بسم الله الرحمن الرحيم
المعاملة الوالدية وأثرها على تنشئة الابناء التنشئة الصحيحة
المعاملة الوالدية وأثرها على تنشئة الابناء التنشئة الصحيحة
( إن الأسرة هي البيئة الاجتماعية الاولى التي تستقبل الطفل وفيها يتم تكوين وتشكيل السمات الأساسية لشخصيته حيث يرتبط سلوك الطفل تدريجياً بالمعاني التي تتكون عنده ضمن المواقف التي يتفاعل بها في أسرته ومحيطه فالطفل يتأثر بكل هذه المعاني وتصاغ شخصيته في مراحلها الأولى لتصبح جزءاً من كيانه الشخصي سيما انه يقضي ما يقرب من ثلثي حياته مع والديه ) .وتتابع قائلة في مكان اخر من البحث ( ومن خلال التعلم المباشر وغيرالمباشر من قبل الوالدين يستقي الطفل منهما اتجاهاتهما ومعتقداتهما وانماط سلوكهماخلال مواقف الحياة المختلفة فالوالدان يؤثران في أبنائهما بطرق متعددة بوصفهمانماذج القدوة للأبناء ) . وقد اولى الدين الاسلامي الحنيف الاسرة ومعاملة افرادها فيما بينهماهتماماً كثيراً . وتعامل معها بقدسية واعتبرها كيان مقدس وأولاها الكثير من الاهتمام وحسب فهمي القاصر فأن تربية الابناء تبدأ منذ اختيار الرجل لزوجته فأن الاختيار اذا كان وفق ما ورد في الاحاديث التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والائمة صلوات الله وسلامه عليهم ، واننا اذا دققنا في هذا الاختياروانه لم يكن عشوائياً او ارتجالياً فإننا بذلك قد خطونا الخطوة الاولى في الاتجاه الصحيح في تربية الابناء وتنشئتهم النشأة الصحيحة والسليمة التي سوف يتبعها خطوات لا تقل اهمية عن هذه الخطوة ولكن هذه الخطوة تعتبر حجر الاساس في تربية الابناءلأنه كما ورد في الحديث ( تخيروا لنطفكم فأن العرق دساس ) وكما ورد في حديث آخر (ان الخال احد الضجيعين ) هذه الاحاديث تدل وبما لا يقبل الشك على أثر الوراثةوالاختيار الصحيح للزوجة في تربية ونشأة الابناء في المستقبل . وسوف نتابع كلامنافي هذا الموضوع حيث سنتطرق الى المعاملة الوالدية من منظور اسلامي والى اراء بعض علماء النفس والباحثين العرب والاجانب في هذه المعاملة وأثرها على الابناء .
المعاملةالوالدية من منظور إسلامي
ولقد صدق رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) حينما أعطى للآباء المنهج الصحيح في تربيةالأبناء حين قال : { لاعب ابنك سبعاً ، وأدبه سبعاً ، وصاحبه سبعاً } وهوتفصيل شديد الدقة يصف مناهج العلاقة بين الوالدين وابنائهما وتطور تلك المناهج مع تعاقب المراحل العمرية لنمو الأولاد وتنوع احتياجاتهم فيها من الملاعبة التي تكشف عن الحنان الى التأديب الذي يشمل التوجيه المباشر والمراجعة فيما لا يحسن من انماط السلوك واستخدام الثواب والعقاب وسيلتين من وسائل التوجيه واصلاح السلوك الى الصحبة التي تزرع عن طريق القدوة ما يراد زرعه من القيم الإيجابية الصحيحة . وقدسار ائمة اهل البيت ( عليهم السلام ) على وفق منهج رسول الله واحاديثهم في ذلك كثيرة ومستفيضة وخير مثال عليها ما جاء في رسالة الحقوق للأمام علي بن الحسين (عليه السلام ) ان مـن حق الولد على والده ( ان تعلم أنه منك ومضاف اليك في عاجل الدنيا بخيره وشره ، وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الادب ) ويذكر الامام ايضا في رسالته حقوقاً كثيرة اضافة لحق الابن على ابيه كحق الاب على ولده وحق الزوجةوالزوج وحق الاخ وحقوق كثيرة . وايضا جاءت وفق ذلك احاديث علماء ومفكري المسلمين فهذا ابن سينا يقول بعد ان يذكر الحقوق التي ذكرها الامام علي بن الحسين في رسالته فيقول ابن سينا ( ثم البدء بتأديبه ورياضة أخلاقه قبل أن تهجم عليه الأخلاق اللئيمة . بالإعراض مرة والإقبال مرة وبالحمد مرة وبالتوبيخ مرة فإن احتاج إلى الاستعانة باليد لم يحجم عنه وليكن أول الضرب قليلا موجعا فإن الضربة الأولى إذاكانت موجعة ساء ظن الصبي لما بعدها واشتد منها خوفه أما إذا كانت الأولى خفيفة غيرمؤلمة حسن ظنه بالباقي فلم يحفل بها أو بما بعدها ) .
