بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين
قد حان موعد البحث الثاني في الربا وهو
(حكم الرّبا في الإسلام وفي الدّيانات السّماويّة السّابقة:
إنّ الله سبحانه وتعالى قد أحلّ لنا الطّيبات في هذه الأرض: "يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ". ويقول جلّ جلاله: "وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ" . فالله سبحانه أراد لنا الحياة على هذه الأرض وسخّر لنا ما فيها حتّى نعيش بسعادة, وحتّى نصل بالخير ورضا الله إلى الجنّة, فلذلك كان تحريم الرّبا في كلّ الشّرائع, حتّى قيل إنّ الرّبا والزّنا قد حرّمت في كلّ الشّرائع, ولن تجد شريعة إلّا وقد حرّمت هاتين الكبيرتين لما فيها من خطر كبير على استمرار الحياة سعادة البشر ففي الدّيانة اليهوديّة, جاء تحريم الرّبا في التّوراة. ففي الإصحاح الثّاني والعشرين من سفر الخروج: " إن أقرضت فضّة لشعبي الفقير الّذي عندك فلا تكن له كالمرابي ولا تضعوا عليه الرّبا" . وجاء أيضاً في سفر التّثنية الإصحاح الثّالث والعشرين : " لا تقرض أخاك بربا, ربا فضّة, أو ربا طعام, أو ربا شيء مما يقرض بالرّبا" .
إمّا في الدّيانة المسيحيّة فقد وضعت عقوبات شديدة لأولئك الّذين يتعاملون بالرّبا: فبالإضافة إلى إلزامهم بردّ الرّبا, فقد اعتبر المرابي كالمرتد, يحرم من الدّفن الدّيني هو ومن ساعده .
وقد أكّد القرآن هذا التّحريم عند اليهود والنّصارى بقوله تعالى: "فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً" .
وفي الإسلام جاء تحريم الرّبا في آيات كثيرة من سور القرآن الكريم, قال تعالى: "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"
وجاء في تفسير الآية: " إنّ آكل الرّبا يُبعث يوم القيامة مثل المصروع الّذي لا يستطيع الحركة الصّحيحة, لأنّ الرّبا ربا في بطونهم حتى أثقلهم, فلا يقدرون على الإسراع" .
ويقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ", وجاء في تفسيرها: " إنّ حرب الله النّار, وحرب رسوله السّيف. وقيل إنّ معنى هذه المحاربة المبالفة في الوعيد والتّهديد, دون نفس الحرب. وقيل بل المراد نفس الحرب .
فالرّبا "محاربة سافرة لله ولرسوله, إذا كان بغياً على عباد الله الفقراء, وتحكّماً في أرزاقهم, وإفساداً لحياتهم, وتضييعاً لهم, إنّه قتل جماعي للفقراء والمستضعفين في المجتمع, ولهذا تولّى سبحانه وتعالى الدّفاع عن هؤلاء الضّعفاء, والإنتقام لهم ممن ظلموهم"
وقال تعالى: "وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ". وجاء في التّفسير: " وما أعطيتم أكلة الرّبا ليربو في أموالهم فلا يربو عند الله, أي لا يزكو عند الله ولا يبارك فيه. وما أعطيتم من صدقة تبتغون بها وجه الله خالصاً لا تطلبون به مكافأة ولا رياء ولا سمعة فهذا الّذي يضاعف الله حسناته" .
وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" .
أمّا في الحديث النّبويّ الشّريف, فهناك أحاديث كثيرة تحذّر من الرّبا, وتبيّن حرمته في الإسلام:
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لعن الله آكل الرّبا وموكله وشاهديه وكاتبه". فكلّ من دخل ضمن صفقة الرّبا فهو ملعون, وليس آخذ الرّبا فقط إنّما الّذي وافق على إعطاء الرّبا, والّذي شهد على العقد, والّذي كتبه أيضاً.
وعن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " درهم ربا يأكله الرّجل وهو يعلم, أشدّ من ستة وثلاثين زنية"
وسوف ياتي البحث الثالث في الربا ان شاء الله تعالى