار، والظاهر إما لفظة: اغسلوا أو امسحوا فإذا لم يكن الاعمال لامسحوا، لزم احتمال إعمال العاملين، إذ ليس الابعد أولى من الاقرب، وهو إبهام.
فثبت أنه يلزم من إرادة الغسل أحد الامرين، وكلاهما منفي بالأصل.
النص الثاني: ما رواه زرارة عن الباقر (عليه السلام)، " إنه وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ثم مسح برأسه وقدميه " التهذيب 1 / 56..
وأما الاثر: فما روي عن علي (عليه السلام) إنه قال: " كتاب الله المسح، ويأبى الناس إلا الغسل " التهذيب 1 / 63.
ومثله عن ابن عباس: "انه مسحتان وغسلتان" التهذيب 1 / 63.
والمروي عن أهل البيت عليهم السلام كثير.
فمنه أيضاً ما رواه أبو غالب ابن هذيل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن المسح على الرجلين فقال: هو الذي نزل به جبرئيل (عليه السلام) التهذيب 1 / 63 وفيه: غالب مكان أبو غالب.
وعن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: يأتي على الرجل الستون والسبعون ما قبل الله منه صلاة واحدة، قلت: كيف ذلك؟ قال: لانه يغسل ما أمر الله بمسحه التهذيب 1 / 65 والاستبصار 1 / 64 والكافي 1 / 31.
وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال:" سألت أبا الحسن عليه السلام عن المسح على القدمين، فوضع كفيه على الاصابع ثم مسحهما إلى الكعبين" الاستبصار ج 1 ص 62.
وعنه (عليه السلام): في كتاب الله في وضوء الفريضة المسح، والغسل للتنظيف " التهذيب 1 / 64 والاستبصار 1 / 64.
ومنها رواية محمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه السلام في حديث قال: وذكر المسح فقال: وامسح على مقدم رأسك وامسح على القدمين " الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 1-4.
ومنها رواية سالم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن المسح على الرجلين قال: هو الذي نزل به جبرئيل " الوسائل الباب 23 من أبواب .
اما رأي غيرهم من الفرق الشيعية والمذاهب الاخرة قد اختلفوا في تحديد مذهبهم في عدة مذاهب فذهب بعضهم الى وجوب الغسل وبعض منهم من جعل العل فيها عمل تخيري بين الغسل وبين المسح .
فذهب الى وجوب الغسل أئمة المذاهب الاربعة وعليه مشهور بين اهل السنة .
ومن ذهب الى القول: بوجوب الجمع بين المسح والغسل، وينسب هذا القول إلى بعض أئمّة الزيديّة وإلى بعض أئمّة أهل الظاهر.
ومن أهل السنّة من يقول بالتخيير، فله أن يغسل وله أن يمسح.
استدل القائلون بالغسل ايضاً بالنص والحديث .
أما الآية ، وهي قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) المائدة/6 ، فإنها لا تدل على جواز مسح الرجلين ، وبيان ذلك : أن في الآية قراءتين :
الأولى : (وَأَرْجُلَكُمْ) بنصب اللام ، فتكون الأرجل معطوفة على الوجه ، والوجه مغسول ، فتكون الأرجل مغسولة أيضاً ، فكأن لفظ الآية في الأصل : ( اغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم ) ولكن أُخِّرَ غسلُ الرجل بعد مسح الرأس للدلالة على أن ترتيب الأعضاء في الوضوء يكون على هذا النحو ، غسل الوجه ، ثم الأيدي ، ثم مسح الرأس ، ثم غسل الأرجل . انظر : "المجموع" (1/471) .
القراءة الثانية : (وَأَرْجُلِكُمْ) بكسر اللام ، فتكون معطوفة على الرأس ، والرأس ممسوح ، فتكون الأرجل ممسوحة ألا انهم جعلوا تفسير لهذه الاية على هذه القراءة غير ما فسرت من قبل الامامية الاثنى عشرية .
قالوا : غير أن السنة بينت أن المسح إنما هو على الخفين أو الجوربين بشروط معروفة في السنة .
انظر : "المجموع" (1/450) ، "الاختيارات" ( ص 13) .
وقالوا الدليل على أن الواجب هو غسل الرجلين ، من الحديث :
ما رواه البخاري (163) ومسلم (241) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : تَخَلَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَّا فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا ، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا الْعَصْرَ ( أي أخرنا العصر ) فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ : ( وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا ) .
وروى مسلم (242) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا لَمْ يَغْسِلْ عَقِبَيْهِ ، فَقَالَ : ( وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ ) .
قال الحافظ ابن حجر :
" وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الأَخْبَار عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَة وُضُوئِهِ أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَهُوَ الْمُبَيِّن لأَمْرِ اللَّه , وَلَمْ يَثْبُت عَنْ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة خِلَاف ذَلِكَ إِلا عَنْ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَأَنَس , وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُمْ الرُّجُوع عَنْ ذَلِكَ , قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى : أَجْمَعَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَسْل الْقَدَمَيْنِ , رَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور " "فتح الباري" (1/320) .
لكن نوقش استدلالهم بالآية الكريمة من انه :
المحققين يردّون هذا الوجه، ويجيبون عن هذا الاشكال، ويقولون: بأنّ الفصل بين المتعاطفين بجملة غير معترضة خطأ في اللغة العربية، والقرآن الكريم منزّه من كلّ خطأ وخلط، وكيف يحمل الكتاب على خطأ في اللغة العربيّة.
اذ ان أبو حيّان ـ وهو مفسر كبير ونحوي عظيم، وآراؤه في الكتب النحويّة مذكورة ينظر إليها بنظر الاحترام، ويبحث عنها ويعتنى بها ـ يقول معترضاً على هذا القول: بأنّه يستلزم الفصل بين المتعاطفين بجملة ليست باعتراض بل هي منشئة حكماً.
قال: قال الاُستاذ أبو الحسن ابن عصفور [ وهذا الاسم نعرفه كلّنا، من كبار علماء النحو واللغة ] وقد ذكر الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه قال: وأقبح ما يكون ذلك بالجمل، فدلّ قوله هذا على أنّه ينزّه كتاب الله عن هذا التخريج ( البحر المحيط 3/438) .
وتجدون هذا الاعتراض على هذا الرأي أيضاً في الغنية للحلبي وعمدة القاري، ، وفي غيرها من الكتب الاخرى تجد مثل هذا الرد والاعتراض .
تعليق