ويؤكد الغزالي ايضاً في كتابه ( أحياء علوم الدين ) ان الطفل يخرج إلى الحياة بقلب خال من كل نقش وصورة وهو قابل لكل نقش فجوهره قابل للخير كما هو قابل للشر من هنا كان لزاماً على والديه أن يأخذانه بعنايتهما ورعايتهما . ويتدرج الغزالي في صياغة اخلاق الصبي من خلال : 1 - مراقبة الطفل حتى تبرز لديه علامات التمييز . 2 - الاستفادة من الصفات الطبيعية التي تظهر عند الصبي وتأديبه بواسطتهاحيث يتم توجيه صفة ( شره الطعام ) مثلاً بتعليمه آداب الأكل والسلوك السليم . 3 - تربية بعض القيم والمعايير المختلفة الجسدية والنفسية والخلقية . 4 - تشجيع الأفعال المحمودة التي تصدر من الصبي بالتكريم والمدح . 5 - أما عندما يخطئ الطفل فان الغزالي يصف أسلوباً جميلاً في معالجة الخطأفيقول : ان اخطأ الطفل مرة واحدة فينبغي أن يتغافل عنه ولا يهتك ستره ولا يكاشفه ولا يظهر له ان يتجاسر سيما اذا ستره الصبي واجتهد في اخفائه فان اظهار ذلك عليه ربما يزيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة ، فان عاد ثانياً فينبغي أن يعاتب سراًويعظم فيه ويقال له إياك أن تعود بعد ذلك لمثل هذا وان يطلع عليك في مثل هذافتنفضح بين الناس ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين فانه يهون عليه سماع الملامة وركوب القبائح ويسقط وقع الكلام من قلبه وليكن الأب حافظاً هيبة الكلام معه فلا يوبخه الا احياناً والام تخوفه بالأب وتزجره عن القبائح . . اما الفيلسوف ابن خلدون فيحذرمن أسلوب القسوة والاهمال ورفض الأبناء يقول في مقدمته ( من كان مرباه بالعسف سطابه القهر وضيق النفس انبساطها وذهب نشاطها ودعا إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما يضمره خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر وعلّمه المكر والخديعةلذلك وربما صارت له هذه عادة وخلقا ) . وفيما يلي بعض الأساليب التي يتبعها الوالدان في التعامل مع أبنائهمامن منظور إسلامي :1. أسلوب القدوة الحسنة : ان القدوة في تربية الطفل من أنجح الوسائل المؤثرة في اعداد الأبناء خلقياً وتكوينهم نفسياً واجتماعياً . ونعني بالقدوةتقليد الأبناء لوالديهم فغريزة التقليد هي فطرية لدى البشر . والقدوة الحسنةانطلقت من خلق الرسول الكريم محمد ( ص ) في الحياة فهو خير قدوة حسنةللمسلمين قال (عز وجل) : )لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِاللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ((سورة الاحزاب ،الآية : 21) . ومرة واحدة من القدوة السيئة تكفي لتدمير بنيان الطفل وانحرافه فعل ىسبيل المثال يكفي ان يجد ابويه يكذبان او يطلبان منه أن يكذب مرة واحدة لتدميرقاعدة الصدق لدى الطفل مدى الحياة . 2.أسلوب الموعظة : إن الوعظ لكي يكون ناجحاً لابد أن يكون وجدانياً أيان يخاطب الروح والقلب قبل ان يخاطب العقل وعلى الوالدين ان ينهجا منهج القرآن الكريم ومنهج الرسول( ص ) والائمة من اهل البيت ( عليهم السلام )فيستمدان اوامرهما ونواهيهما وتوصياتهما بصفة عامة من كتاب الله وسنة رسوله ومنهج الأئمة مناهل البيت ، فالقرآن الكريم مليء بالآيات التي تتخذ أسلوب الوعظ اساساً لمنهج الدعوة وطريقاً إلى الوصول لإصلاح الأفراد . قال تعالى : )وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُيَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ((سورة لقمان ، الآية 13) . وأسلوب القرآن الكريم في الموعظة تضمن الأساليب الآتية :أ. النداء ألاقناعي مصحوباً بالاستعطاف أوالاستنكار .ب. الأسلوب القصصي .جـ. التوجيه القرآني مصحوباً بالوصايا والمواعظ . 3. أسلوب الملاحظة : أي ملاحظة الولد وملازمته في التكوين الديني والاخلاقي ومراقبته وملاحظته في الإعداد النفسي والاجتماعي والسؤال المستمر عن وضعه وحاله في تربيته وتحصيله العلمي . والاسلام بمبادئه الشاملة وانظمته الخالدةحض الآباء والأمهات والمربين جميعاً إلى أن يهتموا بملازمة أبنائهم ومراقبتهم فيكل ناحية من نواحي الحياة وفي كل جانب من جوانب التربية الشاملة ، فان رأى خيراًأكرمه وشجعه عليه وان رأى شراً نهاه عنه وحذره منه وبين له عواقبه الوخيمة ونتائجه الخطيرة . 4. أسلوب الترغيب والترهيب (الثواب والعقاب) : أي ترغيبه في كل ما هو خيروترهيبه في كل ما يزعج ويضايق بطريقة هادئة تتصف بالمرونة والصبر ، وقد يكون الترغيب تشجيعا بابتسامة رضا لعمل يقوم به الطفل الا ان هناك بعض الأطفال نضطرلاستخدام طريقة العقوبة لإصلاحهم الا ان الإسلام جعل العقوبة المربية آخر العلاج ولم يجعل منها غرضاً تربوياً يستخدم بلا قيود ولا حدود فالعقوبة ردع للمخالف . والأب والام اللذان يكثرانمن الأوامر والنواهي والعقاب بأسم التنظيم والنظام والادب والتربية قد يجعلون الطفل عنيداً وعاصياً لأوامرهما ولأوامر المجتمع او قد يجعلانه جباناً شديد الخوفمنزويا ومنطويا على نفسه فهو لا يكاد يؤدي امراً حتى ينتظر آخر ، ويخشى القيام بأيعمل لئلا يكون من الممنوعات ، لذا يجب ان تكون هذه القواعد التنظيمية قليلة جداًما أمكن وبحسب عقلية الطفل فقد يعمل الطفل شيئاً هو طبيعي بالنسبة إلى عمره ولكن والديه يحاسبانه او يعاقبانه قياساً على عقلية وادراك البالغ .5. اسلوب الضبط : والضبط في التربية معناه وضع حدود لكل من الخطأوالصواب وتصحيح الخطأ في حياة الطفل ومحاسبته على ذلك بحزم كما يعتبر الضبط من الحاجات الفطرية في كيان الانسان حيث يحتاجه الطفل للسيطرة على جسمه وبيئته ولايستطيع ذلك الا بالتدريب المستمر ومن هنا تظهر حاجته الى أم تربي فيه ضبط النفس والتحمل والصبر .6 . ويضيف احد الباحثين الاسلاميين أسلوب آخر من أساليب التربيةالإسلامية وهو :أسلوب تفريغ الطاقةوعدم كبتها : وهذه من وسائل الاسلام في تربية الانسان وفي علاجه فتفريغ الشحنات المتجمعة في نفسه وجسمه وروحه وعقله وقلبه وتوجيهها وجهتها الصحيحة لعمل الخير فيسبيل الله بحب الحق وخدمته وكره الباطل وهدمه تترك للطفل فرصة الاختيار واحترام ميوله وتقويمها.
تعليق